بين خالد التاريخ وخالد اللا تاريخ

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-29-2024, 07:18 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2002م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-05-2003, 09:18 AM

Abomihyar
<aAbomihyar
تاريخ التسجيل: 03-19-2002
مجموع المشاركات: 2405

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
بين خالد التاريخ وخالد اللا تاريخ

    أستاذي خالد الحاج أستاذ التاريخ.. أستفذه
    أن يتم العبث بالتاريخ فأنصفه وأنصفني حين تجرأ عليه خالد المبارك




    --------------------------------------------------------------------------
    أول صحيفة سودانية تصدر عبر الإنترنت من الخرطوم - أسسها خالد عز الدين و محمد
    علي عبد الحليم


    --------------------------------------------------------------------------------

    رئيس التحرير: طارق الجزولي



    [email protected]




    Last Update 04 January, 2003 10:13:11 ص

    ثورة رفاعة 1946

    التاريخ بين المثقفين المصريين والمثقفين السودانيين

    خالد الحاج عبد المحمود

    [email protected]



    ان الأمم تهتم بتاريخها، وتاريخ عظمائها، وترصد الأحداث التي مرت بها، وتجعلها حية، في عقول، وقلوب، ابنائها وبناتها كي تهتدي بها في حاضرها وتخطط عبرها لمستقبلها.

    لقد لفت نظري، البون الشاسع، بين المثقفين السودانيين، والمثقفين المصريين، في اهتمامهم بتاريخ بلادهم، وموقفهم منه، واهنمامهم بالرواد الذين صنعوا ذلك التاريخ فقد وجدت المصريين- وكثيرون غيرهم- يهتمون اهتماماً بالغاً بتاريخ بلادهم، واحداثه ورجاله.. يخلدونه، وينشرونه من خلال البحث العلمي الجاد، ومن خلال العمل الفني الرفيع، حتى يظل حيا في وجدان الأمة.. أقول هذا، وأنا قد تابعت، هذه الأيام، مسلسلا مصريا حول حياة وافكار " قاسم أمين".. والمسلسل لايؤرخ لقاسم أمين فقط ، وإنما لكل الزعماء والمفكرين، والساسة، الذين عاصروه، على مختلف مشاربهم، وأفكارهم .. وهؤلاء مثل: الشيخ المجدد محمد عبده، والمفكر لطفي السيد، والزعيم سعد زغلول والرائد الوطني الكبير مصطفى كامل، والشعراء حافظ وشوقي، والرائد الاقتصادي طلعت حرب، الى آخر هؤلآء النفر الكرام، من رواد نهضة مصر الحديثة.. وكذلك يعرض هذه الأيام في العديد من القنوات المسلسل المصري: "فارس بلا جواد".. ومن خلال أحداث هذا المسلسل، أبرز المخرج أحداث قرية دنشواي المصرية في مواجهة الاستمار الانجلبزي، بصورة قوية مؤثرة، خصوصا المشهد الدرامي لاعدام بعض أفراد القرية على يد الانجليز- وهو مشهد استفاد فيه المخرج، من مشهد اعدام عمر المختار، في الفلم الذي صرفت ليبيا مبالغ هائلة لاخراجه، وتخليد سيرة بطلهاالعظيم، وقد اسندت البطولة في هذا الفلم للمثل العالمي الكبير"انطوني كوين" وقد استطاعت ليبيا عبر الفلم أن تجعل شخصية عمر المختار ونضاله، حيا، ليس في وجدان الشعب الليبي فقط، وانما في وجدان الشعوب العربية عامة.

    ونحن لانجد حدثاً، أوشخصاً، في تاريخ مصر – منذ الفراعنة، وحتى ثورة يوليو – الا وقد قامت الجهات الرسمية والمثقفون، بابرازه، وتخلبده، من خلال الدراسة والنشر ومن خلال وسائل الاعلام المختلفة أو من خلال عمل فني، أونصب أوتسمية مرفق، أو شارع باسمه.. وما من زائر يزور وسط مدينة القاهرة الا ويطالعه طلعت حرب مثلاً، في تمثال أقيم له، في ميدان هام، سمي باسمه، وكذلك العقاد وكل الرواد، حتى شامبليون الأجنبي، خلدوه بتسمية شارع هام، في وسط القاهرة باسمه عرفاناً لما قام به من دور خطير في تاريخ مصر- وبهذه المناسبة.. ماذا فعلنا نحن بالدكتور هكوك؟!! الى اين انتهت قضية مقتله وأين أوراقه؟!!

    وماذا فعل تلاميذه في مواصلة دراسته العلمية الجادة في تأصيل تاريخ السودان القديم؟ لو كنت، في مكان القرار بجامعة الخرطوم لقمت، على الأقل، بنسمية قاعة هامة من قاعات الجامعة باسم دكتور "هكوك" عرفاناً ووفاءاً، لوفائه.

    عموما أنت لاتجد حدثاً أو شخصاً، له دور في تاريخ مصر القديم، أو الحديث والمعاصر، الا وتجدهم قد خلدوه من خلال عمل ما، لا يختلف في ذلك الزعبم الديني عن السياسي، أو الاقتصادي، أو الأديب والمفكر، والفنان.. حتى الشيخ الشعراوي المعاصر أخرجوا عنه مسلسلا، يعرض هذه الأيام تحت اسم "امام الدعاة " وهذا أمر ليس فاصرا على المثقفين المصريين، وانما تجد له ضريبا في معظم بلدان العالم.

    فاين نحن من ذلك؟! ماهو دور الحكام، والمثقفين عندنا، منذ الاستقلال وحتى اليوم في هذا الصدد؟! لاشئ يذكر.. ان الكثير من المتعلمين عندنا يجهلون الرواد من الساسة والوطنيين، ومن رجال الدين والمفكرين، ومن الفنانين المبدعين.. فقل لي بربك كم من المتعلمين عندنا، سمع ـ مجرد السماع ـ بالمفكر والاديب الفذ معاوية نور؟! انا علي يقين من ان شخصية، مثل شخصية الشيخ بابكر بدري كرائد للتعليم وتعليم المرأة بالذات، لو كان مصريا، لخلدوه باكثر من عمل، خصوصا أن الرجل قد جعل الأمر ميسرا لذلك، بما كتب من مذكرات ضافية.

    وليت الأمر وقف عند مثقفينا، عند مجرد السلبية، ولكنه، وبكل أسف وصل عند بعض، حد الجحود، وعدم الأمانة الفكرية، بسبب من العداوات الشخصية الضيقة أو بسبب السعي في التقرب الى جهات، يطمعون في التقرب اليها!! لقد وصل الأمر ببعض مثقفينا الى حد العمل على تشويه تاريخنا الناصع!! ولكن هيهات!! هيهات!!

    ان مشكلة جنوب السودان، هي مشكلة السودان الأولى: كانت، ولا تزال .. وهي قد وجدت من كل حادب على مصلحة البلاد الاهتمام، والعمل الجاد، على ايجاد الحلول لها.. ولقد كان الأستاذ محمود محمد طه، على رأس من تصدوا لهذه المشكلة، قبل أن تتفاقم، وتصبح حرباً أهلية، لا زلنا نعاني من ويلاتها، حيث أصدر كتاب: "أسس دستور السودان" في عام 1955م.. ثم تناول القضية عبر تاريخ عمله العام الطويل، من خلال الخطابة، والكتابة المكثفة في الكتب والمنشورات، والى آخر منشور، حكم عليه بسببه نظام نميري بالاعدام، منشور:"هذا أوالطوفان".. فلا يستطيع أحد، أن يغفل دور الأستاذ محمود والجمهوريين في التصدي لقضية الجنوب.. ولكن أحد المثقفين، من أبناء الجنوب هو السيد أبيل ألير، كتب كتاباً ضخماً، عن مشكلة الجنوب، يتظلم فيه من نقض العهود.. ولم يفتح الله على أبيل، بكلمة واحدة يذكرها عن دور الأستاذ محمود والجمهوريين!! هذا مع أنه ذكر ادواراً لأفراد .. بل أنه ذكر حتى اصحاب الأدوار السلبية!! ومن المفترض في ابيل انه صاحب قضية حارة، وقد اكتوى بنار الظلم، فهو يأباه لنفسه، ولغيره..

    وابيل رجل قانون، المفترض فيه أنه تثقف وتربى على العدل!! وهو ينعي على الآخرين نقض العهود فما باله هو، يعشى عن الوفاء للأوفياء؟!! هل يجهل ابيل دور الأستاذ محمود في قضية الجنوب؟!! هل لم يسمع بكتاب" أسسس دستور السودان"، وهو المثقف والسياسي صاحب القضية ؟!! هل لم يسمع بكتاب الجمهوريين "جنوب السودان المشكلة والحل" ؟! هل لم يسمع قط بأي منشور، أو محاضرة أو ركن نقاش تعرض فيه الجمهورين لمشكلة الجنوب؟! هل لم يطلع على المنشور الذي حوكم من اجله الأستاذ محمود؟! ان هذا امر مستحيل.. فقضية أبيل ليست قضية نقص معلومات.. اذن فما السبب؟! نترك الاجابة عليه لأبيل وللقراء..

    وآخرون.. نفر من الأكاديميين، وضعوا كتابا في مقرر التاريخ للصف الثالث الثانوي: والكتاب في جملته عمل ركيك، لايمكن ان يجاز لو كان هناك قسم للمناهج له سلطة حقيقية، وملتزم بضوابط العمل الأكاديمي الصحيح، ومقتضيات وضع المنهج السليم.. أقل مايقال عن الكتاب أنه ليست فيه وحدة موضوع وانما نتف من هنا وهناك، ثم هو يقوم على ترتيب تاريخي معكوس لا يمكن أن يصدر عن اي شخص له علاقة بمادة التاريخ، فهو يبدأ باحداث في القرن العشرين، وينتهي في بابه الأخير، بحديث عن الحضارة الأسلامية التي تبدأ في القرن السادس الميلادي!! وهذه وحدها، كافية في أن تخرج الكتاب، من أن يكون عملا أكاديميا يستحق أن يقرر على طلاب.. ولكننا هنا، لسنا بصدد الحديث عن هذا المنهج فمثله كثير!! وانما اردنا فقط أن نشير البه في اطار حديثنا عن المثقفين السودانيين.. فقد تعرض الكتاب، في اطار حديثه عن الحركة الوطنية في الأربعينات لنشاة الأحزاب السودانية، ودورها في الحركة الوطنية.. وأورد أسماء أربعة عشر حزباً، منها مالم يعمر اكثر من عام، وطبيعي أن معظمها لم يكن له دور في الحركة الوطنية، بل ذكروا حزبا ليس له دور في الحركة الوطنية لأنه لم يكن موجوداً أساساً، فمددوا حديثهم ليشملوه بالذكر، وأعطوه مساحة أكبر من الأحزاب الأخرى، ولا يوجد أي سبب لذلك سوى أن يكون بعضهم ينتمون اليه أو يريدون التقرب الى من ينتمي اليه!! هؤلآء النفر لم يوردوا أي ذكر للحزب الجمهوري، ولو بمجرد ذكر اسمه ضمن الأحزاب التي نشأت في ذلك التاريخ ولا يمكن ان اتصور انهم يجهلون الحزب الجمهوري، وتاريخه الوطني، وهو الذي قدم أول سجين سياسي في الأربعينات، وأقلقت منشورات، وخطب كوادره مضاجع الأنجليز!! ولكنه الغرض، وانحرافات الأهواء.

    وكل الذي ذكرناه، عن سلبية المثقفين، وعدم تقديرهم لتراثهم التاريخي، ولرواد الإصلاح، وعدم الأمانة الفكرية عند بعضهم، هو أقل سوءاً بكثير، من الدرك السحيق الذي انحدر اليه د. خالد المبارك وهو يتحدث عن ثورة رفاعة 1946م حديثا مسفا، لا علاقة له بالموضوعية، والأمانة الفكرية، اللتين ينبغي أن يتحلى بهما من يتصدى لتقويم أحداث التاريخ.



    د.خالد المبارك وثورة رفاعة:

    لقد تعرض د. خالد المبارك، لأحداث ثورة رفاعة 1946م في حديث له بجريدة الرأى العام بتاريخ 19/11/2002م، هبط فيه بدور المثقفين الى قاع، يصعب أن يجاريه فيه أحد .. فقد جاء حديثه، متحاملا مغرضا، يفتقر الى ابسط قيم الفكر الموضوعي الأمين.. فالموضوعية في ابسط صورها تقتضي ذكر الحقائق كماهي، ثم مناقشتها، لا تبديلها وعكسها، أو تحريفها.. ولكن لنرى، من اقوال خالد المبارك، ماذا فعل!! فقد جاء من أقواله من ذلك المقال: " لكن الأستاذ محمود محمد طه ارتكب عدة أخطاء تقديرية جسيمة. حدثت انتفاضة رفاعة- التي اشاد بها المتحدث- احتجاجاً على قرار الادارة الاستعمارية بمنع الخفاض الفرعوني. قيل للعامة: يريد الانجليز ان يتدخلوا في كل شئ حتى ..... بناتكم.. وفعلا ثار الناس حماية للشرف الرفيع، وكان على رأسهم الأستاذ محمود. كان موقفه متخلفاً ورجعباً، في مواجهة قرار تحديثي جرئ وسليم. انتفاضة رفاعة المزعومة ليست من مآثرنا في النضال ضد الاستعمار، بل هي من مخازينا، ويقع وزرها على الأستاذ محمود محمد طه. قيل لنا أنها مثل اضرابات الطعام في المدارس، واضرابات زيادة الأجور العمالية، مجرد ظاهرة اجتماعية، لمضمون سياسي هو رفض الاستعمار، وهذا دفاع واه، لأن الأستاذ محمود لم يراجع موقفه علنا أو يذكر مبرراته بعد نيل الاستقلال" !!

    .. هذا حديث قاله سوداني، لا شك في سودانيته من حيث: الدم وشهادة الجنسية!! ثم هو رجل منسوب للثقافة!! بل وربما الفن ايضا!! " فانها لاتعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور "!!.. بدل "قيل لنا "، كان ينبغي أن تقول من الذي قال لك، وما نص قوله، وما هو المصدر الذي استقيت منه هذا القول، هذا ماتقتضيه الموضوعية والأمانة الفكرية، اللتين حدت عنهما حيادا تاما!! ما الذي يجعل ثورة شعبية، قامت ضد المستعمر، واجه فيها الشعب الرصاص، وتعرض للمحاكم والسجون، ما الذي يجعل هذه الثورة في نظر د. خالد المبارك "من الأخطاء التقديرية الجسيمة ".. وموقف قائدها موقف متخلف ورجعي.. وهي "ليست من مآثرنا في النضال ضد الاستعمار، بل من مخازينا"!! كل هذا السباب الفظ ، ما الذي يبرره في نظر قائله د.خالد المبارك؟! السبب في نظر قائل العبارات، وحسب عبارته هو، أن ثورة رفاعة قامت "احتجاجًا على قرار الادارة الاستعمارية بمنع الخفاض الفرعوني"!! وهو يقرر هذا الأمر تقريرا، دون أن يحاول ايراد اي دليل عليه!! فخالد المبارك يريد أن يقول أن الأستاذ محمود، وثوار رفاعة يؤيدون الخفاض الفرعوني ولذلك قاموا بثورتهم ضد الانجليز، لأنهم منعوا هذا الخفاض، في قرار "تحديثي جرئ و سليم" حسب عبارته!! لو كان د. خالد المبارك موضوعيا أو امينا لعرض الموقف كما هو، ثم ناقشه، ولكنه لم يكن كذلك .. فما هو موقف الأستاذ محمود والجمهوريين من الخفاض الفرعوني؟

    ان الجمهوريين يرون منذ البداية، أن الخفاض عادة سيئة وضارة، وكان لخالد المبارك ان يرى ذلك بوضوح لو أراد، فقد جاء في منشور الخفاض مثلا: " لانريد بكتابنا هذا أن نقف موقف المدافع عن الخفاض الفرعوني ولا نريد أن نتعرض بالتحليل للظروف التي أوحت به لأهل السودان، ولكننا نريد نتعرض لمعاملات خاصة وأساليب خاصة، وسنن خاصة سنتها حكومة السودان، أو قل ابتدعتها ابتداعا- وأرادتنا أن ننزل على حكم ابتدعها ارغاما"..الخطوط تحت الكلمات من وضع الكاتب.

