|
الطاهر بن جلون العنصرية كما شرحتها لابنتي
|
هذه اسئلة بريئة عن العنصرية واسبابها واجابات تحاول تشكيل رؤية عن هذا العالم المظلم في عقل الاطفال طرحها الكاتب المغربي الشهير الطاهر بن جلون في كتابه الرائع الذي كتب فيه -1- عند ذهابي للتظاهر برفقة ابنتي يوم 22 شباط (فبراير) 1997، ضد مشروع قانون «دوبريه» بشأن دخول واقامة الاجانب في فرنسا، جاءتني فكرة كتابة هذا النص. لقد طرحت عليّ ابنتي البالغة من العمر عشر سنوات، الكثير من الأسئلة، أرادت ان تعرف لماذا نتظاهر، وما هو معنى بعض الشعارات المعروفة، واذا كان التظاهر والاشتراك في مسيرة احتجاج في الشارع يفيد بشيء الخ... وهكذا وصلنا الى الحديث عن العنصرية. وبتذكري تلك التساؤلات والاستجوابات والتأملات، كتبت هذا النص... للوهلة الأولى قرأنا معاً ـ أنا وابنتي ـ النص. وقمت باعادة كتابته كلياً تقريباً اضطررت الى تغيير بعض المفردات والكلمات المعقدة وتوضيح أو شرح بعض المفاهيم الصعبة. تمت قراءة اخرى للنص بحضور اثنين من صديقاتها. كانت ردود أفعالهن مفيدة ومهمة، وقد أخذتها بعين الاعتبار في الصيغ التي كتبتها لاحقاً. لقد أعدت كتابة هذا النص خمس عشرة مرة على الأقل، وذلك للحاجة لوضوح أكبر وللبساطة وللموضوعية. كنت أود ان يكون في متسع الجميع ان يفهموه حتى لو كنت أوجهه أولاً للأطفال بين الثامنة والرابعة عشرة من العمر. يمكن لأهاليهم ان يقرأوه أيضاً. انطلقت من مبدأ ان مكافحة أو محاربة العنصرية تبدأ بالتعليم، يمكننا ان نعلم الأطفال وليس البالغين، لهذا السبب تم التفكير بهذا النص وصياغته ضمن شاغل بيداجوجي ـ تربوي. أود أن أشكر الأصدقاء الذين كان من لطفهم ان قدموا لي ملاحظاتهم، وشكراً لأصدقاء مريم الذين شاركوا في اعداد الأسئلة. نص الحوار
< قل لي يا أبي، ما هي العنصرية؟ < العنصرية سلوك شائع كثيراً، وهو أمر مشترك في كل المجتمعات، وأصبح للأسف، أمراً عادياً ومبتذلاً في بعض البلدان حيث يمكن ان يحدث ذلك من دون ان ننتبه اليه أو نشعر به. وقوامه الارتياب، بل وحتى احتقار أشخاص يمتلكون صفات وميزات جسمانية وفيزيائية وثقافية مختلفة عما نمتلكه نحن. < عندما تقول «مشتركة» تعني بذلك عادية؟ < كلا، فليس السلوك الشائع يعني بالضروري انه عادي أو طبيعي. فبصورة عامة إن الإنسان ميال الى الشك والإرتياب تجاه شخص مختلف عنه، غريب مثلاً، وهذا سلوك قديم قِدَم الكائن البشري نفسه، وهو سلوك عالمي، ويمس الجميع. < اذا كان هذا ينطبق على الجميع يمكنني ان أكون عنصرية أيضاً؟ < أولاً، ينبغي القول ان الطبيعة الفطرية أو العفوية للأطفال ليست عنصرية فالطفل لا يولد عنصرياً اذا لم يضع أهله أو أصدقاؤه والقريبون منه، في رأسه أفكاراً عنصرية، فلا يوجد هناك سبب يجعله يتحول الى عنصري. فعلى سبيل المثال اذا جعلوك تعتقدين ان من هم ذو بشرة بيضاء متفوقون على من هم ذو بشرة سوداء، واذا أخذت بمحمل الجد هذه المعلومة، يمكن ان يكون لديك سلوك عنصري تجاه السود. < ماذا يعني ان تكون متفوقاً أو فوقياً ومتعالياً؟ < هو الاعتقاد مثلاً، اننا اذا كنا ذوي بشرة بيضاء، فنحن أكثر ذكاء ممن لهم بشرة من لون آخر، أسود أو أصفر. بعبارة اخرى ان الملامح الفيزيائية للجسم البشري التي تميزنا الواحد عن الآخر لا تنطوي على أية عدم مساواة. < هل تعتقد انني يمكن ان أصبح عنصرية؟ < ان تصبحي، هذا ممكن، يعتمد ذلك على التربية والتعليم الذي تتلقينه من الأفضل ان تعرفي ذلك وتمنعي حدوثه، بعبارة اخرى قبول فكرة ان كل طفل وكل بالغ قادر، في يوم ما، ان يمتلك شعور وسلوك الرفض تجاه شخص لم يفعل له شيئاً الا انه مختلف عنه. وهذا يحدث غالباً. فكل واحد منا يمكن ان يبدر منه، يوماً ما، فعل قبيح أو سلوك سيئ. ان نكون منزعجين من كائن غير مألوف لدينا ونعتقد اننا أفضل منه، ويتكون لدينا شعور بالفوقية أو الدونية تجاهه، نرفضه كجار، ولا نريده كشقيق، لا لشيء الا لأنه مختلف عنا. < مختلف؟ < الإختلاف هو النقيض للتشابه، النقيض لما هو متطابق، أول اختلاف ظاهر هو الجنس، الرجل يشعر انه مختلف عن المرأة، والعكس صحيح. وعندما يوجد مثل هذا الإختلاف يوجد في نفس الوقت انجذاب. في حين ان من نسميه «مختلفا» عنا، هو من يوجد عنده لون بشرة يختلف عنا، ويتكلم لغة اخرى، ويطبخ طعامه بطريقة مختلفة عنا، ولديه عادات وتقاليد اخرى، ودين آخر، وطريقة اخرى للحياة، وإقامة الأعياد والإحتفالات بصورة تختلف عنا الخ...هناك اختلاف يبدو لنا، ويعبر عن نفسه عبر المظاهر الجسدية الفيزيائية (القامة، لون البشرة، ملامح الوجه، الخ)، ثم هناك اختلاف في السلوك والعقلية أو الذهنية والمعتقدات الخ... < اذن العنصري لا يحب اللغات الأخرى أو المطابخ، أو الألوان التي لا تشبه ما عنده؟ < كلا، ليس هذا بالضبط يمكن للعنصري ان يحب ويتعلم لغات اخرى لأنه يحتاجها في عمله أو في تمضية أوقات فراغه وتسليته، ولكن يمكن ان يكون حكماً سلبياً وغير عادل أو ظالم على الشعوب التي تتكلم تلك اللغات الأخرى. ويمكن ان يرفض تأجير غرفة لطالب اجنبي، كأن يكون فيتناميا مثلاً، لكنه يحب ان يأكل في المطاعم الآسيوية، فالعنصري هو من يفكر أو يعتقد ان كل ما هو مختلف كثيراً عنه يهدده في سكينته وهدوء حياته.
|
|
|
|
|
|
|
|
|