Quote: [3] فصل الجنوب:
إن مجمل السياسات الجنوبية المصيرية في عهد الحكم الثنائي (الإنجليزي ـ المصري) كانت تصنع في الكنيسة؛
إذ إنها تملك الحضور الفاعل في الميدان،
وتملك المعلومات الاستخباراتية من شبكات كنائسها المنتشرة في كل النواحي،
وتملك أدوات التأثير والضغط على الإدارة الحكومية،
وتملك كذلك التمويل اللازم لتنفيذ سياساتها؛
ولذا كانت توجهات الإدارة الاستعمارية تسير باتجاه فصل الجنوب(9)؛
يتحدث عن ذلك السكرتير الإداري (ماكمايكل) فيقول: "إنه من المعلوم أن تلجأ البعوث النصرانية خوفاً من التغلغل الإسلامي المتزايد إلى استخدام نفوذها في اتجاه فصل الجنوب"،
وعلى إثر ذلك أصدرت سياسة الجنوب والمناطق المقفولة،
كما كانت المؤسسات الإدارية الشمالية تقام بمعزل عن رصيفاتها الجنوبية،
وعملت الكنائس على إيجاد أبعاد أخرى لمسوغات الانفصال بعد تحويل ديانة الجنوب إلى النصرانية كتعميق العنصرية،
وإثارة الضغائن ضد المسلمين من أهل الشمال،
وتقوية اللهجات المحلية مع جعل الإنجليزية هي لغة التواصل والثقافة.
غير أن الإدارة الاستعمارية لأمر ما قد عدلت ـ آخر أمرها ـ عن فصل الجنوب،
فأصدر السكرتير الإداري (جيمس روبرتسون) في ديسمبر عام 1946م أمراً بإلغاء سياسة الجنوب، وأقام مؤتمر جوبا عام 1947م، ليرفع بعده توصياته للحاكم العام بأن الجنوبيين يفضلون الوحدة مع الشمال، ولم تكن مطالب الحركات الجنوبية أيام الاستقلال تتعدى الحكم الذاتي، وبعض المشاركة في الحكومة المركزية.
ومهما يكن من أمر فإن قضية انفصال الجنوب قضية معقدة لا يخلو أي خيار فيها من خسائر؛
لكن اليقين الوحيد هو أن القوى الصليبية لا تدعم وحدة راية إسلامية ولا وحدة تمكن الإسلام من التغلغل في الجنوب.
أما حين يكون الانفصال فإن تلك القوى ستضغط باتجاه كسب حدود أوسع كثيراً بصورة تكفي لتحويل ميزان الموارد الاستراتيجية كـ (النفظ والثروة الحيوانية والمراعي) لصالح الجنوب، ثم تقوم هي بباقي مهام بناء إمبراطورية صليبية هناك(10).