كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
Re: بارا.... جنة سواقي الريد andquot;1andquot;! (Re: محمد التجاني عمر قش)
|
بارا ... جنة سواقي الريد "2"! محمد التجاني عمر قش لم يكن اختيار العنوان أعلاه صدفة إنما مقصود بدقة؛ لأن بارا قد حظيت بكل مقومات الجنان على الأرض؛ فثمة ماء نمير وخضرة ووجه حسن، وموقع متميز. فكما هو معلوم، تتمتع بارا بمناخ جميل أغلب العام، وتزداد رونقاً في فصل الخريف، ولذلك فهي تغري الزائر بالمشي بين جنبات المدينة وزيارة جنائنها الفيحاء. أما عشاق التاريخ والآثار فلهم موعد مع بعض المعالم الأثرية البارزة التي تشتهر بها بارا، ولعل الأثر الأكبر والأعظم هو المسجد العتيق، وهنالك مزار قبة السيد الحسن، التي تعد من أشهر المعالم في بارا! ومن تلك المعالم، شجرة اللبخ التي تتوسط المدينة بكل عزة وشموخ وهي تشرئب إلى السماء وتحكي للأجيال عن أولئك العظماء الذين كانوا يجلسون في ظلها ليحضروا جلسات محكمة زانوق، شيخ العرب محمد تمساح سيماوي، ناظر عموم دار حامد، نسأل الله أن ينزل عليه وعليهم شآبيب الرحمة. أيضاً لا بد من زيارة أشهر المدارس في بارا وأهمها المدرسة الأميرية الوسطى، وهي مدرسة بارا الثانوية الجنوبية حالياً، ومدرسة البنات المتوسطة، وبارا الغربية الأولية؛ لأن هذه المدارس تشهد على تطور التعليم ليس في مدينة بارا فحسب بل في المنطقة بأكملها. ولابد للزائر أن يشاهد مباني مجلس ريفي دار حامد التي شيدت في فترة الاستعمار، وكذلك مستشفى بارا القديم الذي أنشئ أساساً ليكون ثكنات للوحدات العسكرية التي كانت توجد في المدينة آنذاك. وإن كنت ممن يحبون صعود التلال فما عليك سواء الخروج شمالاً أو غرباً من بارا فسوف يجذبك سحر الرمال الذهبية الساكنة التي يكسوها السيلكون فيكسبها لمعاناً وبريقاً لا يمكن أن تصفه الكلمات. أما أحياء بارا القديمة فهي البكراوية والحي الشرقي والركابية والبلك والحلة الجديدة وأم تمامة والعشير وغيرها من الضواحي والقرى المجاورة التي باتت تعد جزءًا من المدينة في الوقت الراهن. ولقد كان سوق بارا، حتى وقت قريب، تجلب إليه البضائع من مختلف بقاع الدنيا، فكان المتسوق يجد البضائع الإنجليزية واليابانية من أقمشة وأحذية، ويجد الجبن الرومي والليمونادة والكولا في دكان الخواجة لويزو، والتفاح اللبناني، وغير ذلك من المنتجات. أما اليوم فقد تحول ذلك السوق العامر إلى أكشاك صغيرة وكئيبة المنظر تبيع منتجات محلية فقط مثل الويكة والكول واللالوب، والنبق وغير ذلك من الأشياء الشعبية، التي تعرض على الأرض، بلا نظام. ولم يعد هنالك "الترزي" الإفرنجي بابو ولا أولئك الحلاقون المشاهير من أمثال العم حاج آدم وابنه شعيب وغيرهم من أصحاب الحرف، والجزارون الذين كان يتميز بهم سوق بارا ويعرفهم كل الناس! أما أكبر الأسر التي عاشت في بارا، وأثرت الحياة فيها، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، أسرة محمد الحسن عبد الله يس، وآل قريش وآل شداد والروبي وآل معروف وبالطبع أسرة الشيخ جعفر الدريديري، وآل كراداوي. ومن الشخصيات المشهورة أستاذنا محمد التوم التجاني، واللواء الركابي أحمد حامد، والفريق الطيب عبد الرحمن، وقنديل إبراهيم قنديل، والبروفسور التاج فضل الله، وسيد علي زكي، والدكتور مبارك شداد، والفريق محمد بشير سليمان، وحافظ عبد الرحمن وعبد الرحمن عبد الله، وغيرهم من المبدعين في مجال الشعر والفنون، لا يتسع المجال لذكرهم. ومن جانب آخر، بارا هي معقل لعدد من الطرق الصوفية كالتجانية والختمية والإسماعلية والسمانية والقادرية، كما أنها أحد أهم معاقل الحزب الاتحادي الديمقراطي مع وجود مقدر لحزب الأمة والحركة الإسلامية والحزب الشيوعي؛ خاصة في أوساط المتعلمين والمهنيين. بمعنى آخر، فان مجتمع بارا يجمع كل ألوان الطيف السياسي في السودان، وهذا في حد ذاته أثر سلباً وإيجاباً على الحياة العامة في المدينة؛ إذ ظل المركز يتعاطى مع بارا وفقاً للحالة السياسية السائدة! وتبعاً لذلك ظل اهتمام الحكومات المركزية بهذه المدينة متذبذباً بدرجة كبيرة حتى أنها صنفت في عهد مايو كأحد مراكز المعارضة أو الرجعية آنذاك؛ فحرمت من فرص كثيرة كان من الممكن أن تنقلها إلى وضع أفضل تنموياً وعمرانياً. ووفقاً لما تقدم، نود التأكيد بأن بارا تعد من ناحية تاريخية وجغرافية وسكانية وإنتاجية وثقافية واحدة من أهم المدن إن لم تكن الأهم على الإطلاق من بين المدن الأخرى في غرب السودان ووسطه! ليس هذا فحسب بل إن بارا الكبرى هي منطقة واسعة تتبع لها مجموعة من القرى، التي يمكن أن نطلق عليها مسمى مدن، تمتد من المزروب غرباً وحتى أم سيالا شرقاً ودميرة وطيبة وأم سعدون والبشيري شمالاً؛ ولذلك فإن بارا ليست مجرد مدينة بل هي حاضرة لمنطقة ذات كثافة سكانية معتبرة وبها مقومات اقتصادية وبشرية وطبيعية متنوعة يمكن الاستفادة منها في توفير كثير من المنتجات الزراعية والغابية والحيوانية، ويمكن لها أن تقدم منتج ثقافي متميز إذا أتيحت لها الفرصة الإعلامية المطلوبة. ومع كل هذا الزخم والألق الطبيعي والتميز والعبق إلا أن بارا تواجه جملة من المشاكل والتحديات، فهل من حلول يا ترى؟
| |
|
|
|
|
|
|
|