Post: #1
Title: تُرى هل تنبأ نزار بمستقبل الدول العربية حينما كتب مسرحية(جمهورية جنونستان)؟؟
Author: د.محمد بابكر
Date: 12-31-2015, 03:12 PM
02:12 PM Dec, 31 2015 سودانيز اون لاين د.محمد بابكر-بحرى الشعبيه مكتبتى رابط مختصر Quote: مسرحية : جمهورية جنونستان (لبنان سابقاً ) - نزار قباني مسرحية من ثلاثة فصول ._______كتبتُ هذه المسرحية في بيروت عام 1977 في بدايات الحرب الأهلية اللبنانية .وأنشرها في عام 1988 , أي : بعد أحدَ عشرَ عاماً من كتابتها , دون أي إضافة أو تعديل .فوقائع الحرب اللبنانية , بعبثيتها , ووحشيتها , وجنونها , بقيت هي . . هي . . والمسرحية بقيت هي َ . . هيَ . .نزار قباني_________الفصل الأول :ــــــــــــــــــــــالمكان : مطار ( جمهورية جنونستان ) .علمٌ عليه سَبعُ أرزات . . يرتَفِعُ فوقَ المبنى .صورةٌ كبيرةٌ جداً . . لِرئيس الدولة في صدر قاعة المكان , وفي وجهه سبعُ عُيُونْ.موظفو أمن عام , وجمارك , ومخابرات .إلى اليمين بابٌ كُتِبَ فوقه : ( باب رقم / 1 - المغادرون ) .إلى اليسار بابٌ كُتِبَ فوقه : ( باب رقم / 2 - القادمون ) .حركةٌ غير عادية عند باب المغادرة .وباب ( القادمون ) لا يدخل منه أحد .مُكبرات الصوت تُعلن عن إقلاع الطائرات إلى باريس , روما ,لندن , قبرص , أبو ظبي , جدة , الكويت , الدوحة .يستمر تدفُّق المسافرين نحو باب المغادرة . ثم تهدأ الحركة في المطار تدريجياً . وتخلو القاعة من المسافرين .يمرُّ بعضُ الوقت ثم ينفتح الباب ( رقم 2 ) ويدخل منه رجلٌ وامرأةٌ في ثياب السفر. وقد حملَ الرجل حقيبتين كبيرتين ، وحملت المرأة حقيبة تجميل , وبعض المجلاتالأجنبية .يضعُ الرجلُ الحقيبتين على الأرض , ويرتاح قليلاً . بينما تفتحُ المرأة حقيبةَالتجميل , وتبدأ بإصلاح زينتها . . .الرجل : لا تُشغِلي بالكِ يا حبيبتي . فالجميل لا يحتاجُ إلى تجميل ...ولكن المُهِمَّ أن تعثري على من يرى هذا الماكياج , أو يكونَ في المطار من يحمللكِ باقة ورد ...المرأة : (مُندَهِشة) . ماذا تقصد ؟ ألم تُبرِقْ إلى بيروت بموعد وصولنا , ليرسلواإلينا سيارة ؟ الرجل : المشكلة ليست مشكلة برقية . . ولا مشكلة العُثُور على سيارة. المشكلةُ هيالعُثُور على بيروت .المرأة : ما هذا الكلام السِريالي ؟ ألم تسمع قائدَ الطائرة وهويطلب منّا ربط الأحزمة , والتوقف عند التدخين, استعداداً للهبوط في مطار بيروت ؟الرجل : سمعتُ يا حبيبتي . ولكنَّ الطائرة نزلت في مكانٍ آخر . . رُبَّما هبطنااضطرارياً في أرض أخرى . . في كوكب آخر ..المرأة : يا حبيبي . قد يكون الضَغْطُ الجوي أَثَّرَ عليكَ قليلاً . فنحن قد هبطناهبوطاً طبيعياً . ألم تَرَ من نافذة الطائرة صَخرَةَ "الرُوشَة"..وبناية "الجيفينور".. وحدائِقَ الجامعة الأمريكية . . ورمال الأوزاعي ؟الرجل : أؤكدُ لكِ أنني لا أَهذِي , ولا أتوهَّم .. فأنا بيروتيّ ابنُ بيروتي ّ.ولكنَّ ما أراه حولي يوحي بأنّنا أخطأنا في العُنوان . .المرأة : وهل هناكَ شيءٌ غَلَط ؟الرجل : بل كُلُّ الأشياء التي أراها غَلَطْ .. هل رأيتِ العَلَمَ المرفوعفوقَ مبنى المطار ؟المرأة : رأيتُه ..الرجل : ألم تُلاحظي أن علمنا صارَ بِسَبْعِ أرْزاتِ .. في حين أننا حين تركنابيروت آخرَ مرةٍ .. كانَ العَلَمُ اللبناني بأَرْزَةٍ واحدة ...وصورةُ رئيس الدولة المعلَّقة في صدر القاعة هل تَرينها ؟( تَتطلَّع المرأة إلى الصورة , وَتَشهَقُ من المفاجأة ) .المرأة : مستحيل .. مستحيل .. هذه صورة رَجُل بِسبعِ عُيُون .يا إلهي . . أينَ نحن ؟ في أيِّ كوكبٍ عجيبٍ هبطت بنا الطائِرة ؟ ...(صوتُ غليظُ النبرَة ينبعث من مكبـِّرات الصوت في صالة المطار ) .الصوت : هُنا ( جمهورية جنونستان ) . . .هُنا ( جمهوريّة جُنُونِستَانْ ) . . .هُنا ( جمهوريّة جُنُونِستَانْ ) . . . المرأة : أينَ وضعتَ الخريطة ؟الرجل : ولِماذا تريدينَ الخريطة ؟المرأة : أريد أن أفتِشَ عن هذه الدولة التي اسمُها (جنونستان).في أيِّ قارَّةٍ تَقَع ؟ ما هيَ لُغَتها .. ما هوتاريخُها ؟ كم عدد سكانها ؟الرجل : لا تُتْعِبي نفسَكِ . فلن تعثري عليها لا في كُتُب التاريخ , ولا في أطلسالجغرافيا , ولا بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة . .إنها دولةٌ مُختَرَعة . . مَسلوقة سَلقاً . . كما تُسلق "السباغيتي" فيعشرين دقيقة . . .( الصوت الغليظ ينبعث مرةً أخرى من مكبِّرات الصوت ) .الصوت : نُرحِبُ بكم على أرض ( جمهورية جنونستان ) . أرض الشمس , والثلج , والكَرَز, والتُفاح , والحواجز الطيَّارة , والقتلِ على الهويَّة . . .نُرحِّبُ بكم في هذا المطارالمؤقَّت , ريثما يتمُّ تحرير البقية الباقية من جمهوريتنا العظيمة . . .إن ( جمهورية جنونستان) هي البديلُ الجغرافي والسياسي والتاريخي والحضاري , لماكان يُدْعى في قديم الزمان . . جمهورية لُبْنَانْ.الرجل : هل صدقتِ الآنَ أننا نزلنا في كوكب آخر؟ . . وأن صخرةَ "الروشة"التي رأيتِها من نافِذة الطائرة كانت نوعاً من خِدَاع البصر .. وأن مستشفى الجامعةالأمريكية لم يكن إلا مستشفى العصفورية ؟الصوت : لا تؤاخذونا إذا قصّرنا في واجبات الضيافة , وفي تقديم الخدمات السياحية التقليدية . ففنادقُ الدرجة الأولى كلُّها احترقت .. والمزارعُاحترقت .. والمتاجر احترقت .. والمدارس احترقت .. والمكتبات احترقت .. والشوارعمهجورة بسبب القنص .. والكهرباء مقطوعةٌ .. والمياهُ مقطوعة , والتليفونات صامتة..والبريد لا يُوزَّع .. والزبالة لا تجد من يَلُمُّها .. والجثث لا تجد من يدفنها..طبعاً كلُّ هذه المشاكل تعتبر صغيرةً جداً , أمام الإنجازات الكبيرة التي حقَّقتهاميليشياتكم الظافرة .قد تضطرونَ للوقوف في الطابور ساعاتٍ للحصولِ على رَبطة خبز . . أو علىغالون بنزين . . أو على علبة سردين . . أو على غرفة في أحد المستشفيات . . أو علىضريح في إحدى المقابر . .إن قضية العثور على قبر أو كفن ليست قضية مصيرية . فحينَ ماتَ سيدنا آدم , لميشيعهُ أحدٌ . . ولم يكفـِّنه أحدٌ . . ولم يَرثِهِ شاعرٌ بقصيدة.حتى زوجته حوَّاء لم تمشِ في جنازته , وتركت جثّتَهُ في البرية تنقرُها العصافير . . وتزوَّجتْ غيره . . لِذلكَ لا تشغلوا بالكم , ولا تفكروا كثيراً في هذا الموضوع . فالأعمارُ بيد الله.. ويد الميليشيات .لبنانُ القديم ذو الأرزةِ الواحدة انتهى أمرُه , وَدَخلَ متحف التقاليد الشعبيَّة, ومن أجل تحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع الطوائف , جعلنا علمَ الدولة بسبعِأرزاتِ . . وانتخبنا رئيس جمهورية بِسبعِ عُيُون . .المرأة : يا سلام على الفصاحة . . يا سلام على هذه اللغة الميليشياوية الجديدة ..يا ليتهم خَطَفوا بنا الطائرة , ولم ننزل في دولة ( هيستيرياستان ) أقصد (جنونستان ) . . .الرجل : كلُّهُ واحد . .المرأة : خفِّف من سخريتكَ . . وإلا رُحنا في داهية . .(رجل مخابرات كان يسترق السمع إلى حديثهما يتقدم نحوهما . . ) رجل المخابرات : ماذا يقصد الأستاذ بكلمة ( واحد ) ؟الرجل : أقصد أن الله واحد ..رجل المخابرات : هذه نظريةسقطت من زمن بعيد . . وعلى وجه التحديد ، منذ أن قمنا بتأسيس جمهوريتنا الجديدة .هل أنت لبناني ، أم أنت غريب ؟الرجل : أنا لبناني غريب . .رجل المخابرات : لا أفهم . . الرجل : أقصد أنني خرجتُ منوطني قبل عشر سنوات ، ورجعتُ اليوم لأجده قد صار سبعة أوطان . كما أن الله الذيتركته قبل سفري واحداً . . قسمتموه على سبعة . .رجل المخابرات : يبدو لي أنكلا تعرف شيئاً عن نظرية العدل الاجتماعي .إن اقتسام الله هو الحلالعلمي الوحيد لإرضاء جميع الطوائف . .الرجل : ولكن الله غير قابلللقسمة . .رجل المخابرات : صحيح أنكغشيم ، ولا تفهم في علم اللاهوت . في ( جمهورية جنونستان ) كل شئ قابل للقسمة . .بما في ذلك المرافئ . . والضرائب . . والواردات الجمركية ، والمناهج التعليمية ،ومؤسسة الكهرباء ، ومؤسسة المياه ، والبرق والبريد والهاتف ، والإذاعة ،والتلفزيون . .ولكن يبدو أنك مواطن غير مثقف. . لا تتابع حركة التاريخ . . ولا تعرف جدول الضرب والجمع والقسمة . الرجل : أنا أحب الجمع . .وأكره القسمة . .رجل المخابرات : أنت لا تزالتعيش في حالة طفولة سياسية ، ولكنك مع الزمن سوف تتعود . . الرجل : أتعود على ماذا ؟ علىمعتقلي الجديد ؟ رجل المخابرات : بل على حريتكالجديدة .الرجل : السكنى في داخل (غيتو ) ليست حرية . إنها عودة بالإنسان إلى عصر المغارة والطوطم . رجل المخابرات : إنك لا تزالسجين رومانسيتك وأحلامك الوردية . ولا حل لك إلا بإلغاء ذاكرتك . فلبنان القديم لميعد موجوداً . . .الرجل : ما دام موجوداً فيذاكرتي . . فهو موجود .المرأة : قل لي أيها السيد .. من اختار لكم اسم ( جمهورية جنونستان ) ؟ . . رجل المخابرات : لماذا تسألينهذا السؤال ؟ ألا يعجبكِ الاسم ؟المرأة : عاشت الأسماء . إنهبالفعل اسمٌ على مُسَمَّى . ولكن . . ماذا فعلتم باسم لبنان القديم ؟ ( يهرش رجل المخابرات رأسهكمن يحاول أن يتذكر تاريخاً بعيداً ) .رجل المخابرات : لبنان . .لبنان . . لبنان . . آه . تذكرتُ الآن . إننا عرضناه في المزاد العلني ، فاشتراهتاجرٌ يهوديٌ يبتاع الثياب القديمة . .المرأة : وبكَمْ .. بعتملبنان ؟ رجل المخابرات : في الحقيقةيا مدام . . هذا قرارٌ سري اتخذه الحزب . ولا يعرف الرقم الحقيقي غير رئيسالميليشيا . . والتاجر اليهودي الذي اشتراه منه .المرأة : وهل بكى الوطن عندمابعتموه ؟ رجل المخابرات : نعم يا سيدتي. الوطن بكى . . ولكن التاجر اليهودي هو الذي ضحك . . . مكبر الصوت : يُرجَى من حضراتالركاب القادمين التوجه إلى مركز الأمن العام لإنجاز معاملاتهم . ( يحمل الرجل الحقيبتين ،ويتوجه إلى حيث يقف ضابط الأمن العام . يُخرج الرجل من جيبه جوازي سفر لبنانيين ،ويضعهما أمام الضابط . يُقلِب الضابط جوازي السفر ، ثم يرميهما بعصبية أمامه . . ).الضابط : هذه جوازات سفرتاريخية . . جوازات سفر منقرضة . . صادرة عن دولة منقرضة لا نعترف بها .الرجل : منقرضة ؟؟ . . هليمكن لدولة أن تنقرض بين عشية وضحاها . . هل يمكن لجواز سفر قانوني أن يذوب كفصالملح . . أو فقاعة الصابون ؟ يا حضرة الضابط . نحن قادمانمن باريس . ولم يقل لنا أحدٌ في مطار أورلي أن جوز سفرنا قد انقرض . . أو أن لبنانقد انقرض . . . الضابط : ألم تقرأوا في جريدة( اللوموند ) أو جريدة ( الفيغارو ) أن جمهورية جديدة قامت في بلادكم ، اسمها (جمهورية جنونستان ) ؟ .الرجل : لا يا سيدي الضابط .لم نقرأ . ثم ما هو وضعنا القانوني في مثل هذه الحال ؟ وماذا نفعل في جوازات سفرنااللبنانية ؟ الضابط : هذا ليس شغلي .ارموها في البحر . . أو خذوها إلى المتحف . . المواطن الحقيقي مفروضٌ فيه أن يعرفالقانون . وأنتم كان عليكم أن تراجعوا قنصليات ( جنونستان ) في الخارج ، لاستبدالجوازات سفركم . الرجل : ولكنكم لم تفتحوا أيقنصلية في الخارج . ثم إن قناصل لبنان الذين راجعناهم ، كانوا مثلنا مقطوعين منالأخبار . . والمرتبات . . ولا يعرفون شيئاً عن قيام ( جمهورية جنونستان ) .الضابط : ( بانفعال وغضبشديدين ) : هذا إهمال .. هذا تقصير .. هذا تخريب .. ماذا يفعل وزير خارجيتنا إذن ؟. ماذا يفعل سفراؤنا في الخارج ، غير تدخين السيجار .. وشرب الويسكي .. واقتناءالسيارات الفارهة ؟ ... سأقدم تقريراً للمكتب السياسيأطالب فيه بمحاكمة وزير خارجيتنا .. وإقالة جميع سفرائنا في الخارج .. لأنهمجميعاً أعداء الثورة .... الرجل : يا حضرة الضابط .اعمل معروف هدئ أعصابك . فقد تأخذ محاكمة وزير الخارجية وقتاً طويلاً .. فهلسننتظر أنا وزوجتي في المطار حتى تنتهي المحاكمة ؟الضابط : لا .. أنتم لستممسؤولين عن أخطاء غيركم . ولكن قبل أن أسمح لكم بمغادرة المطار ، أريد أن أستكملالتحقيق معكم .. الرجل : حاضر ... الضابط : هل هذه السيدة هيزوجتك ؟