احتفال السفارة السودانية بلندن بذكرى الاستقلال ... صور

Quote: ستون عاما على استقلال السودان سألني باحث أكاديمي عندما كنت بالولايات المتحدة عن الصحافة العربية فقلت إنني من "مدمني" "القدس العربي". فسرت ذلك بالأبواب التي تميزها عن غيرها مثل عرض الصحف الاسرائيلية الصادرة باللغة العبرية. أما صفحات الآداب والفنون فأطالعها لأنني من طلاب الناقد الفلسطيني العظيم إحسان عباس، وأشعر بأسى كلما كتب أحد عن حياته ونتاجه دون أن يذكر أنه عاش وعمل بجامعة الخرطوم عشرات السنين. فوجئت يوم 21 فبراير (شباط) بمقالة ذات عنوان صارخ: "تظاهرات سودانية مناوئة للنظام في لندن" بقلم خالد الإعيسر الذي أحرص على قراءة ما يكتب لأنه إعلامي مبتكر ومبادر لفت الأنظار عندما سجل آخر مقابلة طويلة مع كاتبنا العبقري الطيب صالح قبل أيام من رحيله الفاجع. وقد شجعته على نشر المقابلة ككتاب وجد رواجا واستحسانا لأنه شكل وصية مودع للوطن. وقد تكرم بدعوتي لأكثر من مناظرة تلفزيونية في القنوات التي يتعامل معها وأشهد أنه يعد البرامج بإتقان ويتيح فرصه لوجهة النظر المخالفة. يبدو أن الاستعجال دفعه لنشر مقالة مختلة التوازن يوم 21 فبراير (شباط)، إذ احتوت على مغالاة ومعلومات غير دقيقة وحِدّة في اللفظ غير مألوفة في "القدس العربي". أبدأ بالمعلومات غير الموثقة. كتب الأستاذ الفاضل أن عدد الذين حضروا حفل السفارة السودانية "لم يتجاوز المائة وخمسين شخصا" الحقيقة أن القاعة الكبرى في فندق أمبا تسع أربعمائة وخمسين مقعدا وأن لجنة منظمي الحفل اضطرت إلى إضافة خمسين مقعدا ورغم ذلك كان هناك عشرات الواقفين بلا كراسي. يمكن لمن أراد أن يتأكد من إدارة الفندق عن هذه الأرقام. انتقل إلى اتفاقي معه حول أن الذين تظاهروا خارج الفندق كانوا قلة وصفها هو بـ"عشرات" ربما لأنهم كانوا أكثر من عشرة. لكن الخيال الجامح لعب دورا في قوله أن "نزلاء الفندق والمارة تجاوبوا مع المتظاهرين" في هذه المنطقة المزدحمة بالسياح الأجانب"! هل يقصد حقا أن المتسوقين في أكسفورد ستريت تعاطفوا مع الهتافات؟. أما قوله بأن محاولتين سابقتين فشلتا لتنظيم احتفال فيدحضه الواقع. نجح الحفل الذي أقيم للدبلوماسيين والأجانب من أصدقاء السودان يوم 3 فبراير (شباط) وحضره عدد كبير من الدبلوماسيين بينهم عميد السلك الدبلوماسي وسفير أميركي وممثلون للمسلمين البريطانيين ومراكز الأبحاث. صحيح أن الحفل الذي أعلن عنه يوم 6 فبراير (شباط) أُجِل لأن المدرسة التي وافقت على إقامته في إحدى قاعاتها اعتذرت، واتضح أنها تلقت اتصالا حذرها فيه أحد المحسوبين على المعارضة من وقوع اضطرابات قد تؤدي إلى خسائر في ممتلكات المدرسة. جدير بالإضافة أن هذا الشخص زار السفارة وقابل سعادة السفير واعتذر عن فعلته وقبل السفير اعتذاره بالأريحية السودانية الشهيرة. أحزنتني إشارة الكاتب الفاضل للركود الاقتصادي بالسودان وارتفاع أسعار العملات الأجنبية. لو أنه قبل الدعوة ودخل للحفل في فندق "أمبا" كصحفي محايد يستقصي الحقيقة لصالح القراء لاستمع إلى السياسي والإعلامي المخضرم محمد خير البدوي وهو يروي ذكرياته ويقول إن السودان مستهدف منذ الهجوم على الدولة المهدية في نهاية القرن التاسع عشر. مؤكد أن بلادنا محاصرة اقتصاديا والباعث هو كما يقول د. هاوارد فرنش (الأكاديمي الأميركي الأمين) أننا في منطقة صدام بين الثقافة العربية وبين الراغبين في صد جاذبيتها والحؤول دون توغلها أكثر في قلب أفريقيا. وفوق ذلك فبلادنا مستهدفة أيضا – كما يوثق البروفسير بيتر ودوارد – لأن إسرائيل تراها كعامل مؤثر في النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي. وقد حث بنيامين نتنياهو شخصيا منظمة AIPAC في الولايات المتحدة على إحكام الحصار الاقتصادي على السودان في خطبة شهيرة ألقاها عام 2007. لا يعيب الشعب السوداني أو حكومته أن البلاد مستهدفة وصامدة رغم المعاناة. المحزن هو أن يشمت عليها بعض أبنائها الذين استمرأوا العيش بعيدا وصاروا يفرحون لما يصيبها على أيدي الأعداء. أختم بكلمة عن الشعارات النوبية التي يحملها "العشرات". انها كلمات حق أريد بها باطل. فالتراث النوبي الخالد لا خطر عليه من الزوال أو الإنكار لأنه موثق ومحفوظ في متحفنا القومي وفي متاحف لندن ووارسو والقاهرة وغيرها. ولا تناقض بين الاحتفال بذكرى الاستقلال وبين التنمية في منطقة النوبيين لأن الاستقلال الحقيقي ليس علما ونشيدا وطنيا فحسب، بل عزيمة لتشييد الطرق والجسور والسدود والمدارس والجامعات والمستشفيات التي تنقل البلاد من مرحلة لمرحلة. وقد اعترف حتى د. منصور خالد (الذي كان مستشارا لرئيس الحركة الشعبية جون قرنق) في كتابه الأخير بأن الحكومة أنجزت في مجال البنية التحتية. نحتفي بتراثنا النوبي الخالد بالسعي الحثيث للحداثة والتغيير، لا بالجمود والتخلف. خالد الإعيسر كاتب صحافي مبتكر لكن مساهمته الأخيرة غير موفقة لأنها مليئة بالمغالاة والمعلومات غير الدقيقة. خالد المبارك – الملحق الإعلامي بسفارة السودان – لندن