|
Re: إفتتان متأخر جداً بالتاريخ (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
الافتتان بالتاريخ- بداية مبكرة كانت أولى بوادر الإفتتان أو الوعي بالتاريخ بشكله الواضح، و المؤثّر قد أتاني بعد ذهابي لمصر للدراسة. حيث أن البحث عن هويتي كسوداني كانت هي الباعث و المحرك الأول بالنسبة لكي أعود لكي أتعرف على التاريخ ( تلك المادة التي كنت اراه مادة جافة و صارمة و ثقيلة على النفس). بالتالي كانت عودتي للتاريخ حينئذ من باب الغربة و الإغتراب و البعد عن مجتمعي الأصلي. فكنت محتاجاً، لكي أظل متماسكاً نفسياً و وجدانياً في ذلك المجتمع الغريب بالنسبة لي، أن أبحث عن العضد و السند. فكان تاريخ بلادي القديم هو ملاذي و ملجأي كعضد نفسي و وجداني،ثم كسند فكري لاحقاً. بالتالي فإن ما بات يسمى اليوم ب(الوعي بالهوية) كان هو دافعي الأول للتعرف على تاريخ بلادي. و حقيقةً لقد بدأ ذلك التوق نحو معرفة التاريخ يضج في داخل الفكر و الوجدان و يدق على نافذة الوعي المبكر بقوة منذ أن وطئت قدماي أرض مصر. و لم اكن بالطبع أدري في ذلك الوقت ما معنى الهوية و ما معنى وطن أو مجتمع غريب. كما أن مفهوم الهوية حسب مقولات علماء النفس و الأجتماع في ذلك الوقت لم يكن مفهوماً قد تحددت معالمه كما هو اليوم. كما لم يكن هذا المفهوم يحتل حيزاً يذكر في الجدل الثقافي و الفكري كما هو حادث اليوم. و لكنني اليوم استطيع تفسير ما واجهته و ما عانيته في ذلك الوقت بأنه كان (أزمة هوية) حسب تفسيرات وتعريفات علماء النفس و الأجتماع بعد أن تكشّفت معالمه كمفهوم قائم بذاته في السنوات الاخيرة. أتذكر بعد أن قضيت أياماص أو اسابيع في مصر داهمني إحساس غامر بضرورة اللجوء إلى تاريخنا و إرثنا الحضاري للتعرف عليه و التسلح به و التقوّي به و أنا في خضم مجتمع ذو هوية مغايرة و ثقافة إلى محتلفة. إذا كان من المستحيل بالنسبة لي أن أغيّر جلدي و أن أتنكر لهويتي و أن ألن إنتمائي لذلك المجتع أوالتماهي معه. حيث ذلك كان سيكون ضد الواقع و مناقضاً لطبيعة النفس البشرية و لطبيعة الأشياء. فالإنتماء و التماهي مع مجتمع ما أو مجموعة عملية تحدث مع النفس و داخل النفس و تشمل عدة مراحل تتضمن: البحث، و الاستقصاء، و الجدل، و طرح التساؤلات.كما تشمل الحوار الداخلي و الإجابة على التساؤلات. و أخيراً يجيء الإقتناع الفكري و التماسك الداخلي النفسي و الوجداني العميق. لذلك كان الخيار الواقعي و المنطقي المتاح بالنسبة لي في ذلك الوقت هو اللجوء لأقرب الخيارات و اكثرها منطقية و واقعية.و هو الإنكفاء على هوية مجتمعي و ثقافته و تاريخه. إذ لم يكن الإندماج او الذوبان في المجتمع الجديد منطقياً او مقبولاً بالنسبة لي، رغم إعتزازي به و اعتزازي بالعيش فيه و التعامل معه و مع مكوناته جميعها لأقصى حد. و هكذا وجدت نفسي منساقاً بكل ذلك القلق و بكل ذلك التشتت و مدفوعاً ببعض وعيٍ و رغبةٍ غامرةٍ و دافعٍ محدد الاتجاه، للبحث و التنقيب عن نفسي و عن من اكون، و عمن هم الذين أتيت منهم و أنتمي إليهم. كما ذكرت لم أكن أفهم في ذلك الوقت المبكر أن ما دفعني للبحث في تاريخ بلادي و ثقافته و استكناه ماضيه و إرثه التاريخي و الحضاري هو الوعي بهويتي الوطنية كسوداني. كما أن ذلك الوعي ما كان ليجد طريق إلى نفسي و فكري لو لم أسافر إلى مجتمع غريب عليّ. والآن، و الآن فقط استطعت أن أفهم و أفسّر السر وراء ذهابي و أنا في ريعان شبابي المبكر لملازمة مكتبة جامعة الخرطوم و دار الوثائق بحثاً عن وشائج و اواصر تربطني بأجدادي و ملوك بلادي الغابرين من لدن تهارقا و بعانخي و شبكة و شبتاكا..إلخ. بالتالي فإن الالتجاء للتاريخ هو الذي مكنني من أن أصنع هوية وطنية غير محددة المعالم و لكنها قوية بما يكفي لأعتمد عليها في مواجهة هوية مجتمعية مغايرة أحسست بها تضغط عليّ لكي أبحث عن هوية لم أكن أظن أني كنت سأحتاج إليها لو لم أفارق وطني و مجتمعي. عدت إلى مصر بعد إنتهاء العطلة السنوية. و التي قضيتها حاملاً دفاتري متنقلاً بين المكتبات و المتحف القومي و بيت الخليفة . قضيتها في البحث و التنقيب ( دون أن أملك ما يكفي من أدوات للبحث و التنقيب ). كنت أبحثً عمّا يسعفني بما يسد الرمق و يشفي الغليل، و يُشبع التوق إلى المعلومات التي تسعف فيما يشبه التشبّذ باواصر و وشائج تاريخية و حضارية ... ..........استطيع بها أن أقول للعالم أن وطني كان عضو مؤسس في نادي الحضارة العالمي، و إن كان اليوم نسياً منسيا لأسباب شتى. و اليوم، و بعد أن مرت السنوات، و تدرجنا في مراقي العلم و الثقافة و التعلم عرفت أن ما كان قد دفعني للبحث عن تاريخ بلادي في ذلك الوقت المبكر، كان هو ما يسمى اليوم بالبحث عن الهوية و الإنتماء أو أزمة الهوية. إن ما ذكرته آنفاً كان عبارة عن البدايات الأولى ،بدايات إفتتاني بالتاريخ في مراحه الأولى. حيث أن ذلك الافتتان بالتاريخ كان قد خمد أو قلّ بإهتمامي بمجالات أخرى، كما سأشرح فيما بعد. أواصل
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
إفتتان بالتاريخ تأخّر جداً:بلقيس سودانية؟ | محمد عبد الله الحسين | 06-01-16, 08:56 AM |
Re: إفتتان متأخر جداً بالتاريخ | محمد عبد الله الحسين | 06-01-16, 09:08 AM |
Re: إفتتان متأخر جداً بالتاريخ | محمد عبد الله الحسين | 06-01-16, 09:27 AM |
Re: إفتتان متأخر جداً بالتاريخ | محمد عبد الله الحسين | 06-01-16, 10:20 AM |
Re: إفتتان متأخر جداً بالتاريخ | محمد عبد الله الحسين | 06-01-16, 10:28 AM |
Re: إفتتان متأخر جداً بالتاريخ | محمد عبد الله الحسين | 06-01-16, 05:41 PM |
Re: إفتتان متأخر جداً بالتاريخ | محمد عبد الله الحسين | 06-02-16, 07:40 AM |
Re: إفتتان متأخر جداً بالتاريخ | محمد عبد الله الحسين | 06-03-16, 11:34 AM |
Re: إفتتان متأخر جداً بالتاريخ | محمد عبد الله الحسين | 06-03-16, 01:14 PM |
Re: إفتتان بالتاريخ جاء متأخر جداً | Hani Arabi Mohamed | 06-03-16, 01:47 PM |
Re: إفتتان بالتاريخ جاء متأخر جداً | محمد عبد الله الحسين | 06-03-16, 09:17 PM |
Re: إفتتان بالتاريخ جاء متأخر جداً | باسط المكي | 06-03-16, 09:24 PM |
Re: إفتتان بالتاريخ جاء متأخر جداً | محمد عبد الله الحسين | 06-04-16, 10:46 AM |
Re: إفتتان بالتاريخ جاء متأخر جداً | محمد عبد الله الحسين | 06-18-16, 11:24 AM |
Re: إفتتان بالتاريخ جاء متأخر جداً | محمد عبد الله الحسين | 06-18-16, 07:56 PM |
Re: إفتتان بالتاريخ جاء متأخر جداً | محمد عبد الله الحسين | 06-21-16, 10:58 AM |
Re: إفتتان بالتاريخ جاء متأخر جداً | محمد عبد الله الحسين | 06-22-16, 10:31 AM |
Re: إفتتان بالتاريخ جاء متأخر جداً | محمد عبد الله الحسين | 06-22-16, 08:28 PM |
Re: إفتتان بالتاريخ جاء متأخر جداً | Mannan | 06-23-16, 05:01 AM |
Re: إفتتان بالتاريخ جاء متأخر جداً | محمد عبد الله الحسين | 06-23-16, 10:35 AM |
Re: إفتتان بالتاريخ جاء متأخر جداً | محمد عبد الله الحسين | 07-02-16, 02:43 PM |
|
|
|