الرجل : نعم .. هي زوجتي . الضابط : ولكنكما تحملانجوازي سفر منفصلين . وتنتميان إلى طائفتين مختلفتين . والتأشيرات التي توجد علىالجوازين تشير إلى أنكما غادرتما معاً .. وعدتما معاً .. الرجل ( باسماً ) : وهل هناكشركة طيران في العالم تسأل عن دين الراكب وجنسه ، قبل أن تبيعه التذكرة ؟ إن سفينة نوح كانت أكثرتقدمية .. لأنها كانت تحمل على ظهرها الذكور والإناث دون تفريق ...الضابط : إنني أريد أجوبة لاتعليقات . هل تسمح السيدة أن تقول لي إذا كانت قد سافرت مع هذا الرجل بملء إرادتها؟ ..المرأة : طبعاً .. سافرتُبملء إرادتي ، لأنني أحبه . الضابط : تحبينه ؟؟ ولكنه مندين مختلف ..المرأة : الحب .. هو دينناالمشترك .. الضابط : وهل حصلتِ علىموافقة أهلك ؟المرأة : يا حضرة الضابط إننيامرأة في الثامنة والعشرين من عمري . وأعتقد أن بوسعي أن أتخذ قراراتي بنفسي دونالرجوع إلى رأي القبيلة ... الضابط : وهل تعتبرين المجتمعقبيلة ؟ ..المرأة : طبعاً .. إنه قبيلةكبيرة ، بكل تسلطها ، وتعصبها ، وخناجرها ، ومشانقها ، وسجونها ، وجنونها ... الضابط : ولكن القبيلة تحافظعليكِ كأنثى ، يا سيدتي .. المرأة : القبيلة لا تحافظإلا على ذكورها . الرجال هم مواطنو الدرجة الأولى .. والنساء هن مواطنات الدرجةالثانية . والدليل أنك تحقق معي في قضية شخصية جداً تتعلق برجل أحببته .. وسافرتُمعه .. الضابط : سافرتِ معه بصورةغير شرعية . أي أنك لستِ زوجته .. المرأة : وهل من الضروري أنيسافر الإنسان مع زوجته ؟ أنا حبيبته ... الضابط : كلمة ( حبيبة )تــُستعمَل في دواوين الشعر .. ولكنها لا تكفي لإثبات الشرعية . المرأة : ومن الذي يفصل فيقضية الشرعية ؟الضابط : الحكومة ... المرأة : الحكومة جهاز ٌبوليسي ، ولا علاقة لها لا بالحب ، ولا بالشِعر .. الحب هو مصدر كل الشرعيات .الضابط : على جوازي سفركماتأشيرة قديمة لدخول جزيرة قبرص . ماذا فعلتما في قبرص ؟ المرأة : وماذا تنتظر أن نفعلفي قبرص ؟ نزلنا في فندق على الشاطئ .. وسبحنا في البحر .. وأكلنا سمكاً طازجةوجبنة قبرصية بيضاء .. وشربنا نبيذاً قبرصياً جيداً .. ورقصنا .. ثم خطر ببالنا أننتزوج .. فتزوجنا ...الضابط : أي نوع من أنواعالزواج ؟ المرأة : الزواج الأبسط ..والأسهل .. والمتحرر من كل الشكليات .. كزواج العصافير .. الضابط : تقصدين الزواجالمدني ؟ المرأة : بالضبط .. الضابط : أي أنكما هربتما منالوطن .. لتتزوجا على أرض أجنبية ؟المرأة : كل مكان يجمع رأسيعاشقين هو وطن .. بل هو سيد الأوطان .. ثم إن الوطن ليس سجناً للنساء .. ولا مدرسةداخلية لا يُسمَح للفتيات فيها أن يخرجن إلا بإذن الناظرة ... إن الوطن هو مجموعة عواطف منيسكنونه .. ومجموعة أفكارهم ، ومجموعة خياراتهم .. ومجموعة حرياتهم ..