|
Re: مُستَمسَكات (Re: ابو جهينة)
|
ذات مرة، قبلتُ دعوة أحد الأصدقاء للسفر في الإجازة الصيفية عن طريق جدة ـ بورتسودان ، حيث إشترى باصا فاخرا وقرر العودة النهائية للسودان ضمن مشاريع أخرى ( للأسف كتب لها الفشل الذريع ). كانت الرحلة تضم صاحب الباص وعائلته وثلاث عوائل أخرى بالإضافة لشخصي و كنت بدون أسرتي التي سبقتني بالطائرة لحضور مناسبة زواج بالحصاحيصا. انسابت الرحلة جميلة من الرياض ، وسط حماس الأطفال ، وحلل الأكل الطازة ، وكل واحدة تتباهى بالأكلة التي من صنعها. تكهرب الجو بواسطة إحدى الزوجات ، عرفت من أول الرحلة أنها حتكون شوكة الحوت التي لن تتبلع و لا حتفوت. فقد نسي زوجها العزيز شنطة مهمة بها بعض هدايا أهلها في المنزل بالرياض. قالت له : لازم ترجع تجيب الشنطة. وحاولنا إقناعها بأننا قطعنا ربع المسافة لجدة ، ويمكن إرسالها في أي وقت آخر بالشحن ، فكانت تخاطب زوجها وكأننا غير موجودين أو أشباح : إنت ما سامعني ، أرجع جيب الشنطة ، ولا بنرجع كلنا و ما في داعي للسفر. والمسكين ينظر إلينا مستنجدا بتوسلاتنا لنتوسط لدى أسد الله البضرع. وهي بالفعل كالأسد وسطنا تضرع ، وهو كلما زمجرت ، ( ينخ ) إلى أن وافق على الرجوع اللحاق بنا في جدة لو ربنا هون وسهل له طريقة ذهاب و إياب سريعة من وإلى الرياض. المهم ، راح ولحق بنا في جدة والضيق بادي على وجهه ، وبالرغم من تعبه ، وبدلا من أن تشكره ، عنّفته قائلة : يعني كان تتصرف وتشتري البلوزات القلت ليك عليها ونسينا ما إشتريناها في السوق. فقلت لها وأنا ( أتقلقل ) من الغيظ : يعني يخش السوق ونحن ننتظر هنا و الباخرة تفوتنا ؟ وكأنها لم تسمعني ، و واصلت الحديث مع زوجها : يعني ديل لو كانوا أهلك كنت جريت وجبتهم. وهو يبتسم إبتسامة لا مغزى لها ، خليط من الاستسلام والامتعاض والاعتياد على تلقي الضربات فوق البردعة. واصلنا الرحلة ، وأنا نادم على هذه الرفقة التي ( ترفع ضغط الدم و تفقع المرارة ). وصلنا بورتسودان ، وحمدت الله أنني في الباخرة لن أقابل تلك الحية الرقطاء وذلك السنجاب المنتوف. وتحركنا من بورتسودان صوب الخرطوم بعد أن إنتهينا من كل الإجراءات وإشترينا ما نحتاجه ، وتماما عند تلك الطلعة المخيفة وسط جبال الشرق،والباص يئن ويطقطق من حمولته في ذلك المنعرج الضيق ، شق الصمت صوت الحيزبون : سجمي أنا نسيت البامبرز كلو. لم يرد عليها أحد ، فالكل يركز على الطريق و على الهاوية على يميننا. ثم كررت جملتها. فقلت لها وأنا أقدح شررا من عيني : إستعملي دلاقين ولا توبك لو لزم الأمر ، وبعدين إشتري في كسلا. قالت : إنت من الرياض مصاقرني مالك ؟. أنا بتكلم معاه هو. ثم وجهت كلامها للسنجاب الوديع : إنت بقيت تنسى مالك ؟ بتحب واحدة تانية ولا شنو؟ والله إستعمل قمصانك الفي الهاندباق دة. فنظر إليها بوداعة الطفل الغرير وإبتسم إبتسامة تعني أن لا مانع يا حبي الكبير. وتوالت مواقف رفع ضغط الدم ، وأنا إستغرب مثل عينة هذا الرجل. بعد كل كم كيلو متر ، نجد الزوجة إياها تتفنن في إذلال صاحبنا الرافع يديه فوق طول الوقت ، مسلم أمره لهذه الزوجة التي لا ترعوي. كل الأسر تنزل عند كل محطة وقوف ، إلا هي ، تجلس وتصدر الأوامر له ، حتى الأطفال هو الذي يقوم بتوصيلهم للحمام وعمل اللازم نحوهم. وهي مستلقية على الكراسي الخلفية تبحلق في نقشة الحنة وتستمتع بموسيقى الأصفر الرنان الذي يملأ تضاريس جسدها. قالت واحدة معنا : أريتو راجل السرور. أهو الراجل ولا بلاش. قالت الأخرى : بري. دة لو راجلي بطلقو في يوم واحد. فقلت للأولى : يعني البسوي كدة يا هو الراجل التمام ؟ قالت بعد أن تراجعت عن موقفها قليلا : لا مش كدة مية بالمية ، بس أنا عاجبني فيهو الهدوء. فقلت لها : هذا هو الهدوء الذي لن يسبق العاصفة أبدا. فعواصف زوجته تملأ خياشيمه ورئتيه وقصبته الهوائية . هو ميت حى ولا يدري ذلك. كان الله في عونه وعون من كان على شاكلته. عندما وصلنا الخرطوم بالسلامة ، وبصوت سمعناه كلنا ، قالت الزوجة لا فض فوها ولا فض حساب زوجها في البنك : أنا بمشي أعزي بت خالتي في أبوها ، باخد لي تاكسي من هنا ، إنت روح البيت عند ناس أمي وخد معاك الأولاد و العفش لغاية ما أجيكم. ودون مناقشة ، بدأ في تنفيذ الأمر بآلية يحسده عليها ( الروبوت )...
***
هاتوا ما عندكم من مستمسكات
|
|
|
|
|
|
|
|
|