|
Re: التحرش الجنسي: هل المجتمع الصناعي هو المس� (Re: Asim Fageary)
|
الأخ عاصم تحية طيبة ما شاء الله انت متابع يقظ ...و النقطة التي اوقفتك فطنة للغاية.. اواصل تنزيل بقية المقال *********************************************************************************************8 سلاح الرجل السري
انتهت حرب الجنسين في المجتمعات البدائية إلى شيء يشبه المأزق. والشيء الذي بدل ذلك الوضع هو قدوم الزراعة، وهو سلاح الرجل السري على ما يبدو، حيث مكّن تدجين النباتات والحيوانات الناس من إنتاج كمية أكبر بكثير من الغذاء في الهكتار الواحد الذي حوله أسلافنا في معظمه إلى المزيد من أفراد جنسهم. ارتفع معدل الولادات إلى درجة أن الزوجة المزارعة تنجب سبعة أطفال وتقضي معظم حياتها البالغة حاملا أو تعتني بأطفال صغار.
تقريبا في كل مجتمع زراعي، كانت أصناف العمل مقسّمة على أساس الجنس بشكل حاد، إذ كان الرجال يكدحون في الحقول والورشات، وتبقى النساء في البيوت، لكن على عكس المقابلة بين الرجل الصياد والمرأة القاطفة التي سادت في العصور القديمة، فإن تقسيم ‘الرجل في الحقل’/ ‘المرأة في البيت’ منح الرجال السيطرة شبه الكاملة على خلق الثروة، وذلك زاد كثيرا من نفوذهم في المفاوضات مع الزوجات والبنات والأخوات.
وتبعية المرأة الاقتصادية لم تنته في ذلك الحد إذ تتوقف رفاهيتها بشكل كبير على الزواج برجل ليس صاحب قوة عضلية فحسب، لكن كذلك جمع رأس المال الضروري للزراعة إما من خلال سنوات من العمل الشاق والتوفير وإما عن طريق الوراثة.
في بيئة زراعية تصبح الأبوة مسألة حياة أو موت لأنه إذا خانت امرأة زوجها قد يسرق رجل آخر كل شيء امتلكه الزوج. لذلك عوضت الرقابة الصارمة لعذرية البنات ما قبل الزواج ووفاء المرأة المتزوجة المواقف الجنسية العرضية للقناصين.
لم يتغير اتجاه الحرب بين الجنسين إلا في حدود القرون الأربعة الأخيرة تقريبا. بداية من شمال غرب أوروبا في حوالي سنة 1600 ميلادية حيث بدأت نسبة الأشخاص الذين يتعاطون النشاط الزراعي في الهبوط ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى ظهور نظام اقتصادي جديد يقوم على التجارة الأطلسية.
اكتشف الأوروبيون أنه إذا تحولوا من القطاع الفلاحي إلى القطاع الصناعي يمكن للتجار تصدير البعض من بضاعتهم المصنعة إلى غرب أفريقيا ومقايضتها بالعبيد، ثم بيع العبيد في أميركا وشراء السكر والقطن وسلع أساسية مرغوب فيها أخرى قبل الرجوع الى إنكلترا أو هولندا لبيع هذه البضائع هناك. بعدها يمكنهم شراء مجموعة جديدة من البضائع المصنعة وإعادة عملية تحقيق الأرباح من جديد.
هذه الآلية (التي يسميها المؤرخون الاقتصاديون “التجارة المثلثة”) ولدت الثروة بحجم غير مسبوق وكانت لها نتائج هائلة. ومكّن ارتفاع الأجور عمال الحرف في شمال غرب أوروبا من تناول وجبات أفضل (وبأكثر انتظام) مقارنة بأسلافهم المزارعين.
كلما نجح المجتمع الصناعي في جذب النساء إلى خارج البيت اتسع تجمع العمل وارتفعت إمكانية ازدهاره. وهذه المعادلة تجعل متحرشي العالم مشكلة جيواستراتيجية
وكانت نتيجة تحسّن الغذاء والتقدم في الصحة العامة والنظافة والطب. وارتفع عدد السكان ارتفاعا حادا نتيجة لانخفاض الوفيات وبقاء نسب الولادات مرتفعة، لكن بحلول عام 1650 كان الأولياء يتأقلمون مع النظام الديموغرافي الجديد وكانت المرأة الإنكليزية المتوسطة تنجب أقل من أربعة أطفال. وبوجود عدد أقل من الأطفال للاعتناء بهم كان لدى النساء الأوروبيات المزيد من الوقت، مما يطرح فكرة العمل خارج البيت في الوقت نفسه الذي كانت فيه التجارة الأطلسية تزيد من الطلب على العمّال الحرفيين. والنتائج؟ بدأت الأحكام المسبقة القديمة ضد عمل المرأة خارج البيت تنهار في القرن السابع عشر والثامن عشر، وببطء شديد بدأت السلطة الاقتصادية للمرأة تزداد.
تسارع هذا التحول بعد 1800 مع تعلم الأوروبيين كيفية إطلاق الطاقة المخزنة في الوقود الأحفوري واستعماله لتشغيل الآلات. وكلما تقدم ذلك (من الفحم الحجري إلى النفط، ومن البخار إلى الكهرباء) كلما نقص اعتماد الاقتصادات الأوروبية على القوة العضلية وأصبح عمل المرأة والرجل أكبر قابلية للتبادل. وفي بعض الصناعات، وبالأخص النسيج، كانت العاملات مفضلات على العمال الذكور في القرن التاسع عشر، ولكن جاء الإقلاع الحقيقي في المئة سنة الموالية بما أن الإنتاجية الصناعية العالية جعلت من الممكن حدوث تحول كبير في العمل نحو قطاع الخدمات حيث تعطى الأهمية للذكاء والتنظيم، بدلا من العضلات والعدوانية.
أقلمة الاقتصاد الجديد
سارعت النساء إلى قطاع الخدمات مما أحدث طلبا جديدا على الآلات التي يمكن أن تتكفل بالشؤون المنزلية التي كانت تتنافس على وقتهن. واستجاب المهندسون بتوفير آلات الغسيل والأيونات الكهربائية وعددا لا يحصى من “محركات التحرر”، مثلما يسميها المؤرخون الاجتماعيون.
واستمر تحسن الغذاء والرخاء في تخفيض وفيات الأطفال فضلا عن أهميتهما في تحرير المرأة للعمل خارج البيت. وردّت النساء بطلب وسائل أفضل لمنع الحمل وقضاء وقت أقل في حمل وتربية الأطفال. وعلى المستوى العالمي انخفضت الولادات الحية من متوسط خمسة للمرأة الواحدة في سنة 1950 إلى 2.4 للمرأة الواحدة في سنة 2013 (وفي الاتحاد الأوروبي إلى 1.46 فقط).
وتسببت هذه التغييرات في زيادة السلطة الاقتصادية للمرأة وزادت في تقويض النظام الأبوي. ففي النصف القرن بين 1940 و1990 تضاعفت نسبة النساء الأميركيات العاملات خارج البيت، وبينما في سنة 1960 كان هناك 4 في المئة فقط من الزوجات الأميركيات يتقاضين أجورا أعلى من أجور أزواجهن، وصلت هذه النسبة في سنة 2014 إلى 23 بالمئة.
موازين القوى في الحرب بين الجنسين تنزاح على نحو حاسم بعيدا عن الرجال. ولا يمكن لمجتمع زراعي ما قبل حداثي أن يستمر إلا إذا بقيت النساء في البيت، لكن المجتمع الصناعي الحديث مختلف تمام الاختلاف، فكلما نجح في جذب النساء إلى خارج البيت، اتسع تجمع العمل والمهارات المتوفرة له وارتفعت إمكانية ازدهاره. وهذه المعادلة تجعل متحرشي العالم مشكلة جيواستراتيجية.
في القرن الحادي والعشرين، البلد الذي تتعرض فيه امرأة من ست يعملن في الكونغرس للتحرش الجنسي سيكافح للتنافس مع بلد تكون فيه النسبة المقابلة أدنى. لهذا السبب وجدت نفسي أتم شهادة التدريب الإلزامي في الوقاية من التحرش الذي تفرضه جامعة كاليفورنيا على مديري الأقسام والأساتذة، بينما وجد شارلي روز نفسه عاطلا عن العمل.
باحث بمعهد أبحاث السياسة الخارجية
|
|
|
|
|
|
|
|
|