استراحة مع محمد الجزار و صباح عبدالله مريومة

استراحة مع محمد الجزار و صباح عبدالله مريومة


11-04-2018, 08:01 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=499&msg=1541314906&rn=0


Post: #1
Title: استراحة مع محمد الجزار و صباح عبدالله مريومة
Author: عبدالله الشقليني
Date: 11-04-2018, 08:01 AM

07:01 AM November, 04 2018

سودانيز اون لاين
عبدالله الشقليني-
مكتبتى
رابط مختصر





استراحة مع محمد الجزار و صباح عبدالله مريومة



لقد كادت مشقة الحياة وبؤسها أن يُنسينا منابع الدفئ وينبوع الحياة الجارف . الأغنية التي وجدناها ،تستلهم ألحان أهلنا في وسط كردفان وبعض دارفور . يحق لنا أن نلعن ذاك الذي فرقنا بعِرقية بغيضة ، وثارات لا تنتهي وإن انتصرنا ، فلا يجد المُتصر جائزته . فليس لمنتصر مكان في الوجدان الذي تقف فيه حمامة الحنين تقوقي .
آن لنا أن نسترجع تلك الآهات الحزينة التي تُمطر عافية ، كدنا أن ننساها . لم تكُن أم درمان غريبة على لون الغرب الغنائي ، فقد تغزت طفولتنا بهذا الفرع الأخضر بالتسامُح .

(2)

لم أزل أذكر شهر الصوم ، كان يمُرّ على طفولتنا شتاء . وكان الشتاء بارداً ، تتشقق منه الأجساد وحتى الشفاه . كُنا نفطر رمضان في بيت جدنا . يجتمع أبي والعم " عبد الخيرات " في غرفة مغلقة من أثر البرد . نأكل العصيدة الناعمة كما عرفناها ، والعصيدة الخشنة التي تُعدها السيدة " نقية " ، زوجة الشاويش الشرطي " عبد الخيرات " . نتسامر جميعاً . ولغة أهلنا من غرب السودان واضحة المعالم عند " عبد الخيرات " . نضحك من كلمة " أنطيتك " بمعنى أعطيتك . كان هو فكها بقدر صرامة الوظيفة وغلبة الحق في سيرها .
كانت للوظيفة هيبة ، ونقاء . أنت تنشُد العدل أنا وجدت شرطي ، فأنت للحق واجد . انتقل هو وأسرته في مُقبل الأيام إلى الحارة الثامنة في أم بدة . كان سكناً عشوائياً بعد أن كان يستأجر نصف بيت جدي .
(3)
في الخريف تطل علينا أسراب الجراد ، تُظلم السماء ، وقد غطت الشمس أسراب الجراد . كانت مصلحة مكافحة الآفات صاحية . تأتي طائرات المبيدات ، فتُسعف المحاصيل قبل أن يقضي عليها هذا السرب الذي لا تُشبعه أي شيء .
كانت الأمطار تأتي في موسمها ، متتابعة . يسكُن الغبار ، وتنبت الحشائش غرب بيوتنا .
وهي لا تنتهي بالمواسم .
(4)
لكل بيت مكان لسكن الماعز " الحور " ، وهي زريبة مسورة بفروع الأغصان ، بمساحة ستة عشر متراً مربعاً . أذكر أن جدتي لوالدتي كانت تفتح الباب الحديدي الصغير لخروج الغنم ، وكان عددها اربعة . تخرج جميعاً لتلتحق بركب الغنم الراجلة بقيادة الراعي ، يذهب بها غرب مقابر الشيخ حمد النيل ، حيث الحشائش وشجر الحناء والهشاب متفرقة بين الحشائش . لم تكُن أم بدة قد أزهرت ، لم تزل بُرعماً . عند الغروب يعود الراعي بموكبه في الطريق الرئيس . وعندما تبلغ الغنيمات منزلها ، تقف أمام الباب الحديدي الصغير . ترتفع أظلافها وتطرق الباب . وتأتي جدتي لتفتح الباب . يتجه الموكب إلى " الحور " حيث مسكنهم . تقوم الجدة بتجهيز إناء الماء لتشرب الغنيمات . وتبعثر ربطة البرسيم بينها ، وذلك هو طعام العشاء . أجرة الراعي عشرة قروش للشهر . كانت رحلته بالأغنام اليومية ، تُشابه رحلة الأطفال إلى المدرسة . كان للغنيمات أصدقاء دون شك ورفاق .
يسبق حضور الغُنيمات أن تقوم جدتي بكنس " الحور " ونظافته قبل أن تعود الغنيمات من الرحلة الدراسية اليومية .

(5)

أذكر في طفولتي أن كنتُ دائم الحضور عند فرندة الدار ، حيث يأتي بائع بيض الدجاج . تحضر جدتي إناء مملؤ بالماء . تضع البيض فيه ، ومن ثقلت موازينها ، فهي المُختارة . ومن تطفح تُعيدها لصاحبها .
كانت تضم أم درمان كل العشائر والقبائل ، من الشرق ومن الشمال ومن الجنوب ومن الغرب . وفق ما علمناه ، كانت الحياة صعبة أيام حكم الخليفة عبدالله . فقد قام بدعوة كل قبائل الغرب إلى أم درمان. وما صحب ذلك من جفوة بسبب نزع الأراضي الزراعية للقادمين الجُدد . ولكن بعد أن اعتاد الأهالي على الحكم الثنائي ، بدأت العشائر تعتاد على بعضها . وتفسخت الولاءات ، فهجدت نعرات القبلية ، وبدأت تطفو الانتماء للمكان .
وذلك الذي أكسب أم درمان خاصية التعايش السلمي بين العشائر . ولم تعد غريبة علينا الأصول من أي منطقة في السودان كانت . تلك الخاصية كانت متوفرة في " الأبيِّض " على سبيل المثال .
فهل يا تُرى يعود التسامُح من جديد ، كما عادت إليه " رواندا " التي فقدت ما يقارب المليون نفس في حرب عرقية لا طائل من ورائها !؟

*


Post: #2
Title: Re: استراحة مع محمد الجزار و صباح عبدالله مري�
Author: عبدالله الشقليني
Date: 11-04-2018, 08:15 AM
Parent: #1



وفتحت عينيَّ فكان صُنو الروح ( مبارك محمد الحاج ) قُبَالَتي !


(1)
لا أعرف كيف التقينا أول أمرنا ، ولكنها عُشرة أكبر من العمر و شعاب كهوفه . كُنا نتشارك الصبا وعنفوان الشباب ، وزهرة فواحة تنزّ عافية ونشوة . كانت أيامنا أكثر ضخامة من عمرنا الذي تمدد. عشنا فيه الربيع أنهار عشقٍ ، ومرت علينا سحابات الحزن زرافات ولم تُنسينا أحبتنا ، بل وأحسبُ أن زاد عُمرنا بأكثر مما أفسحت القصص المقدسة للنبي " نوح " إذ لَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً .
كيف كنا نتجالس ، نشُد أوتار القلب وأعصابه إلى أقصاها ونتغنى طرباً . في المساءات حيث نجتمع من بعد الدرس ، نجمع الأحلام الشقية ونُجلسها مَجلِس الفرح : " أنا" و "مبارك " و "محمد الحسن" وغيرنا من الذين يتسع المكان لصحبتهم ، في غرفتهم بداخلية " تهراقا " منذ زمان ، حيث كُنا نُطرِب أنفسنا بأغنية :يا ضابط السِجن


فللمطرب "عبد الرحمن عبد الله" أيام كان معنا في الوجدان ولم يزلْ .
(2)
كانت أيام سعدنا أكبر من فضاءات الدهشة ، عبرتْ فيها كُردفان بفنها لمعهد الموسيقى في السبعينات من القرن الماضي ، و أنبتت ثراءً منقطع النظير .أعرف أن الأحلام تصدقك كأنها حقيقة ماثلة للعيان. هو بنضاره وضحكاته المُجلجلات ، عاد إلينا من " كندا" من جديد.
زاد وزن " مبارك " قليلا عمّا كان قبل عشرين عاما . أظنها من زاد السنوات ، تراكمت أحمالها فوق بعضها . بعض الشيب وفصوص العُمر المختبئة عن الملامِح . مضت السنوات بدون أن نلتقي أو من حصار الدنيا التي فرّقت الكثيرين من الأحباب فراقاً أبديا ، لكن.. كأنهم بيننا الآن. لا الموت نال من فراقنا ، ولا طائر السلوى حلّق من فوق أعشاشنا . بقيت معه في معركة الحياة نقاتل كي نكون خيراً للنبات الذي تفتح عمره بين أيدينا , أما الذين ارتحلوا فهم بجوارنا عند الضحك وعند البُكاء ، نسامرهم من بعد خسرانهم منذ عقدين أو أكثر... . أصواتهم وملامح الوجه وتقاطيع القلوب النقية وطرائف حكاويهم ، كأنها جالسة في مائدتنا الآن ، تشترك معنا أحلام اليقظة ونوم العافية .
(3)
نعرف أن الحزن صديق لنا منذ القِدم ، لم يجد من حظنا العاثر إلا أن يتسكع حيثُ نكون ، يلتقط أفراحنا الواحدة تلو الأخرى . عرفنا أننا بأرواحنا التي لما تزل ترفرف بين أضلعنا ، وتلك التي فارقتنا ، تعودت مُسامرة الأحباء في كل حين . تدور الهائمة منها في أفلاكها من البعيد ، وتنظرنا بعينٍ واجِدة وعشقٍ تسلق أسوار المستحيل .
(4)
قصة حياتنا أوسع مما حوته الكُتب وقصص التاريخ وقصائد الذين تيتَّم عشقهم وعلا صراخهم يضجّ في مسامعنا . إن الحياة بالفعل قصٌ مُضيَّع . لا نعرف بداية لدُنيانا ولا نهاية لها. محض سنوات تمددت ، كما الكون تمدد . استطالت أغصانها الخضراء باسقة تحمل في طياتها الطيب بأنواعه . من كل نبع قطرة ، ومن كل مزهرية نجمة فواحة " أرومية " انحلّتْ طلاقة لسانها طرباً تطلُب اللقاح .وحلتْ الحسرة أيضاً بيننا !.
(5)
قابلته حقيقة وكأنه في موكب الأحلام مرّ من هنا . لا الطيف يشبه الجسد ، ولا الكون الذي تهلهل هندامه تمكّن أن يتعرف علينا ونحن نحضن بعضنا ،كأنه مضى على فراقنا يومٌ وليلة . هبط وجوده الباهر بيننا . ها هي السنوات العشرين وأكثر ، عادت بطلاقتها ، لا الريح غطَّت خطونا على الرمل ، ولا الأسى . بحّ صوتنا من البكاء بلا دموع . صوته كما هو لم يتغير نبرُه ، ولا عفوية التعليق ، وإسقاط اللغة المتدفقة أو طرائف حكاويه التي لا تنتهي . رغم أحمال السنين ، عاد هو اليوم في مُقتبل العُمر !.
(6)
فتح لي جرّة الذكريات ، كأنه قد جاء بها صيداً من البحر العظيم،وكنزاً خبأته الأقدار . من القِدر الخُرافي الذي وقف على الشط فجأة بلا ميعاد ، حين نزع الصياد قفله وخرج ماردٌ من مردة الذكريات الهاربين من عذاب النبي " سليمان "، يحتال علينا بالقصص التي لا تنتهي عجائبها ، ارتفع إلى السماء دُخاناً و اقتربت السُحب بنداوتها وأمطرت لؤلؤا :
قال :
- أعرف أنها لا تَذْكُرني الآن إن رأتني من بعد ثلاثين عاماً ونيّف ، ولكنها كانت تعرفني كصديقك وقتها ، كالتي رماها العُمر في ضاحية الطريق لسيارة عابرة ، لا لتسرق روحها ، بل لتسرق قلبه . قيل في الذكر الحكيم :
{...أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ..}.
- قالت تُحدثُ صديقي من بعد وقوع الواقعة :

- أني فقدت " زولاً " ، أيمكنكَ أن تُرجعه لي ،... لا أظنكَ قادرا؟

دقّ الخبر القديم على صخرة الحاضر ، كأن ثلاثين عاماً مضت ، بضع ساعات ...، قدِمنَّ إلى الحاضر الماضي ، وأضاءت شُعلة الماضي فضاء الحاضر ، وهمّ البحر القديم أن ينحسر عن الشواطئ.
(7)
عادت الأيام كأن الأجسام اللطيفة انكبّتْ تُمزق السكونَ بيننا . وفي جمر ذلك النيزك الذي هوى ، زدنا ناره حطباً . وجلسنا في دفء هذا الكون الذي تمدد ، ونحن أحياء . ها هي الدنيا تأخذ الذين كانوا يجاورون بعضهم ، الآن أفسحت فرنسا وكندا ودولة خليجية والسودان القديم مكاناً لتجميع الشتات، وأسفار تُناهض أثقالها .
(8)
الأحباء مروا من هنا ،
لن يصدق الذين بيننا وبينهم مودة ،أن هذا الرفيق ، حلو المٌعاشرة كان شريكاً لي يوماً وليلة !!!
من الخير لهم أن يعرفوا أن الحلم الذي كان خلف الأبواب المواربة ، صار بقدرة قادرٍ حياً بدماء وبِشْر !

مرت في طريق حياتنا نبضةٌ أكبر من القلب وغرفه التي تضج بالحِراك. طيف الزمان أطول من العُمر على قصره ، حين ينشي في ضاحية الصبا عُشاً . كُنا في أول حديثنا الشجي حين افترقنا من بعد أن أفرجت السماء علينا بُرهة لقاء ، ندوس على العواطف بخبرة ابتلاع الطُعم ، فالدُنيا تضنُّ علينا حين تجود .
قال : إن الوجدان الكردفاني ، وفضاء ثقافته هما الشق الذي نما في نفسي مع الهجرة القديمة من الشمالية إلى " تندلتي " ...
سكت هُنيهة وقال :
سأسافر للسودان ، فأنت تعرف منذ زمان ، لا أبدل محبته موطنا آخرّ ، أعطني حضنَكَ أطبطِبُ عليه ، قد نلتقي وقد لا نلتقي .

عبد الله الشقليني
9/10/2011

*

Post: #3
Title: Re: استراحة مع محمد الجزار و صباح عبدالله مري�
Author: عبدالله الشقليني
Date: 11-06-2018, 10:21 AM
Parent: #2




ألحان ذات الطبيعة الكردفانية حنينة