الحزب الشيوعي السوداني وهو يقاتل الآن الاستبداد الشمولي في سبيل استعادة الديمقراطية، ليس على مايرام، وليس كما أتمنّى له أن يكون: نجمة قطبية في العتمة التي تحيط بشعب السودان. ومع ذلك فإن كلمة الحقّ تلزمني أن أقول بأن الحزب الشيوعي قد أفاد شعب السودان، فيما قدم له، بتيسيره لمئات المنح الدراسية التي أعان بها الطلاب الشيوعيين، والديمقراطيين، وغير المتحزّبين من أبناء الأسر، الّتي ساندت الشيوعيين أيام الشدّة، وفتحت لهم بيوتها، وحمتهم من أجهزة الأمن. سافر هؤلاء الشباب، وتعلموا في دول المعسكر الشرقي حيث اتسعت مداركهم، واحتكوا بشعوب أخرى، ثم عادوا إلى الوطن، وشغلوا فيه وظائف رفعت المستوى المعيشي لأهلهم، و لم يطلب الحزب من الطلاب الشيوعيين سوى أن يعودوا إلى السودان بأرفع الشهادات.
الحزب الشيوعي حزب فقير ليس له مال ليصرفه على أحد، طالباً للعلم كان، أو غير طالب، أقول هذا عن معرفة عن كثب، فقد انتسبت لهذا الحزب منذ صباي الباكر، وكنت أدفع الإشتراك الشهري أسوة بغيري من الأعضاء، وإذا قصّرت في أداء هذا الواجب المنصوص عليه في لائحة الحزب، أعرّض نفسي للمساءلة والتحقيق، وربما الفصل إذا لم يكن لدي عذر يمنعني من دفع الاشتراك. ثم سافرت إلى بلغاريا عن طريق منحة دراسية قدّمها لي الحزب الشيوعي، وقد تابع أمر هذه المنحة حتى حصولي عليها وسفري إلى صوفيا زميلي فى فرع حلفا الجديدة، الأستاذ محمد مختار الخطيب. وظللت على أيام الدراسة في الجامعة أدفع الاشتراك الشهري للحزب الشيوعي وللجبهة الديمقراطية. وأقولها بملء الفم واثقاً كل الثقة مما أقول، ليس من شيم الشيوعيين السودانيين أن يشتروا أحداً بالمال أو المنحة الدرسية، فأنا أعرف عدداً غير قليل من الطلاب الذين حصلوا على منح دراسية يسّرها لهم الشيوعيون، ثم سافروا إلى أوروبا الشرقية، وانخرطوا في أنشطة معادية للحزب الشيوعي. اذاً فالحزب الشيوعي السوداني لايشتري ولاء الطلاب، ولايلزم طالب المنحة الدراسية بأي شيء، بل اذكر أنّ قيادة الحزب الشيوعي في السودان في أوائل التسعينات من القرن الماضي كانت تبعث لنا في فرع الحزب ببلغاريا ضمن حملة للطواف على فروع الحزب بالخارج من يجمع المال من الاشتراكات التي كنا ندفعها بشق الأنفس من راتب الجامعة الهزيل ليعود به الى السودان للمساهمة في تغطية منصرفات العمل الحزبي في ظروف بالغة الدقة أثناء الملاحقات والاعتقالات والتعذيب والقتل في "بيوت الأشباح".
الشيوعيون السودانيون هم من أفضل من عرفت في حياتي، وهم نخبة من خيرة أبناء وبنات السودان القادمين من كلّ أرجاء الوطن، زهّاداً متخفّفين من الدنيا، يحملهم إليه بساط أشواقهم المورِقة والمؤرَّقة للحرية والعدالة الاجتماعية، ومع ذلك فهم ليسوا ملائكة أطهار، بل بشر عاديون تجدّ بينهم ضعاف النفوس، لست أتهّم أحداً من المشار إليهم في نشرة 'فحيح الأفعى" بغير دليل، ولكنّ ماورد في النشرة المذكورة، على مافيه من تهويل، ينبغي أن يُحمل على مجمل الجدّ، وأن يُجرَى فيه تحقيق صارم يجلي الحقائق، ويدين المذنب.
لاشكّ عندي أنّ الحزب الشيوعي السوداني مُختطَف، وأنّ السبيل لاستعادته لأعضائه ولطبقة العمال في السودان هو أن يقوم مؤتمره الخامس، لا السابع، أن يقوم المؤتمر دون أن تهيمن على قيامه القيادة الحالية، وأن يُدعَى له كل من تعرّض للجور والفصل التعسّفي من قبل القيادة الحالية أو الّتي سبقتها، ويتم انتخاب قيادة جديدة لهذا الحزب الّذي لاغنى عنه لفقراء السودان وكادحيه. عثمان محمد صالح
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة