|
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: Kabar)
|
6
كانت الحارة ، كعهدها ، تغرق في الظلام..اخذت اجر خطواتي ، بعد أن نزلت من الحافلة في المحطة القديمة.. حتى الخيال بات باهتا ، لا افراح اتخيلها ، لا امالا انتظرها ، فقط هاجس الهروب ، وحده ذاك الهاجس كان يعمر فيافي الذاكرة..! مررت بحبابة ، بائعة العشاء..و سلمت عليها ، وانا اتجاوزها نحو منزلي.. قالت لي: اين انت يا حماد ،ا ناس كثر سألوا عنك؟.. قلت: حقا ، من هم؟.. تبسمت حبابة بخبث ، و قالت: منى مرت علي ثلاث مرات.. لأنها طرقت باب منزلك و قالوا لها انك لم تأتي بعد؟.. قلت: ساذهب اليها..! دخلت منزلي ، و انا اجرجر جيش الخيبة العرمرم .. اخذت حماما سريعا و خرجت..! منى ، لم تكن تنتظر حتى ذهابي اليها ، قابلتها في منتصف الطريق..وضيئة لم تعرف بعد نصوص الكتاب السري اللعين.. لم تعرف بعض احابيل التفاوض و المقايضة و تحديد الأثمان.. شهقت شهقة محببة و قالت لي: اصبحت اندر من الكبريت الأحمر يا اخي.. اين كنت؟.. لماذا تأخرت هكذا؟.. قلت: تأخرت في المكتب..! قالت بخبث: هل انت متأكد؟.. قلت: نعم متأكد..! ثم غصنا في طرقات الحارة الصغيرة ، غصنا في دروبها المظلمة ، و عيون مــُنى مصابيح تهدينا الطريق..ذهبنا الى حافة البحيرة.. و جلسنا نفترش الأرض..كانت هي قد جاءت ببعض الحلويات الصغيرة..وقالت: اريد أن افرح بك ..! قلت: فرح بلا سـُكر ، هو ليس بفرح يا مــُنى..! قالت: ماذا تريد ان تشرب؟.. قلت: ويسكي..! ضحكت و قالت: قل لي بريك أي حرام لم تفعله بعد في حياتك؟.. قلت بصورة جادة: لم اجرب الغلمان بعد..!! و شعرت بالغضب غيوم سوداء تبلل وجهها الصبوح ، وجهها الذي يضئ مبددا جيوش ظلام المساء في الحارات البعيدة ، وقالت: لماذا؟.. قلت: انا اهزر معك يا منى ، ولا طيب اطيب من المرأة.. ! قالت: هذا توحش منك ، ! قلت: فقط اريد ان اغيظك..! قالت: انت تغيظني في اليوم مليون مرة..و لكن ليس بهكذا طريقة ..! تبدت السماء بحيرة كبيرة ، تغوص النجيمات فيها ، تشرق في البعد .. تتبارق و تضئ بقوة..! شعرت بمنى تلتصق بي بشدة ، و قلت لها: نحن في الطريق العام يا منى ، و عيون السابلة لا حد يحد فضولها القذر..! ضحكت و قالت: امرنا عجيب.. مرة انا الصاحية و انت الغارق في غيبوبة الشهوة.. و مرة انت الصاحي ، و انا الغارقة في غيبوبة الشهوة.. يا ترى الى متى سيمتد هذا الخوف؟.. قلت: البلاد التي تجلد انسانها من اجل قبلة بريئة.. لا حد لظلمها..! قالت: لازلت انت يا ئس حزين..؟! ضحكت غصبا عني و قلت لها: لا شئ غير الحزن و اليأس هنا..!! قالت: انا لا اخاف شئ..! وقتها شعرت بالرغبة في عينيها ، اتقدت كموقد كبير ، موقد يكفي لوليمة عشرين و نيف.. اشتعلت بصورة مجنونة..و انا اتلفت حولي..اتلصص عيون السابلة..! لمحت في الأفق شبح قادم نحونا.. ابتعدت قليلا عن جسد منى الملتهب.. عطور سدت علينا الأفق.. عطور صارخة للغاية..و هالة ضوء تستدير بصورة غامضة ..و كانت امرأة تمشي بتؤودة.. حينما عبرتنا.. عادت و هي تقول: سلام يا شباب..! توقفت المرأة ، و عطورها تسد الأفق.. عطور هي باب الشهوة النارية العارمة..شهوة تقف عند المسافة الفاصلة بين الرب و الشيطان ، و كل منهما يتحفز للنيل من الآخر.. مسافة لم يتعرف الوجود بعد على طبيعة كنهها.. و قالت لي: اريد أن احدثك..! قلت:الآن؟ قالت: نعم الآن.. لا تخف.. لن اقضمك..! وقفت امامها ، و قالت لي: فلنقصر الحديث.. عجبتني شجاعتك في هذا الزمن الأغبر ، تجلس مع فتاتك رغم انف عيون السابلة ، رغم عيون العسس الفضولية..رغم عيون صناديق عسس بسط الأمن الشامل.. اعرف اللحظة..فهل تقبل مني هدية صغيرة؟.. قلت: لا احتاج هدية الآن..! قالت: فلتعرف الهدية اولا ثم ارفضها يا اخي..! قلت: ماهي؟ قالت: بيتي قريب من هنا.. سوف افتحه لك و لفتاتك.. عندي كل الأمان و السلامة..عجبتني شجاعتك..واعرف انك ترغب الكثير الكثير..و مثل هذى اللحظة هي بهاء لا حد له..! الجمتني الدهشة ، و قلت لها: شكرا على الهدية ، و لكنها يجب ان تعود ..لا ادرى ماذا سيقول اهلها لو تأخرت..! قالت المرأة الغريبة: من تجلس معك هكذا ، تعرف ماذا تريد..و تعرف كيف تسترق الوقت لتقضى ما تريد..فلا تهتم بذلك..! عدت لمنى ، و حدثتها بامر المرأة الغريبة..ضحكت هي بصوت رأيته عاليا و صادقا رغم ظلام الأشياء.. و قالت: انا لا اخاف شئ.. هل أنت خائف.؟.!! وكنا نجر خطواتنا خلف المرأة الغريبة..كانت صادقة فيما تقول..بيتها انيق.. هادئ.. و آمن للغاية..عبرنا بحديقة تضئ ازهارها في تلك الظلمة العجيبة.. ادخلتنا غرفة مرتبة..غرفة يسكنها عبق بخور متين ، بخور يسكرك و يأخذك الى مجرات الكون التي لم يكتشفها غرور الإنسان بعد.. بها سرير وضئ..! جلبت لنا ، شراب..زجاجة كتب عليها بوضوح جاهر: هنسي..! وقالت: احب الكونياك كثيرا.. و يذكرني بافراح غابرة..! ثم خرجت ، بعد ان احكمت رتاج الباب..! فاجأتني منى و هي تتعرى.. تخلع ثوبها ، تخلع فستانها.. و لم تتبقى الإ علاقة صدرها تستر نهودها المشرئبة لعنة و شهوة..! صفرتُ طويلا.. و قلتُ لها بابتسامة غامضة لحوحة: الى هذا الحد انت عطشى..! صفعتني على وجهي بقوة ، و هي تقول: اياك أن تساءل امرأة عن وضوحها..! وكنت انا من يحسب الثواني ، و كانت منى هي من يزجر خوفي..! في الثانية صباحا ، خرجنا ، كانت المرأة الغريبة تجلس وحيدة في الساحة..هالة الضياء الغامضة تحوط بها..ترفرف مع هفهفات النسيم المخاتل ، تؤانس زهرات حديقتها المضيئة..امامها زجاجة كونياك كبيرة..و كأس وحيدة..! قلت: شكرا على هذه اللحظة.. نستأذنك الذهاب.. لم تبدو هي مخمورة..و كانت في لحظة صفاء باهرة و قالت لي: سوف اذهب معكما..! استغربت من طلبها العجيب ، و قالت: انت لا تفهم في الأشياء.. ساذهب معها ، حتى تدخل بيت اهلها بسلام..! خرجنا ثلاثتنا..تحدثنا كثيرا ، و لم اكن اعرف ان الحارة فيها مثل هذى التفاصيل المدهشة..وقفنا على بعد خطوات من منزل منى..ودخلت هي.. ثم شاورت لنا من فوق الحائط..و عدنا .. انا و المرأة الغريبة و ظلام الحارة الدامس تكلله هالة الضوء الدائرية التي تحف المرأة الغريبة..قلت لها: الآن سوف اوصلك الى منزلك..! كانت تغمرها السعادة بطريقة غريبة.. تحدثت عن تأريخها .. تحدثت عن تعاريج حياتها الغنية بالتفاصيل..! امام منزلها ، قلت لها: لماذا كل هذا؟.. ضحكت ضحكة خليعة للغاية و قالت: لأنك شجاع..! قلت: هل تريدين ان تعرفي اسمي؟ قالت بصورة جادة: لأ..ولا اريدك ان تعرف اسمي.. فقط اعتبرني صديقة الصفاء الباهي..! قلت: مثل هذه المشاوير كثيرة.. و سألتقيها كثيرا..! قالت: عرفت درب البيت.. في أي وقت تعال.. انقر على الباب..و صدقني لن تجد غيري..! قلت بخبث: حتى لو جئت بغيرها؟.. قالت ضاحكة: و هل مثلك يكتفي بواحدة..!! ودعتها و عدت ادراجي.. اغني لبقايا ليل الحارة.. اغني احزانا لا تنتهي..ارتل صلوات الكهوف البعيدة الغامضة.. ادعي اني اعرف تفسير تعاريج خطوطها التي تتحدى عواصف الزمن..ولكن هيهات ما ابعدني عنها وعن فهمها وتفسيرها..!!
كبر
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | Kabar | 09-01-18, 08:31 PM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | Kabar | 09-01-18, 08:33 PM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | Kabar | 09-01-18, 08:35 PM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | Kabar | 09-01-18, 08:37 PM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | امتثال عبدالله | 09-01-18, 09:53 PM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | munswor almophtah | 09-02-18, 00:04 AM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | Kabar | 09-02-18, 02:57 AM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | Kabar | 09-02-18, 02:59 AM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | Kabar | 09-02-18, 03:01 AM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | Kabar | 09-02-18, 06:25 AM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | محمد بدرالدين | 09-02-18, 07:55 AM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | هاشم الحسن | 09-02-18, 08:35 AM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | محمد حمزة الحسين | 09-02-18, 09:50 AM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | علي عبدالوهاب عثمان | 09-02-18, 10:20 AM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | حامد عبدالله | 09-02-18, 10:33 AM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | Biraima M Adam | 09-02-18, 01:09 PM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | Ahmed Yassin | 09-02-18, 02:58 PM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | امير الامين حسن | 09-02-18, 05:24 PM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | Kabar | 09-03-18, 00:22 AM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | Kabar | 09-03-18, 00:26 AM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | Kabar | 09-03-18, 00:28 AM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | معاوية الزبير | 09-03-18, 03:58 AM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | adil amin | 09-03-18, 05:33 AM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | Kabar | 09-03-18, 06:48 AM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | Kabar | 09-03-18, 06:49 AM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | Kabar | 09-03-18, 07:19 AM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | Kabar | 09-03-18, 07:22 AM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | Kabar | 09-04-18, 11:32 PM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | Kabar | 09-10-18, 02:52 AM |
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر | Kabar | 09-14-18, 05:53 AM |
|
|
|