    ويمضي المنشور ليكشف الغرض الحقيقي والمبيت من اصدار القانون، فيقول: "لا شك أن مجرد التفكير في الالتجاء الى القانون للقضاء على عادة مستاصلة في النفوس تاصل الخفاض الفرعوني دليل قاطع على أن حكومة السودان اما أن يكون رسخ في ذهنها أننا شعب تستطيع القوة وحدها أن تثنيه عن كل مبدأ، أو عقيدة أو أن تكون قد ارادت أن تقول للعالم الخارجي ان السودانيين قوم متعنتون وأن تعنتهم الذي الجأنا للقانون لأستئصال عادة الخفاض الفرعوني الهمجية، هو نفس التعنت الذي وقف في سبيلنا، وشل أيدينا عن استعمال الأراضي الواسعة الخصبة في الجنوب والاستفادة من مياه الدندر والرهد والأتبرا، والتوسع في التعليم.. هذا من ناحية الالتجاء للقانون.. وأما القانون في ذاته فهو قانون اريد به اذلال النفوس واهدار الكرامة والترويض على النقائص والمهانة.." اذن فالجمهوريين، وحسب منشورهم، لا يدافعون عن الخفاض الفرعوني، فهو عندهم- كما هو عند أي مثقف- عادة ذميمة، وضارة، بل وهمجية، كما ورد في عباراتهم.. و الأستاذ محمود، والجمهوريون ليسوا فقط ضد عادة الخفاض الفرعوني وانما هم ضد خفاض المرأة في أي صورة من صوره، كما سنبينه في موضعه.

    القانون، أي قانون، ليس مجرد نص، وانما هو علاقة تكامل بين النص، والجهة التي اصدرته وغرضها من اصداره، والظروف التي صدر فيها، وآليات تطبيقه.. وأي قانون يصدر من المستعمر، وبحكم طبيعته الاستعمارية لابد ان يكون وراء غرض المستعمر، ومصالحه، لا مصالح الشعب المستعمر، هذا من حيث المبدأ.. وقد بين الجمهوريين بيانا وافيا، الغرض الاستعماري من سن قانون الخفاض الفرعوني ومما جاء في هذا الصدد في منشورهم وفي كتاب: "الخفاض الفرعوني" مانصه :

    "1- الانجليز كأستعمار لم يكونوا يعملون على توعية، وترقية، الشعوب التي تحت حكمهم ولم يكن ذلك لمصلحتهم، بل كانوا يسعون الى تجميد وعي هذه الشعوب ليحكموا اطول فترة ممكنه .. ولذلك لايوجد سبب موضوعي للاعتقاد بان الانجليز لم يكونوا يريدون من قانون الخفاض سوي محاربة عادة ذميمة وليس لهم غرض استعماري وراء ذلك

    2- العادات لاتحارب بالقانون .. وقد ثبت ذلك بالتجربة الطويلة، وفي عديد البلدان، وقد كان واضحاً للجمهوريين منذ البداية .. وهو لم يكن خافياً، علي الانجليز، ولكنهم كانوا يريدون شيئاً غير محاربة الخفاض .

    3- لقد كان توقيت صدور القانون مؤشراً اساسياً للغرض الاستعماري الذي دفع اليه .. فلقد شهدت فترة صدور القانون، والعمل علي تنفيذه " 1945-1946 " نشاطاً سياسياً مكثفاً، وأشتد فيها الحماس والوطني، وعلا صوت السودانيين في المطالبة بالاستقلال، وكانت دولتا الحكم الثنائي تتهيئان لعقد مفاوضات صدقي- استانسجيت .. وفي هذا الوقت بالذات، سن الانجليز القانون، وتشددوا في تطبيقه، وكانوا يعلمون أن السودانيين سيقاومونه طالما انه تدخل في امر يتعرض للعرض والشرف .. وكان غرض الانجليز هو اظهار السودانيين بمظهر الهمجية، والتخلف، حتي يستطيع الانجليز ان يدعوا انهم لايستحقون الاستقلال، ولم يتهيئوا له بعد .. وكان هذا الغرض واضحاً للجمهوريين وكشفوه في اول منشور لهم

    4- وقد كان من اغراض الانجليز من اصدار القانون اهدار كرامة المواطنين ، وترويض النفوس علي المهانة والذل .

    5- أن عقوبة السجن بالنسبة للنساء تعتبر عند السودانيين أمراً شاذاً ومهيناً، ويفقد المرأة سمعتها .. وقد نص قانون الخفاض علي عقوبة السجن في حالة المخالفة، ولم يستثن في ذلك النساء، وطالما ان العادة مستأصلة في المجتمع فقد كان من المنتظر أن تتعرض حرائر النساء المحصنات للسجن بهذه الصورة المهينة والمشينة للسمعة .. وهذا ماتم بالفعل في حادث رفاعة واستوجب الوقوف ضده بحزم، ولم يتوان المواطنون في ذلك، وخاضوها ثورة عارمة ذهبت بهيبة الانجليز من الصدور، وزعزعت جبروتهم .. " صفحة (3 .. هذا أمر واضح جداً ومصادره متوفرة، وادني حد من الموضوعية كان يقتضي من د. خالد المبارك مناقشته، ولكنه لم يفعل، وهو لم يفعل لانه مغرض بادئ الغرض .

    الاستاذ محمود ضد كل صور الخفاض :-
    يقول د. خالد المبارك : ".. وهذا دفاع واه لان الاستاذ محمود لم يراجع موقفه علناً او يذكر مبرراته بعد نيل الاستقلال " .. ليس للاستاذ محمود موقف يحتاج لمراجعته، فموقفه كان واضحاً في حينه، ولايحتاج لمبررات بعد الاستقلال، وقد ذكرنا طرفاً منه اعلاه، وإنما انت، وبسبب الغرض من عشيت عيناك عنه .. وانت لم ترجع الي أي مرجع، في هذا الصدد قبل الاستقلال أو بعده ، والا فقد كنت تجد في كتاب : "معالم علي طريق تطور الفكرة الجمهورية" مثل هذا النص مثلاً "وبعد فأن عادة الخفاض الفرعوني لاتزال تمارس رغم وجود القانون ورغم سوء هذه العادة البالغ وذلك لسببين أولاً : لم تتفق التوعية الكافية للشعب عن قبح هذه العادة ومضارها .. مثل هذه العادات الحساسة المتأصلة في مجتمع مثل مجتمعنا، لايقتلعها القانون وحده، وماينبغي له ان يقتلعها .. وانما الذي يقتلعها نهائياً هو التربية والتوعية الشعبية" صفحة (52) – صدر الكتاب في مايو 1976م .. ان من يقول مثل هذا القول لايمكن ، في شرعة العقل السليم، أن يتهم بأنه يساند الخفاض .

    أن الاستاذ محمود هو ضد الخفاض من حيث هو، لا الخفاض الفرعوني فقط .. وموقفه هذا معلن وواضح، وهو ماينسجم مع طبيعة دعوته بداهة .. فقد جاء في هذا الصدد من كتاب "الخفاض الفرعوني" الصادر في اكتوبر 1981م عنوان جانبي يقول : "الخفاض ليس سنة " !! ومما جاء تحت هذا العنوان "أصبح من الشائع بين الناس أن هناك نوع من الخفاض يسمي { خفاض السنة } وهذا خطأ شائع : فالاسلام عندما جاء في القرن السابع لم يسن الخفاض، وانما كانت ممارسة الخفاض سابقة لمجئ الاسلام بأمد بعيد، كما راينا عند حديث عن تاريخ الخفاض .. وفي حديث أحمد، قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء" ، وهذا حديث واضح في التدليل علي ان الخفاض ليس سنة، فالنبي الكريم لم يسمه سنة، وانما سماه مكرمة، في حين سمي الختان بالنسبة للرجال سنة .

    والمكرمة في الختان أنما تجئ من حكم الوقت، الذي جعل الوصاية علي المرأة وما يتفرع عليها من تشاريع هي الوسيلة للصون والعفة .. فالختان حتي في المستوي المهذب منه هو تشريع مرحلي، وليس اصلاً في الاسلام، وإنما الاصل هو العفة التي تقوم في الصدور، صدور الرجال والنساء، وهذه ليس سبيلها الكبت وإنما سبيلها هو التربية" صفحة ( 46) .. وهذا قول لا يملك امثالك ان يقولوا به، رغم ماتدعي من تقدميه، لانك لا تملك السند الديني الذي يقوم عليه، ولا يمكن من غير سند ديني معالجة قضية الخفاض التي ارتبطت في ذهن الشعب بالدين .

    ثورة لم يحركها قانون:
    بقي امران، ليظهر مدي تجني د. خالد المبارك، ومجافاته التامة للحقيقة .. أولهما : ثورة رفاعة اساساً لم تتحرك لمقاومة قانون الخفاض الفرعوني، أو اي قانون أخر .. هي لم تحركها مقاومة قانون وأنما حركتها احداث .. اقتيدت امرأة الي السجن، هكذا بدأت الاحداث وتحرك الثوار وأطلقوا سراحها .. ثم أقتيدت مرة اخري في جنح الليل، بصورة لا تمت بصلة لعمل الحكومات، فاستفز ذلك الثوار فتحركوا لاطلاق سراحها، الي اخر سلسلة الاحداث المعروفة .. فالمحرك للثورة هو مقاومة الحدث، وليس مقاومة قانون فلم يكن الثوار مشغولين بالقانون بقدر أنشغالهم بسجن المرأة، كفعل خاطئ ومهين.. وقد يكون القانون صحيحاً – وهو هنا غير صحيح – ولكن تنفيذ القانون يجئ خاطئاً .. فحركة الجماهير كانت ضد الظلم، وضد الاذلال، وقد جاء في خطبة الاستاذ محمود بمسجد رفاعة، تلك الخطبة التي حركت الجماهير، قوله : "ليس هذا وقت العبادة في الخلاوي، والزوايا، ايها الناس وانما هو وقت الجهاد .. فمن قصر عن الجهاد ، وهو قادر عليه البسه الله ثوب الذل وغضب عليه ولعنه .. ايها الناس : من راي منكم المظلوم فلم ينصفه، فلن ينصفه الله من عدو. ومن رأي منكم الذليل ولم ينصره، فلن ينصره الله علي عدو . الا ان منظر الظلم شنيع، الا ان منظر الظلم فظيع .. فمن رأي مظلوماً لاينصف من ظالمه، ومن رأي ذليلاً لاينتصر علي مذله، فلم تتحرك فيه نخوة الاسلام ، وشهامة الاسلام الي النصرة، والمدافعة، فليس له من الايمان ولا قلامة ظفر" .. هذا ما حرك الجمهور، الاهانة والذل والظلم، اين هذا من قولك الذي انتحلته!!

    ثم ثانياً : ثورة رفاعة اشتركت فيها جميع قطاعات الشعب علي مختلف اعمارهم ، وانتماءاتهم الحزبيه والدينية، ومستوياتهم التعليميه والاجتماعية .. فهي ليست قاصرة علي الجمهوريين وحدهم .. فاذا كانت لك عداوة خاصة مع الجمهوريين، ماكان ينبغي ان تنداح فتشمل سكان رفاعة جميعهم، بل وتاريخ البلاد.

    من الذين اشتركوا في الثورة مثلاً الشيخ الصديق الازهري والشيخ محمد لطفي عبد الله وقد اصيب بالرصاص البدري عبد الرحمن

    أما قائمة الشرف من من حكم عليهم بالسجن فتضم : عباس المكي – عوض القريض – احمد الامين – محمد الياس – الزبير جاد الرب – عبد العال حسن – أحمد عثمان –حمد النيل هاشم – علي مالك – محمد الحاج علي – بابكر وقيع الله – عبد الله حامد الشيخ – حسن أحمودي – منصور رجب – عابدون عجيب – والصبي اسماعيل العشرابي الذي حكم عليه بالجلد، وهولآء جميعهم ليس من بينهم من الجمهورين سوي الاستاذ محمود محمد طه، اما بقية الجمهوريين الذين حكم عليهم بالسجن فقد كانوا بالخرطوم، وهم : عثمان عمر العتباني – سعد صالح عبد القادر – ذو النون جبارة .. فالثورة ضمت الختمي الي جانب الانصاري الي جانب التجاني والقادري، ومن لا طريقة له .. ومن ينتمي الي حزب الاشقاء الي جانب من ينتمي الي حزب الامة ..

    وهؤلاء النفر الكريم، وغيرهم ممن اشتركوا في الثورة، ليسوا من العوام والرجعيين، كما تفضلت انت ووصفتهم، في معرض تحقيرهم، والزراية بهم !! فهم ابناء المدينة التي انتهت اليها ريادة التعليم في السودان منهم من هو رائد للتعليم ليس في مدينة رفاعة فحسب، وانما في السودان عموماً، فاذا جئت انت لتحقرهم، وتصفهم بالعوام، فان ذلك لا ينقص من قدرهم، وانما يعود عليك انت .

    معذرة ايها الاباء الكرام الاحرار، فان لمثل صنيعكم تلد الامهات الرجال، فقد فديتم الوطن واعززتم الدين ، ونصرتم المستضعين، فلا يقدح في صنيعكم ارجاف المرجفين، وليس بالغريب ان يكون في الأسرة ابن عاق، فهو لم يصنع اكثر من انه عرض صورته علي مرآتكم الصافية، فظهر حجمه وبانت قامته .









                  

01-05-2003, 03:47 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بين خالد التاريخ وخالد اللا تاريخ (Re: Abomihyar)

    up
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de