|
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
مر يوم السابع والعشرين من كانون الثاني - يناير ) هادئا . فلم يتكرر النزف ، وكان فيدور ميخائيلوفيتش يبدو في وضع أحسن ، حتى إن مزاجه تحسن ، وطلب دعوة الصغيرين وراح يحدثهما بهمس . وفي وسط النهار ساوره القلق على ( اليوميات ) فقد جاء عامل الصف من مطبعة سوفورين ، وأخبرنا بضرورة حذف سبعة أسطر زيادة عن الملزمتين . وهذا ما زاد في قلق فيدور ميخائيلوفيتش . ولكنني طلبت منه أن آخذ مهمة حذف هذه الأسطر على عاتقي فوافق ، وأسترد فيدور ميخائيلوفيتش بعض الهدوء حين عرف أن المقالة عادت من الرقابة مع الموافقة .
وفي الوقت نفسه كان خبر مرض فيدور ميخائيلوفيتش قد انتشر في المدينة ، ومنذ الساعة الثانية ، وحتى ساعة متأخرة من الليل لم يعرف جرس الباب راحة . كان القادمون ، من معارف وغرباء ، يسألون عن صحة فيدور ميخائيلوفيتش . كما تلقينا العديد من الرسائل والبرقيات . ولم يكن يسمح لأي كان بالدخول على المريض ، فكنت أخرج إلى المعارف لدقيقتين ، وأخبرهم عن حالة المريض . وكان فيدور ميخائيلوفيتش مرتاحاُ لهذا الاهتمام الكبير به ، حتى إنه تحدث معي طويلاُ ــــ بهمس ــــ بخصوص إحدى الرسائل ، وجاء الطبيب كوشلاكوف ، فوجد أن حالة المريض قد تحسنت إلى حد كبير ، وأكد له أنه سيكون قادرا على النهوض بعد أسبوع ، وسيكون معافى تماما بعد أسبوعين ، ونصح بالنوم كثيرا ، ولذا فقد أوينا كلنا إلى الفراش في وقت مبكر . وكنت قد أمضيت الهزيع الأخير من ليل البارحة جالسة في كرسي ، فقد قررت قضاء هذه الليلة في مد إلى جانب أريكة فيدور ميخائيلوفيتش ، كي أكون قربه عن الحاجة ، وبسبب أرق البارحة ، وقلق النهار . لم ألبث أن رحت في سبات عميق . وخلال الليل استيقظت عدة مرات ، وفي كل مرة كنت أرى مريضي العزيز يغط في نومه . استيقظت في حوالي السابعة صباحاُ فوجدت زوجي ينظر ناحيتي . فسألته ، وأنا أنحني عليه : كيف صحتك يا عزيزي ؟ وأجابني بصوت أقرب إلى الهمس : تعرفين يا آنيا ! منذ حوالي ثلاث ساعات والنوم لا يأتيني ، وقد أدركت أنني سأموت اليوم . فقلت له ، وقد تملكني الخوف : لماذا تفكر هكذا يا عزيزي ؟ فأنت الآن في حالة جيدة ، والدم لم يعد ينزف ، واضح أن ( الانسداد ) قد حصل كما قال الطبيب . - بالله عليك لا تدع الشك يعذبك .إنك ستعيش أؤكد لك . ـــ كلا ، أنا أعرف ، يجب أن أموت اليوم . أوقدي الشمعة يا آنيا ، وأعطني الإنجيل . وكان هذا الإنجيل هدية من زوجات الديسمبريين (2) ، قدمنه له في توبولسك ، وهو في طريقه لقضاء الحكم بالأشغال الشاقة ، وكن قد طلبن من السجان السماح لهن بزيارة السجناء السياسيين الجدد ، وقد أمضين معهم ساعات وباركنهم في طريقهم الجديد ، ورسمن عليهم إشارة الصليب ، وأهدين كلاُ منهم نسخة من الإنجيل ، الكتاب الوحيد المسموح بإدخاله السجن آنذاك. وعلى مدى السنوات الأربع ، التي أمضاها فيدور ميخائيلوفيتش في الأشغال الشاقة ، لم يفارقه هذا الكتاب . وفيما بعد ظل يضعه في مكان ظاهر على طاولة الكتابة .وفي كل مرة كان يخامره الشك في شيء ما ، أو تنتابه الحيرة بصدد قضية ما كان يفتح الكتاب ويقرأ الصفحة الأولى( التي على يسار القارئ ) ، وها هو الآن يريد أن يقطع الشك باليقين مستعيناُ بالإنجيل . فتح الكتاب المقدس ، وطلب من أن أقرأ له : ( كان ذلك الإنجيل متٌى الفصل الثالث الصفحة الثانية. ـــ هل رأيت؟إذن فسوف أموت .ـــــ قال زوجي ثم أطبق الكتاب . ولم أستطع تمالك دموعي ، فراح فيدور ميخائيلوفيتش يطمئنني ويشكرني بكلمات رقيقة لطيفة على تلك السنوات السعيدة ، التي أمضيناها سوية ، وأكد لي أنه يترك الصغيرين في أيدٍ أمينة… كان واضحا أن فكرة الموت لا تفارق زوجي ، وأنه لا يخشى الانتقال إلى العالم الجديد .
وفي حوالي التاسعة صباحاً غلبه النعاس فنام ، ويدي في يده . فجلست دون حراك ، خوفا من أن يستيقظ . ولكنه استيقظ فجأة في حوالي الحادية عشرة ، ورفع رأسه عن الوسادة ، وعاد النزيف . وقد استبد بي القلق إلى حد كبير . ولكنني رحت أسري عن زوجي ، وأؤكد له أن كمية الدم قليلة ، وأن ( الانسداد ) لا بد قد تم . ولكن فيدور ميخائيلوفيتش اكتفى بهز رأسه ، لكأنه كان على قناعة تامة من أن تنبؤه بالموت في هذا اليوم في محله .
وفي منتصف النهار عاد الناس يتدفقون على منزلنا . وقد جاء ولده بالتبني ، وكنت البارحة قد أرسلت له رسالة أخبره فيها بمرض زوجي . أصٌر بافل الكسندروفتش على الدخول على المريض . ولكن الطبيب رفض ذلك بشكل قاطع ، وحينذاك راح يتلصص من خصاصة الباب . ولا حظ فيدور ميخائيلوفيتش ذلك ، فطلب مني عدم السماح له بالدخول ، خوفا من أن يزعجه.
وفي هذا الوقت كان بافل الكسندروفتش ) إيسايف ) في غاية الاضطراب، وكان يقول لجميع القادمين للسؤال عن صحة فيدور ميخائيلوفيتش من معارف وغرباء ، أن ( أباه ) لم يضع وصيته الروحية ، وأنه لا بد من استدعاء كاتب بالعدل إلى البيت كي يستطيع فيدور ميخائيلوفيتش التصرف بما يملك حسب رؤيته . ولكن الطبيب كوشلاكوف ، الذي سمع هذا القول من بافل الكسندروفتش ، رفض هذا الطلب بشكل قاطع ، مؤكدا أن ذلك من شأنه أن يزيد من وضع المريض سوءاُ ، وأن أي اضطراب قد يقضي على المريض .
وفي الواقع لم تكن ثمة حاجة إلى الوصية الروحية فقد سبق لفيدور ميخائيلوفيتش في عام1873 أن أهداني الحقوق الأدبية لمؤلفاته . وباستثناء الخمسة آلاف روبل في ( البشير الروسي ) لم يكن لدى فيدور ميخائيلوفيتش أي شيء ، وكنت أنا والأولاد ورثة هذا المبلغ الزهيد . لم أغادر زوجي اليوم بكامله ، ولو لدقيقة ، كان ممسكاً بيدي ، وهو يقول بصوت أقرب إلى الهمس: مسكينة…يا عزيزتي…ماذا تركت لك…مسكينة…كم ستكون حياتك صعبة.
…..وفي حوالي السابعة غصت غرفة الضيوف والطعام بالزوار . وعلى حين غرة تشنج فيدور ميخائيلوفيتش ، ورفع رأسه قليلاً ، فبدأ الدم يصبغ وجهه من جديد ، وقد سارعنا إلى إعطائه أقراص الجليد ، ولكن النزيف لم يتوقف . كانت يد زوجي لا تزال ممسكة بيدي .وكنت أشعر أن نبضه يضعف شيئاً فشيئاً ، إلى أن تلاشى . كان ذلك في الثامنة وثمان وثلاثين دقيقة ( كما ذكر أحدهم فيما بعد ..(. في الحادي والثلاثين من كانون الثاني - يناير وكان يوم السبت ، غادر فيدور ميخائيلوفيتش شقتنا للمرة الأخيرة في موكب مهيب ، إلى مثواه الأخير في ( الكسندرو نيفسكي لافرا . “
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
موت دوستويفسكي عندما تسقط الحواجز:عندما تقع شابة في عشق رجل كهل | محمد عبد الله الحسين | 05-30-18, 10:49 AM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | محمد عبد الله الحسين | 05-30-18, 10:51 AM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | محمد عبد الله الحسين | 05-30-18, 10:53 AM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | محمد عبد الله الحسين | 05-30-18, 11:00 AM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | محمد عبد الله الحسين | 05-30-18, 11:02 AM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | محمد عبد الله الحسين | 05-30-18, 11:07 AM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | محمد عبد الله الحسين | 05-30-18, 11:14 AM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | Hafiz Bashir | 05-30-18, 11:19 AM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | عبدالغني محمد الحاج | 05-30-18, 11:25 AM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | محمد عبد الله الحسين | 05-30-18, 11:27 AM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | Hafiz Bashir | 05-30-18, 11:38 AM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | Hafiz Bashir | 05-30-18, 11:42 AM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | محمد عبد الله الحسين | 05-30-18, 01:55 PM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | محمد عبد الله الحسين | 05-30-18, 09:03 PM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | Ali Alkanzi | 05-30-18, 11:57 PM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | محمد عبد الله الحسين | 05-31-18, 09:17 AM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | نصر الدين عثمان | 05-31-18, 10:21 AM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | نصر الدين عثمان | 05-31-18, 11:56 AM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | Amin Eltaib | 05-31-18, 01:40 PM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | محمد عبد الله الحسين | 06-01-18, 09:04 AM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | محمد عبد الله الحسين | 06-01-18, 10:25 AM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | محمد عبد الله الحسين | 06-01-18, 10:48 AM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | محمد عبد الله الحسين | 06-01-18, 10:16 PM |
Re: عندما تسقط الحواجز الوهمية:عندما تقع شابة | محمد عبد الله الحسين | 06-02-18, 09:38 AM |
|
|
|