في العاشرة من مساء الأمس كانت الفجيعة و الأسى .. والحزن قد خيم بسواده من سماء الوطن الجريح .. و كنا ما زلنا لا تسعفنا قوانا على إحتمال كل الأحزان المخيمة بكل شبر في البلاد حتى إزددنا إنهياراً برحيل المناضل الدكتور / السماني المتوفق محمد له الرحمة و المغفرة. اكتست الوجوه دمعاً سخيناً و نحيباً بحجم الفاجعة في كل مكان ينبض بالشباب السوداني في الداخل و الخارج، ينتحبون لفقدهم أيقونة و شمعة قلما نجد مثلها في ساحات النضال الوطني اليوم، شاب وهب حياته كاملة لوطنه لا يبتغي شيئاً سواه، ثائراً متقداً حتى صار قائداً يلتف حوله كل المنتفضين الطامحين في وطن حر نقي آمن يسع الجميع فعلاً لا قولاً، وطن يتمتع بالعدالة الإجتماعية صماماً للحياة لا شعاراً للدعاية و الإستقطاب. بل وآخر أمانة كان قد تركها في أيدينا كانت حلمه البديع (مشروع البديل و دولة الرعاية الإجتماعية) والذي قضي جل وقته فيه رغم الداء و الأعداء يسهر فيه إعداداً و تنقيحاً و صياغةً و تفحصاً بتواضعه المعهود يأخذ بالرأي من كل من حوله دونما كلل ولا ملل يملؤه الإصرار بإكماله قبل العملية وكأنما كان يؤديها كأمانة و يتبرأ منها. و في ليلة دخوله الأسيف للمستشفى لإجراء عملية القلب المفتوح قد أوصى و لم يسكت عن الوصية حتى لحظة التخدير يردد "منفستو البديل أوصيكم به" و ظل يوصي بالوطن و إستمرار النضال في آخر لحظاته معنا. ولم ينضب معينه قبلها لحظة من تقديم العقول النيرة لحركتنا 27 نوفمبر و يحشد إليها الحادبين علي تحرير الوطن و آخر من قدمهم لحركة 27 نوفمبر هم الآن شباب بقدر الثقة و الوصية، يملأون سماوات الوطن فعلاً ثورياً ممتداً يتجلي ثورة .. لم يترك الدكتور السماني دروب العمل الوطني حتى آخر لحظه و حدثنا صبيحة العملية مرارا عن كل الملفات التي بيده كأمين عام و جعل الأمانة في أعناقنا مشروعاً وطنياً متكاملاً غير منقوص سنخلده و نعمل من أجله لا لشئ سوي أنه مشروع يجسد قمة أحلام شباب السودان كلهم .
ما يؤلمنا و مع إيماننا بالأقدار، أنه لم يستمع للنصح و قد إختار مستشفيات السودان أزقة الموت طريقاً لعلاجه تضامنا مع البسطاء و الفقراء و عامة الناس و لم يمد يده لأحد بغرض العلاج في الداخل أو الخارج ، و نأي بعفته أن يطرق أي باب سوي باب الله و الوطن و ذلك لطهره و نقائه الذي عرف به و تقدم بخطي الأبطال صوب المستشفى الحكومي المركزي (الفقير) لجراحة القلب و هو يعلم تماماً علم العارفين بأن المستشفى يفتقر إلى أبسط مقومات إنقاذ حياة الناس! و بالفعل فعندما تعرض للنزف الشديد و مضاعفات النزيف، نقله ذويه إلى إحدى متاجر النظام في أرواح البشر ، متجر للعساكر في أرواح الناس إسمه مستشفى علياء .. و لم يسعفه بالطبع ! يموت الناس في بلادنا للإهمال الحكومي و إنعدام الخدمات و أبسط ضروريات إنقاذ الحياة. يسقطون بالمرض و الرصاص و الجروح في زالنجي و كل دارفور و في جنوب كردفان و في النيل الأزرق و في الشرق و في الشمال و حتي في الأواسط و في العاصمة نفسها ولا يجدون ما يسعفهم من مستشفيات عامة لإنقاذ الحياة ! يذبحون في مستشفيات الدولة المركزية وليست فيها أبجديات الإنعاش ورد الأرواح ، مستشفيات تفرغها السلطات من نبض الحياة لتبتاعها أراضي للإستثمار .. و بالمقابل يتاجرون في علاج المرضي و المحتاجين حتى أصبحت فاتورة العلاج فوق طاقة الجميع. و هذا ما كان يرفضه الدكتور السماني و هو ينادي بدولة الرعاية الإجتماعية و العدالة المجتمعية.
لن نتراجع أبداً أيها القائد الفذ، نم قرير العين هانئها، و ليغفر لك البارئ و يؤجرك على ما تركت من صدقة جارية تشفع لك و لأهلك _ مشروعك الوطني الذي بدأته معنا، سنعض عليه بالنواجز و نظل على جمر القضية قابضين و نكمل المشوار بشباب كألسن النار و شابات كاللهب و بوزن الرجال و الجبال لا أنصاف الرجال، سننجز المهمة أيها البطل الخالد و سنجعل من ثورتنا لهيباً يحرق الفاسدين صناع الموت لشعبنا قاتلي الأرواح بشتي السبل و آخرها روحك الطاهرة أيها البار للوطن. لن نتنازل قيد أنملة و لن نرضي بغير التغيير بديلاً .. التغيير ثم التغيير، شاملا كاملا غير منقوصاً، تغييراً يكنس الخونة المنافقين بائعي الوطن، تغييراً يدفن من جعلوا بلادنا مصرفاً للزكاة و العطايا و من أحالوها سلة لمهملات العالم من النفايات البشرية و المادية و السموم المغلفة بالدنانير. وعدا أن نشعلها ثورة يسمعها العالم و يندهش، ثورة لا نرضى إلا بنهاياتها التي نأمل و أحلامنا المشروعة بدولة العدالة و الحرية و الديمقراطية و الكرامة و الأمن في وطن مرفوع الرأس شامخاً كما أنت، شامخاً كما كان، عالياً كما يجب. و نردد معك ، لا للحوار لا للتسوية لا للمساومة لا للمنازلة لا للإنكسار
نعم للتغيير الشامل و مشروع البديل و دولة الرعاية الإجتماعية. طريقنا الإنتفاضة الشعبية و العصيان المدني . ستظل خالداً أيها الرفيق ، يخلدك عملك و يحمل مشروعنا إسمك إهداءاً لروحك و تخليداً و وفاء .. و ستظل رقابنا فداً للوطن، فمن نكون و أنت تفدي هذا الوطن ! لك الخلود كله ..
05-23-2018, 03:56 PM
سيف اليزل سعد عمر
سيف اليزل سعد عمر
تاريخ التسجيل: 01-11-2013
مجموع المشاركات: 9476
رحم الله د. السماني وغفر له.. والبركة فيكم يا اخ محمد وفى الجميع. لم افهم عبارة لا للمنازلة.. وربما كانت خطأ مطبعي. فهلا استغربت والا عمار بيد الله ان يلجأ الى مستشفى حكومى لاجراء عملية القلب المفتوح. وكيف سمح له من حوله بذلك.. ولكن كل شيئ مكتوب بما فيه الأسباب.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة