إغتيال سلمان (1)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 08-02-2025, 03:16 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-07-2016, 05:36 AM

حسن العمدة
<aحسن العمدة
تاريخ التسجيل: 03-03-2014
مجموع المشاركات: 56

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
إغتيال سلمان (1)

    04:36 AM Jan, 07 2016

    سودانيز اون لاين
    حسن العمدة-دولة الامارات العربية المتحدة
    مكتبتى
    رابط مختصر

    الى روح الشهيد محمد موسى عبد الله بحر الدين
    والى أرواح الشهداء الذين قتلوا أمام أعيننا
    ومازلنا ننتظر لحظة القصاص




    رأيته بأم عيني ملقيا على أرض الطريق المهجور وسط الركام ،هو بشحمه ولحمه ببنطاله وقميصه النظيفين اليتيمين، حتى إبتسامته التي لا تفارقه أبدا، دنوت منه فوجدت إختلافا في إبتسامته أو هكذا شبه لي، أنه يجز أسنانه غبنا و ألما ،حتى الموت إستطاع إقتلاع الروح فقط ولكن الإبتسامة ظلت عصية عليه، كأنه يسخر ممن غدروا به وربما يطلب ثأرا يتشفى الظمأ، لم يكن يوما طوال معرفتي به إنتقاميا بل متسامحا الى حد غير معقول ،كنت يومها منهكا من وعكة ألمت ببطني والشمس الحارقة فوق رؤسنا والعرق يغطي وجوهنا، كان دمه طازجا يسيل في هدوء كموج النيل الأبيض الهادي على التراب، كنت خائفا وهتفت بأعلى صوتي:
    - إنه سلمان ..!!
    رأيت صديقي أبوبكر يدنو من الجسد الغارق في الدم وحاول تحريكه وجس نبضه ، وقفنا ننتظر ما سيقوله أبوبكر في أمر الرجل، قلب جسده وحرك يديه وجس قلبه وراحة يده ثم أطرق رأسه ولم يتحرك ، ظل متيبسا لا يحرك ساكنا، وأنا أحس بثقل الموقف وغلبني الصبر فصحت فيه:
    - ابوبكر خبرنا عن أمر الرجل، أحي هو؟
    رفع إلينا وجها تملؤه الدموع، تفحص وجوهنا واحدا وحدا، أنا وأشرف كنجة
    وشمس الدين وكمال اللامنتمي و وعبد الغني الواعي، طال صمته وإحترمنا ذلك ربما لرهبتنا أو لهول الموقف، ثم إتكأ على كتفي مما أضطرني أن أشد من عضدي أكثر وبصوت تخنقه العبرة قال مخاطبا لي عبارته التي أخترقتني وأحسستها كطعن السكين في الخاصرة:
    - قتل سلمان ود حمدون ياهود..!!
    لم يقل مات ولكن قال قتل، مما جعلنا نلاحظ الطعنات على البطن ,والفخذ والعنق وآثار الكي بالنار والصعق بالكهرباء والأظافر المقلوعة والكثير من الكدمات موزعة على أجزاء الجسد المنهك،رأس الرجل مغطى تماما بالدم، ظللنا أنا وصديقي نبحلق في الدم القاني، رائحة الدم البشري لا تنسى أبدا مهما حاولت ذلك، دم الصديق، الدم الساخن الطازج المهدر هكذا بلا سبب، الدم .. الدم، أنا مصاب بدوار الدم ، ماكنا نواجهه ليس الموت نفسه ولكن آثار معركته على وجه سلمان وجسده، الموت حين يكسب معركته يترك رهبة وخوف ووجل وضحكتة الساخرة تجلجل في المكان والزمان لفترة ليست بالقصيرة، دم صديقي الأسمر من أراقه هكذا بلا رحمة؟
    لست أدري لم تردد في أذني قول إمام المسجد بصورة آلية روتينية قول النبي الأعظم في حجة الوداع "دماءكم وأموالكم حرام عليكم ، حرمة يومكم هذا في بيتكم هذا في بلدكم هذا"...
    كان يكذب في قوله دائما، يقول الأحاديث والآيات ولكنه لا يلقى بالا للدين عندما يتعلق الأمر بمصلحته الشخصية، فقد ورث مسجد أبيه وبايعه المريدون خلفا لأبيه بالرغم من أن أخيه الأكبر كان هو الأحق بها والأكثر تأهيلا ولكنه إستخدم علاقاته بالمتنفذين في الدولة وقام بطرد أخيه من المسجد ولما حدث إنشقاق وسط المريدين منهم من أتبع العالم الجليل ومنهم من أتبع طالب السلطة والمال والجاه بالدين..!! كنا نفاجأ أن المسجد محاط بسيارات الشرطة لحماية إمامنا من أخيه خصوصا في صلاة الجمعة الجامعة،
    الله ياااااااارب..!!
    سلمان ود حمدون مات يا ناس..!،مات الولد الأسمر الإنسان، ماتت البسمة الطيبة والوجه الصبوح،مات الصديق والحبيب، مات وهو يضحك، تركنا نبكي وهو يضحك هازئا بالأخطار، سارع بالصعود الى الضياء في الخالدين بخطوات تتهادي كالغيوم الراحلة ..
    سلمان ود حمدون قتل.. خبر موجع حمله الباعة المتجولون في امدرمان والخرطوم بحري والخرطوم، وزعته المخابز خبزا للجائعين، فامدرمان مدينة تسبح بطريقتها على الأشياء التي تحدث، لا يحتمل أهل امدرمان الأسرار أبدا، ماسحو الأحذية، بائعو مياه السقيا، الطابعون، الجزارين، الخضرجية، السائقون، المعلمون، الموظفون، الأطباء، المحامون، الإعلاميون ينشرون الخبر"قتل الولد الأسمر طالب الجامعة..مات.. أغتيل..!!" الروايات تعددت بشأن ما حدث ،
    أي حزن ينتظرنا في مهزلة الحياة هذه؟ أي أمان في الدنيا بعد الذي حدث؟،ياحبيبي تكاد السماوات والأرض يتفطرن، بكت الأشجار والناس والشوارع والبيوتات الحنينة على إمتداد الجرح، على شاطئي الوطن المتشظي في غابات الجنوب الإستوائية بكاك الدينكا والشلك والنوير بكاك الحلنقة والبني عامر والهدندوة بكنك البنات وهجرت الطيور أعشاشها وهاجرت بعيدا علها غشت أهلك لتخبرهم بما حدث لقميصك الذي خلفه الخائضون في الدم الحرام،عل الطيور مرت على الحبيبة البعيدة في معسكر النزوح في نواحي تشاد، وخبرت عنك كل الصابرون على موجة الموت الذي غشي كل البيوتات أقسموا باسم الذين تيتموا وإخرجوا من ديارهم بغير حق، المعذبون الذين ظللت تتحدث باسمهم وتكتب حرفهم وترسم وشمهم على كل جدار، غنن باسمك الحكامات في كردفان وأمتلاءت السباتة بالفرسان والبنات الثيبات الأبكار من البقارة والأبالة وحمل المسيرية قميصك المصبوغ بالدم وخبأوه في رحالهم وساروا به واصلين بين شطي الجرح ،الشمال و الجنوب، فقد صار مجرد ذكر اسمك تهمة قد تجلد بها فتاة في مكان عام أو يجلد بها مثقف بتهمة المعرفة والقراءة ضد مشيئة الجنرالات ، التهمة ملفقة والظروف مختلقة وكل شئ معد بعناية القاضي الفاسد والجمهور الفاسد واللحية الزيف والأرداف.. الله من جرحك الذي أدمى السمع والبصر والفؤاد..!! من قتلك وتجرأ على خلع قميصك النظيف وإغراق بنطالك ونصفك العاري في كل هذا الدم؟ من يمكنه إغتيال الإبتسامة ، تحضرني ذكرى يوم بعيد كنا سويا أنا وأنت نشرب القهوة التي عشقناها من صنع أمنا ميري ، قلت لي يومئذٍ، وأنت تسرح ببصرك كعادتك في المجهول:
    - ياهودإنهم لن يستطيعوا مهما فعلوا أن يقتلوا فينا الطموح فالمستقبل هو ملكنا ونحن من يقرر كيف يكون.
    - فعلا يا سلمان نحتاج للمعرفة ولتراكم الخبرات لنبني مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة
    كنت أتحدث بحماس عن التغيير، والحرية والمستقبل الأكثر إشراقا، نحتاج عملا حقيقيا، أن نقرأ كثيرا، خذ الكتاب بقوة أكبر لتبني، كان يشاركني الأحلام العظيمة بالفتوحات الكبرى وتغيير مجرى التاريخ باسم مجيد وشرف باذخ. كان مثلي يؤلمه التشظي والبوابات الإضافية في البيت الواحد، كان يحب ماء النيل عكرا ليشربه ويتذوق طعم الطين فيه، ماءا داكنا حلوا بلون الأديم وطعمه.
    هم يقولون بأن الشباب دوما حالم يصوغ الأماني والأغاني ويبني ويخطط لعالم فيه قيم ثورية كبيرة وأنهم لا يدركون حجم ما في الكون من مصاعب، "الشباب هم القادة" هكذا يقولون في أجهزة الإعلام ولكن يقتلون طموحهم سرا ويضعون المتاريس أمامهم ليتباهوا بأن من خلفهم لم يقدروا على ما زعموا إنجازه فيما مضى،كانت الأشياء تأخذ أبعادا متفرقة ياصديقي، الأرض والترحال والبقارة والأبالة وعادات القبائل العربية والأفريقية في كردفان ودارفور وتأريخ التمازج والتزاوج
    يبدو أنني أعاني من الملاريا، أشعر ذلك، الملاريا، أتطعم مرارا في لساني وسخونة في جسدي ورغبة في التقيوء، نحن لا نذهب الى المستشتفى في العادة لتكاليفها الباهظة و قلة ما تقدمه لنا،وعندما اشتكى الناس الى احد الوزراء عن قلة الرعاية الصحية أجاب بهدوء: "اتداووا بالقرض ".. الله يارب. ظل جسدي يرتجف ومادت بي الأرض ثم بدأ يزحف أمام عيني دخان أسود يحجب رؤيتي ثم يتكثف حول رأسي ثم ... لا أدري ما حدث ولكنني لم أكن هناك ، دائما أهرب من مواجهة الموت الصعبة بطريقتي المعتادة .. رحت في غيبوبة عميقة يخال إلي أن الموت حين يأتي وأنا في غيبوبة فإنه لن يتمكن من رؤيتي في آخر المطاف سيختار بين أن يأخذني من غيبوبتي العميقة أو يستثناني فأظل خالدا للأبد.
    كانوا حولي دائما يرصدون إقتراب الانتنوف .. الموت المعلب المحمول جوا .. الله من ذاكرتي المتعبة، الأشقياء مثلي فقط من يتمتعون بذاكرة قوية وذكريات مؤلمة، مازلت أذكر أبي وهو يستنجد بي والناس تركض فرارا من القصف الجوي.. حملته على ظهري وركضت حتى خارت قواي ولكن دون جدوى مات وأنا أحمله على ظهري، مات وطائرات الأنتنوف تطلق صوتا مرعبا وتنتشر كالذباب في سماء قريتنا،كان صوتها المخيف يأتي من هناك، يقترب بسرعة جنونية، صوت كهزيم الرعد وكلحظة إرتطام عظيمة، يأتي من أعلى يتمدد في الفراغ العلوي كفحيح الآف الأفاعي، لم يلبث أن يختلط بعويل النساء وصراخ الكلاب ومواء القطط وعواء الذئاب وسيمفونيا الحيوانات في البرية، الناس النائمون فروا من رواكيبهم المجاورة الى الساحة التي تتوسط قريتنا (سلامة)المكونة من خمسين راكوبة أو يزيدون (بيوت تصنع من الأعشاب وفروع الأشجار وطين مخلوط بمخلفات البهائم والدواب والأنعام ) تحفها رواكيب أكبر حجما لزعيم قريتنا ورواكيب الضيوف ، حملت ما تبقى من ملابسي وحقيبتي الصغيرة التي أحتفظ فيها بمقياس متري وآلة حاسبة وعلبة معدات هندسية ورسومات لأستاذي في التصميم وشهاداتي الجامعية ومستندات لا تعني شيئا لأحد ولكني أود الإحتفاظ بها، أحس أني أحتاجها دوما الى جواري و لست أرى لذلك سببا واضحا، حملت حقيبتي إياها وغادرت الراكوبة لأجد أهلي إنتشروا في المدى الواسع الممتد تحت الجبل العظيم الذي كان يمثل جدار قريتنا الشرقي ، قريتنا سلامة كلها خرجت ، النساء يحملن أطفالهن المتسخين الناحلين وثيابهن المهترئة والحمير والدواب والدجاج والقطط والكلاب والأواني المنزلية وبقية الدقيق والحطب وأشياء أخرى مجهولة وجوالات محمولة على الحمير والفتيات الخائفات والفتية الناحلون المتيبسون ذوو الشفاه الجافة ، وبعضهم يحمل دجاجاته المنزلية على قفص صغير على ظهراالدواب كيفما إتفق.
    مضى ذلك الموكب المهيب، كل أهل القرية شيوخها وأطفالها ونساؤها وشبابها يسيرون نحو المجهول يشقون طرقا جبلية وعرة مليئة بالهوام والمجهول الذي يكشر أنيابه وهو يرقب قرية يبتلعها الظلام وتطاردها لعنة الموت المشحون جوا إليهم والفناء واللجوء والشتات، قرية بأكملها تعبر بين الخيران والوديان وتتخفى خوفا من خطر يأتي من السماء بقذائف من حميم وشرر لا يبقى ولا يزر ولا يفرق بين الصبي والشيخ والمرأة والطفل، خطر القتل بالحرق، وهناك أيضا اللصوص (النهَابة) والهمباتة الذين يسرقون كل شئ الحلي والثياب والمواد الغذائية والأبقاروالإبل (الحلال) وحتى الدجاجات المنزلية الصغيرة (السعية) المملوكة لأولئك الذين تطاردهم لعنة الموت الردئ وتدفعهم دفعا إلى هذا الدرب الموحش.
    وجوههم البائسة المغطاة بشال (الكدمول) يخفي هوياتهم لخوفهم من بطش القبائل الرعوية المسلحة التي تقطن الأنحاء فهم يعرفون كل شخص في المنطقة ويطمعون فيمن يعبر الوديان دون سلاح، لعنة السلاح حلت بهذه المنطقة قريبا فقد كانت الطائرات التي تحرق ترمي السلاح للبعض ليقتل الذين ينجون من الحرق ،إنها لعنة الفناء والشتات و اللجوء بلا جريرة، لعنة العرق واللون والتطرف ، لعنة تمزيق عرى التواصل والدم فحمل السلاح في وجه أبناء العمومة صار حدثا طبيعيا

