رقصت في الفضاء نفسي حتى أوشكت من يديّ أن تتبدّد (التجاني يوسف بشير) كان زادي شريط فيديو قديم، بعضه متآكل، وحفلتين في أغسطس سميتهما "قمرين في أغسطس". حين شاهدت الفنانة حنان بلوبلو، عياناً بياناً، بدا الرقص تفكيكاً للذات كي تفوح منها الروح بينما بدا الإيقاع "بَـكـَرة خيط من النور" ـ على حد تعبير كزانتـزاكيس ـ تجاهد الراقصة "كي تبسطه في تيه الجسد" وبدلاً من ترديد قول المتنبئ: للهو آونة تمرّ كأنها قـُبَلٌ يوجّهها حبيبٌ راحل قلت: للرقص آونة تمرّ كأنها قـُبَلٌ يوجّهها حبيبٌ راحل لكنني أراها، أيضاً، "جوه الاهتزازه تبقى طبيعهْ تَانْيَه بي مطرا ورذاذا" أراها "ترفضُّ" كما يقول المجذوب في قصيدة "المولد" و"تترقطْ" كما يقول اللسان الشعبي. تتحرك أُفقياً كأنها قلم، يخط على عجل، ملحمة بلغة تتعانق حروفها على فضاء لا يحتفظ بها إلاّ "في البرهة القليلة".. ثم أراها "تنهَرِدْ في دورة الايقاع وتتألّـق عُيُونَا"..
أميّز في رقصها اندفاعات تميل فيها الى الوراء قليلاً ويبدو الجسد الراقص كالسابح على قفاه، وتبدو الفنانة ـ الراقصة كأنها تنزع عنها سلسلتها الفقريّة ونخاعها الشوكي كي تشرع في الذوبان.
في طقسها المفتوح كل شئ يبدو محتملاً: طفلة تعدو خلف طائرة ورقيّة، أطياف غزلان تتقافز بين وهاد، طفل على ارجوحة، رياضة قفز بالحبل، إلى أن تأتي نوبات التموّج فيصعد الصدر ويهبط وينتقل الرقص من الحركة الأفقيّة "بالطول والعرض" إلى الحركة الرأسية، أو يجمعهما معاً، فتبدو الراقصة في احدى انفلاتاتها وكأنها تبدع مدارات، كأنها تضع نقاطاً وهميّة ثم تصل بينها رقصاً فيما يشكل تكويناً كنتوريّاً للرشاقة، تتخفـّـف الأكتاف عليه من عبء الدنيا، متهدّلة، تمحو آثار شكلها السابق متناسب الأضلاع، في حركة لولبيّة تمنحنا في ختامها "فضلة خير الرقص" شبّالاً للجميع.. مما يدفع لإحياء الإعتقاد القديم بأن الرقص أصلاً هو محاولة للطيران أو أنه ولـَهَ الإنسان بالأجنحة, الراقصة ـ المغنية، وهي تنتقل بين المكروكوزم والماكروكوزم، بين كتلة الأنا وفضائها الرحب، تضبط الإيقاع بأصابعها وبكفـّـيها وبعينيها وبعنقها وبكتفيها وبقدميها وربما بقلبها، فيتوازى إيقاعان: إيقاع الجسد وإيقاع الموسيقى، وتبدو الراقصة وكأنها تتهيأ لتقفز في أتون لجّة من الموسيقى. سيد أحمد بلال أديب سودانى مقيم ببريطانيا
نقلاً عن الطريق مجلة رابطة الديمقراطيين السودانيين بألمانيا
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة