Post: #1
Title: بارا.... جنة سواقي الريد "1"!
Author: محمد التجاني عمر قش
Date: 05-06-2018, 08:11 AM
08:11 AM May, 06 2018 سودانيز اون لاين محمد التجاني عمر قش- مكتبتى رابط مختصر بارا.... جنة سواقي الريد "1"! محمد التجاني عمر قش بارا مدينة وادعة، وإن شئت فقل هي دسكرة، وعندما نقول دسكرة نعني بها كل ما تحمل هذه الكلمة من معان؛ فهي أرض واحة مستوية، وهي قرية عظيمة، وهي صومعة، قد تحفها الكثبان الذهبية ذات الرمال الناعمة وتتوسطها فيها أشجار الفواكه والنخيل حتى لا أجد ما أصفها به إلا قول الشاعر: في رِياضٍ وَسْطَ دَسْكَرَةٍ وبِسَاطٍ حُفّ بالشّجَر نقول ذلك لأنها مدينة وارفة الظلال، تتمتع بالخضرة والجمال، جمال الطبيعة والإنسان والمكان، وعلى الرغم مما لحق بها من إهمال عبر السنين، إلا أنها لا تزال تحتفظ بشيء من رونقها المعهود وعبقها التاريخي، باعتبارها واحدة من أقدم حواضر كردفان طراً. وحسب ما هو متوفر لدينا من معلومات فإن ظهور بارا كمدينة قد كان في القرن السادس عشر الميلادي أو قبل ذلك بقليل، حيث حطت بعض المجموعات الرحال بهذا الموقع الذي يتميز بكل ما هو مطلوب لإنشاء مدينة؛ إذ يوجد الماء والأرض والهواء النقي والإمكانيات غير المحدودة من أجل ممارسة الزراعة والرعي والتجارة، مع ارتباطها بطرق القوافل بين شرق السودان ووسطه وغربه ومصر. لقد نشأت بارا على صوت السواقي و"قوقاي" القماري والبلوم، وترنيم السواجع، وشدو الفلاحين وأغاني الرعاة وحداهم؛ فاكتسبت ذاكرة المدينة قدراً من الحنية واللطف، والرقة، وطابعاً مميزاً جعلها بوتقة لانصهار مجموعات متجانسة من مختلف أرجاء السودان وغيره من البلدان! ولهذا السبب يمكننا القول إن بارا هي نموذج لسودان مصغر بكل تآلف وإخاء. من جانب آخر، وبعد قيام مملكة الفونج 1504 أصبحت بارا جزءًا من إقليم كردفان الذي تنازعت علية سلطنتا الفور والفونج؛ ولذلك شهدت أحداثاً تاريخية هامة. وبارا هي مسقط رأس السيد الحسن الميرغني، راجل كسلا، وسليل دوحة الشرف الهاشمي، وهي أيضاً محط رحال أحفاد الشيخ محمد ود دوليب، وأسرته التي ظلت تنشر القرآن والعلم والذكر لقرون ممتدة، متخذة من ضاحية خرسي مقراً لها. تاريخياً بارا هي مقر حاكم سلطنة دارفور على كردفان، وظلت كذلك حتى غزا جيش محمد علي باشا كردفان في عام 1921 فدافع عنها المقدوم مسلم وجنوده بكل بسالة وثبات حتى حصدتهم مدافع الأتراك ولم يتزحزحوا عن أرض المعركة قيد أنملة. وبارا هي مقر محكمة زانوق ومجلس ريفي دار حامد وموطن الشيخ الشاذلي السنهوري، ودار عمنا عمر أحمد يس، ومسكن الشيخ الخضر ود وقيع الله، وسوق ومشرع العربان من كل حدب وصوب، وبجوارها قبر النور أبو علي، وحولها مقابر الأشراف. استقر بها الركابية والجوابرة ودار حامد والشايقية والعبدلاب، والدناقلة والجوامعة والمحس والهواوير والجلابة هوارة والشدداب والجعليين والبكراوية. بمعنى آخر، امتزجت في بارا أعراق وأجناس وقبائل ومجموعات وتلاقحت أفكارهم وثقافتهم وعاداتهم حتى تكونت فسيفساء ثقافية واجتماعية قوامها الوداعة والتحضر. باختصار، يتكون مجتمع بارا من عناصر متجانسة أتت من كل بقاع السودان لتشكل نسيجاً اجتماعياً تربط بينه أواصر الرحم والقربى والعلاقات الاجتماعية والمنافع والمصالح المتبادلة والتسامح، ولذلك ظلت آمنة مستقرة على مر العصور والأزمنة رغم تبدل الأحوال والنظم السياسية في البلاد، فهي تجمع بين خصائص المدينة وسمات القرية، إذ يتعارف سكانها ويتواصلون في الأفراح والأتراح دون تمييز بين مواطن أصلي أو وافد، وهذه ميزة متفردة في حد ذاتها. وبحسب طبيعتها الجغرافية تصلح بارا لممارسة الزراعة والرعي والتجارة وربما الصناعة مستقبلاً، الأمر الذي جعل أصنافاً متنوعة من البشر تحط الرحال وتضع عصا الترحال بها متخذة من هذه البلدة المعطاءة مستقراً لها. بارا، كما يقال، لها طابع خاص، حيث استفادت من معطيات متنوعة؛ فقد قدم إليها إنسان الشمال بخبرته الزراعية فأدخل الساقية والشادوف والمنجل وجميع أدوات الزراعة والحصاد للعمل في السواقي، وجلب معه محاصيل جديدة لم تكن معروفة من قبل؛ وبالتالي أضاف قيمة للأرض، وأدخلت كذلك التجارة وانفتحت المنطقة على جهات جديدة وصارت تتبادل معها المصالح والمنافع. وفي ذات الوقت، ظل أهل الريف في منطقة بارا الكبرى يمارسون أنشطتهم التقليدية من رعي وزراعة مطرية وإنتاج الصمغ العربي وغير ذلك من الأعمال التي ساعدت في اكتمال الدورة الاقتصادية المحلية، إذا جاز التعبير، الأمر الذي وفر فرص عمل للمواطن وساعد على الاستقرار والتمدن أيضاً. تلاقت في بارا ضروب من التراث والفن حيث نجد فيها الجراري وأغاني الدلوكة والتوية والهسيس والدُهُليْ والطنبور. وبارا لها طابع خاص حتى في فن الطبخ حيث أفادت من ميارم دارفور وسيدات الشمال فنجد فيها "التقلية والمفروكة وملاح الروب والكسرة والعصيدة والكنافة" وهذه تشكيلة من الأكلات الشعبية التي عرفت بها كثير من مناطق السودان ولكن لها مذاق خاص في بارا. كما عرف الناس في بارا طرق عديدة لحفظ الطعام منها التجفيف والتخمير والتحمير وغير ذلك من أساليب حفظ الغذاء لفترات طويلة دون أن يفقد قيمته الغذائية. كما عرفت منطقة بارا كذلك بصناعة البروش الملونة والبيضاء بالاستفادة من السعف وقش القمح مما أضفي مسحة جمال على البيت الباراوي.
|
Post: #2
Title: Re: بارا.... جنة سواقي الريد andquot;1andquot;!
Author: محمد التجاني عمر قش
Date: 05-14-2018, 02:50 PM
Parent: #1
بارا ... جنة سواقي الريد "2"! محمد التجاني عمر قش لم يكن اختيار العنوان أعلاه صدفة إنما مقصود بدقة؛ لأن بارا قد حظيت بكل مقومات الجنان على الأرض؛ فثمة ماء نمير وخضرة ووجه حسن، وموقع متميز. فكما هو معلوم، تتمتع بارا بمناخ جميل أغلب العام، وتزداد رونقاً في فصل الخريف، ولذلك فهي تغري الزائر بالمشي بين جنبات المدينة وزيارة جنائنها الفيحاء. أما عشاق التاريخ والآثار فلهم موعد مع بعض المعالم الأثرية البارزة التي تشتهر بها بارا، ولعل الأثر الأكبر والأعظم هو المسجد العتيق، وهنالك مزار قبة السيد الحسن، التي تعد من أشهر المعالم في بارا! ومن تلك المعالم، شجرة اللبخ التي تتوسط المدينة بكل عزة وشموخ وهي تشرئب إلى السماء وتحكي للأجيال عن أولئك العظماء الذين كانوا يجلسون في ظلها ليحضروا جلسات محكمة زانوق، شيخ العرب محمد تمساح سيماوي، ناظر عموم دار حامد، نسأل الله أن ينزل عليه وعليهم شآبيب الرحمة. أيضاً لا بد من زيارة أشهر المدارس في بارا وأهمها المدرسة الأميرية الوسطى، وهي مدرسة بارا الثانوية الجنوبية حالياً، ومدرسة البنات المتوسطة، وبارا الغربية الأولية؛ لأن هذه المدارس تشهد على تطور التعليم ليس في مدينة بارا فحسب بل في المنطقة بأكملها. ولابد للزائر أن يشاهد مباني مجلس ريفي دار حامد التي شيدت في فترة الاستعمار، وكذلك مستشفى بارا القديم الذي أنشئ أساساً ليكون ثكنات للوحدات العسكرية التي كانت توجد في المدينة آنذاك. وإن كنت ممن يحبون صعود التلال فما عليك سواء الخروج شمالاً أو غرباً من بارا فسوف يجذبك سحر الرمال الذهبية الساكنة التي يكسوها السيلكون فيكسبها لمعاناً وبريقاً لا يمكن أن تصفه الكلمات. أما أحياء بارا القديمة فهي البكراوية والحي الشرقي والركابية والبلك والحلة الجديدة وأم تمامة والعشير وغيرها من الضواحي والقرى المجاورة التي باتت تعد جزءًا من المدينة في الوقت الراهن. ولقد كان سوق بارا، حتى وقت قريب، تجلب إليه البضائع من مختلف بقاع الدنيا، فكان المتسوق يجد البضائع الإنجليزية واليابانية من أقمشة وأحذية، ويجد الجبن الرومي والليمونادة والكولا في دكان الخواجة لويزو، والتفاح اللبناني، وغير ذلك من المنتجات. أما اليوم فقد تحول ذلك السوق العامر إلى أكشاك صغيرة وكئيبة المنظر تبيع منتجات محلية فقط مثل الويكة والكول واللالوب، والنبق وغير ذلك من الأشياء الشعبية، التي تعرض على الأرض، بلا نظام. ولم يعد هنالك "الترزي" الإفرنجي بابو ولا أولئك الحلاقون المشاهير من أمثال العم حاج آدم وابنه شعيب وغيرهم من أصحاب الحرف، والجزارون الذين كان يتميز بهم سوق بارا ويعرفهم كل الناس! أما أكبر الأسر التي عاشت في بارا، وأثرت الحياة فيها، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، أسرة محمد الحسن عبد الله يس، وآل قريش وآل شداد والروبي وآل معروف وبالطبع أسرة الشيخ جعفر الدريديري، وآل كراداوي. ومن الشخصيات المشهورة أستاذنا محمد التوم التجاني، واللواء الركابي أحمد حامد، والفريق الطيب عبد الرحمن، وقنديل إبراهيم قنديل، والبروفسور التاج فضل الله، وسيد علي زكي، والدكتور مبارك شداد، والفريق محمد بشير سليمان، وحافظ عبد الرحمن وعبد الرحمن عبد الله، وغيرهم من المبدعين في مجال الشعر والفنون، لا يتسع المجال لذكرهم. ومن جانب آخر، بارا هي معقل لعدد من الطرق الصوفية كالتجانية والختمية والإسماعلية والسمانية والقادرية، كما أنها أحد أهم معاقل الحزب الاتحادي الديمقراطي مع وجود مقدر لحزب الأمة والحركة الإسلامية والحزب الشيوعي؛ خاصة في أوساط المتعلمين والمهنيين. بمعنى آخر، فان مجتمع بارا يجمع كل ألوان الطيف السياسي في السودان، وهذا في حد ذاته أثر سلباً وإيجاباً على الحياة العامة في المدينة؛ إذ ظل المركز يتعاطى مع بارا وفقاً للحالة السياسية السائدة! وتبعاً لذلك ظل اهتمام الحكومات المركزية بهذه المدينة متذبذباً بدرجة كبيرة حتى أنها صنفت في عهد مايو كأحد مراكز المعارضة أو الرجعية آنذاك؛ فحرمت من فرص كثيرة كان من الممكن أن تنقلها إلى وضع أفضل تنموياً وعمرانياً. ووفقاً لما تقدم، نود التأكيد بأن بارا تعد من ناحية تاريخية وجغرافية وسكانية وإنتاجية وثقافية واحدة من أهم المدن إن لم تكن الأهم على الإطلاق من بين المدن الأخرى في غرب السودان ووسطه! ليس هذا فحسب بل إن بارا الكبرى هي منطقة واسعة تتبع لها مجموعة من القرى، التي يمكن أن نطلق عليها مسمى مدن، تمتد من المزروب غرباً وحتى أم سيالا شرقاً ودميرة وطيبة وأم سعدون والبشيري شمالاً؛ ولذلك فإن بارا ليست مجرد مدينة بل هي حاضرة لمنطقة ذات كثافة سكانية معتبرة وبها مقومات اقتصادية وبشرية وطبيعية متنوعة يمكن الاستفادة منها في توفير كثير من المنتجات الزراعية والغابية والحيوانية، ويمكن لها أن تقدم منتج ثقافي متميز إذا أتيحت لها الفرصة الإعلامية المطلوبة. ومع كل هذا الزخم والألق الطبيعي والتميز والعبق إلا أن بارا تواجه جملة من المشاكل والتحديات، فهل من حلول يا ترى؟
|
Post: #4
Title: Re: بارا.... جنة سواقي الريد andquot;1andquot;!
Author: Biraima M Adam
Date: 05-15-2018, 04:03 AM
Parent: #2
ألف شكر أستاذ محمد التجاني،
Quote: بارا قد حظيت بكل مقومات الجنان على الأرض؛ فثمة ماء نمير وخضرة ووجه حسن، وموقع متميز |
متابعين هذا الجمال ..
بريمة
|
Post: #3
Title: Re: بارا.... جنة سواقي الريد andquot;1andquot;!
Author: تماضر الطاهر
Date: 05-14-2018, 03:09 PM
Parent: #1
جميل جداً..ورائع
|
|