    أخبرني أبوبكر في وقت لاحق بأنني عندما رحت في غيبوبتي ظل هو وأشرف وأحمد يفكرون فيما يمكن أن يصنعوه الى أن إنتزعهم أشرف من صدمتهم قائلا:
    - أفضل ما يمكن أن نفعله هو أن نبلغ الشرطة، فسلمان قتل ولم يمت بصورة طبيعية وهذه شبهة جنائية ولابد أن تقوم الشرطة الإجراءات الأولية لنتمكن من غسله ودفنه.
    - من الأفضل أن نخبر الحاج حمدون ليأتي ويقوم باللازم فهو أبوه وأولى مننا بذلك
    - الحاج حمدون يقيم في نيالا ويحتاج الى يوم كامل ليرتب أمر قدومه الى الخرطوم
    - فلنبلغ الشرطة الآن ثم نبلغ أبوه، في الوقت الذي تتم فيه الإجراءات القانونية سيكون أبوه قد وصل ليتمكن من دفنه.
    بعدها إتصلنا بالشرطة، والتي جاءت على الفور الى مكان الحادث وأستأجرنا سيارة خاصة وجئنا بك الى بيتنا فوالدتك لو رأتك في غيبوبتك تلك ستتعقد الأمور أكثر
    فسألت:
    - وأخبرتم أبو سلمان بما حدث لإبنه؟
    - نعم وسيأتي غدا صباحا ورتبنا أمر إستقباله في مطار الخرطوم ، كل شئ تم حساب وترتيبه لا تقلق..لكن المهم أن تستعد للذهاب الى قسم الشرطة فهم يطلبون أخذ أقوالك فيما يتعلق بما حدث. جزعت فالتحقيق مع الشرطة له ذكريات غير مريحة على الإطلاق، ولكن لابد من ذلك فالقتل ليس جريمة هينة، وقاتل سلمان لابد أن ينال جزاؤه
    ذهبت الى الحمام وتركت جسدي ينتعش قليلا تحت المياه الدافئة التي تتدفق فوقه من كل جانب وتناولت فرشاة أسناني وقمت بتمريرها على فوهة المعجون الخالي تقريبا واستمتعت بخرشاتها الناعمة التي تتركها على أطراف لثتي و خرجت بعد أن لبست بنطالي اليتيم وفانيلتي الحمراء الناعمة التي ورثتها عن صديق لي سافر الى الخليج وحذائي المعمر وتوجهت صوب قسم شرطة الكبجاب شرق ام درمان لأدلي بأقوالي حسب وصفهم.
    كان قسم شرطة الكبجاب الذي يسميه الأهالى في المنطقة بكبجك فعلاقة القسم بأهل الحي ليست ودية على الإطلاق ،فقد تم حرقه من قبلهم عدة مرات لحوادث إستفز فيها العساكر سكان الحي المتسامحين لحد بعيد ولكن لا تنقصهم الشراسة المفرطة، فهم يحبون الحياة ومباهجها ويحبون الصخب والليالي المجنونة التي تميزهم في كثير من المناسبات الخاصة والعامة.
    بدا لي القسم في ذلك اليوم أشبه بالثكنة العسكرية منه الى قسم شرطة عادي في منطقة طرفية بأمدرمان تقف على بوابته ثلاثة سيارات بوكس مموهة بالازرق والرمادي والأبيض وكل منها يجلس على خلفيتها حوالي عشرة عساكر على أهبة الإستعداد يحملون العصي الكهربائية والدروع ويرتدون الخوذات الواقية، كأنهم يتوقعون معركة ستنشب في أي لحظة، وحولهم يجلس آخرون بالزي المدني يحملون أجهزة اللاسلكي ويتحدثون بإستمرار بلغة مشفرة أحيانا وبعبارات مبهمة تدل على أنهم يتبعون الى الشرطة السرية أو ماشابه، مسحت بنظري كل هذا المشهد المخيف في سرعة وأنا أتقدم نحوهم، إستوقفني أحدهم بصورة غير مهذبة ووكزني للخلف صائحا:
    - ماشي وين يا مواطن..!!
    أجبته ببرود من إعتاد الأمر
    - لدي موعد مع الضابط المناوب
    - بخصوص؟
    - بخصوص صديقي الذي قتل ووجدت جثته خلف كلية التربية – جامعة الخرطوم
    - تقصد الطالب الغرباوي ده؟
    - نعم، هو نفسه
    ألقى نظرة شاملة فاحصة ومستهزئة ثم بادرني:
    - أتبعني
    دخلت خالفه الى كبجك، ما أدهشني أنني لم أكن خائفا أو مكترثا ،تبعت العسكري الذي كان يمشي متباهيا.....
    ونواصل
                  

