السوداني الغبي ، و المدهش في نظر صديقي اليوغندي .... منقول من الواتس آب في نهايات العام 2012 كنت بمعية صديقي اليوغندي داؤدي و الذي يعمل معي في كمبالا ، كنا نستغل حافلة ركاب في طريقنا الى السوق ... في الطريق و في احدى المحطات ركب شاب جنوبي، من سحنته غالبا ينتمي الى الدينكا ، وجلس في الكرسي الذي يلينا مباشرة ، و انتبه الىٌ فجأة عندما رددت على التلفون باللهجة السودانية و انتظر حتى انهيت المكالمة فسلم علىٌ بحرارة بادية ، و تجاذبنا بعض الحديث ، عرفت منه انه طالب في احدى الجامعات في كمبالا ... عند مرور الكمساري دفعت له قيمة التذكرة ، نزل من الحافلة بعد محطتتين و شكرني ...
كان صديقي ينتظر نزوله بفارغ الصبر ، فسألني ان كنت اعرفه ؟؟ ، قلت له انها المرة الاولى التي اراه فيها و لا اعرف حتى اسمه كل ما اعرفه انه سوداني ، قال لي : اذن لماذا تضٌيع مالك و تدفع لشخص لا تعرف عنه شئ و غالبا لن تلتقيه مرة اخرى ؟؟ رددت عليه بإقتضاب ما معناه (هي قروشى وداير اضيعها ) ... هو طنطن بكلام كثير فهمت منه جملة ( شعب غبي ) ... قالها بصورة مازحة .(لانني دائما اقول له هذه ثقافة الشعب السوداني)
(طبعا اليوغندي يمكن ان يركب المواصلات مع صديقه او شقيقه و كل شخص يدفع تذكرته فقط )
بعد فترة لا تتجاوز الستة اشهر و في بدايات شهر رمضان شاءت الظروف ان يكون داؤدي معي في مدينة ( امبرارا) غربي يوغندا ، و التي تبعد حوالي 600 كلم عن العاصمة كمبالا ، و كان معنا عمنا اسماعيل، (و هو صانع الأجبان في المعمل الذي نمتلكه في احدى القرى ف تلك المنطقة ) و هو من النيل الابيض من منطقة شبشة ، و كانت عادته عندما نذهب الي المدينة يلبس كامل الزي السوداني ، الجلابية و العمة و الشال و المركوب ، وهذا اللبس عادة ينال اعجاب و استغراب اليوغنديين فيلقون عليه التحية باستمرار .. انتبهنا فجأة لصوت امرأة تنادي باعلى صوتها من مكان بعيد :(يازول يازول ) التفتنا فوجدنا امرأة جنوبية في الاربعينات من عمرها ترتدي الثوب السوداني مهرولة نحونا ، فرجعنا تجاهها ، سلمت علينا بحرارة و بانفاس لاهثة ، و قالت انها عرفت اننا سودانيين من خلال ملابس اسماعيل ، كعادة السودانيين تعارفنا بسرعة ، و عرفنا انها تسكن في هذه المدينة منذ فترة طويلة ، و قالت انها سمعت بان هناك سودانيين يصنعون الاجبان في تلك المنطقة ، الا انها لم توفق في ملاقاتنا بالرغم من انها تأتي الى السوق باستمرار ، و اقسمت علينا نفطر عندها في البيت في اليوم التالي و تبادلنا ارقام الهواتف و وعدناها بالحضور ... اتصلت بنا اكثر من مرة لتأكيد الدعوة ... و فعلا ذهبنا الى منزلها في احدى الاحياء الراقية ب امبرارا ... و مدينة امبرارا تشبه الى حد كبير الريف الاوربي من حيث الجو الربيعي و البيوت الجميلة المسقوفة بالاسبستوس الملون ، و كذلك الخضرة المنتشرة في كل مكان و النظافة البادية في الشوارع ... وجدناها قد جهزت لنا افطارا رمضانيا فيه مالذ و طاب و جدناها قد صنعت لنا العصيدة و المديدة و الكثير من الاسماك و اللحوم و مختلف انواع العصائر ... وقبلها كانت قد جهزت لنا فرشات الصلاة و اباريق الوضوء ، عرفنا انها تدعى زينب و أن اهلها من قبيلة الباريا في جوبا ، و زوجها يسمى (توماس او جيمس ، لا اذكر الاسم بالضبط الان لطول الزمن ) ، الغريب في الامر انها مسيحية و زوحها مسلم يعمل طبيب في منظمة دولية ، درس الطب في جامعة الخرطوم ، و كان وقتها يعمل في باكستان ، لهم ثلاث بنات في مراحل التعليم المختلفة اثنتان منهن مسلمات و الثالثة مسيحية . طبعا صديقي داؤدي كان حاضرا لذاك الافطار الشهي ، و كان مستغربا للاريحية التي تعاملت بها تلك المرأة معنا ، و الكرم و الحفاوة التي حفتنا بهما .... بمجرد ان خرجنا من منزلها ، و كما توقعت اقترب مني صديقي اليوغندي و قال لي : سالم هل انت متأكد انكم لا تعرفون هذه المرأة التي تكبدت كل هذه المشاق المادية و البدنية لاعداد هذه الوجبة ؟؟ . قلت له : لا ، بل لا نعرف حتى اسمها قبل الامس ، وانت كنت معنا عندما تعرفنا عليها !
صمت قليلا و هز رأسه ثم طنطن بما معناه : ( ياخي انتو شعب مدهش ) ....
قطبعا داؤدي وكثير من اليوغندين و سكان شرق افريقيا فهمهم ان الحرب بين الشمال و الحنوب كانت حرب بين الشمال العربي المسلم ضد الجنوب الزنجي المسيحي ، لكن بمرور الوقت وبكثير من الشواهد عرف ان الحرب سياسية بحتة ، بدليل اني باعتباري شمالي مسلم بدفع لي جنوبي مسيحي حق المواصلات بدون ان اعرف اسمه و ما عندي معاه اي مشكلة ، و كذلك جنوبية مسيحية تدعونا نحن الشماليين المسلمين لافطار رمضاني بكل الطقوس الدينية و الاجتماعية في بيتها و برضو بدون ما تعرف اسماءنا و جهاتنا ... في الحالتين الدافع هو السودانوية ولا غير ...
سالم الامين بشير ١٠نوفمبر ٢٠١٧
العنوان
الكاتب
Date
السوداني الغبي ، و المدهش في نظر صديقي اليوغندي ....
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة