كان شهر أغسطس من العام قبل الماضي يمثل خريف الغضب للدكتور رياك مشار.. في الجولة الأولى بجوبا فقد كل حراسه وكادت النار أن تحرق بدنه..حينما خرج من جوبا عبر الأحراش كانت للثائر جولة أخرى مع الموت.. تورمت أقدامه.. نفدت كل المؤن الغذائية..فوق كل ذلك كان طيران العدو يبحث عنه فيما هو أعزل عن السلاح..النجدة جاءت على يد الحكومة السودانية التي نسقت جهودًا إقليمية ودولية حتى أدركت الرجل في حدود دولة الكنقو.. لكن لا أحد من المراقبين يمكنه تخيل المشهد الجنوبي دون الرجل ذي الفلجة التي يظنها بعض من أتباعه بعض علامات البركة.
في الأسبوع قبل الماضي أكملت الخرطوم استعداداتها لاستقبال قمة الغريمين.. حيث كان من المفترض أن يلتقي الرئيس سلفا بنائبه السابق مشار.. لظروف غير واضحة انتقلت القمة إلى إثيوبيا.. رغم ذلك تظل الخرطوم الدولة الأكثر تأثيرًا في الشأن الجنوبي..معادلة الجغرافيا والتاريخ المشترك والقدرة على فهم أبعاد النزاع يجعل من الخرطوم مفتاح التسوية وفي ذات الوقت عود الثقاب الذي يمكن يعيد كل المنطقة لأجواء الحرب.
من المهم التأكيد على أن جنوب السودان يظل قضية داخلية بالنسبة للسودان..والأمر كذلك لجنوب السودان ولكن بدرجة أقل.. ثبت بالدليل أن السودان يظل الخاسر الأكبر من انفراط عقد الأمن في الجنوب.. في مناخ الفوضى تتحرك المعارضة السودانية المسلحة بحرية أكبر.. وتتدفق جيوش اللاجئين إلى جوف المدن السودانية.. لكن الشاهد الأكبر للخسارة السودانية هو توقف انسياب النفط الجنوبي عبر الأراضي السودانية.. قد أثبتت الأيام أن خسارة النفط الجنوبي لا يمكن أن تعوض أبدًا.
من حسن الحظ أن الرئيس السوداني سيكون جزءًا من قمة الإيقاد التي تحاول فرض تسوية شاملة على الفرقاء..لست متفائلًا من فرص النجاح خاصة في ظل توافر أجواء عدم الثقة فضلًا عن غياب الحماس..لهذا على السودان أن يتحرك في اتجاه دخول قوات أممية فاعلة لصناعة السلام .. عظم ظهر هذه القوات من السودان والدول المجاورة.. الجنوب يحتاج الآن إلى ما يشبه الوصاية الدولية.. مثل هذه الخطوة تعيد وصل الخرطوم بالمجتمع الدولي وتحرس بذكاء منابع النفط الجنوبي.
في تقديري مطلوب قراءة جديدة للخارطة السياسية في جنوب السودان..ليس في وسع الجنرال سلفا كير أن يحكم جنوب السودان.. تحديات أكبر ستواجه مشار..لهذا وجب على السودانيين جميعًا صناعة استقرار في جنوب السودان ولو عبر سواعد المجتمع الدولي. الاستثمار في ضعف الجنوب أثبت أنه سياسة قصيرة النظر.. التكامل الاقتصادي بين البلدين يجب أن يكون حاضرًا في الرؤية المستقبلية.
بصراحة.. بات واضحَا أن هنالك ضوءًا خافتًا في نهاية النفق الجنوبي.. علينا تقديم تنازلات مالية وتسهيلات إضافية حتى نضمن استمرار واستقرار تدفق النفط الجنوبي حتى لو كان الثمن وجود جيش سوداني هنالك تحت رايات أممية.
الصيحة
العنوان
الكاتب
Date
الكوز عبد الباقي الظاهر يتلقى درس تاريخي عن السياسة السودانية و الجيش السوداني
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة