|
Re: مرافعة دفاعا عن الزوجة المنفصلة:والدة ميغ (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
حين جلس الملايين يتابعون الزفاف الملكي، في يوم إنكليزي صيفي مشمس وبديع، وحاولت الأسرة المالكة أن تعيد تعريف نفسها على وقع صوت بين كينج، تسلَّلت امرأةٌ واحدةٌ بهدوءٍ إلى القلوب لتصبح نجمة الحفل، ولم تكن هذه المرأة هي ميغان.
بل كانت أمها الستينية دوريا رادلان، التي أصبحت، دون سعيٍ منها، بطلةً في نظر الجميع يوم السبت 19 مايو/أيَّار. أسرت دوريا القلوب بفستانٍ أخضر بسيط من تصميم أوسكار دي لارينتا يعلوه معطفٌ، وقرط في أنفها.
اقتربت الكاميرا لتنقل المشهد إلى العالم؛ ها هي الأم وابنتها، تحبسان الدمع بإباء. ها هي أم الدوقة، امرأةٌ سمراء البشرة تسير بشعرها المُجعَّد إلى داخل كنيسة القديس جورج. ها هي أم العروس، أمٌ منفصلة، والوحيدة التي شهدت العرس من أسرة ميغان، ومدربة اليوغا، تجلس في مقابلة ملكة المملكة المتحدة والكومنولث. أعادت دوريا رسم صورة أم العروس في الأذهان، أم العروس التي اعتاد الجميع تصويرها بأنها شخصيةٌ هيستيرية وكوميدية وفضولية؛ ها هي تقف في الزفاف الملكي هادئةً ومتزنةً وأنيقة.
ووسط هذا الجمع الغفير من مئات الحضور في الكنيسة وملايين الحضور من خلف الشاشة، وفي قلب هذه المراسم الإنكليزية العتيقة، في هذه الساحة الكبيرة للكنيسة، وهذا الزحام من البهاء والطقوس والتقاليد، جلست دوريا وحيدة.
وتلك هي حياة الأمهات المنفصلات: يظهرن وحدهن؛ وينجزن المهام الشاقة، والمهام الصعبة، والمهام التي لم يخطر ببالهن أن ينجزنها يوماً، وحدهن. وحدهن يحضرن مجالس الآباء، التي يكون فيها دائماً مكان لشخصين؛ ووحدهن يذهبن لحضور مسرحيات المدرس؛ ووحدهن يقاتلن لأجلك؛ ووحدهن يحاولن إرشاد خطاك في الطريق؛ ووحدهن يقضين الأمسيات في المنزل حين تكبر ولا تجلس معهن؛ ووحيدات يكن في أيام العطلة. بالطبع لديهن أصدقاء وعمل وحياة كاملة مشغولة؛ ولكنهن يعلمن جيداً كيف يتصرفن وحدهن؛ حتى وإن كن يجلسن أمام وسائل الإعلام العالمية وفي حضرة صاحبة الجلالة.
ونقول "وحدهن" لأننا لا نعني أنهن "وحيدات". بل نعني أنهن تعلمن كيف يعتمدن على أنفسهن. ولهذا لا ينبغي أن يشعر أحدٌ بالشفقة على دوريا. فقوتها الهادئة تتحدَّث عن نفسها؛ وقد كانت تشع أناقة وثقة بدى أنهما منبعثتان من أعماقها، وتعكسان كينونتها الحقيقية. ومن يشعر بالشفقة على دوريا قد أخطأ فهم الأمر برمته. فنحن النساء نعرف كيف نكمل حياتنا؛ تماماً كما سارت ماركل وحيدة (جزئياً) صوب عريسها. والإشفاق على دوريا وميغان لغياب رجل في هذا المشهد تقليلٌ محزنٌ من قدر مرونة العائلات التي تعيش بأحد الأبوين فقط.
إنه أمرٌ بالغ الصعوبة أن تكوني أماً منفصلة؛ وليس من السهل دائماً أن تكوني بنتاً تعيش في أسرة مُفكَّكة. فها نحن في عام 2018، ولا تزال الأسر المُفكَّكة تواجه جميع أشكال العنصرية، وتجد دائماً من يذكرها أن هناك شيئاً "ينقصها". والمجتمع يحكم عليكِ بغياب أحد والديكِ، دون اعتبار لفيض العطف والحنان الذي تتلقاه من الوالد الموجود. إنه أمرٌ مملٌ وغريب؛ والجدل الذي دار قبيل الزفاف عمن ينبغي أن يوصِل العروس إلى عريسها أصابني بالغثيان، لأنه ترك لدي انطباعاً أننا لا زلنا نعتقد أن للرجال دورهم التقليدي المحفوظ في حياتنا، حتى وإن كنَّا نعلم علم اليقين أن هذا الدور لم يعد بالنسبة لملايين الأسر، يعني الرجال في شيء.
وحتى بالنسبة للأسر التي تزوَّجَت من العائلة المالكة البريطانية. ثمة أشياءٌ كثيرة في هذا الزفاف تحمل خروجاً على التقاليد القديمة، وهذا يمنح شعوراً بالتقدم. ومن بين تلك الأشياء الواضحة للعيان كان بدء اعتراف العالم بكرامة الأم المنفصلة وقوتها وأناقتها.
|
|
|
|
|
|