من الواضح جدا للعيان البون الشاسع بين حال بلدان المسلمين، ومعظم بلدان العالم المعاصر من كل النواحي العلمية والسياسية والفكرية والاقتصادية وحتى الثقافية والرياضية، فما هو السبب يا ترى؟ ينزع معظم المسلمين إلى حجج جاهزة للرد على هذا السؤال مثل عدم تطبيق تعاليم الإسلام والاستعمار وظلم الحكام وغيرها، والواقع أن جميع الأسباب المذكورة (عدا ظلم الحكام والذي سوف نتناوله لاحقا) هي من قبيل دفن الرؤوس في الرمال لا أكثر، فالقول ان سبب التخلف هو عدم تطبيق الاسلام هو قول غير دقيق والرد عليه بسيط جدا بنقطتين واضحتين: الأولى هي أنه من السذاجة نسب تقدم الأمة أو الدولة للدين أو المعتقد، فالنجاح سواء على مستوى الأفراد أو الأمم يتطلب تطبيق قواعد معينة كالتخطيط السليم والعمل الجاد والمتابعة والتقييم وغيرها وفِي ذلك يتساوى المسلم واليهودي والملحد اي أن من يزرع يحصد وهذه سنة الحياة، وما يبرهن على صحة ذلك ان الدول الرائدة في عالم الْيَوْمَ لا تتبنى دينا معينا. النقطة الثانية أنه لايوجد كتالوج أو وصفة جاهزة يطلق عليها تعاليم الإسلام لحل مشاكل المجتمع، فالاسلام شأنه شأن بقية الأديان والمعتقدات قدم مبادئ توجيهية عامة تعزز الفطرة الانسانية السليمة كالعدل والاحسان ومساعدة الضعيف والحث على طلب العلم واتقان العمل وغيرها وترك التفاصيل وطرق تنزيل تلك المبادئ على أرض الواقع لاجتهاد الناس بحسب ظروف الزمان والمكان. فإذا كانت هناك مبادئ اسلام جاهزة تضمن التقدم والرفاهية فلماذا لايطبقها المُنادون بها إذن؟ أما بخصوص مساهمة الاستعمار في التخلف الراهن، هو قول يفتقر ايضا للدقة، فعلى الرغم من اعترافنا بوجود جرائم وتجاوزات كبيرة قام بها المستعمرون ونهبهم للثروات الوطنية وخلقهم لطبقة موالية لهم من أبناء البلد الأصليين وغيرها، الا ان الواقع يقول انهم تركوا خلفهم بنية تحتية معقولة وأنظمة صحية وتعليمية وإدارية جيدة ونزيهة ومشاريع عملاقة ما كانت لترى النور على أيدي السكان الأصليين والذين قاموا بتدميرها لاحقا تحت شعارات الوطنية والاستقلال ولنا في حال السودان احد الأمثلة، والأهم من ذلك ان تاريخ المسلمين حافل بالخلافات والمؤامرات منذ حادثة سقيفة بني ساعدة عقب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم الى بدء الاستعمار في القرن الثامن عشر ميلادي تقريبا، مما يدحض مسؤولية المستعمرين المباشرة عن واقعنا المتردي.
إذن ماهي الأسباب؟ هناك العديد من الأسباب التي ترجع للمجتمع الذي يعيش فيه الفرد المسلم وبالأخص العربي تعيق عملية التقدم، أبرزهاغياب حرية التفكير والنقد وهما حجر الزاوية للتطور فهذه المجتمعات تفرض قيودا صارمة على الكل حتى في النواحي الاجتماعية، كما يتفشى فيها التنميط والسلوك الجمعي، أيضا من الأسباب الارث المتأصل في التبجيل المبالغ فيه للأولياء وشيوخ الدين والذين بمعظمهم منعزلون عن واقع الحياة المعاصر وليس لديهم مايقدمونه لحل مشاكل المجتمع ويساهمون بقصد أو دون قصد في تدني الوعي المجتمعي بالتركيز على اجترار الماضي واثارة الخلافات المذهبية والفرقة بين أبناء المجتمع الواحد والإغراق في الغيبيات، ومقابل ذلك يجنون الأموال الطائلة والمكانة الاجتماعية المرموقة. أيضا تربية الأسر لأبناءها في الغالب تربية خاطئة وترتكز على التلقين والتخويف والأوامر، مما ينتج عنه فقدان الثقة بالنفس والاحساس بالتناقض بين ما يلقن من الوالدين والمدرسة وبين السلوك السائد في المجتمع، فمثلا نسمع كل يوم من مختلف الوسائط ان الكذب حرام ويدخل النار، بينما نرى ان تلك الآفة متفشية في مجتمعاتنا بشكل يفوق التصور، وبالبلدي حالك مابيمشي لو ماعملت كده، ايضا يتم التركيز بشكل مفرط (يصل الى مرحلة تعطيل مصالح الناس احيانا) على أداء الشعائر وجعلها المقياس الأوحد لصلاح الفرد (بدون تقليل من أهميتها) على الرغم من انها شأن بين المرء وربه، في حين لاتلقى اساسيات الأخلاق والمعاملات مثل الصدق ونبذ الفساد والنفاق وضرورة إتقان العمل والحفاظ على الممتلكات العامة واحترام خصوصيات الآخرين الاهتمام نفسه رغم كونها أساس علاقة الناس ببعضهم. بالنسبة لحكام بلدان المسلمين، لاشك انهم يتحملون وزرا كبيرا في تدهور احوال شعوبهم ورغم ان الاستبداد والدكتاتورية ليسا بالشئ غير المألوف، الا ان الحكام المستبدين في الدول المسلمة يختلفون عن نظرائهم الآخرين بشيئين أساسيين: الاول استغلال العاطفة الدينية لشعوبهم في تعزيز سلطتهم وذلك عن طريق الاستعانة بمن يسمون شيوخ الدين لتضليل البسطاء وإضفاء نوع من القدسية على الحاكم وقراراته، وهذا في نهاية المطاف يسئ للدين نفسه. والثاني انهم لا يترددون في الذهاب الى ابعد مدى في تحطيم كيان الدولة ومؤسساتها مقابل كرسي الحكم ولنا في حال ليبيا مثال والتي اختزلت بالكامل في شخص معمر القذافي وبعد ذهابه أصبحت غابة للميلشيات المختلفة. كذلك قتل هؤلاء الحكام التطور المجتمعي الطبيعي من حيث بناء أحزاب سياسية معافاة وبرلمانات ونقابات مهنية حرة وغيرها، مما ساهم في عزوف المواطن عن الشأن العام ولامبالاته وسلبيته تجاه بلاده وانحصار عالمه في شئونه الشخصية فقط، أضف الى ذلك استحلال الثروات الوطنية لهم ولمحاسيبهم بشكل أسوأ كثيرا مما كان يفعله المستعمرون السابقون.
الحل بداية لابد من الاعتراف أن معالجة هذا الواقع لايمكن ان تكون بين يوم وليلة وأنها تحتاج لأجيال عدة لتصفية الرواسب المتراكمة، وبالنسبة للحكام لابديل عن محاربة ثالوث التخلف الشهير الجهل والفقر والمرض وقبل ذلك ارساء الحريات وحكم القانون بشكل حقيقي وجاد لكسب ثقة مواطنيهم. أما بالنسبة للمواطنين فيقع على عاتقهم التربية السليمة للابناء ومكاشفتهم وتوعيتهم بنبذ الأفكار المتطرفة حول العداء مع الاخر وان الجميع شركاء في الوطن بصرف النظر عن معتقداتهم، وهذا بالطبع لا يتعارض مع تعليمهم دينهم والاعتزاز به. كذلك لابد من وجود مراجعات فكرية جادة لمصادر التاريخ واستنباط احكام متوافقة مع حقائق وظروف العصر بدلا عن الاعتماد على كتب وروايات كتبت في عصور وظروف مختلفة تماما عن واقعنا الْيَوْمَ وإلا سيظل الحال كما هو عليه.
العنوان
الكاتب
Date
لماذا تأخرت بلدان المسلمين بينما تقدمت بلدان غيرهم؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة