گيف طــار يسار الانتفاضة (1985) ثم گما طــار وقـع؟

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-11-2024, 02:11 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2002م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-04-2003, 10:37 AM

sultan
<asultan
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
گيف طــار يسار الانتفاضة (1985) ثم گما طــار وقـع؟

    الرأي العام 4/2/2003


    گيف طــار يسار الانتفاضة (1985) ثم گما طــار وقـع؟


    جدل البئر المعطلة والقصر المشيد في السياسة السودانية


    بقلم/ د. عبد الله علي ابراهيم



    وصف نورمان اندرسون، السفير الامريكي الأسبق في السودان في كتابه المعنون "السودان الممحون: تهافت الديمقراطية" أوضاع السودان بعد مذكرة القوات المسلحة في فبراير 1989 بأنها حبلى بالنذر وتحت رحمة انقلاب عسكري زاحف متلجلج لم يعزم عليه أحد ويتوكل. ومن رأي اندرسون أن الذي ابطأ بهذا الانقلاب علم الضباط الصغار الطموحين، مِنْ مَنْ يأبهون بموقف الولايات المتحدة، ان امريكا لم ترغب في تغيير الحكومة بالقوة. وسبق أندرسون الى هذا الوصف كثيرون منهم العبد الفقير حين قلت في كلمة لي بجريدة الخرطوم (27 يناير 1989) أن مذكرة القوات المسلحة هي "انقلاب بطيء أو مقدمة لانقلاب." ولذا كانت معاودة لوم الاسلاميين على اقتراف انقلاب 1989 جهداً ضائعاً أو هو أشبه بضجر البغرانين او الحاسدين مِنْ مَنْ أبطأ بهم تدبيرهم فسبقهم الاسلاميون الى الميس

    للأمريكيين عبارة دقيقة في تحميل المرء وزر خطأ أو سقطة. فيمكن للمرء أن يقترف الوزر عمداً مثل ان يأمر به أو نتيجة غفلة في التحوط له. وكنت قلت للقارئ إنني سأفحص في كلمتي هذه تبعة الحركة الاسلامية في الانقلاب على النظام الديقراطي في 1989. وقلت إنه من ما لا يسمن ولايغني من جوع، بعد نحو ثلث قرن من وقوع القدر، أن نتهمها في خلقها السياسي ونستنزل علىها الإدانة. فقد فرغنا من هذا في ما أعتقد والعودة اليه نوع اجترار البغر أو الحسد وهو من عطالة الفكر وبؤس النظر. وبدا لي أنه لنحسن فهم واقعة الانقلاب صح أن نفحص تبعة من لم يقوموا به من جهة غفلتهم في التحوط له وسد المنافذ علىه. وسأختص بالحديث عن اقتراف الانقلاب عن غفلة وإهمال جماعة اليساريين الشماليين من غير الحزب الشيوعي. وهم اليسار الذي صعد الى حيز التأثير السياسي على النطاق الوطني بإستقلال عن الحزب الشيوعي بعد الانتفاضة في 1985 وبفضلها. ثم خفت موازين هذا اليسار شيئاً فشيئاً والانتفاضة لا تزال طفلاً حين تنازع السلطة مع المجلس العسكري الانقلابي اللدود الحازم. وما كادت تسفر الانتخابات حتى انكشفت قلة خطر هذا اليسار وانطبق علىه قولهم ما طار طير وارتفع الا كما طار وقع

    وقد سميت هذه الجماعة في كلمتي هذه باليسار الجامعي مرة لانه تمركز في الجامعات من طلاب أو اساتذة. وسميتهم بشمالي الحركة الشعبية في عبارة مما جاء به ضياء الدين بلال. وقد أعجبني وصف السيد محمد هارون كافي لهم بأنهم "اليسار جزافاً" التي هي الى التوبيخ أقرب منها الى الوصف. ولو عاد الزمان القهقري الى أيام وثوقنا الجبار بمصطلح الماركسية لسميتهم البرجوازيين الصغار بلا مواربة، وكانت ياعرب. والشيء بالشيء يذكر. فقد كان استقلال اليساريين البرجوازيين الصغار بالعمل السياسي باستقلال عن الحزب الشيوعي مما انتبه له الحزب الشيوعي بعد ثورة اكتوبر واعتقد انه نسب بعض ما اصاب الثورة من نكسة الى قصورهم وضعف يقينهم. ثم تسارع استقلال هذه الفئة في العمل السياسي عن الشيوعيين (أو الطبقة العاملة بالأحري) بقيام انقلاب 25 مايو1969. وقد يذكر الجيل كيف وصف الشيوعيون الانقلاب بانه من اقتراف البرجوازية الصغيرة التي ستكبد، لفرط طيشها وقلة حيلتها، القوى الثورية الالآم وتجرعها الغصص

    ويقع نقدي لليسار الجزافي من جهة مسؤوليته عن قيام انقلاب 1989 اهمالاً في سياق مبحثي عن المحنة الفكرية لأحزابنا التي استعنت فيها بقوله تعالى "بئر معطلة وقصر مشيد." فقد اعتقدت ان ما يأخذ بخناق أحزابنا ليس علة سياسية وتفوت من مثل غياب الديقراطية فنحلها بعقد المؤتمرات وتمكين الديقراطية أو إحالة الزعماء القابضين الى المعاش واستصفاء الشباب محلهم لأن روائح الجنة في الشباب. وهذه للأسف اكثر الخطط التي يتفاءل بها المجتمع السياسي لاستنقاذ الأحزاب. وهي، عندي، من قبض الريح. فمرض أحزابنا عاول أي قديم وهو ناشيء من أن اعمارها الافتراضية قد انتهت وهي لا تزال معروضة في فترينات السوق السياسي. وقد وصفتها بأنها في حال "تخثر" استناداً على كلمة لأنطينونو قرامشي قال فيها إن التخثر من امراض التفاصيل (وهي الهامش بين مواسم الطبيعة في لغتنا) حين يفسد القديم حتى النخاع بينما لم يتيسر للجديد بعد أن يولد. وأكبر محن هذه الاحزاب في أصيلها أن ينابيعها الأصل قد جفت بتغير الزمان، أو هي جففتها من غير حتى ان تدرك ذلك. ولو هي ادركت لقصرت همتها عن التجديد وتثاقلت عنه. ولذا قلت انها مما انطبق علىه قول العزير القوى عن القصور المشيدة المتطاولة في حين جفت بئرها التي استقت من مائها اول مرة

    وسأنظر لجفاف بئر اليسار الجزافي من وجوه أربع

    (1) إن ذلك اليسار جاء الى ساحة السياسة التي كان شاغلها الحرب والسلام بنظرة غاية في السلبية للقوات المسلحة موروثة من صرع الملكيين ضد الجهاديين حراس النظم العسكرية التي طال مداها في السودان. وفي أصول هذه السلبية فنطازية له قديمة في شن حرب تحررية ضد القوات المسلحة وكسر شوكتها. ولما لم يجدد هذا اليسار موروثه في ضوء وقائع الحرب الاهلية المستجدة تحول الى طاقة سلبية في احسن تقدير وخلا وفاض من أجندة ملهمة للناس بشأن المستقبل. واليسار الذي يدلهم علىه المستقبل لهو من الخاسرين

    (2) اتبع اليسار الجزافي منهجاً للسلام خلا من مرجعية الديمقراطية او مسطرتها. بمعنى آخر لم يحكم على المواقف من حيث مبدئية التزامها بالديمقراطية التي تحققت بثمن فادح. فقد كان في نفس ذلك اليسار شيء من حتى الديمقراطية الليبرالية وكان هواه مع الديمقراطية الجديدة المبهمة التي أورتنا نجوم القائلة في ظل تحالف الشعب العامل لنظام مايو. وانتهى هذا اليسار لكراهيته الديمقراطية الليبرالية الى مشايعة الحركة الشعبية. وعاد يبكي تلك الديمقراطية بالدموع الغزار حين أضحت في خبر كان بعد يونيو 1989 ولا يزال ذلك اليسار يبكيها هامشاً بعد هامش

    (3) ولما غابت عن اليسار الجزافي هذه الآفاق المبتكرة قاد جمهوره في النقابات في حملة نقابية مطلبية بلا اعراف أو رشد هدت قماشة الديقراطية

    (4) واتبع ذلك بإدارة حملة ثقافية سماها كشف مستور الثقافة العربسلامية من رق وتعصب ديني. ومن اسف انه انحدر بها الى الفتنة القومية واثارة الضغائن يتحيل بها الى نصرة فريق سياسي دون فريق

    جاءت هذه الجماعة اليسارية الى ساحة الحرب والسلام بطاقة سلبية. ونقول بهذه الطاقة السلبية طلباً للتلطيف لأن الاسلاميين كانوا قد رموهم بالخيانة للوطن والتخذيل للقوات المسلحة . فهي لم تعتبر القوات المسلحة كطرف لا مهرب منه في دراما السلام او تراجيدياه. وفي واقع الأمر كانت هذه الجماعة اليسارية، التي اتحدت بعروة الزمالة الوثقى مع رفاق الحركة لهم في الحركة الشعبية، تتمنى خيبة القوات المسلحة. فلهذه الجماعة خصومة تاريخية مع القوات المسلحة من جهة انها بؤرة الانقلابات العسكرية وحاضنة "حكم الديش" الذي ذاقت منه الأمرين. وكنت في تلك الأيام قريبا جداً من نفر من هؤلاء اليساريين الأكاديميين وسقط الشيوعيين ولم اسمع منهم كلمة رأفة واحدة عن القوات المسلحة. وكان من أسذج ما سمعت عنهم أن حرب الجنوب هي وسيلة اخرى للضباط العظام للإثراء عن طريق التجارة في أخشاب الجنوب من المهوقني وما اشبه. وكانوا يتفرقون عني إذا ما جاءت الساعة الثالثة ظهراً لتلقي جرعتهم المنشطة اليومية من أخبار الحركة الشعبية وزحف جيش التحرير الباسل. وقد استمعت من بعضهم الى سناريوهاتهم عن كيف سيفتح ذلك الجيش الخرطوم بعد احتلاله للكرمك في 1988. فقد رتبوا في ذهنهم أن تكون المدينة الموعودة بالتحرير بعد الكرمك هي الدمازين التي بها غماز كهرباء الخرطوم ومن سيطر علىه أدار العاصمة ولعب بها القردية من بعد

    وكانت تخالطني آنذاك أيضاً قناعة أنه بينما كان الاسلاميون يضيقون واسع السلام بالنظر الى ثوابتهم كان الانتفاضيون سلاميين للنخاع بغير بصر او عناية بان أكثر هذا السلام مما يتحقق في توازن القوة في ساحة الحرب. وهذا بعض ما أخذته علىهم بقولي انهم قد فشلوا في اصطحاب حقائق الحرب في الميدان العسكري الى طاولة مفاوضاتهم للسلام. وقد حال دون الانتفاضيين ودون علم الحرب ان القوات المسلحة، كمؤسسة لا كمجال سياسي لتفريخ الانقلابيين، لم تكن بعض همهم. فقد عاملوها كمتطفل كبير على السياسة تخوض فيما لاتحسنه ويتولى عنها الحكم من كان "طيش" المدرسة في يوم غير بعيد. وعمقوا ثنائية "جهادية" و"ملكية" وظلت دعواهم "الى الثكنات يا عساكر" آناء كل حكم عسكري. وقد لاقوا "حكم الديش" مرتين وهزموه بعد مصابرة وتضحيات. وقد خرج الملكيون من انتفاضتهم الأخيرة في ابريل 1985 بغصة حين امسك المجلس العسكري، الذي أزاح نميري استجابة لرغبة الشعب، بزمام الامر وتجانب مجلس الوزراء والتجمع الوطني لانقاذ الوطن حيث تركزت قوى الانتفاضيين. وزاد من طين بئر اليسار الجزافي جفافاً أنه تمسك بعلم قديم عن مسألة الجنوب وهو أنها حرب بين القوات المسلحة، التي تظلمهم في الشمال وتستأثر بالسلطة دون المدنيين، وبين حركة المقاومة الجنوبية. وغاب عن أفق هذه القوى أن الحرب الاهلية قد تمددت في الثمانينات، بفضل استئثار النيليون من دينكا وغيرهم المتاخمون للشمال بقيادة "التمرد"، من مواقعها القصية في مديرية الاستوائية الى تخوم الشمال في ما عرف بـ "مناطق التماس" بين الجنوبيين والشماليين. وصحت بذلك ملاحظة الدكتور عبدالوهاب الأفندي أن هذا التمدد أدخل في لجة الحرب لأول مرة قطاعات من الشماليين ممن تأثر معاشهم وهجراتهم له في مناطق التماس بنشاط الحركة الشعبية المناصر لجمهورها وأهلها. وبذا لم تعد الحرب سجالا بين الجيش والتمرد بل ساحة نتقت الى اوراها نتقاً قوى شمالية استثمرت في الحرب لا بدافع الوطنية العامة بل بدافع مصلحة واقعية معاشية معلومة. وقد هدفت الى هذا المعنى في كلمة لي نشرتها أخيراً في كتابي الديمقراطية والثقافة في السودان (1994) عن الدفاع الشعبي خلصت فيها الى أن جماعات مثل المراحيل ليست "مرتزقة" للحكومة بل هي فرق مسلحة تقليدية ذات اسماء مختلفة موكول لها الدفاع عن "القبيلة" متى احدق بها خطر. وان الذي بينها وبين الحكومة المركزية، التي تقصر يدها عن ضبط البلد الواسع، هو تحالف ضد خصم مشترك. وقلت إن مثل هذا التحالف بين حكومة الخرطوم والعسكرية القبائلية هو سنة ادارية تاريخية معروفة منذ نشأة الدولة في السودان. وقلت إن تسمية هذه القوى العسكرية القبلية بـ "المليشيا" ربما أوهم الصفوة، المنبتة عن العلم بسيرة أهلها في البوادي، أن هذه القوى نبت شيطاني قطعته الحكومة الحالية او التي سبقتها من رأسها

    لقد عمى قياديو اليسار الجزافي عن هذا التطور في قوى الحرب الاهلية لاستصحابه في تكتيكاتهم حرباً او سلماً. فقد نقلت الحركة او الفرق المسلحة التي سبقتها الحرب منذ وقت باكر الى مواقع يرتادها المدنيون مثل هجومها على مساجد صلاة او عربات تجارية في الجنوب. ثم تفاقم الأمر بعد الانتفاضة. فقد هاجمت الحركة كلاً من القردود بجبال النوبة (أغسطس 1985) وود كونة جنوب كوستي وتركت ضحايا من خلفها. وأثار العدوانان ثائرة الأهالي واحتج أبناء جنوب كردفان والنيل الابيض بموكبين للقوات المسلحة يسألونها الجدية في الدفاع عنهم ويعرضون الانخراط في الدفاع الشعبي عن عرضهم وأرضهم. وربما كانت تلك المناسبة هي الاولى التي يسلح الجيش فيها بعض قبائل التماس اعترافاً منه بقصوره عن حمايتهم. وهكذا دفعت الحركة طائفة من الشماليين المدنيين دفعاً الى ساحة الوغى بتوسيع معركتها حتى تجاوزت الجيش الى المدنيين. وتمثل ذلك ايضاً لاحقاً في اسقاط طائرة الخطوط الجوية السودانية بجهة ملكال في أغسطس 1986. وقد تسربت الحرب الى المدنيين بوسائط شتى من ابرزها حفل التأبين الحاشد الذي اقامه اهالي مدينة بري للعقيد حمدين وكنت ضمن حضوره في جمهور من العسكريين شاك اللبس الرسمي وجيران وأهل المرحوم الذين علموا بموته نطحاً وشهامة عند سماء الناصر حين لم توفر له الدولة المعينات. وكتب الصديق الدكتور سيد حامد حريز في الصحف يرثي بغضب لم يؤثر عنه حمدين "ود الحلة" الخلوق

    وبينما غض قادة الانتفاضة من اليساريين ومن لف لفهم النظر عن دخول مدنيين شماليين دائرة الحرب كطرف أصيل تبنت الحركة الاسلامية البوادر الاولى لشكاواهم وردود فعلهم وعبأتهم في سكة الثقة بالقوات المسلحة ودعمها. وسيروا موكب امان السودان في 21 سبتمبر 1958 وهو الموكب الذي رجح كفة المرشحين الاسلاميين باتحاد جامعة الخرطوم بليل. وتمثل التمدد المدني للحرب في حشد الاسلاميين لكادرهم الاعلامي مِنْ مَنْ أحسنوا تأهيله في الولايات المتحدة في الصحافة والتلفزيون لتغطية جهاد القوات المسلحة وبذلها الذي كان يبلغ العامة حتى ذلك الوقت في شكل بيانات مقتضبة من الناطق الرسمي للقوات أو في عبارات حماسية من ركن الجيش الذي قل مستمعوه بين المدنيين. "وساحات الفداء" المعروف قد بدأ البث في تلك الأيام لنصرة القوات المسلحة التي كانت تخوض حرباً لا صدى لها في وطن مشغول بالسعي الى السلم كيفما اتفق

    ومن الجانب الآخر فقد تداعى الى ساحة الحركة الشعبية شماليون بالمعنى العريض. وهو اقبال على تبني الوجع الجنوبي لم تحظ به حركات "التمرد" السابقة. وهذا الرعيل هو شماليو الحركة أو اليسار الجزافي كما جرت عبارتنا هنا. فقبل نشأة الحركة في 1983 لم يتجاوز دنو الشماليين من ساحة الاداء الجنوب السياسي نقدهم للحكومة القائمة بسوء معالجة المسألة الجنوبية. أما بعد قيام الحركة الشعبية فقد تداعى شماليون كثيرون للانضواء في التنظيم القائم بمسألة الجنوب نفسه. فمنهم من انضوى فيه عضواً عاملاً ومنهم من تشيع له جداً. وجاء من انخرط في عضويته من مناطق التماس في جبال النوبة والنيل الأزرق أو من اليسار الاكاديمي أو من سقط الحزب الشيوعي. فقد انجذب ابناء منطقة التماس للحركة الشعبية لانهم لمسوا أن مظالمهم مما اعتبرته الحركة حين لم تقصر الغبن على الجنوبيين. واستبشر ابناء اقاليم التماس وغير التماس مثل بعض أبناء البجة حين وجدوا الحركة تدمج مظالمهم في سياق كدحها لبناء سودان جديد. أما اليساريون فقد اعجبهم من الحركة أمرين. أولهما أنها لم تدع كسابقاتها في الجنوب "المتمرد" الى الانفصال الذي يضعف حجة اليساريين في نشدان الدولة العلمانية. والمعروف أن أقوى حيثيات هؤلاء اليساريين لانشاء هذه الدولة هو ان السودان خليط ثقافات وأديان ولا سبيل لجمعه على صعيد واحد الا بفصل الدين عن السياسة. أما الامر الثاني الذي أعجب اليسار في الحركة فهو انها قامت على سنة اليسار الماركسية وأوت الى نظام منقستو في أثيوبيا الذي أفحش في زعم الشيوعية حتى اقام النصب لماركس وصحبه الأماجد في قلب اديس أبابا بغير واعز. وحين سقط المستبد وهرب طلباً لنجاة روحه الحلوة ترك أصنامه نهباً لعامة الاثيوبيين تخلعهم عن علىائهم وتطأهم بأقدامها المشققة. وقد أعشى وهج الماركسية الأثيوبي القرنقي نفراً من الشيوعيين وطلبوها في غير حزبهم العتيد. ومن اراد الاستزادة في هذا الأمر فعلىه أن يطالع مذكرة القمندان ياسر عرمان الى الحزب الشيوعي في وقت ما في اوائل الثمانينات يأخذ فيها علىه سوء تقديره لمنزلة الحركة الشعبية ومآلاتها في استنقاذ السودان من محنته. وقد راجعه الحزب في هذا الشأن. والواضح أن ياسراً لم يقبل بالمراجعة واختار "جيش التحرير" كما جاء عن جميلة بوحريد الجزائرية في أغنية مشهورة للكابلي

    على ما ذاع عن مشايعة الحزب الشيوعي للحركة الشعبية وخذلان القوات المسلحة الا أن هذا الزعم لن يصمد أمام البينات. فقد تقدم الحزب بمبادرة سلام في يونيو 1987 أكد فيها على وطنية القوات المسلحة واستنكر استهدافها. وقال إن مثل هذا الاستهداف "يمثل قصر نظر لا يغتفر ويتنافى مع الوطنية السودانية". وواصل الحزب قائلاً إن الحاجة الى جيش وطني واحد متماسك للدفاع عن الوطن ماثلة طالما كان السودان الموحد هو هدف الجميع. وقد اشاد الدكتور محمد نوري الامين بهذا الجانب من مبادرة الشيوعيين في عمود له بجريدة الصحافة. كما رحب الحزب الشيوعي في آخر نوفمبر 1978 باعلان التعبئة العامة لدعم القوات المسلحة واسترداد الكرمك من قوات الجيش الشعبي وطلب من السودان واثيوبيا الكف عن استخدام اراضيهما للأعمال العدائية ضد واحدهما الآخر. واعتبر ان انجاز هذه التعبئة هو خطوة أولى في طريق عقد المؤتمر الدستوري. وأذكر ان الشيوعيين حملوا الى الحكومة تبرعاً نقدياً مساهمة منهم في هذه التعبئة. وكان الحزب دائماً ما ينعى على الحركة تعثر تحولها من جماعة مسلحة الى حزب سياسي مقاتل. فقد قال السيد محمد ابراهيم نقد إنه يرى الحركة الشعبية نتاجاً من نتاجات الحرب وليس أكثر من ذلك. وهذا قريب من القول انها جزء من المشكلة وليست جزءاً من الحل. وأدان الحركة لاسقاطها طائرة الخطوط الجوية فوق ملكال وانتقالها بآلة الحرب الى القرى الآمنة. وشدد في حديثه على دعم القوات المسلحة لانه لا أحد يريد لها الهزيمة أو التمزيق. وواصل الحزب موقفه المبدئي هذا من القوات المسلحة في 29/1/1989 في تصريح للمرحوم عزالدين على عامر، النائب البرلماني عن الشيوعيين، اشاد فيه ببيان لوزير الدفاع في الجمعية التأسيسية بعد اخلاء القوات المسلحة لمدينة الناصر. وقال إن أية هزيمة مادية او معنوية تتنافى مع الالتزام الوطني

    إن ما تسرب للناس من زعم عن مناصرة الشيوعيين العمياء للحركة وخذلان القوات المسلحة ربما تأسس على وقوفهم بغير مواربة او تمييز للدفاع عن جماعات وافراد في اليسار الجزافي. وكان هؤلاء الافراد او الجماعات قد تعرضوا لمساءلة الدولة من جراء ودهم الشديد او عضويتهم في الحركة الشعبية من امثال الدكتور عشاري أحمد محمود وأهل ندوة أمبو التي التقى فيها نفر من اليسار غير الشيوعي مع ممثلين للحركة الشعبية. وفي حين أساء الناس، أو حملوا على ذلك بفضل إعلام الاسلاميين القوى، فهم موقف الحزب الشيوعي القومي حيال القوات المسلحة لم يكسب الحزب أرضاً بين اليسار الجزافي الذي رأى فيه حزباً شمالياً آخر لا غير لا يحس حسس الجنوبيين الحق ويتهافت لارضاء القوات المسلحة ويحمل دعمه المالي الى بوابات القيادة العامة. ويبدو أن الحزب الشيوعي قد جامل اليسار الجزافي جداً في شأن دقيق صحت فيه المؤازرة مع المؤاخذة الواضحة. فلم نعرف قبل نشر لام أكول لكتابه أن الحزب اعترض على قيام ندوة أمبو وأهمل رسالة من اكول تدعوه لحضورها. واحتمل الحزب من حادثة الندوة صنوف الأذى فعل الذي يشيل فوق الدبر ما بميل. وأضاع الحزب سابقته في اعتزال أمبو سمبلة

    وسنغطي أبواب محنة اليسار الجزافي الأخري التي ورطتهم في ارتكاب انقلاب 1989 من جهة عدم التحوط له في كلمة قادمة ان شاء الله




    هامش
    كنت قد تمنيت في كلمة لي سبقت ان نلقي مداخلة الاستاذ شوقي، طالب معهد المعلمين العالي، في الندوة المشهورة في 1965 التي ادت الى حل الحزب الشيوعي. وقد اسعدني أن اطالع نصاً لتلك الكلمة في كتاب عن خفايا حل حزب الشيوعيين بقلم الباحث المحنك الشجاع الاستاذ صديق البادي، حياه الله. وواضح من النص أن الاستاذة سعاد الفاتح لم تصبر على شوقي حتى يكمل عبارته، فأخرسته، واجلسته حسيراً ملوما. ويبدو اننا كلنا قد حاكمنا الرجل، والحزب الشيوعي بالنتيجة، بعبارة لم يبلغ قائلها بها نهاية الشوط حتى نعرف خيره من شره


    ======



    Sudan for all the Sudanese ..السودان لكل السودانيين

    (عدل بواسطة sultan on 02-04-2003, 10:57 AM)
    (عدل بواسطة sultan on 02-04-2003, 10:59 AM)
    (عدل بواسطة sultan on 02-04-2003, 11:00 AM)









                  

02-04-2003, 11:16 AM

abdel abayazid
<aabdel abayazid
تاريخ التسجيل: 01-20-2003
مجموع المشاركات: 400

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: گيف طــار يسار الانتفاضة (1985) ثم گما طــار وقـع؟ (Re: sultan)


    اعلم ان د.عبدالله علي ابراهيم يطلع علي هذا البورد
    لدي سؤال
    ما هو الغرض من هذا المقال في هذا الوقت والمفاوضات بين
    الحركة والحكومة مستمرة وتحتاج الي دعم لتوصلها الي اتفاق
    دعم من كتاب وصحفيين هل هودفع للمفاوضات وباي شكل ؟ وشكرا
                  

02-05-2003, 07:13 AM

sultan
<asultan
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: گيف طــار يسار الانتفاضة (1985) ثم گما طــار وقـع؟ (Re: abdel abayazid)

    Abayazid,

    I have no idea what the author hoped to accomplish by this piece at this particular time!

    I am sure you are aware that all parties know what they did and when they did it! So, the only audience here is the ordinary reader.

    As far as supporting the negotiations – I wonder how we can hope to do that when the warring parties have relegated most Sudanese to the status of spectator!?



    Sudan for all the Sudanese ..السودان لكل السودانيين
                  

02-18-2003, 01:30 PM

sultan
<asultan
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: گيف طــار يسار الانتفاضة (1985) ثم گما طــار وقـع؟ (Re: sultan)

    الرأي العام 18/2/2003
    =======


    اليسار الجزافي وخطة «أجاد اخوي قرنق»: جدل البئر المعطلة والقصر المشيد في السياسة السودانية


    د. عبد الله علي إبراهيم


    للأمريكيين عبارة دقيقة في تحميل المرء وزر خطأ أو سقطة. فيمكن للمرء أن يقترف الوزر عمداً مثل ان يأمر به أو نتيجة غفلة في التحوط له. وكنت بدأت افحص تبعة الحركة الإسلامية في الانقلاب على النظام الديمقراطي في 1989، وقلت إنه ممن لا يسمن ولا يغني من جوع، بعد نحو ثلث قرن من وقوع القدر، أن نتهمها في خلقها السياسي ونستنزل عليها الإدانة. فقد فرغنا من هذا في ما أعتقد والعودة إليه عطالة الفكر. وبدا لي أنه لنحسن فهم واقعة الانقلاب صح أن نفحص تبعة من لم يقوموا به من جهة غفلتهم في التحوط له وسد المنافذ عليه. وسأختص بالحديث عن اقتراف الانقلاب عن غفلة وإهمال جماعة اليساريين الشماليين من غير الحزب الشيوعي. وهم اليسار الذي صعد إلى حيز التأثير السياسي على النطاق الوطني بإستقلال عن الحزب الشيوعي بعد الانتفاضة في 1985 وبفضلها

    وقد سميت هذه الجماعة «اليسار جزافاً» في وصف سغ لي عن السيد محمد هارون كافي. وقلت إنه لو عاد الزمان القهقرى إلى أيام وثوقنا الجبار بمصطلح الماركسية لسميتهم البرجوازيين الصغار بلا مواربة، وكانت يا رب. وقد وجدت لاحقاً ان الحزب الشيوعي قد وصفهم بالبرجوازيين الصغار في قيادة التجمع في كلمة له في اعقاب اجتماع اللجنة المركزية في وقت ما من 1988، وعقرباً تطقهم

    ويقع نقدي لليسار الجزافي من جهة مسؤوليته عن قيام انقلاب 1989 إهمالا في سياق مبحثي عن المحنة الفكرية لأحزابنا التي استعنت فيها بقوله تعالى «بئر معطلة وقصر مشيد». فأكبر محن هذه الأحزاب في مغرب ايامها أن ينابيعها الأصل قد جفت بتغير الزمان، أو هي جففتها من غير حتى ان تدرك ذلك. ولذا قلت إنها مما انطبق عليه قول العزيز القوي عن القصور المشيدة المتطاولة في حين جفت بئرها التي أستقت من مائها أول مرة

    ونظرت لجفاف بئر اليسار الجزافي في المرة السابقة من تمسكه بتحليل ساذج للقوات المسلحة قائم ادعاء قديم جداً بفضل الملكيين على الجهادية. وانظر في هذا المقال في خطة ذلك اليسار للسلم التي اعتمدت على رحلات ماكوكية غايتها استدراج قرنق إلى الخرطوم وقلب ميزان القوى لصالح الانتفاضة التي ذرتها الرياح. واعتقدت أن هذه خطة ساذجة أخرى من بنات افكار تلك الجماعة وسميتها بخطة "أجاد أخوي قرنق."

    عدت إلى بعض كتاباتي عند أصيل الديمقراطية في محاولة مني لتقويم اضطرار الإسلاميين إلى الانقلاب في يونيو 1989 على النظام الديمقراطي. فانا لا اريد لهذا التقويم أن يكون حكماً على الانقلاب بالأواخر او العواقب. ووجدتني في تلك الكتابات قد اخذت ببعض وجهات الإسلاميين في الحرب والسلام بقوة. فقد انتقدت بغير مواربة الانتفاضيين على بؤس خطتهم في إحلال السلام عبر اصطحاب العقيد قرنق إلى الخرطوم في يوم مشرق بهيج. وكانت يا عرب. ووصفت أسفارهم العديدة لغاية العودة بقرنق بـ «الزحام» عليه حتى لا أقول بـ «التهافت» عليه كما كان يصفها الإسلاميون. ونقدت هؤلاء الانتفاضيين في كلمة لي بجريدة الخرطوم (4 نوفمبر 198. فقد أخذت عليهم تقاطرهم على أديس ابابا وامتناعهم عن ابتدار أية خطة سياسية وأخائية لنجدة ضحايا الحرب الأهلية أو إدخالهم كعنصر في المفاوضات بين قرنق او الحكومة. وعبت على المعارضة الانتفاضية تركها هذا الشأن للغرب، ولا تزال، عملاً بـ «مهمة الرجل الأبيض» التاريخية كرسول للعناية الإلهية. وخلصت من ذلك إلى أن إهمال هذا الجانب من بؤس الحرب افرغ أصحاب مبادرات السلام، التي هواها أديس أبابي أثيوبي، من كل خبرة مباشرة بمرارة الحرب الأهلية. فليس في جعبتهم من الأمر الا إحصائيات للضحايا الذين لا يعرفونهم بسيمائهم. وربما كان علموا لو ولجوا هذا الباب، وفي الوقت المناسب، عن عتو وغلظة العقيد قرنق آنذاك ما انكشف عنه الستار الآن مما كان زهدهم في وضع كل بيض السلام في سلة الرجل. وانتهيت إلى القول بأن المتزاحمين إلى استجلاب قرنق إلى الخرطوم انما يخوضون في امر السلام بغير معرفة بحقول الحرب الشتى وعاهاتها الكثيرة. ولله در زهير ابن ابي سلمى في جاهليته: والحرب ما علمتم وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجم. ومن أسف ان سلام الجنوب لا يزال شأناً قرنقياً بحتاً. فلا سبيل لخصومه وحلفائهم معاً للحديث عن الجنوب بغير بوابة الرجل. فقد جعلوه «سداً» بشرياً دون الجنوبيين حتى بعد ان قيض الله للجنوبيين في محنتهم الطويلة من الحرب عبور سد الحشائش النيلية (الذي حال بين توثيق الصلة بين الشمال والجنوب دهرا طويلاً) والحلول بين ظهرانينا

    وكان تعليق أمر السلم كله على استصحاب العقيد قرنق إلى الخرطوم (وكانت يا عرب) هو الوجه الآخر من الطاقة السلبية التي فشت بين هذه الجماعة اليسارية. وهي حيلة عجز منذ استنها اليساريون وتبعهم فيها باحسان في أوقات لاحقة الوطني الاتحادي. وقد حزنت للإصلاحيين التجديدين من جماعة السيد مبارك الفاضل «يجددون» هذه الذريعة للسلم بوفد بعثوه منذ أيام إلى العقيد قرنق كأنا ناقصون ضوضاء وعرابون لمفاوضات السلام الناشطة. وسميت هذه الحيلة كريكتورياً بـ «ود اختي قرنق» التي استفدتها من كلمة صدرت عن الشيخ الحاج مضوي «يتنبر» بقرنق وحلف حزبه الاتحادي الطويل معه. وقوام هذه الحيلة هي استثمار زمالات ومودات وسابق معارف وتحالفات حقيقية أو مزعومة أو متوهمة مع قرنق، ومع قرنق وحده في الغالب، لاستدراجه ليجنح للسلم في الوقت الذي ناسب الشمالي المتحيل. ولا يحفل الشمالي المغرض إن ناسب الوقت العقيد قرنق مثلاً. وقد لا يرى الصفوي الشمالي المتحيل في هذا الاستدراج مغزى «الغشغشة» الذي يراه الجنوبي الذي امتشق سلاحه لأمر جدي لا مجاملة فيه ولاترضيات أو ارضاءً لخاطر فلان وعلان

    لقد فسدت حيلة «ود أختي قرنق» في استقدام العقيد قرنق إلى الخرطوم. ومن السخرية ان قرنق هو الذي افلح برابطة الجأش والمصابرة في استدراج مستدرجيه لإخلاء الخرطوم والقدوم إليه في اسمرا وغيرها من النواحي على عزيمة الحرب. وإذا صح عزم السيدة سعاد إبراهيم احمد في حديثها لجريدة البيان فالواضح أن العقيد قد نجح في «تجنيس» شماليين للمواطنة في دولته الجنوبية الموعودة. فقد قالت سعاد انه إذا غلب على الشمال الإسلاميون من امثال السيد الطيب مصطفي بعد ذهاب ريح السودان فانها ستطلب اللجوء السياسي إلى دولة قرنق لأنها «رطانية» مثله وستكفل لها الدولة الجديدة انسانية لن تجدها في الشمال. ويقول أهلنا في مثل هذا القول العجيب: «انت ما تشوف سمحة بنات اخوي حسن» او «ماركس بالأحرى»

    وبجانب ما ذكرنا من سذاجة خطة استصحاب قرنق إلى الخرطوم (أو مباراته إلى جوبا مالك عليا)، التي هي باب كبير في الاستعباط السياسي، فان كل الدلائل الحقة تشير إلى ان قرنق لم يستقر في خاطره ابداً السلام الذي كان يغريه به الشماليون المتحيلون. وقد تواترت أخيراً اقرارات جنوبية بأن قرنق خلو من أي وجدان للسلم أو بشارة به. وكان اول من ضاق بذلك هو السيد ما ثيو ابور الذي قال إنه لا يريد لابناء الجنوب أن يموتوا سمبلة من اجل علمانية مطلوبة في الشمال بأوضح من الحال في الجنوب. كما ضاق بعقيدة قرنق الحربية السيد انجلو بيدا الذي قال لجريدة الأيام (7 نوفمبر 1988 ) ان قرنق سيجرجر قدميه للسلام حتى يؤول حكم السودان إلى عسكري وسيجلس إليه قرنق ويحاوره ويفاوضه. ولعل أصرح ما جاء بخصوص امتناع قرنق عن السلام ما جاء في كتاب الدكتور لام اكول «داخل ثورة افريقية». فقد اعترف هذا المفاوض الذرب، الذي تولى التفاوض عن الحركة بين 1988 و1991، بأنه لم يجد في احاديثه إلى العقيد جنوحاً للسلم وانتهى إلى القول إن المفاوضات عند العقيد هي للمفاوضات لا غير

    وتحضرني هنا مناسبة كتبت فيها بجريدة الخرطوم عن ملكة الحركة الشعبية في المساومة في ملابسات نجاة طائرة الفريق عبدالماجد حامد خليل من قذيفة صاروخ في الجنوب بعيد اتفاقية الميرغني وقرنق. وقلت بتفاؤلي بأن هذه الملكة ربما تحسنت بفضل صعود أمثال لام أكول والمرحوم يوسف كوة إلى قيادة الحركة وتوليهم بعض امر المفاوضات فيها. وقد رهنت ذلك بسابقة هذا الرعيل في العمل النقابي والتشريعي في المجتمع المدني وهو ما لم يقع للعسكريين في الحركة من امثال سلفا كير او قرنق نفسه. ولا أعرف إن كان المرحوم كوة قد صادف حسن ظني. أما لام اكول فقد جاء على قاطرة توقعي منه

    ومن اسطع دلائل تخاذل قرنق عن منهج السلم ما ورد عند الدكتور لام اكول في كتابه الأخير في ملابسات التفاوض حول اتفاقية الميرغني- قرنق قبل التوقيع عليها نهائياً في نوفمبر 1988، والمعلوم أن الاتفاقية نصت، ضمن أشياء أخرى، على «تجميد» مواد الحدود الإسلامية حتى يأذن الله بالمؤتمر الدستوري الجامع الذي عليه الاتكال في حسم أمر الدستور والقانون. واجتمع قرنق بلفيف من قادته بعد الفراغ من كتابة مسودة الاتفاق في أكتوبر 1988، وأثار الدكتور جستن ياك أروب اعتراضه على قبول الحركة لتجميد الحدود ورأى ان تصر على إلغائها كما نص على ذلك عهد كوكا دام بين الحركة والانتفاضيين وحزب الأمة في 1986، وطمأن لام اكول الاجتماع إلى سداد هذه المساومة بالنظر إلى ان عهد كوكا دام إبن زمنه وليس من العقل اشتراط ان يكون نص العهد هو ما تعرضه الحركة على كل مفاوض قادم (ولم يكن الميرغني قد وقع على كوكادام) لها تطلب منه القبول به او فض التفاوض. كما نبه إلى أن التجميد في مصطلح القانون في قوة الالغاء سواء بسواء. ولكن من حيث السياسة فاستخدام مصطلح التجميد انسب للاتحادي الديمقراطي وادعى له لقبول المساومة. وعلق لام «انه لابد للمفاوض من الأخذ بوعي وجدية اعتبارات الطرف الآخر لبلوغ اتفاقية تراعي مصالح الطرفين»" وانهى قرنق الاجتماع على هذا التفاؤل بنص الاتفاقية التي جرى التوقيع علىها في نوفمبر. واجازتها الجمعية التاسيسية في أبريل 1989 بعد لأي سياسي طويل في الخرطوم. ثم اردفت الجمعية ذلك بأن امتنعت عن مواصلة مناقشات القانون الجنائي البديل لقوانين سبتمبر 1983، ووضح فيما بعد أن قرنق لم يقبل في نفسه تجميد الحدود واحتفظ لنفسه بحق الاعتراض علىه في وقته المناسب. فقد روى السفير الامريكي الأسبق، دونالد اندرسون، في كتابه السودان الممحون: تهافت الديمقراطية ان قرنق انتهز فرصة نصر عسكري أو آخر على الحكومة في مايو 1989 ليطلب إلغاء الحدود في تشريع يصدر عن الحكومة. وقال اندرسون ان السيد سيداحمد الحسين، وزير الخارجية وعراب اتفاقية الميرغني، شكا له من غلو قرنق الذي طلب ما ليس بوسع الخرطوم عمله. والتمس من اندرسون، السفير الامريكي وقتها، أن تشدد الحكومة على قرنق ان يلتزم بنص اتفاقه مع الميرغني الذي قال بالتجميد لا الالغاء. وكان سيد أحمد قد عاد لتوه من اديس أبابا التي لقي فيها بروداً من الحركة وجفاءً في قول اندرسون. وقد ضغطت الخارجية الأمريكية على قرنق، الذي كان يزور امريكا، للكف عن التشدد والالتزام بالعهد. وأقرأ هذه الأيام نقد ود الحسين لاتفاق مشاكوس والدور الامريكي فيه وأعجب كيف ساغ له استنزال ثقل امريكا على قرنق في 1989 ويستنكره الآن بعد أن انكسرت الزجاجة وسال ما فيها

    ولم يكتف لام أكول بالملحوظة السياسية وحدها ليتهم قرنق بالخلو من كل إرادة للسلم. فمن طريف ما أورده في البرهان على جهادية قرنق «جلالة» عسكرية لجيش التحرير كان العقيد يوثرها في نفسه دون الأخرىات. وكانت الجلالة مما تصدح به أورطة بيلام وقد جرى تأليفها واخراجها في 1984 واحتوت على شيء من لغة الدينكا والعربية. وكان العقيد قد عبر عن اعجابه بهذا المقطع من الجلالة بالذات:

    لقد قبض جون قرنق على زمام البلد
    وقال العرب إنهم يريدون عهداً معه
    هذا الجون لن يقبل لهم بذلك
    كيف يقبل وقد أضحت البلد خراباً
    لن نعود القهقرى فتنطلي علىنا حيل الماضي
    ما أشد شوكتنا اليوم
    بيلام لا تزال في بونقا
    غير انه في يوم قريب ستسير إلى السودان
    وستمسح بالعمارات الأرض
    بيلام أو وي
    إن الرحمة لا تجد سبيلاً إلى بيلام
    إن آباءنا انفسهم قد استحقوا الموت بالرصاص

    وحيل الماضي المقصودة هي اتفاقية أديس ابابا لعام 1972 التي يعتقد الجنوبيون أنها الدليل العمدة في حنث الشماليين لعهودهم مع الجنوبيين

    لم تسأم جماعة السلام عن طريقة «أجاد اخوي قرنق» بعد خيباتهم المقيمة في استدراج الرفيق إلى الخرطوم. فلم يكن من مثله في المنعة العسكرية والاقتصادية ليقبل أن يشتت ماءه هذا على رهاب. فقد اعتنق قرنق حرب التحرير كتكتيك وهي حرب لا تكل ولا تمل حتى تهد حيل المدن المطلوب القبض عليها متلبسة بالظلم. فقد روى المرحوم محمد عمر بشير عن سفرة له في أول مهمة له بعد الانتفاضة للحديث إلى قرنق حول السلم. وقال انه تحدث للأستاذ عبدالرحمن النصري، أمين مكتبة جامعة الخرطوم، عن مهمته. فصمت النصري شيئاً وقال بصوته الخفيض الحازم: «ممكن تقول لقرنق يرجع الكتابين الاستلفهم من المكتبة». ولم ينس المرحوم محمد الوصية وتذكر قرنق الكتابين حين ذكرهما المرحوم له وقال انهما كانا عن حرب العصابات. ومد للمرحوم بعض الدولارات ليسلمها للنصري ليشتري نسخاً أخرى منهما للمكتبة. وهذا فعل رجل صميم يعرف مقاصده ولن تحرفه عنها حارفة

    وكان عزم قرنق على خطة الحرب حقاً. فهو لم ير فحسب سداد تكتيك حرب التحرير في نموذج الرئيس موسفيني الجار الجنب في يوغندا بل رأى كيف انعقد له لواء النصر ضد القوات المسلحة في ساحة الوغى. فقد رصدت منعة قرنق العسكرية هذه في سنوات 1988 و1989 من أرشيف غير مكتمل لجريدة الأيام ووجدتها من المتانة بدرجة يستعلى بها من كان مثله من معتنقي حرب التحرير على المفاوضة أصلاً. وحق له ذلك بالطبع اذا كانت الحرب هي السياسة بوسيلة أخرى. فقد انسحبت القوات المسلحة من الجكو في (10 يونيو 1987 ) ومن كبويتا في (25 يناير 1988 ) ومن كتري في (22 سبتمبر 1988 )، وسقطت كيالا في (8 سبتمبر 1988 ) بينما انسحبت القوات من كتوس في (12 اكتوبر 1988 ) وبدأ الخناق يضيق على توريت التي هي الثمرة المنتظرة من الاستيلاء على هذه الحاميات في شرق الاستوائية. واخليت الناصر في فبراير 1989 بعد ان دافعت عنها حاميتها لسبع وعشرين اسبوعاً واستشهد في سمائها بصاروخ العقيد محمدين الذي تجاوز الطلعات المقررة للطيارين على امل فك الحصار عن المدافعين عن الناصر. وتهاوت في اعالي النيل بعدها واط وأكوبو ولم يبق في يد الحكومة في شرق اعالي النيل سوى ملكال وبانتيو. كما اخليت توريت في (8 فبراير 1989 ) بعد حصار دام ( 8 أشهر) توقف نتيجة له امداد المدافعين بالمؤن والعتاد. وترتب على سقوط توريت اخلاء فرجوك ولم تبق للحكومة في شرق الإستوائية سوى حامية نمولي التي تزايد علىها ضغط الجيش الشعبي حتى اخليت في (5 مارس 1989) وخلصت الضفة الشرقية لقوات الحركة. ونقل بعدها الجيش الشعبي عملياته إلى غرب الاستوائية وبدأت القوات المسلحة بالانسحاب من منقلا في (19 مارس 1989 )، وكانت الحركة الشعبية قد بدأت في فتح جبهة الشمال نفسه من جهة الكرمك بقوات محلية منذ 1988 كراً وفراً

    وعلى هوس اليسار الجزافي يرد ما يسوى وما لايسوى إلى العوامل الاقتصادية فانهم قد تنازلوا عن اخضاع مقاطعة قرنق للديمقراطية الوليدة أو الجنوح للسلم إلى التحليل الاقتصادي. وكان منهم كما ذكرنا من يفسر استمرار حرب الجنوب بجشع الضباط العظام في الجيش إلى مهوقني الجنوب. وتنفتح الآن أبواب دراسة اقتصاد وسياسة حركات التحرير المزمنة في انجولا وسيراليون وليبيريا التي استأثرت بحقول النفط أو مناجم الأحجار الكريمة في الدولة المتنازع عليها، وأثرت منها واستفادت حتى أصبح هم التحرير الاصلي ثانوياً نوعاً ما. وقد جاء في كتاب الصحفية دبورا سكروجنز الجديد حرب ايما إشارات صالحة عن اقتصاد الحركة الشعبية الذي ربما حال دونها ودون السلام. فقد ورد في الكتاب تنويه بالنفوذ القوي للرأسمالي الانجليزي رونالد صاحب شركة لورنو في اوساط الحركة الشعبية وغيرها من الحركات المماثلة. وكان رونالد، لو يذكر القاريء، قد اعان نميري في العودة إلى الحكم بعد انقلاب المرحوم هاشم العطا فكافأه بان جعل له الولاية على كل مشتريات السودان من انجلترا. فقد قال رونالد (الذي وصفه إدورد هيث، رئيس وزراء بريطانيا يوماً انه الوجه القبيح للرأسمالية) لاسكروجنز حين سألته عن صلته بالحركة الشعبية: «أنا عضو مؤسس في الحركة. لقد اشتريت لهم كل مهماتهم من لبس ميدان وأحذية وكل شيء. وما زلت احتفظ بمخزن مليء بهذه المهمات... لقد انفقت عشرين او ثلاثين مليوناً من الجنيهات من حر مالي على الحركة الشعبية» كما لمحت الصحفية إلى زيارة قرنق لفرنسا بعد انقسام مشار ولام في 1991 واجتماعه بإدارة شركة توتال التي تملك ترخيصاً للتنقيب عن البترول في الاستوائية التي كان تسيطر عليها الحركة

    لربما كان لاقتصاد حركات التحرير المزمنة بعض الدخل في امتناع قرنق على السلام أو الديمقراطية. غير ان اليسار الجزافي الذي هرى الناس بفعل الاقتصاد القاهر في الظواهر من السياسة حتى الأدب استثنى قرنق من ذلك الفعل. ولست اعيد عليهم قول الرئيس كلينتون يصف ذلك الذي لم ينتبه إلى مساس الاقتصاد بالموضوع الذي كان يتحدث عنه. أو دعني أعيده: قال له إنه الاقتصاد يابليد

    ونعود ان شاء الله إلى حديث آخر عن محن اليسار الجزافي في الأسبوع القادم. وكل عام وانتم بخير

    ==========
    Sudan for all the Sudanese ..السودان لكل السودانيين

    (عدل بواسطة sultan on 02-18-2003, 01:40 PM)

                  

02-25-2003, 03:37 PM

sultan
<asultan
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: گيف طــار يسار الانتفاضة (1985) ثم گما طــار وقـع؟ (Re: sultan)

    الرأي العام 25/2/2003

    ===


    اليسار والديقراطية الليبرالية: «وحتعمل بيها أيه يا جلق؟

    بقلم/ د. عبد الله علي ابراهيم


    في صباح يوم من أوائل عام 1989 أخذت طريقى من مكتبي بجامعة الخرطوم إلى السفارة الالمانية الغربية القريبة من الجامعة وإن استغرقني الاهتداء اليها بعض الوقت. وطلبت عند البوابة مقابلة السفير الالماني الغربي. وحين سئلت ما خطبي قلت انني احمل اليه مذكرة كنت قد تـأبطتها من مكتبي وخرجت. وضمنت المذكرة احتجاجي على دعوة البرلمان الالماني للعقيد قرنق للحديث إلى اعضائه (انظر نص الرسالة في الصندوق). وكانت المذكرة أصلاً ضيقاً باليسار الجزافي منه وغير الجزافي اكثر منه بالألمان الغربيين وبرلمانهم. فقد كان هوانا المانياً شرقياً على كل حال.

    فمما ازهدني في اليسار أنه كان مستهلكاً رديئاً جحوداً للديمقراطية الليبرالية. فقد كان لايقبل أن تمس ايا من حقوقه في التعبير والتنظيم والسفر وما اليها في حين «يضطغن» عقيدة في الديمقراطية الجديدة التي تهزأ بتلك الحقوق بوجه الباب. وكان مثلهم في ذلك ما قيل عن رجل روسي يراقص زوجته ويغازل من فوق كتفها عشيقة له. وكنت من الذين تأخروا في قبول عقيدة الليبرالية حتى قيض الله لنا انقلاب مايو(الذي جاء كايسنا) ودعاواه في الديمقراطية الجديدة وتحالف الشعب العامل فأورانا نجوم القائلة. فقد أثقل علىنا حتى انكرنا بعض صبواتنا الفكرية في الديمقراطية الجديدة، التي أردنا أن نجرع الشعب بها غصص المن والسلوي ، حين رأيناها في المحك والتطبيق تهين الفكر والرجال والنساء في التنظيم الأوحد وقائده الفذ الملهم. وارتفعت في نظري بعد ذلك قيمة الحقوق الليبرالية مجردة حتى قبل ان نملأها عدلاً اجتماعياً في يوم قريب بالمرابطة والمصابرة والدعوة الحسنة.

    ومن أدل دلائل مراقصة الجزافيين لزوجتهم الليبرالية وغزلهم من فوق كتفها مع عشيقتهم الديمقراطية الجديدة هو ميثاق أمبو الذي وقعوه مع الحركة الشعبية بعد المؤتمر الذي انعقد بهذه المدينة الاثيوبية في فبراىر 1989، فقد جاء فيه ان نموذج وستمنستر، أي النظام الديمقراطي المطبق في بريطانيا (أي الليبرالي)، قد خدم («دائماً» وهي مما ورد في النص الانجليزي وليس العربي) صالح القوى الرجعية ومهد الطريق لعودة الديكتاتورية. وتعهدوا في الفقرة الثانية من هذا التبخيس الاجمالي المجاني لليبرالية بالبحث عن بنى جديدة مستخلصة من القيم النبيلة للديمقراطية الليبرالية التي من شأنها ان تعالج واقع الحال في السودان. ان القول بأن الديمقراطية قد خدمت دائماً مصالح الرجعية مجازفة فكرية عظمى. فحتى الشيوعيين، الذين ورث عنهم الجزافيون هذا الهزؤ بالديمقراطية الليبرالية، ميز عقلاؤهم هذه الديمقراطية وقالوا إنه ما كان لحركة المستضعفين بلوغ ما كانت علىه من النفوذ والقوة بغير الحقوق التي تكفلها مثل حق التعبير والتنظيم والسفر. وهي الحقوق التي اهتبلها الجزافيون انفسهم في الديمقراطية الثالثة للقاء الحركة الشعبية والغزل في ديمقرطيتها الجديدة المبهمة من فوق كتف زوجتهم الليبرالية. ولم يختلج لهم جفن وهم ينكرون الليبرالية قبل صياح الديك لقرنق الذي سفهها وأدار لها ظهره وأقام سجون السراديب لمعارضيه في بوما وغير بوما وحيث تمكن من بلد في السودان. ثم عاد الجزافيون وصاحوا «فاول» حين حققت الدولة معهم بعد عودتهم واستصرخوا الناس: «وا حقوقنا الديمقراطية». مالكم كيف تحكمون! وماسقط نظام وستمنستر السوداني في يونيو 1989 وجاء حكم (الرجعية الما خمج) حتى ضرب الجزافيون الارض طولا وعرضاً يتكففونها من مفوضي حقوق الانسان او يطلبونها بالانتفاضة المسلحة او المحمية او ما شئت. أبوها مزعوطة أكلوها بصوفها. عقرباً تطقكم.

    كانت الديمقراطية الليبرالية المستعادة بارادة الشعب في 1985 على شفا حفرة في مهب الريح. فلم تقاطعها الحركة الشعبية فحسب بل انتهزت سانحة بيئتها المفتوحة لفرض ما تريد بالقوة الجبرية. وكان هذا موضعاً يؤاخذ فيه اليسار، الذي كان قد شقي من ديمقراطية تحالف الشعب العامل النميرية البشعة، الحركة الشعبية على بؤس ولؤم خطتها إذا اراد لشعبه أن يحترمه. ولكن اليسار الجزافي تنصل عن هذه التبعة وظل يطمع بما يشبه الأماني في عودة الحركة إلى حظيرة الديمقراطية في صباح يوم بهيج. وكان أكبر ما يصدر من جماعة «اجاد أخوي قرنق» حيال استخفاف الحركة بالديمقراطية هو الجأر بالشكوى المتباعدة من «تصعيدها العسكري» الذي لا جدوى منه. ثم تعود حليمة إلى قديمها تسترضي الحركة وتطيب خاطرها. ولم يجعل حتى الحزب الشيوعي الديمقراطية، التي برته بدائرتين مباشرتين ولواحق أخرى، شرطاً في التفاوض مع الحركة يعبيء حوله الافئدة والعقول حتى توقر النظام الديمقراطي. والأصل هنا هو محاصرة الحركة بالشعب في الشمال والجنوب الذي سلخ عمراً وكدحاً طويلاً لأجل استرداد الديمقراطية حتى تعيد النظر في حربها المؤسفة للديمقراطية. فلقد قرأت كلمة راجعت فيها جريدة الميدان (26 مارس 198، الحركة في تصعيدها العسكري بغير ان تذكر مرة واحدة ان الحركة انما تصيب في المقتل النظام الديمقراطي الذي جاء بشق الأنفس ليأذن للمغلوبين بحضور وبصوت في السياسة كما ظل يفعل دائماً. لم تكن رعاية حرمة الديمقراطية شرطاً او مطلباً لليسار من الحركة الشعبية خلال مفاوضاتهم العديدة معها في حين وضع العقيد قرنق خمس شروط ليجنح للسلم والح علىها بلا هوادة وبعضها فقاعات سياسية تلفزيونية مثل الغاء الدفاع المشترك مع مصر وليبيا. وكان اكبر قصده منها ان يكسب اعلامياً لقضيته الافريقية المزعومة بابراز حكومة السودان عارية في ثيابها العربية غير القشيبة. ولما لم يبتدع اليساريون شبكة شعبية واقية للديمقراطية تولت عنهم ذلك القوى الموصوفة بالتقليدية او المهووسة التي كانت تدفع ببعض الاجراءات والاستثناءات في منعطفات الحرب الأهلية الحرجة مثل منع الاتصال بالحركة الشعبية أو التحفظ على نشاط بعض أعضاء وأنصار الحركة. وهي استثناءات يضطر اليها النظام الديمقراطي متي ما احدقت به قوة تستطيب حقوقه وتستنكف تبعاته. ولم تزد هذه الاستثناءات اليسار الا يأساً في الديمقراطية وتيئيساً للناس فيها لانها مما اثبت له ان الديمقراطية الليبرالية هي استبداد كبير
    كان على اليسار كله ان يلح بغير كلل او ملل ، كمسئولية لا مهرب منها امام الشعب، على الحركة الشعبية أن تتفاءل بالنظام الديمقراطي وان تلقي بثقلها المميز لتنميته بما يقوي ويمكن للمهمشين وغمار الناس. وهذا عندي منهج أجدى واوفق في المدي الطويل حتى لو لم تستجب له الحركة. فهذا من نوع التربية السياسية والاخلاقية التي تمكث في الارض وتنفع الخلق. أو هي على الاقل أصدق واذكي من اتكال اليساريين على استدامة الديمقراطية عبر ميثاقهم الممهور بالدم لصيانة الديمقراطية من المنقلبين العسكريين. فلا ضمان لعهد أو شروط في الديمقراطية بغير ما يتنزل عبر الممارسة للديمقراطية. وقد وجدت أن العقيد قرنق قد اقترب من هذا المعني في الندوة التي انعقدت بمدينة واشنطون المحروسة في نحو 1992 بعنوان «السودان: المأساة المنسية» التي جمعت بينه وخصومه من جماعة الدكتور مشار. فقد قال إن حركته إنما تسهم في نضال السودانيين العام ضد النظام الانقاذي بخيارات مفتوحة سواء في الوحدة أو الكونفدرالية او الانفصال. وهنا تصدت له بالسؤال إمرأة يقظة غاضبة:

    - ولكن ما الضمان؟ إن التجمع إذا استلم السلطة سيعود إلى قديم الشماليين من فرض العروبة والاسلام.
    ورد علىها قرنق بقوله:
    - لا اريد ضمانات منهم. انهم لن يضمنوا لي شيئاً. إن الضمان ضمان الشعب ونضال الشعب. هذا هو الضمان الأكيد للنصر. فالذي نحرزه من نصر يضمنه الشعب من خلال النضال. إذا سألت التجمع المعارض أن يضمن لي شيئاً أكون متناقضاً مع نفسي. انني لن اسأل الحركة الاسلامية ضماناً لأنني سأكون متناقضاً مع نفسي. إن الضمان هو قناعتنا بنضال شعب السودان اولاً وأخيراً.

    وضجت القاعة بالتصفيق. ولو كنت في الحضور لكلبت شعرة جلدي لهذا القول الذي أطربنا في الماضي ولا يزال ولهوت كفي على الأخرى لولا تذكري ان شعبنا كان بحاجة إلى هذا العبير القوى من الثقة فيه على تلك السنوات التي محض فيها قرنق ثقته مقاتليه في الحركة دون الشعب وأدمن طلب الضمانات او انه تذرع بها. ووقع المحظور واناخ نظام الفريق البشير العسكري بكلكله وأخرج الشعب من الديمقراطية السمحة إلى الصمت الطويل وألغى السياسة لتصبح ممارسة لا تقوى علىها الا الجندرمة والمليشيات من المراحيل والدبابين وفيالق تمساح وبيلام والفهود السود وما إلى ذلك. لقد أصمت قرنق المرأة ببلاغة تواتي من كان بمثل عمره في السياسة. و كانت المرأة قد تربت على خطاب الضمان وحنث العهودالذي تلقته من قرنق نفسه. واغرق قرنق علمها الذي اخذته عنه في التصفيق الداوي ممن عقولهم في أذنيهم كما قال شوقي امير الشعراء. وقد عزاها الدكتور مشار البارع في ملاطفة النساء وقال لها ما معناه أن الشقاء سيكون نصيبك ابداً إذا اتبعت خطة قرنق في الوحدة وما أشبه فتعالي الينا لأننا نريد الانفصال وكانت يا أفارقة.

    لم اكف عن القول ان أكثر ما افسد على قرنق قوامه القيادي في الوطن في عقد الثمانين هو طلبه لضمانات للجنوبيين عسيرة التحقق من خارج النظام الديمقراطي نفسه. وقرنق معذور لاشتهار الساسة الشماليين بنقض العهود. ولكن أكبر هذه العهود المنتقضة هي ما أمضاه الجنوبيون مع نظم غير ديمقراطية. لقد لقي قرنق قبولاً في الشمال لخطابه الوحدوي وعزيمته في حرب نميري. وكان اقرب من وصل من الجنوبيين الي الزعامة القومية. غير أنه بالحاحه على صكوك الضمان جفل عن هذه الزعامة واختار ان يكون زعيماً مضموناً للجنوب. وهو ليس شاذاً في هذا عن سنة القيادة في بلدنا. فاذا واتت القائد فينا سانحة للزعامة القومية، التي تستوجب نظراً اشمل يتجاوز القواعد المحدودة التي جاءت به الي ساحة السياسة بما يتضمنه هذا من تضحية ومغامرة، تجده تنصل وعاد إلى حجمه الذي يطمئن له كقائد لجماعته الاقليمية أو الطائفية. وهذا مما سميته في موضع آخر ب «زعامة ناس كشكي». ولم يلبث طويلا حتى اصبح قرنق زعيما للدينكا دون الجنوبيين الآخرين ولم يلبث أن أصبح زعيماً لدينكا بور دون دينكا بحر الغزال. والشواهد تتوارد. فقد جاء في مقالة للانثربولوجي السوداني جاك مادوت جوك وباحثة أخري (مجلة الدراسات الأفريقية المجلد (43)، العدد الثاني لعام 1999) أن ضباط قرنق من دينكا بحر الغزال ناقمون علىه لأنه تراخى في توقيع عهد للسلام بين دينكا بحرالغزال والنوير في حين اسرع بعهد آخر بين دينكا بور والنوير في غرب اعالي النيل. وفسر دينكا بحر الغزال هذه التفرقة بان قرنق انما يريد ان يشغل دينكا بحر الغزال، وهم أكثف جنده، بالحرب في بحر الغزال والاستوائية وضد البقارة حتى لا يغريهم السلم بالانفضاض عنه. وفي هذه السيرة تطبيق حرفي لقانون الغلة المتناقصة (او المتباقصة) في القيادة في السودان.

    لليساريين موهبة مشهورة في البحث عن العيب في كل شيء الا لهم. ولهذا أحدقت بهم الاخطاء «وكدبت» حتى كادت ريحهم تذهب. فلو وقاهم الله شح النفس لعلموا علم اليقين أنه لم يؤذ الليبرالية شيء أكثر من عقيدة اليساريين أنه لا سبيل للتقدم والتغيير الاجتماعي عن طريق الديمقراطية الليبرالية في السودان. ولهم في هذا اليأس الجليل تحليلات وتخيلات. فقد ادت هذه العقيدة إلى اعتزال اليساريين وجمهورهم الحضري المؤثر المؤسسة الليبرالية البرلمانية، التي يقول عنها حتى اهلها انها أحسن أسوأ نظم الحكم، متي ظهرت الانتخابات وانكشف المستور من ضعف قواعد اليسار في الدوائر الجغرافية. وقد اعتزلوها أيضاً متى لحق بهم من سدنتها اذى او نقص مما لابد يقع لمن يريد تغيير ما وجد الناس علىه آباءهم. وما اعتزل اليسار الليبرالية حتى اطلق لسانه فيها ييئس منها الناس وينتظر موتها العاجل مذعناً لقضاء القدر السياسي.

    ولم ارهم يسفرون الا نادرأ عن خيال او ممارسة لتنمية ما اسموه بالتقاليد الليبرالية السمحاء عبر عمل تشريعي مستعان علىه بارادة شعبية. فلم يزيدوا منذ حين عن القول ان الديمقراطية الليبرالية لن تستقيم عندنا الا بتمثيل القوى الحديثة في المدن تمثيلا أوسع. ولم يتجاوز هذا القول سقف الشعارالجازم بينما نهضت الأدلة على فساده. فقد صوت الخريجون ، وهم من الحداثة بمنزلة، ومدن العاصمة في 1986 للحركة الاسلامية التي لم تكن فينا في عداد القوى الحديثة. لقد جرد البرم بالديمقراطية الليبرالية اليساريين من كفاءة العيش في ظلها أو الموهبة في اصلاحها من الباطن. فما جاءت الديمقراطية حتى ركبهم الياس منها وتخلصوا منها بانقلاب من صنعهم أو من صنع من شيئت. فلم اقرأ لاحدهم تنويراًُ ملهماً بنقص الليبرالية موجهاً للشعب لاستصحابه إلى غاية الاصلاح. فقد خطرت لي خلال الديمقراطية الثالثة أفكار لمعالجة غياب النواب مثلاً. فقد التمست توفير مكاتب بطاقم اداري وسياسي لادارة شوؤن دوائرهم على غرار الكونغرس. والمعروف أن مثل هذه المكاتب تنوب عن النواب في قضاء مصالح اهل دوائرهم من رخص سلاح واذون بالحج وتصاديق السكر التي تستغرق كل وقت النواب. وكنت ارد بذلك على إفتتاحية بجريدة (الميدان)، الناطقة بلسان الحزب الشيوعي، ازعجها غياب النواب المتكرر فأقترحت حل البرلمان واجراء انتخابات جديدة. وفي هذا المنهج شبه بالبصيرة ام حمد. واقترحت أيضاً ان تقوم هذه المكاتب بتزويد النائب بما يلزم من معلومات عن مشروع القرارات المعروضة على البرلمان حتى يستنير ويسهم برشد. وقلت في اقتراحي (وكان نائب عطبرة العامل بالسكة الحديد قد أضرب عن الكلام في البرلمان في تلك الايام وقد كان يظن به ناخبوه العجز عن الابانة) ان الميزة التي يراها الناس في السيد محمد ابراهيم نقد كبرلماني ذي خطب فاهمة إنما يرجع أكثر فضله للجان حزبه الاقتصادية وغيرها التي تعينه بالمادة والتحليل. وكان اليسار في شغل عن كل ذلك ينتظر نفاذ كلمة القدر في الليبرالية التي جسدوها في خيبتهم في السيد الصادق وتناقضاته و«اب كلام ازاد» وقد ظلموا انفسهم بمثل هذا القول . فقد صبر الرجل على الليبرالية صبراً جميلاً وقدم نموذجاً للسياسي الواسع الصدر في زمن غير عادي للهرج العام.

    ومن المؤسف لليسار أن ينتهي إلى هذه الخصومة للديمقراطية الليبرالية وهو الذي بدأ بثقة غراء فيها برغم انف عقائده في ديكتاتورية الطبقة العاملة. فقد تفاءل المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي في 1956 بهذه الديمقراطية وقال ان الجماهير بتجاربها الذاتية ونضالها ونضال الحزب ستقتنع بالدولة الديمقراطية الشعبية التي تقود بلادنا إلى الاشتراكية. واضاف: «وعندما تنحاز الاغلبية الشعبية باختيارها واقتناعها بالطرق الديمقراطية نحو هذا الطريق وتنتخب اغلبية برلمانية من الاشتراكيين وذوي الميول الاشتراكية يصبح امر تحقيق الاشتراكية في متناول اليد»" غير ان الحزب لج عن هذه العقيدة الوضحاء بعد ان اثخن له الجراح برلمان 1965 السفاح فحرمه من عائده من الديمقراطية البرلمانية التي فداها بالتضحيات الغالية على طول ديكتاتورية عصابة 17 نوفمبر. فقد حل ذلك البرلمان الحزب الشيوعي وطرد النواب الشيوعيين وطمع ان يقنن محاربة الشيوعية في مشروع دستور 1968، وحمل الحزب مراراته هذه إلى برنامجه الصادر عن مؤتمره الرابع في 1967 الذي استهجن الديمقراطية الليبرالية في وثيقته المعروفة. غير ان الحزب سرعان ما عاد للتفاؤل بالديمقراطية الليبرالية في دورة اللجنة المركزية في 1968 التي صدرت عنها الوثيقة المسماة «قضايا ما بعد المؤتمر الرابع»" وحمل فيها استاذنا عبدالخالق حملة شعواء على عقيدة الديمقراطية الجديدة لما رأى انها بدأت تفرخ الميول الانقلابية داخل الحزب تبرماً بالديمقراطية الليبرالية وسأماً من الصبر على الأذى ونقص الثمرات الذي تجرعوه منها. ومن أراد ان يقف على النظرية الكاملة لهذا القطاع من الشيوعيين فدونه كتاب جيد للمرحوم عمر مصطفي المكي عن الاتجاهات الانتهازية في قيادة الحزب الشيوعي. رحم الله أخانا عمر. وقد فصلت هذا الأمر كله في مقال لي عن العنف السياسي في كتابي الثقافة والديمقراطية في السودان. ومع ذلك ظل اليأس من الديمقراطية الليبرالية فاشياً في الحزب وبين انصاره حتى تدلت منه الثمار المرة في 25 مايو 1969 و19 يوليو 1971، رحم الله الجميع وجعل الجنة مثواهم. وربما نرد فشو عقيدة الديمقراطية الجديدة بين اليساريين لأن وثيقة المؤتمر الرابع، وهي نص منسوخ في ما تعلق بالديمقراطية الليبرالية، أوفر في أيدي الناس من وثيقة 1968 التي راجع فيها الحزب بصورة جذرية ما اتفق له منذ عام او نحوه. وقد علمت ان وثيقة دورة اللجنة المركزية لعام 1968، التي اسستبشرت بالليبرالية، قد طبعت الآن وتوفرت. فليتأملها القاريء.

    ما جاءتنا الديمقراطية في 1985 حتى اتضح انها ضيف ثقيل لا احد يرغب فيه. وحين أقرأ لليساريين غناءهم العذب في الليبرالية (وأصدح الاصوات في الكورس يصدر عن اولئك الذين استضافتهم ملاذات الهجرة واللجوء) اتعجب أن كانوا استعدوا لها روحاً ووجداناً وميثاقاً مع الشعب أم انها من حيل المعارضة يكيدون بها لنظام الجبهة "الظلامي." واستعيد في خاطري كلمة كتبتها في صحيفة (الخرطوم) في نحو 1988 حين رأيت انفضاض اليساريين الجزافيين الكبير عن الليبرالية. وهو انفضاض دفعني لأحمل مذكرتي ضد دعوة البرلمان الالماني لقرنق وحدي في وحشة كدت اسمع بها حفيف حذائي على الأرض. فقد شبهت كساد اليساريين في النظام الديمقراطي الذي فدوه بالمهج بموقف مشهور للاعب الهلال الفذ السد العالي. فقد قيل انه استخلص الكرة من خصومه بجهد بارع وما كاد يتجه نحو المرمي حتى صاح فيه زميله جلق يطلب منه ان «يباصي» له الكرة. وكان السد العالي سيء الظن فيما يبدو بقدرة جلق فقال له بمصريته الرشيقة: «وحتعمل بيها أيه يا جلق؟».

    السيد رئيس البرلمان الألماني

    تحية طيبة وبعد

    ليأذن لي سيادتكم بالاحتجاج على الدعوة التي وجهتموها للعقيد جون قرنق ليخاطب البرلمان الالماني. لم اقصد بهذا الاحتجاج أن اصادر حق البرلمان الالماني في انشاء ما شاء من لجان التحقيق ليتقصى المسائل الخلافية في عالمنا بما يمليه علىه الانصاف الذي يقتضي الاستماع إلى وجهات النظر المتنافسة. غير ان الديمقراطية الحقة وهي تقوم بمثل هذا الاجراء المثالي ينبغي أن تحرص جداً أن لاتخيب توقع الديمقراطيين الآخرين فيها.

    لست من رأيكم في اهلية العقيد قرنق، وهو الذي يعتنق تكتيك حرب العصابات، للحديث الي مؤسسة تدار على نهج الديمقراطية. فقد رفض العقيد مراراً وتكراراً الدعوات المؤكدة التي وجهت له بترك الحرب والولوج ساحة الديمقراطية السودانية الناشئة وليسهم في تشكيلها بما يرضي اهل السودان. واهم من ذلك كله ان خطاب العقيد حول «السودان الجديد» الذي يدعو له إما ساكت عن أشكال وملمس التعددية الحزبية أو انه يدعو إلى «ديمقراطية جديدة» مبهمة فيها مخائل ومخاطر التحول إلى دولة كلانية مسدودة.

    اننا لنخشي انه بدعوتكم للعقيد قرنق للحديث إلى برلمانكم انما ترسلون اشارة محبطة للديمقراطيين السودانيين الذين جاهدوا من اجل التعددية الحزبية لعقود أربع طوال. فاحتفاء الديمقراطية الالمانية بمقاطع مؤكد للمؤسسة الديمقراطية في بلده مثل العقيد قرنق مما يشتم منه ان الديمقراطية الالمانية تفضل أن تبقى على الحياد في الجدل الدائر في بلدنا بين البطاقة الانتخابية وطلقات الرصاص. وهذا الحياد غير المحتشم مما يقرض القماشة الاخلاقية للديمقراطية.

    بوسع البرلمان الالماني أن تكون له طرقه السالكة دائماً مع حركة تحرير شعب السودان. واخال ان الديمقراطيين السودانيين سيرحبون بذلك لانهم يقدرون الخير الذي سيترتب على حواركم ونصحكم لحركة من حركات حرب العصابات. غير أن دعوة العقيد قرنق، رمز الحركة، بعد نجاحه في "تحرير" عدد من الدوائر الانتخابية العادية في جنوب السودان، مما قد يوحي بأن طوائف اللوبي المختلفة التي تعمل لصالح العقيد قد اجتهدت أن يكون ظهوره أمامكم ضرباً مميزاً من ضروب أعمال العلاقات العامة.
    في انتظار كلمة منكم أظل.

    المخلص
    د. عبدالله على ابراهيم
    مدير معهد ابحاث الديمقراطية والتغيير الاجتماعي (تحت التأسيس)، الخرطوم

    ===========
    Sudan for all the Sudanese ..السودان لكل السودانيين

                  

03-04-2003, 12:25 PM

sultan
<asultan
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: گيف طــار يسار الانتفاضة (1985) ثم گما طــار وقـع؟ (Re: sultan)


    الرأي العام 4/3/2003

    اليسار الجزافي هز الشجرة ولم يلتقط الثمر: جدل البئر المعطلة والقصر المشيد


    بقلم/ د. عبد الله علي ابراهيم



    كنت بدأت افحص تبعة الحركة الاسلامية في الانقلاب على النظام الديمقراطي في 1989، وقلت إنه من ما لا يسمن ولايغني من جوع، بعد نحو سُبع قرن من وقوع القدر، أن نتهمها في خلقها السياسي ونستنزل علىها الإدانة. فقد فرغنا من هذا في ما أعتقد والعودة اليه عطالة الفكر. وبدا لي أنه لنحسن فهم واقعة الانقلاب صح أن نفحص تبعة من لم يقوموا به من جهة غفلتهم في التحوط له وسد المنافذ عليه. وسأختص بالحديث عن اقتراف الانقلاب عن غفلة وإهمال جماعة اليساريين الشماليين من غير الحزب الشيوعي. وهم اليسار الذي صعد الى حيز التأثير السياسي على النطاق الوطني بإستقلال عن الحزب الشيوعي بعد الانتفاضة في 1985 وبفضلها

    وقد سميت هذه الجماعة «اليسار جزافاً» في وصف ساغ لي عن السيد محمد هارون كافي. وقد وصفت في احاديث سلفت تهاون هذا اليسار في الحفاظ على الديمقرطية بوجوه منها أنه جاء الى ساحة السياسة، التي كان شاغلها الحرب والسلام، بنظرة غاية في السلبية للقوات المسلحة موروثة من صراع الملكيين ضد الجهاديين حراس النظم العسكرية التي طال مداها في السودان. وفي إصول هذه السلبية فنطازية جيفارية قديمة لليسار تهفو الى شن حرب تحررية ضد النظم العسكرية وحاميتها القوات المسلحة وكسر شوكتها. ولما لم يجدد هذا اليسار فقهه الموروث في ضوء وقائع الحرب الاهلية المستجدة تحول الى طاقة سلبية في احسن تقدير وخلا وفاضه من أجندة ملهمة للناس بشأن المستقبل. كما اخذت على هذا اليسار افتقاره الى منهج للسلام تكون مرجعيته تثمين وتأمين الديمقراطية الليبرالية التي تحققت بثمن فادح. وقلت ان الجزافيين قد كرهوا الديمقراطية الليبرالية لهواهم الفاضح للديمقراطية الجديدة المبهمة التي علمنا من تجربة حكم نميري أنها والاستبداد في مركب واحد. وانتهي هذا اليسار لزهده في الديمقراطية الليبرالية الى مشايعة الحركة الشعبية التي استنكفت المساهمة في صياغة الليبرالية المتحققة فرحاً بالسلاح وولعاً بنهج حرب التحرير

    واواصل حديثي هذا في مساءلة اليسار الجزافي، الذي قام بانقلاب يونيو 1989 عن طريق الاهمال لا القصد بالتعلىق عن كيف ساقه يأسه من الديمقراطية الليبرالية، وقلة حيلته في استثمارها والعيش في كنفها الصعب، الى طرق المغامرة والفتنة. وسأتطرق في مقالنا اليوم الى أسلوبه في قيادة جمهوره في النقابات في حملة نقابية مطلبية بلا اعراف أو رشد هدت قماشة الديقراطية. ثم اعود في المرة القادمة واختم قولي بالتعليق على أخلاقية الحملة الثقافية التي أدارها هذا اليسار وسماها كشف مستور الثقافة العربسلامية من رق وتعصب ديني وهلم جرا. وسأتأسف على الطريقة التي التوى بها بتلك الحملة الواجبة من وجهة الاستنارة والتربية الى وجهة الفتنة القومية واثارة الضغائن يتحيل بها الى نصرة فريق سياسي دون فريق

    جاء في كتاب (جنوب السودان: الانفصال القادم) للسيد بابكر عثمان حكاية حزينة عن بؤس إعداد ومعنويات القوات المسلحة الذي ادي الى مذكرة القوات المسلحة الانذارية الى السيد الصادق المهدي، رئيس الوزراء، في فبراير 1989، وهي المذكرة التي طلبت منه إما أن يجنح الى السلم في الجنوب او الاعداد الدقيق لرباط الخيل والحرب. وقد وصفها أندرسون، السفير الأمريكي السابق في السودان" هذه المذكرة بانها الاشارة الاولى بان مآل أمر السودان هو انقلاب وشيك. وقد كان. تقول القصة ان الفريق عبدالرحمن سعيد، نائب رئيس هيئة الأركان في 1989، خاطب جنود حامية ليريا بالاستوائية الذين تقهقروا فزعاً عن موقعهم بعد سماعهم ان قوة من الحركة الشعبية في طريقها الى القرية. وصدم هذا التخاذل قائد القيادة الاستوائية وحظر على الجنود دخول جوبا حتى يستمعوا الى «توبيخ» من نائب رئيس هيئة الاركان الذي كان بالجنوب. وخاطب عبدالرحمن فلول ليريا وذكرهم بأن الهروب ليس من شيم الجندي السوداني. وهنا نهض أحد الجنود وقال للفريق إنهم شجعان ولا يخشون المتمردين ولكنهم لن يقاتلوا بأيديهم وفوق الجوع وتفوه بكلام جارح للقائد. ثم وجه بندقيته تجاه صدره وهو يقول: «هسع نوريك رجالتنا» واطلق الرصاص على نفسه ومات في الحال. وقال بابكر عثمان، الذي كان تحدث الى الفريق عبدالرحمن وقتها، أن شكوى الجندي وموته هي التي اوحت له بفكرة مذكرة فبراير 1989 التي خيرت الحكومة والامة بين السعي للسلم بقوة أو اشعال الحرب ببطش شديد

    تنازعت ميزانية الدولة المتناقصة في الديمقراطية الثالثة (1985-1989) مطالب واسبقيات كان التوفيق بينها عسيراً. فمن جهة كانت القوات المسلحة تعزو هزائمها في الناصر وتوريت و انسحاباتها الموصوفة بـ «التكتيكية» الي سوء اعدادها وتهافت ميزانيتها. وقد تضمنت مذكرتها الانذارية المذكورة اعلاه بنداً صريحاً بطلب الدعم السخي لها. ومن الجهة الأخرى لم تكف النقابات، وتلك التي مثلت المهنيين خاصة، عن عرض مطا لبها لتحسين الاجور والتشديد علىها بالتلويح بالاضراب او تعلىقه وبالاضراب بعد الاضراب. وقد بلغت هذه الحركة المطلبية مبلغاً من تخانة الجلد المهنية والسياسية اضطرت معه جريدة الأيام، اليسارية المنحى، حد مناشدة الاطباء في 13 مارس 1989 الى العودة الى العمل أو التطوع مع الاضراب. والمنهج الاخير في إنسانية الاضراب او أنسنته من أول سنن العمل النقابي على بداياته بين عمال السكة الحديد في الاربعينات. وأخرج تفاقم الاضرابات السيد اسماعيل العتباني، أمد الله في ايامه، من مخبئه لينعى الفرقة والشتات والخيبة في البلد في كلمة له بجريدة الايام (1 مارس 1989)

    ومن مساويء هذه الحمى الاضرابية أنها خلت من الأعراف او الوقار أوالمنطق أحياناً مما ابعدها من نازعة النقابية الى نازعة المعارضة لحكومة السيد الصادق التي ساء ظن النقابيين والانتفاضيين والجزافيين فيها حتى كادوا يسقطونها في آخر 1988 بهبة شعبية معلومة. فهذه الاضرابات لم تهدأ حتى بعد قيام حكومة الوحدة الوطنية في مارس 1989 التي وافق السيد الصادق على انشائها تحت وابل ضغط مذكرة القوات المسلحة المنذرة. وقد خلت تلك الحكومة من الاسلاميين الذين كانت نقابات المهنيين واليساريين تأخذ عليهم التشدد وإعاقة مساعي السلام. وقد اعتزلها الاسلاميون من جهتهم وآثروا أن يرصدوا لها كل مرصد معارض. وكان السيد الصادق قد طلب أن تكف النقابات عن الاضرابات لتبدأ حكومة الوحدة الوطنية عملها في مناخ آمن متكافل. ومع ذلك أضربت نقابة أساتذة جامعة الخرطوم في 7 مارس 1989 ونفت نقابتهم على الملأ انها التزمت لرئيس الوزراء بأي شيء. وكنت قد كتبت على تلك الايام في عمودي اليومي بجريدة الخرطوم (22 يناير 1989) كلمة بعنوان «العلم، مثل الغربة، سترة حال» أنعى على النقابة الاسراف في الاضراب. وكتب المرحوم عبدالسميع عمر يسخر من عدم خصم أيام الاضراب من مرتبات الاساتذة كلمة عنوانها «بخ بخ اضرابنا مدفوع الأجر» أو كما قال

    ومن اكثر تلك الاضرابات خروجاً عن المنطق والعدل والوجدان الراشد هو ما لوح به القضاة. فقد نال القضاة على عهد نميري كادراً جعلهم الأعلى بين المهنيين رتبة مالية وميزة. وهو كادر اتفق لنميري ليكيد للقضاة ويظهر مطالبهم في تحسين بيئة القضائية (وهو مطلب تذرعوا به على كل حال) في اعين الناس كحالة من التهافت على تكبير كومهم في المرتبات والمنافع. وقد أفاض الدكتور منصور خالد في هذا الموضوع في كتابه (نميري وتحريف الشريعة) بما لا مزيد عليه. وعلى عهد الصادق طالب ضباط القوات المسلحة بأن يكون كادرهم على مقاس القضاة. ووافق الصادق بالنظر الى حرج حكومته مع هذا القطاع الذي يخوض حرباً يائسة مميتة. ولم يعجب هذا القضاة الذين احتجوا لمجلس السيادة الذي هو مخدمهم ومقسم أرزاقهم. وقد استعجب الصادق لاحتجاج القضاة. فهو لم ينقصهم شيئاً حين ساواهم بالضباط. وشغل القضاة مجلس السيادة والناس بهذه المادة زمناً

    كانت هذه الخصومة المزمنة على كيكة الوطن بين القوات المسلحة، التي هي في سكرات حرب أهلية مستدامة، ونقابات المدنيين الشديدة اللضيضة هي من أقوى اسباب انقلابات العسكريين. فقد بدأ انقلاب مايو 1969 من احتجاج ضباط من القوات المسلحة في الجنوب على سوء اعداد القوات المسلحة. وفتحت مذكرة القوات المسلحة الانذارية في 1989 الباب لانقلاب يونيو 1989 وكان اعداد القوات المسلحة للحرب واحداً من اميز بنود تلك المذكرة

    وكانت كيكة الوطن مما لا تكفي الجميع. فقد قدر السيد عبدالماجد حامد خليل أن حاجة القوات المسلحة من العملة الحرة هي (487) مليون دولار في كلمته الى الجمعية التأسيسية في 1 فبرائر 1989، وهذا المطلوب في ظني هو نصف ميزانية السودان على أقل تقدير لأن السيد الصادق لا يزال عند قناعته أنه انفق على القوات المسلحة نصف الموارد المالية السودانية غير انها لم تستخدم مواردها وحيلها بكفاءة. وقد كان هذا رأي الصادق على تلك الأيام ولا يزال. وقد وبخ القوات المسلحة على هذا القصور يومها ثم عاد يذيع رأيه هذا فيما بعد. ومهما يكن من هذا الخلاف فان القوات المسلحة فهمت وافهمت الناس أنها كانت تقاتل وظهرها الى الحائط

    ولم يكن خافياً ان اقتصادنا كان في اسوأ حالاته. وقد رسم السيد دونالد اندرسون، سفير الولايات المتحدة في السودان آنذاك، صورة كئيبة لموارد الدولة. فلم يكن السودان في 1989 ينتج سوي خمس حاجته من القمح ويستورد أو يتكفف أكثر حاجته من الخارج. وكانت الحكومة لا تزال تدعم الخبز وتدفع (30%) من ثمن كل رغيفة. وزاد الأمر ضغثاً على ابالة بهبوط الناتج الاجمالي للبلد بمقدار (3%) كما هبطت تحويلات المغتربين، التي عليها الاتكال، من (60) مليون دولار الى (6) ملايين دولار. وبالنظر الى تكاسل السودان في دفع ديونه وحقوق المرابين كان منتظراً أن تزيد ديون البلد بمقدار (14) مليون دولار في منتصف 1989 وبمقدار (25) مليون دولار بنهاية العام. واثني السفير على ميرغني عبدالرحمن، وزير مالية حكومة الوحدة الوطنية، لموالاته سداد ديون الولايات المتحدة حتى لا تقطع عنا مدد القمح عن السودان

    ولم يكن دعم القوات المسلحة بالعتاد سهلاً. فلم تكن الموارد متاحة لنشتري حاجتنا منه في حين كفت الولايات المتحدة ومن دار في فلكها عن دعمنا بالنظر الى ما رأوه زيغاً في سياستنا الخارجية مثل ميل الصادق الى ليبيا وايران أو الحاح بعضنا على استمرار قوانين سبتمبر الاسلامية واثرها السلبي على الحرب الاهلية. ولما عز المال الحكومي انفتح الباب للعنتريات من مثل سفر السيد محمد عثمان الميرغني الى العراق وعودته منها محملاً بالراجمات التي ذاق الجيش حرها من الجيش الشعبي او حلفائه الاثيوبيين في الكرمك أول مرة. اما باب العنتريات الآخر فهو فتح باب التبرعات للمواطنين لدعم القوات المسلحة. وقد كتبت في وقتها اقول بفساد هذه الفكرة. وكانت هي المناسبة الاولى التي اعثر فيها باسم الرئيس عمرالبشير واستشهد بعبارة منه. فقد كان العميد البشير قد احرز نصراً مشهوداً على الجيش الشعبي في منطقة ميوم في سبتمبر 1987، وفي مقابلة له مع السيد عبدالله محمد عيسى، الصحفي بجريدة الايام (2 ديسمبر1987) قال انه لا يرى نفعاً من دعم القوات بالتبرعات من الناس الذين لا تريد القوات المسلحة منهم سوى الدعم المعنوي لردم الفجوة القائمة بين الملكية والجهدية. وقد تذكرت كلمته هذا خلال التنوير الذي قدمه العقيد حمدين الى اعضاء المؤتمر الوطني للحوار من اجل السلام في شتاء 1989، فقد جاءنا بلوحة رسم علىها سلسلة دوائر واسهم ترمز لمتاعب وقدرات القوات المسلحة في حرب الجنوب قبل الانقاذ. وأشار الى دائرة «المعنويات» وقال إنها كانت النقص الأفحش الذي كان يحرج القوات المسلحة ويعزلها ويصيبها في مقتل

    ولست اريد لقاريء كلمتى هذه ان يخرج بالانطباع بانني كنت مع تعطيل الممارسة النقابية في حقل الاجور دعماً للحرب عملاً بالقول «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». فقد رفضت دعوة السيد الصادق المهدي الى النقابات للكف عن لجاج المطالب في كلمة لي بجريدة الأيام عنوانها "عند الكرمك نذود عن حياض وطن تلتحم فيه الحرية بالعدالة الاجتماعية" قبيل استعادة الكرمك الأولى في شتاء 1988، غير انني نقدت الأفق السياسي والاجتماعي لحركة المطالب النقابية وما صحبها من اضرابات. فقد قلت في كلمتى أنه ما من شك أن تلك الحركة مصابة بمرض «العقلية النقابية المطلبية». وشخصت هذا المرض في تركيز النقابيين على شجرة المطالب في حين تغيب عنهم الغابة وهي حقيقة انهيار وافلاس مؤسسات القطاع العام التي علىها تدبير ميزانية ما تستجيب له من مطالب. وقلت في كلمتي ان هذه العلة النقابية نشأت من يأس الحركة النقابية والسياسية من اي اصلاح جذري في الاقتصاد الوطني بغير احالتنا الى توصيات المؤتمر الاقتصادي الوطني في عام 1986 أو 1987 بما يشبه وصفة السحرة وأفتح يا سمسم. ولذا اضحت المطالب والمكآفات المتولدة بعضها عن بعض هي ما تبقي للنقابات من ضمانة في سوق كالرمال المتحركة حتى صحت فيه الفكاهة البليغة عن الرجل الذي قال «يعني ما ننوم نحنا». وقلت ان المطالب التي ازعجت مزايداتها السيد الصادق ليست لغواً. إنها بالأحرى انتماء مؤسف لسوق العمل في اقتصاد الفوضى الذي امسك فاتلو العملة والطفيليون بحباله ونواصيه. وبلغت سطوة هؤلاء حداً انتزعوا به اقراراً من السيد الصادق قال فيه إن السوق الاسود قد هزم الحكومة. وخلصت من كل هذا الى القول:
    «سنرتكب خطأ كبيراً إن سألنا النقابات ان تصمت عن هذا الحوار حول حقوقها في كيكة الوطن، كما يقول الغربيون، لتأمين الجبهة الداخلية. فتأمين هذه الجبهة في إطار الديمقراطية لن يتم الا إذا أخذت النقابات الوقت المناسب لتكتشف ان العقلية النقابية المطلبية في صورتها الحالية انما هي حلقة مفرغة يحتاج كسرها الى هجمة فكرية على عصب الاقتصاد الوطني»

    وكان مأمول في اليسار قديمه وجزافيه أن يتدارس مع الحركة النقابية خطر العقلية المطلبية والتواثق معها على استراتجية ذكية تؤمن الديمقراطية السياسية كشرط مقدم على كل ماعداها. فقد كانت هذه الديمقراطية، كما رأينا، هي اول ضحايا المجابدة على كيكة الوطن الضامرة بين النقابات والقوات المسلحة التي كلفناها بحماية وحدة الوطن ثم لم نزودها زاد المجاهد الحق . ولم يكن بوسع اليسار الجزافي، في اعتقادي، طلب هذه الاستراتيجية للود المفقود بينه وبين الديمقراطية الليبرالية. ففاقد الشيء لا يحميه. علاوة على ان هذا اليسار قد تربي في أدب وحيل المعارضة ولم يطرأ له ابداً أن يتأدب بأدب الحكم وان يكتسب دبارته ووقاره. وقد استغربت دائماً انني لم اجد من بين اليساريين على طول عشرتي لهم من عليه سمت الحكم الذي هو النظر المحيط والتأني والصبر على تقلب الناس والمسائل. فاليساريون اصبر على السجن وشظف العيش وفراق الاهل والعشيرة أكثر من صبرهم على احتمالات ما يخطر للناس وما تسفر عنه المسائل. ولذا هزوا بجذع شجرة النظام الديمقراطي هزاً شديداً ووقعت الثمار للإسلاميين. وعجبت لعجب اليساريين من غلبة الاسلاميين بالانقلاب. فقد كانوا انشغلوا بهز الشجرة دون قراءة دفتر ومكر خصمهم. فقد قال الدكتور الترابي للسيد فتحي الضو في تحقيق نشره في كتابه (محنة النخبة السودانية) أنه يفضل الليبرالية على الديكتاتورية ما رق منها (عبود) وما غلظ (النميري). وتعوذ الترابي من الديكتاتورية الآتية التي ستنشق الارض عنها من جراء اخفاقات سياسية في التحالفات السياسية الحاكمة في الديمقراطية. وقال انه إذا ما حدث ذلك فسيسقط الحكم في يد ديكتاتور جديد يدعي أنه سينقذنا مرة أخرى. يقول اهلنا عن الرجل يثقب المستقبل بنظره أنه «سحار». والترابي سحار. لقد كتبت عن هذا من يوم قريب. ولكن طال الحديث
    ====

    Sudan for all the Sudanese ..السودان لكل السودانيين

                  

03-12-2003, 04:29 PM

sultan
<asultan
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: گيف طــار يسار الانتفاضة (1985) ثم گما طــار وقـع؟ (Re: sultan)


    سودانايل 11/3/2003
    اليسار الجزافي ينحل في الحركة الشعبية على ذمة علي عبد اللطيف

    د. عبد الله علي إبراهيم


    كنت قد زعمت أن مأزق الحركة السياسية عندنا أنها اكتفت من الفكر بما توافر لها عند التأسيس في سياق الحركة الوطنية وما عقبها واضربت من يومها عن تجديد النظر في مسألتها. وأفدح ما فعلت في هذا الباب انها نفرت حتى من ارادوا هذا التجديد بتجفيف بيئتها مما يغري بذلك. واستعنت بقوله تعالى «بئر معطلة وقصر مشيد» لوصف طلاق القوام الحزبي الهيكلي عن الفكر. وقد قرأت الاسبوع الماضي كلمة للمرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله، زعيم حزب الله اللبناني، كلمة عن محنة السياسة في بلاد العرب والمسلمين طابقت عقيدتي في الأمر اقتطفت للقاريء منها فقرة في الصندوق المرفق بالمقال

    كنت اخذت في شرح متاعب الفكر والاداء التي يعاني منها اليسار غير الشيوعي الذي استقل بالعمل السياسي على عهد انتفاضة ابريل 1985 بصورة واضحة كثيفة. وقد اطلقت عليه «اليسار الجزافي» لبيان وجوه انقطاعه عن مرجعية فكرية وشعبية مما ساقه الى التحالف مع الحركة الشعبية. وهذا تضامن سياسي مشروع لولا أنه خلا من الندية بما اظهر اليسار الجزافي كفرع غير معلن لقرنق. وقد اضطر اليسار الجزافي الى هذه الذيلية لأنه استهول المشروع الاسلامي ولم يرس جذوره في قطاع شعبي معلوم فأراد تكبير معارضته كيفما اتفق. وقد فسدت هذه المعارضة لأنها لم تنهض على أشراط في توقير الديمقراطية والحرية تسري على الحركة الشعبية سريانها على الاسلاميين بغير غض الطرف عن الحركة والقاء المعاذير لها وهي تتنكب سكة حقوق الانسان. ولم يزك الجزافيون تحالفهم مع الحركة الى الناس. فمن قصد البحر استقل السواقيا. اي ان من أراد خيراً بنفسه او بالحركة فليقصدها هي لا ان يتوسل لها بالوسيط

    ومرت الايام وكون اليسار الجزافي قوات التحالف وحركتها السياسية. وغير خاف ان المفاوضات التي تجري حالياً لدمج التحالف في الحركة، والتي افرد لها الاستاذ ضياء البلال فصلاً دقيق الأرق والتحري، في باكورة كتبه، هي بمثابة عودة الابن الضال وبشروط مخلة. وليس بين الاحزاب والمؤسسات السياسية من جفت بئره وتشلع قصره في آن معاً مثل قوات التحالف. وقد يشبه في "تشليع" القصر الحركة الجمهورية التي ملصت نفسها عن السياسة منذ زمن والتزمت بالأخوة الرؤومة والتربية منذ موت المرحوم محمود محمد طه، الذي هو بئرها ومورد سقياها

    واواصل حديثي هذا في مساءلة اليسار الجزافي، الذي قام بانقلاب يونيو 1989 عن طريق الاهمال لا القصد بالتعليق عن كيف ساقه يأسه من الديمقراطية الليبرالية، وقلة حيلته في استثمارها والعيش في كنفها الصعب، الى طرق المغامرة والفتنة. وكنت تطرقت في مقال الاسبوع الماضي الي أسلوبه في قيادة جمهوره في النقابات في حملة نقابية مطلبية بلا اعراف أو رشد هدت قماشة الديقراطية. وفي مرتنا هذه اختم قولي بالتعلىق على أخلاقية الحملة الثقافية التي أدارها هذا اليسار وسماها كشف مستور الثقافة العربسلامية من رق وتعصب ديني وهلمجرا. وسأتأسف على الطريقة التي التوي بها بتلك الحملة الواجبة من وجهة الاستنارة والتربية الى وجهة الفتنة القومية واثارة الضغائن يتحيل بها الى نصرة فريق سياسي دون فريق

    قال سيسرو، الكاتب الروماني القديم: «إذا جهل المرء ما جرى قبل مولده فسيعيش أبد دهره طفلاً غريرا». وقد بدا لي بمزيد التأمل في مسألة العرق في السودان وغير السودان أن شماليي الحركة الشعبية اغرار واهمون. فلم تكن مناسبة وعيهم بقضية الحركة في الاضطهاد العرقي سبباً لقراءة مدققة شفافة لتاريخ العلائق العرقية بين الشمال والجنوب التي أصلها في الخلاف. وهو الخلاف الذي يفرق السودانيين الى شماليين وجنوبيين بغض النظر عن خيارات الأفراد او حتى الجماعات من الطرفين. فلم تستو مسألة الجنوب على الجادة الا حين اقرت الدولة في اعلان 9 يونيو 1969 بالخلاف التاريخي والثقافي بين الشمال والجنوب. وكان العمل الوطني قبل هذا الاقرار الجليل، الذي كان وراء فكرته وصياغته المرحوم جوزيف قرنق، على عقيدة ان السودانيين أمة واحدة «أصلها في العرب ودينها (الاسلام) خير دين يحب». وهذا وصف يصدق على بعض السودانيين بالطبع ولا يصدق على جرائهم. ولكن القوى الشمالية التي طابقت وصف نشيد العطبراوي كانت، لمصادفة تأريخية اقرب الى الصدفة، قد سبقت الى الفكرة القومية وورثت الدولة الاستعمارية وسعت الى بناء الوطن على صورتها. ومضت بسعي حثيث تحوركل أهله، الذين تجلت آيات الله في خلقهم على اختلاف الالسن والالوان، ليكونوا على صورة الشماليين في الدين واللغة والشرائع

    اتفق الوطنيون القوميون والاسلاميون والعروبيون واليساريون الجزافيون في امر واحد على اتساع الشقة بينهم. فهم يغطون على الخلاف كجذر في تكوين ومحنة البلاد وشعوبها الشتى ويعملون الى رد البلد الي وحدة كاذبة بشكل أو آخر. فقد نفى القوميون الوطنيون والاسلاميون الخلاف التاريخي والعرقي بين الشمال والجنوب بقرينة الوطنية ومستلزماتها من وحدة الثقافة واللغة. ونفى اليساريون جزافاً في الشمال، من الجهة الأخرى، ذلك الخلاف بقرينة زمالة النضال والماركسية وحرب التسلط الشمالي والعقل العربسلامي. وتعددت الأسباب والجريرة واحدة. واعتقد اليساريون جزافاً في انفسهم انهم قد حلوا عقدة ذلك الخلاف، الذي لا سبيل للعلم بمسألة الجنوب بدون الاقرار به، بتحولهم هم انفسهم الى جنوبيين يا رسول الله. فقد هجروا جمهورهم المعروف، والشمالي غالباً، في الأحياء ومواقع العمل في الشمال ولاذوا الى الغاب الاستوائي جنداً في جيش التحرير. وبلغ بهم ولع محو شماليتهم الى حد الاقتران بجنوبيات طلباً للقضاء على الخلاف في أكثر أبوابه حرجاً وحساسية

    ولو كان هولاء اليساريون جزافاً يقرأون ويعقلون لعلموا ان حالة تشبههم بالجنوبيين حالة معلومة في الأدب السياسي العرقي العالمي. وهي حالة أقرب الى المرض الفكري في التشخيص السياسي منها الى الحق والسداد. فهم، بمقتضي قول للشهيد ستيف بيكو يصف الليبراليين البيض جزافاً في جنوب أفريقيا، قد ارادوا أن يكونوا قلوباً جنوبية بوجوه شمالية. وقد نصح بيكو هؤلاء الليبراليين أن يكفوا عن التدامج في حركة السود الأفريقيين حتى يخلعوا عن أنفسهم امتياز انهم بيض حتى ولو كرهوا ذلك البياض حقاً وخجلوا منه صدقاً. فقد قال لهم إن بياضهم هو جوازهم الى امتيازات تجمعهم بعتاة العنصريين وغالبأ ما تمتعوا بها حتى وهم يعارضون دولة العنصريين هؤلاء. وهكذا ردهم بيكو الى فقه الخلاف العرقي التاريخي في حين ارادوا هم تطهير انفسهم بالتدامج مع السود في طقوس ينسون في عطرها الثوري ، ولو الى حين، امتيازهم التاريخي الذي لا مهرب لهم منه. وقد كان الماركسي الانجليزي ريمند وليامز يطلب من اهل الجاه اياً كان ان يمحوا علمهم ((unlearn بهذا الجاه الذي أمدهم به نظام اجتماعي ظالم قبل ان يستقيم نضالهم ضده

    ليس رد المتحيلين والمتشبهين بأهل الأعراق المستضعفة لؤماً. بل هو تربية واجبة على الجادة السياسة. فلن نحسن تقدير المظام الدقيقة الدفينة الغراء التي في جذر غضبة الجنوبيين ومقاومتهم إذا ادرجناه جزافاً مع مظالم بعض الشماليين من نظام سياسي ما. ويحضرني في هذا السياق شاهد قوى عن كيف يبخس اليساريون الشماليون الجنوبيين اشياءهم حين يطابقون بين استيائهم من حكومة ما وبين غلب الجنوبيين من تركيبة الحكم التاريخية في السودان منذ بدء الاستقلال. فقد عقدت جريدة «الفجر» المعارضة، التي كانت تصدر في لندن قبيل مغرب القرن الماضي، ندوة تستفتي نفراً من المثقفين حول سوءات نظام الانقاذ في مناسبة ما ربما كانت مرور كذا سنة على مقدمه "التعيس". واجمع الشماليون أن من اكبر سوءات حكم الانقاذ أنه استن سنة التعذيب وبيوت الأشباح. وكان بين الحضور الدكتور بيتر نيوت ، الأستاذ السابق بكلية القانون بجامعة الخرطوم، الذي قال للمنتدين ربما كانت هذه السنة جديدة على الشماليين ولكنها نظام راتب قديم في الجنوب في ملابسات الحرب الأهلية الطويلة فيه. وهذا دليل على أن المتشبهين الشماليين والمتشبهات لن يبلغوا ابداً قرار الوجع الجنوبي ولو حاولوا بكل الصدق. ولذا لم يحسنوا ابداً، على مايبدو منهم من خلطة دقيقة بالجنوبيين، فهم طرائق تفكير الجنوبيين المترتبة على وجعهم المشهور. فقد ذكرت في مناسبة سلفت تحليل الجنوبيين لإنقلاب عبود في 1958 الذي جاء فيه انه ما قام الا ليحرم الجنوبيين من مطلب الفدريشن. ولم أقرأ قط لشمالي جزافي أو غير جزافي تحليلاً لذلك الانقلاب قال فيه إنه مكيدة شمالية أرادت تكميم الجنوبيين عن المناداة بالفدريشن

    ولعل أكثر ما أفسد مناخ التفاوض حول المسألة العرقية قبل انقلاب البشير الطاقة السلبية الثقافية التي اطلقها اليسار الجزافي. فقد اتجهوا الى الفتنة العرقية حين لم تقد الانتفاضة الى ما حلموا به من التآخي العرقي في البلاد. وجاءت الانتخابات وكشفت كالعادة عورة اليسار التقليدي والجزافي وهي خفة الوزن السياسي في البرلمان. وهذه خيبة فقدوا بها التأثير على مجريات الأحداث الذي متعتهم به انتفاضة ابريل 1985، وقد تناولت في عدد من كتاباتي منهجهم في هذه الفتنة الذي قام على «كشف ارشيف ثقافة الجلابي» المتعصبة المستعلية. وهو بالطبع كشف لا مهرب منه ليقف الشماليون على أنواع القيود الثقافية والتاريخية التي تحول دونهم ودون ان يصدعوا بالحق وأن يقبلوا بالآخر السوداني باخاء وإلفة. وهذا بعض ما نسميه حالياً بثقافة السلام. غير ان منهج اليسار الجزافي كان استثمار مفردات الارشيف الجلابي المحرجة المؤسية في التأجيج السياسي لصالح الحركة الشعبية وأطروحتها عن الاستعلاء العنصري الشمالي. وهي اطروحات اتسمت بشيء من الغلو في ترجمتها للعالم، والغربي منه خاصة. فقد درجت الحركة على تفصيل مظالم الجنوبيين العنصرية لتناسب الأفهام في الغرب التي تربت على استهجان النازية الاوربية وغيرها من النظم المستبدة. فقولها بتطابق النظام العنصري في السودان مع ذلك الذي كان في جنوب افريقيا (بل قال العقيد قرنق في ندوة بواشنطون إن عرقية جنوب أفريقيا فيها الرحمة) أو المحرقة-الهلوكست لا يصدر الا من جاهل بنظام الفصل العنصري والهلوكست او ممن زاد المحلبية

    وقد اعترضت على منهج الجزافيين في كشف المستور عن ثقافة الشمال بوجهين. اولهما انهم جاءوا الى نبش مسألة العرق بغير علم بفقهها. فقد برعوا زمنا طويلاًً في التعاطي بمعيار الطبقة في التحليل السياسي وأنكروا دور العرق في التاريخ. ولكنهم سرعان ما امتطوا حصان العرق حين واتتهم الفرصة للكيد لخصومهم السياسيين من دعاة الدولة الدينية او غيرهم. وأول مباديء جهلهم بهذا الأمر هو فساد استشهاداتهم عليه. فقد استدلوا بـ «رجعية» الشريعة على حكم وقع في محكمة شرعية في السبعينات فرقت بين شاب وشابة طلب يدها لعدم كفاءته لها لان في أصله شبهة عبودية. وكنت اقول لهم إنكم اشبه بمن يقرأ آية الكتاب الكريم «لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى» ويفهم منها انها تنهي عن الصلاة باطلاق. فلو كلفوا أنفسهم مشقة موالاة القضية في مرحلة الاستئناف حتى بلغت المحكمة الشرعية العليا لرأوا كيف ردت محكمة الموضوع عن عصبيتها وحكمت ان الكفاءة هي في الدين لا غيره على سنة المالكية. ومنع اليساريون جزافاً من بلوغ منهل هذا الحكم العذب، الذي طلب الاخاء ما استطاع في الوطن، انهم طلاب فضيحة وتأجيج وتأليب ينصرون فريقاً على فريق. وقد نشرت حيثيات هذا الحكم الدكتورة كارولين فلوهر- لوبان في كتابها عن الاسلام والدولة والاسرة في السودان عام 1987، ولكن من اين لليسار الجزافي وغيره الصبر على الدرس والتأني في الاحكام. وعلمت أن الدكتور محجوب التيجاني قد عرب كتاب السيدة كارولين منذ حين ولم ينشر مع أن طبعه لا يكلف ثمن قطعة سلاح واحد مما تدجج به المقاتلون اليساريون. لقد بخلوا علينا بنور المعرفة وارادوا تحريرنا بالعافية

    واخذت على اليساريين جزافاً، في سياق دمغي لهم بالفتنة العنصرية، انهم لا يريدون بكشفهم ارشيف الثقافة الشمالية، الذي هو فعل ثقافي، تربية الجماعة العربية المسلمة على أدب قبول الآخر والالفة معه. فهم ليس لهم قواعد مؤثرة بين الجمهور الشمالي يحاورونه ويراجعونه ويراجعهم في قناعاته العرقية الباطلة ويهدونه سواء السبيل. وقد كان لنا في اليسار الشيوعي كسب محمود في تربية قوى ذات بأس في الالفة السودانية. وقد استرقت تلك القوى السمع لنا وأخذت من قولنا احسنه حين وطنا أنفسنا في خضمها و حملناها بقوة ورفق ورشاقة لكي تجدد معارفها عن الآخر في وعثاء النضال اليومي طلباً للاستقلال السياسي او العدالة الاجتماعية. وقد زودناها بوسائط تربوية مبتكرة مثل النقابة والنادي الاجتماعي والاتحاد الطلابي أو المهني كبؤر حديثة لتخصيب وصهر التآخي السوداني بما يتجاوز القبيلة او الطائفة او الاقليم او العرق او الجنس. كما قوينا نازع الخير والايثار فيها بدمجها في حركة عالمية تقدمية مستبشرة خارطة طريقها المضيئة هي «اغنية آسيا وأفريقيا» للشاعر تاج السر الحسن التي ترفعهم من جبل الاطلس وتهبط بهم الي غابات الملايو في طرق لاحبة بالشغف بالحرية. وبخلو اليسار الجزافي من مرجعية الجمهور تطهر من مشاغل العمل اليومي بين قوى الأمة الحية، في عبارة لاستاذنا عبدالخالق محجوب. واصبح سمساراً نماماً فتاناً. وتهافت عليه زبائن مشبوهون لهم ولع بمنتوجاته المشبوهة عن «العقل العربي الاسلامي» وهم طوائف اللوبي الغربي المختلفة التي لم يعرف عنها شفقة على العرب والاسلام ولو أحسنا. ودون ذلك كتاب ادوارد سعيد عن كيف تغطي الصحافة الغربية الشأن العربي والاسلامي. فقد قال سعيد إنه بينما انقرضت الكتابات المعممة عن العقل الجمعي لشعب ما أو ثقافة في مضمار الاكاديميات وغيرها فمثل هذه الكتابات عن العقل العربي أو الاسلامي لا تزال رائجة من فرط هوان العرب والمسلمين الذين لا يظن أحد بهم فطنة او تفرداً مميزاً

    وفي مأزق اليسار الجزافي حيال الألفة في الوطن ذي الماضي المرعب مشابه مما يأخذه آخرون على اليسار الجديد في بلاد اخرى. فقد نعى ريتشارد روتري، الامريكي، في كتاب اصدره من قريب غروب اليسار الاصلاحي (الشيوعي) وحلول اليسار الجديد مكانه منذ الستينات. فقد زهد اليسار الجديد من فرط طلبه الصفاء وظنه ذلك في نفسه، في قول روتري، في الأخذ بقضايا تبناها اليسار القديم والتي تطلبت منه استعداداً للمساومة بشيء مما في المباديء ليتمكن من عقد تحالفات مع جماعات لم تكن في حسن ظنه اصلاً. ويتهم أهل اليسار القديم اليسار الجديد بأنه قد هجر البصارة والدبارة (البرجماتية) الى صفاء النظريات. وقد رجحت عنده السياسات الثقافية من عرق وانثوية بغير تنزيل لها في الممارسة السياسية الواقعية. فقد سخراليسار الجديد من فكرة ان بالوسع استخدام المؤسسة الديمقراطية مرة اخرى لغاية استنزال العدالة الاجتماعية في المجتمع. وقد دفعهم ذلك لاسقاط الامل والتفاؤل بالتغيير واستبدلوا ذلك بمحض الاستزادة من المعرفة بالاشياء. ويعد روتري في حسنات هذا اليسار أنه رفع الضيم عن النساء والاقليات العرقية والطاعمين ((Gay ممن اكتووا من نير سياسات سادية سادت. فقد زهد هذا اليسار الامريكي في العزة بوطنه الذي اساء الي الهنود الحمر او الفيتناميين. ولم يتبينوا انه مهما اقترفت الامة من جرائم فليس مثل الديمقراطية الدستورية آلية لاسترداد الامة لاحترامها لنفسها. فاذا قال اليسار الجديد ان الديمقراطية عاجزة عن اسداء هذه الخدمة للوطن المذنب فانهم يكونون قد وقعوا في فهم جريمة وطنهم في حق الاقليات الدينية والعرقية والنوعية كخطيئة في المعنى الديني و فارقوا بذلك العلمانية ومقتضيات الامل الاجتماعي. واستشعار الحدث التاريخي كخطيئة، في قول روتري، هو انتحار سياسي. وعلى الناس أن لا يشتطوا في تقليب صفحات الماضي الفادح حتى لا يتورطوا في وخز الخطيئة. فالأمل في تخطي حلكة الزمان وابتداء العفو والعافية وتجديد البشرى بالوطن تبدأ تحديداً قبل ان تنزلق أقدامنا في طريق الخطيئة الانتحاري. وكانت الخطيئة هي العاطفة الصادقة الوحيدة في خطاب اليسار الجزافي عن أوجاع الجنوب التاريخي. ولاتزال. اما سياستهم فحدث ولا حرج

    وهم في خطيئتهم واعون. فقد نبهني كتاب ضياء الدين بلال «الشماليون داخل حركة قرنق» الى معنى مبتكر في طبع اليسار الجزافي. فقد استغرب بلال لماذا احتاجت قوات التحالف لاسترجاع ذكرى على عبداللطيف، قائد ثورة 1924 علىه الرحمة، مراراً وتكراراً في منعطفات حلها لنفسها وانخراطها في الحركة الشعبية. وأوحي بلال الى أنه ربما خالط القوات نوع من الحرج في تسليم قدرها لجنوبي مما دفعها للبحث عن سابقة أسلم الشماليون فيها قيادهم لغير «ود عرب» وهو على عبد اللطيف الذي امه من النوبة وأبوه من الدينكا وهم شعب قرنق. ولاحظ ضياء ان مرجعية على عبداللطيف هي ما ظل يرد عن قوات التحالف لا تشاركهم في ذلك الحركة الشعبية. ونبه ضياء الى ان الجنوبيين ربما لم يروا في عبد اللطيف الرمز الايجابي الذي تحلقت حوله قوات التحالف. وقال ان الجنوبيين ربما رأوا في على عبداللطيف :«نموذج الشخص المستلب المنقطع عن اصوله العرقية والمنتسب ثقافة واسماً وتطلعاً للثقافة العربية والاسلامية بمصر ... او نموذج الجنوبي الذي أمكن خداعه واستغلاله من قبل العناصر العربية في الداخل والخارج مستغلين فيه حماسته وشجاعته واقدامه على الفعل العسكري ثم الانسحاب منه وتركه وحيداً يواجه مصير السجن والاعتقال الى ان توفي في مستشفي العباسية للأمراض النفسية والعقلية في مصر في صباح 29 اكتوبر 1948»

    لا اظن أن دقائق المعاني النفسية والتاريخية والخلافية التي ذهب اليها بلال قد طرأت أبداً على خاطر يسار التحالف وهو يستدعي التاريخ جزافا من فرط حرجه أن يسلم امره لقيادة العقيد قرنق بغير معاذير أو توثيق تاريخي. فقد استلوا من ارشيفهم ذاكرة على عبداللطيف من غير ان يسألوا إن كان للرجل وقع في التاريخ الجنوبي مماثل لوقعه في التاريخ الشمالي. فاليسار الجزافي وكثير من الشماليين قد "تسيست" عندهم مسألة الجنوب من فرط ارتباطها بكراسي الحكم أو الجاه حتى غاب عنهم أن اصلها في وجع كثير ودمع كثير ودم كثير. ومن شان الوعي التاريخي بعلم آثار الوجع الجنوبي ان نربي به ذوقاً للجنوب ارأف وأذكي وأبقي من المعروض في المحال السياسية وبما فيها الحركة الشعبية، ربما

    من حديث للمرجع محمد حسين فضل الله الى جريدة النهار (5/3/2003) فيه معنى البئر المعطلة والقصر المشيد

    هل يعني هذا ان الكلام الذي تطرحونه تلتزمه الحركات والاحزاب الاسلامية؟

    - انا لا استطيع ان اتحدث عن شمولية في السلبي او الايجابي، لكنني اتصور ان مشكلة الاحزاب الاسلامية، حتى التي استطاعت ان تنجح في مبادراتها او مواجهاتها، انها لا تزال تعيش في حمى الخمسينات السياسية التي ادخلت الانفعال في عمق الممارسة السياسية بحيث تحوّل الجانب السياسي في العلاقة بين القيادة والقاعدة حالة شعاراتية تجتذب الجماهير اكثر مما تثقفهم. واقدم ملاحظة في هذا المجال هو اننا لو اردنا ان نقوم باستفتاء ميداني للقاعدة الشعبية سواء عند الاحزاب الاسلامية او العلمانية والتي تندفع مع قادتها نحو رفض احتلال او واقع ظالم او ما شابه ذلك، فاننا نلاحظ انها لا تملك ثقافة ما تتحرك فيها. لتجر عملية استفتاء في مسألة مواجهة اسرائيل تشمل كل الاحزاب العربية القومية والاسلامية، فكم هي نسبة القاعدة الشعبية التي تملك مسألة الثقافة الاسرائيلية. هناك كلام عام ان اسرائيل دولة احتلال ولها اطماع في العالم العربي والاسلامي وثمة تحالف بينها وبين امريكا. اما الآليات والاسلوب والافق وكيف يمكننا ان نطور تجربة ناجحة لتجربة ناجحة اخرى، وكيف يمكن ان ندرس عناصر النجاح في هذه العملية او عناصر الفشل في تلك العملية فلا شيء عنها



    ====

    Sudan for all the Sudanese ..السودان لكل السودانيين

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de