01-07-2016, 06:37 AM

فرح الطاهر ابو روضة
<aفرح الطاهر ابو روضة
تاريخ التسجيل: 10-22-2012
مجموع المشاركات: 11112

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إغتيال سلمان (1) (Re: حسن العمدة)

    لعنة الله على القتلة المجرمين
                  

01-08-2016, 03:19 AM

Dahab Telbo
<aDahab Telbo
تاريخ التسجيل: 12-03-2014
مجموع المشاركات: 1165

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إغتيال سلمان (1) (Re: فرح الطاهر ابو روضة)


    وصديق سهاد اخر ترميني به هذه الريح الميتة !


    فمرحبا

    كنت ادري انني لست وحيدا في هذا الوحل ،كنت ايقن بأنه هناك ثمة من يشاركني الاسى ، العذاب والاهات المكلومة
    كنت ادري ولكني لا اجد احد مرئي حولي ههُنا في هذا السباق العبثي الدبغ
    الايام الماجنة ترميني /ترميك وترمي الامنيات الطائشة في هذه الارض المعفرة بمني الخيول
    وكأننا نعيش ياصديقي تفاصيل تلك الاية المريبة من سِفر "حزقيال"
    تمور المأسي المحتشدة في تلك "البقعة "التي لاتنام بسلام ثم لا تجد الا الفقراء لتسكن تفاصيل
    حياتهم البائسة ، تعربد فيها مع زمرة السوء التي تصتحبها فيسكر التسلط متبادل الكأس مع
    الإذلال والتنكيل لتصبح حياتنا "انداية" بلا حراس

    مطلقا لن تجد هذه الحيوات المسربلة بالدماء الرخيصة اي أهتمام لأنها أتت لتستهلك
    بنفس الهدوء حال اي صندوق لمناديل ورق ، لذلك لن تخلدها الاساطير الجديدة لأنها
    ما عادت تُحبك من اجل الانسان ولا سيما ان كان من فصائل "السلمان"

    لذلك فيبكي نفسه من يستطيع البكاء لأنه ما عاد هناك متسع من الوقت لإقامة عزاء


    سلام عليك ايها الخالد في التفاصيل والمعبأ بالألق
    صديقي ود العمدة


    سأعود لهذه المناحة التي تعنيني
    موتي
    تلبو
                  

01-09-2016, 00:05 AM

Dahab Telbo
<aDahab Telbo
تاريخ التسجيل: 12-03-2014
مجموع المشاركات: 1165

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إغتيال سلمان (1) (Re: Dahab Telbo)

    هنا فقط استكين ريثما يعود صاحب الدار



    فيما يخص هذا النص المقدس الذي كُتب بذات الحنق الذي قُتل به بطله
    Quote: رأيته بأم عيني ملقيا على أرض الطريق المهجور وسط الركام ،هو بشحمه ولحمه ببنطاله وقميصه النظيفين اليتيمين، حتى إبتسامته التي لا تفارقه أبدا، دنوت منه فوجدت إختلافا في إبتسامته أو هكذا شبه لي، أنه يجز أسنانه غبنا و ألما ،حتى الموت إستطاع إقتلاع الروح فقط ولكن الإبتسامة ظلت عصية عليه، كأنه يسخر ممن غدروا به وربما يطلب ثأرا يتشفى الظمأ، لم يكن يوما طوال معرفتي به إنتقاميا بل متسامحا الى حد غير معقول ،كنت يومها منهكا من وعكة ألمت ببطني والشمس الحارقة فوق رؤسنا والعرق يغطي وجوهنا، كان دمه طازجا يسيل في هدوء كموج النيل الأبيض الهادي على التراب، كنت خائفا وهتفت بأعلى صوتي:


    وبذات الرؤية القاتمة جدا ياصديقي حدثت مشاهد لم تصورها كاميرات النشطاء ابدا ، مشاهد عددها لا نهائي -وغير منتهي ايضا!- انت الان تجرجر
    اقدام السرد نحو مجاهلها وتمرغ الحروف في زفار دمائها المتيبسة منذ ازمان سحيقة فشكراً لك لأنك تنكأ الجرح ليخرج الصديد.وبين ثنايا سردك
    اللاهث ثمة اشياء كثيرة يلحظها المرء تستحق الحيرة او ضربة متعجلة خارجة عن هارمون الوتين، لأنه هناك تتطابق محير بينها وما نوقش
    في جلسات كثيرة ذات احاديث سرية لرفاق كاد يقتلهم الوعي الجمعي والهم الشاغل للقضية في غرفة ما او عند جلسة عابرة تحت ظل شجرة
    فيها فَضحت قساوة أرجل الغزاة عندما تطأ ورود القلوب العطشى للتحرر، تكلموا كثيرا ياصديقي ولكنهم كعادة البلاد المهملة اودعوا كل تفاصيلهم
    للريح قبل ان تتخطفهم اعاصير الحياة الهائجة ، لذلك فكل من يكتب عن خواطره الأليمة محاولا ابتداع وثائق للتداعي سوف لن يكتب سوى بعض
    مما حدث رغم اجتهاده في إعمال خياله -الخصب- من اجل ابتداع الوقائع .هنا -وهنا فقط - ياصاحبي يحتار ابليس من افعال بنو البشر
    وهذه ليست مزحة او "زعلة" او اي شيء اخر هذا هو الواقع الناقص ياصاحبي ، ولكن الاقلام التي تمشي في سطور هذا الزمن متسكعة
    ورعديدة وذلك ربما لتدثرها بــ"الاشياء اللزجة" والمصطلح للنبي الخلوي "عثمان البشرى" كوصف اعجازي للتفاصيل الرخيصة
    التي يتناولوها بأسهاب جموع "المتناتلين" هنا وفي اماكن كثيرة من صحراء الاسافير.



    Quote: كانوا حولي دائما يرصدون إقتراب الانتنوف .. الموت المعلب المحمول جوا .. الله من ذاكرتي المتعبة، الأشقياء مثلي فقط من يتمتعون بذاكرة قوية وذكريات مؤلمة، مازلت أذكر أبي وهو يستنجد بي والناس تركض فرارا من القصف الجوي.. حملته على ظهري وركضت حتى خارت قواي ولكن دون جدوى مات وأنا أحمله على ظهري، مات وطائرات الأنتنوف تطلق صوتا مرعبا وتنتشر كالذباب في سماء قريتنا،كان صوتها المخيف يأتي من هناك، يقترب بسرعة جنونية، صوت كهزيم الرعد وكلحظة إرتطام عظيمة، يأتي من أعلى يتمدد في الفراغ العلوي كفحيح الآف الأفاعي


    هنا انا سافرت حيث الألم الرابض في الروابي ابدا والمبرر له من جميع الذين وولدوا وترعرعوا في البلاد فقط ليعتاشوا من السياسة فأقتسموا الشجار
    الاعتياش من السياسة في حد ذاته ليس عيب ولكن الأنتهازية عبرها هي أس المعضلة التي تشوش كل سماء صافية بنيت لتظلل التسامح .
    وبعيدا عن كل ماهو قشري في النص وبلاوي بلاد الفوضى، دائما ما اجد هذه النوعية من الرسرديات هي الاكثر صدقا لأن القص المسافر
    عبر الامكنة بأزمنتها الحقيقية يُكسب النص قوة يحسها القارئ الذي يرحل معه لأنه يطارد شيء ذا فائدة ، لذلك دائما ماتجد السرد اكثر
    تماسك على تشتته وطول دالته الزمنية القارئ هو هدف السارد دائما وليس القصة لأنه المنوط بأستلام الفكرة الاساسية لأي نص ،
    وهو ايضا المنوط بتحليلها واستخراج نتائجه الخاصة التي لاتهم السارد في شيء، فالامر قد ينظر له بشيء من العبث بيد انه وإن
    كان فيه عبث فهو مطلوب لأنه مفيد جدا ، يوفر لكل شخص حق الفهم والأستنتاج .




    مودتي
    تلبو

    (عدل بواسطة Dahab Telbo on 01-09-2016, 00:14 AM)

                  

01-09-2016, 05:50 AM

حسن العمدة
<aحسن العمدة
تاريخ التسجيل: 03-03-2014
مجموع المشاركات: 56

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إغتيال سلمان (1) (Re: Dahab Telbo)

    صديقي دهب تلبو
    إن الأرض تتشظى من تحت أرجلنا فنجد الوطن صار شمال وجنوب والريح تحملنا للمنافي فنرى النيلين يبكيان على كل ما جرى ومافوق الأرض وما تحت الثرى ياصديقى مرحبا بك صديقا تشاركني ازمنتي المجنونة وأحلامي المؤجلة كن دائما بخير تواصل معي ياصديقي

    (عدل بواسطة حسن العمدة on 01-09-2016, 08:14 AM)

                  

01-09-2016, 08:43 AM

محمد حيدر المشرف
<aمحمد حيدر المشرف
تاريخ التسجيل: 06-20-2007
مجموع المشاركات: 20520

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إغتيال سلمان (1) (Re: حسن العمدة)


    العزيزان حسن العمدة ودهب تلبو ..
    تحية طيبة ..

    سأكون في إنتظار مواصلة هذا النص الحارق .. وعن لي أن اشارك بكتابة من رواية فرغت منها منذ زمان طويل .. تحكي -ربما- ذات الوجع ..

    ...
    ترى ... أين انت يا منعم محمود؟ .. قسراً تساق كل يوم لرحيل .. متى تعود ؟ .. كان أحمد أول احزاننا الإنسانية الكثيفة , لم أكن أعلم انى سأحمله ميتا فى ذراعي .. ما زلت اشم رائحة الدم فى يدي يا منعم , لا لم نكن نحارب ... كنا داخل اسوار الجامعه , نهتف بالصوت ليس الا حين باغتنا النزيف ...

    اين كان النذير يومئذ ؟؟ .. فقط تأوه ... نظرت اليه ... هالنى الحزن بعينيه ... لم يكن ألماً , كان ذات الحزن الذى عرفته بعد ذاك طويلا ... شاهدت إنبثاق الدم من ثقب صغير بصدره ... إتسعت دائرة الحزن بعينيه , أطلت منها نسرين .. وخالتى التومه ... والصغيرة تيسير. والهتاف, الهتاف يااااا .. الهتاف يا منعم يصم أذني


    (الجــــامــعه تديــــــن .... تجار الديـــــن )
    (الجامعة جامعة حرة .. والعسكر يطلع بره )

    والرصاص يدوي ... وثقب الدم ... ودائرة الحزن تتمدد ... ودمدنى , ود ازرق , مدينة البحوث , حديقه وقيع الله , بانت , حنتوب , والرصاص يدوي من جديد , والهتاف ... ورائحة الدم

    صرخت فيه بفزع :
    - احمد فى شنو ؟؟ ... مالك آ زول ؟؟..

    صرخت فيك يا منعم وأنت ما زلت تهتف ... وأصوات الطلقات ترنُ .. نظرت إلى بدهشة يا منعم ... ثم اليه , إلى أحمد .. صرخت .. بأعلى صوتك صرخت يا منعم .. صرخت بجزعٍ ما زال يثير رهبتي حتى الآن

    - عثمان ... احمد مالو ؟... أحمد مالو يا عثمان ؟!!

    وحملناه سويا يا منعم ... كم كانت دماءه غزيرة .. عبرنا شارع النشاط ... تجاوزنا البوابة والرصاص يرن من حولنا ... وصلنا شارع الجامعة , إنحرفنا واحمد بايدينا فى اتجاه قاعة الشارقه , دماءه تصبغنا بلونها الأحمر القاني .. عبرناها واحمد بايدينا ... اكان ميتا انذاك ؟

    أذكر أن دماءه مازالت تسيل ... دماء احمد تسيل , تسيل يااا .. تسيل .. و .. الدخان يزكم انفي ..شىٌ كالنارِ يزحف بعينىً .. ودوي الرصاص .. والهتاف ياتى من بعيد ..

    الجامعــــة تديـــن .. تجار الديـــن
    الجامعة جامعة حرة .. والعسكر يطلع بره ..

    ودماء أحمد تسيل على ثيابنا , إهابنا , خلايانا , و حتى ارواحنا .. أرواحنا يا منعم اصطبغت بذاك بالاحمر القايى .. اكاد احس لزوجته فى اصابعى الان ...

    اكان ميتا انذاك ؟؟...

    ونحن نجري , و نجري ولا شى سوى عربات الشرطة .. توسلنا اليهم , اطل من عيونهم الحزن والتردد ... ثم إنتصرت ارواحهم لإنتماءها الكريم ... وانطلقت بنا عربة الشرطة ... شارع الجامعة , المك نمر , السيد عبد الرحمن , الحوادث , الموت , الموت ... لماذا لم تبكى يا منعم ... اذكر ذاك بوضوح ... بكيت انا على صدرك .. انتحبتُ كالنساء على صدرك .. ولم تبكى , ولكنى احسست بالعطش وقد اجتاح فيك كل الخلايا ...


    توافدت مجموعات صغيرة من الطلاب ... وبعد قليل تحولت مستشفى الخرطوم وما حولها لساحة محاصرة بعربات الشرطة والتى تمركزت فى نقاط محددة بينما راحت عربات رجال الامن تجوب شوارع "القصر" و"السيد عبد الرحمن" و"بيويو كوان" والشارع الداخلي المؤدى للمستشفى بسرعات عالية مع اطلاق زخات من الذخيرة الحية من بنادقهم الالية ... علمت فيما بعد ان خبر إستشهاد احمد قد سري بين الطلاب كسريان النار فى الهشيم , كان هدف السلطات الامنية منع طلاب المجمع الطبى من التوافد على المستشفى ... بعد ان تم حصار طلاب "السنتر" بعد مصادمات عنيفة داخل وخارج الحرم الجامعى ..

    تم اقتيادنا انا وانت يا منعم محمود لمكتب الشرطه الصغير بالمستشفى لمقابله احد رجال الامن الذي بادرك بالقول
    - اهلا بالمناضل الكبير ... شايف نتيجة البتسوا فيهو ده ؟.. مش انت منعم محمود ولا انا غلطان ..

    لم ترد عليه فقال:
    - مش مهم ترد ..

    ثم وجه لى الكلام
    - انت ... الطالب المات ده من وين ؟...
    - ود مدنى ...

    - بتعرف بيتهم

    - ايوه

    - خلاص تتحرك حسع مع الجثمان ..

    نادى على أحد الرجال لاقتيادي, مع التعليمات باكمال الاجراءات , وسرعة مغادرة المستشفى ..

    اقتادنى الرجل وانا اسمع ضابط الامن يقول لك ..
    - انت حتمشى معانا .. عاوزينك تشرفنا شويه ..

    تحركت بنا عربه رجال الأمن اللاندكروزر بعد المغرب بقليل ... معى ثلاثة منهم بالاضافة للسائق ... وجثمان "احمد" مسجي فى الخلفية .. راقدا فوق الحماله المهترئة لمستشفى الخرطوم ...

    كنت خائفاً , وحزيناً جداً حد الموت المكوم خلفي ... كانوا يتبادلون الحديث ببساطةٍ متناهية ... يثرثرون ويضحكون وهم فى حضرة من قتلوا ... لم أكن أعلم قبل هذا اليوم أن بصدري ما يتسع لكل ذاك البغض الذي أحسسته تجاه اولئك البشر ... وصلنا لمدينة ودمدنى نحو التاسعة مساء .. هيئت نفسي كى أصف لهم الطريق ... لم يطلبوا مني شيئا ... تجاوزوا "ود ازرق" حاولت ان اشرح لهم ذلك .. وأنهم تجاوزوا الحي الذي يفترض أن ننزل فيه الجثمان.. إنهالت على الصفعات , ثم غطوا عيني بقطعة من القماش ... سرنا نحو ربع ساعة حتى توقفت العربة وأمرونى بالنزول.

    ... قادونى حتى ادخلونى غرفة اغلقوها على بعد ان اوثقونى بالحبال ... لا اعلم بالتحديد كم مر على وانا بذاك الحال حتى اخرجونى ... كانت أطول الساعات التي عشتها وأكثرها رهبة وحزنا على االطلاق ..أحسستُ بلسعةِ الشمس وقد تسرب لعينىَ المعصوبتين بصيص من ضوء ... تحركت بنا العربة من جديد .. سالونى عن موقع البيت .. شرحت لهم موقعه بدقه متناهية حتى توقفت العربة ... من صوت حركتهم علمت بانهم انزلوا جثمان احمد .. جائنى احدهم وأنزلنى بعنف , فكوا وثاقى , وأبقوا على العصابة فوق عيني ودفعونى حتى ارتميت على الارض , سمعتُ صوت إنطلاق العربة بسرعة جنونية , نزعت قطعة القماش عن عيونى .. غمرنى الضوء الباهر لضحى شمس الصيف ... بدات اعي المشاهد رويداً رويداً. وجدت نفسى في وسط الميدان المجاور لمنزل أحمد , و جثمانه مسجى بجانبى .. بدأ بعض الاطفال فى التجمع .. وبعض النسوة كذلك ... الاوغاد قد جاؤوا بالجثمان فى هذا الوقت بالذات كى لا يكون الرجال حاضرون !!

    بدا بعضهم فى سؤالي ... لم أقوى على الكلام وحتى جاء شيخ كبير رفع الغطاء عن وجه احمد ... وابتدأ العويل الطويل...

    مرت عدة اشهر كالحات ... لم نلتقى فيها الا لماما , كان موسما خاصا للأحزان نمارسها فرادى وبصورة يغلب عليها الانعزال في احايين كثيرة.. ارهقني التفكير كثيرا في تفاصيل إستشهاد أحمد .. أدمنت التسكع ليلا في شوارع الفجيعة الممتدة في تفاصيل الأحياء الطرفية للخرطوم .. أرامق البؤس العظيم الذي يحياه سكان تلك الأحياء الكرتونية وأوازن ما بينهم وبين سكان الأحياء الفارهة .. ساعدني ذلك قليلا في فهم المقدمات التي قادت لاستشهاد احمد.. كما وإقتربت كثيرا من فهم ماهية السلطة وكيفيات الحفاظ على مكتسباتها .. بدت لي هذه السلطة الدينية الحاكمة كشجرة من الجحيم لا ترتوي الا بالدماء الحرام , والدماء الحرام وحدها من يقيم اودها البغيض .. كيف لمن يدعي التبشير بفضائل السماء أن يقتل عباد الله في الأرض وهم مسلمون .. اصابتني الكثير من الضبابية وأنا أحاول فهم كيفيات الخلاص والثأر .. احسست وكأنما هذا الحزن الساكن حناياي يتحول شيئا فشيئا لغضب محموم .. وصورة أحمد لا تغادني قط .. ما زلت أتشيأ دماءه أينما وليت وجهي .. وكأنما هذا الوجود إستحال لغلالة حمراء تسد الآفاق ..
                  

01-09-2016, 12:10 PM

حسن العمدة
<aحسن العمدة
تاريخ التسجيل: 03-03-2014
مجموع المشاركات: 56

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إغتيال سلمان (1) (Re: محمد حيدر المشرف)

    عزيزي المشرف

    الكتابة بكاء الرجال كما- قال احدهم في مكان ما لشخص يستمع اليه بشرود ربما
    ولكن نصك رائع
    ونحتاج أن نقرأ منك المزيد لعرض الجرح الذي فينا
    فقد ذكرني هذا بمقتل الشهيد/ الأمين شمس الدين بجامعة السودان - كلية الهندسة وكنت حينها في أوائل سنيني الدراسية بالجامعة وفي نفس العام فقدنا الشهيد/ شريف حسب الله شريف في جامعة النيلين و أبو العاص وطارق والتاية و الخ
    كل هؤلاء كانوا مثلنا يحلمون بسودان حر ديمقراطي ينعم بالامن والسلام والتنمية والرفاهية
    كنا ننادي بالخبز والحرية والعدالة
    ولكن الإجابات كانت دائما زخات رصاص

    أرجو أن نتواصل من أجل الكتابة والنقد والمتعة والسرد الجميل المؤلم الى حد الصراخ

    كن بخير صديقي
    حسن العمدة
                  

01-09-2016, 11:05 PM

Dahab Telbo
<aDahab Telbo
تاريخ التسجيل: 12-03-2014
مجموع المشاركات: 1165

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إغتيال سلمان (1) (Re: حسن العمدة)

    دكتور المشرف والجميل جدا حسن العمدة

    سلام ومودة مملوئة بالجمال كدواخلكم


    الكتابة هي غذاء الروح من مسغبة الكآبة او ولا سيما في بلاد الكآبة والكوارث الابدية

    فشكرا لملأ الكأس ثانية استاذي المشرف وننتظر بتلهف اوبة ودالعمدة

    وسنتواصل بلا شك صديقي حسن


    دمتم

    تلبو
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de