وحين يقف الوطن ضد مشاعرمواطنيه ، وضد عواطفهم ، وأفكارهم ، وضد شؤونهم الصغيرة ، فإنه يتحول حينئذ إلىقاووش كبير للسجناء . الضابط : ولكنك هاربة منالوطن الذي أطعمكِ .. ورباكِ .. المرأة : الأمل ليس مشكلة....كل الحيوانات بما في ذلكالصراصير تجد ما تأكله .. الحرية هي مشكلتي . فحين يرفض الوطن أن يزوجني من الرجلالذي أحبه ، بحجة المحافظة على النظام العام ، ومصالح الطائفة ، وسُمعة الحارة ..فإن لي ملء الحق أن أرفضه بدوري .. حين يرفض وطني أن يعترفبحبيبي .. فإن حبيبي عندئذ يصبح وطناً .. الضابط : أنتِ محامية حقيقية.المرأة : بل أنا امرأة ٌحقيقية ... الضابط : حسناً .. حسناً ..لقد طال هذا الحوار كثيراً .. إلى أي قسم من بيروت تريدان أن تذهبا .. حتى توصلكماسيارة قوى الأمن ، لأن الطرق غير آمنة في هذه الساعة من ساعات الليل .. الرجل : نذهب إلى منزلنا فيبيروت الغربية .. الضابط : تذهب أنت إلى بيتأهلك .. وتذهب هي إلى بيت أهلها .. الرجل : ولكنها زوجتي ... الضابط : كونها زوجتك .. لايغير وضعها الطائفي . الرجل : ولكنني أحمل الأوراقالتي تؤكد زواجنا .. الضابط : نحن في ( جمهوريةجنونستان ) لا نعترف بقصاصات الأوراق التي أعطوكم إياها في قبرص .. المرأة : ولكن كل الزيجاتمكتوبة على قصاصات ورق . المحكمة الشرعية تعطي للمتزوجين قصاصة ورق .. والكنيسةأيضاً تعطي قصاصة ورق .. كل الزيجات في العالم بناياتٌمن ورق ... الضابط : ماذا تقصدين ؟ المرأة : أقصد أن القضية كلهاورقٌ بورق .. والمهم في الزواج ليس النص المكتوب .. وإنما جوهر العلاقة بين الرجلوالمرأة ... حين يكون اثنان في حالة حب ..فإنهما لا يحتاجان للتوقيع على أية وثيقة . إن حبهما هو شهادة التأمين التيتحميهما من الضجر .. والتكرار .. والإفلاس الروحي .. الضابط : حسناً .. لنختم هذاالحوار اللامُجْدِي . فقولي يا سيدتي إلى أين تريدين أن توصلك سيارة قوى الأمنالداخلي ؟ المرأة : يا حضرة الضابط . هلأفهم من كلامك أن عليَّ الالتحاق بقبيلتي في بيروت الشرقية ؟الضابط : نعم يا سيدتي .. هذههي التعليمات ..الرجل : وهل يعني هذا أننيسأذهب إلى ( غيتو ) المسلمين .. وزوجتي ستذهب إلى ( غيتو ) النصارى ؟ .الضابط : استنتاجك صحيح . الرجل : إذن ، هل تسمح لي ،يا حضرة الضابط ، أن أتشاور مع زوجتي ؟ .الضابط : لك ما تريد . ( يمسك الرجل بذراع زوجته ،ويذهبان إلى زاوية من زوايا المسرح . يتكلمان همساً لبضع دقائق ، ثم يعودان .. ) .الضابط : تفضلا .. فسيارةالأمن الداخلي جاهزة . الرجل : لن نحتاج إلى سيارةيا حضرة الضابط .. فقد قررنا أنا وزوجتي أن لا ندخل البيروتين .. الشرقية أوالغربية .. الضابط : وأين ستمضيانليلتكما ؟ الرجل : سنمضيها نائمين علىرصيف أحزاننا ، وفي الصباح ، سنسافر على أول طائرة مسافرة إلى قبرص .المرأة : وداعاً يا حضرةالضابط .. وإذا تصادف وعشقتَ امرأة من ( الحارة الثانية ) ولم توافق ( جمهوريةجنونستان ) على زواجك منها .. فتذكر أن لك في قبرص بيتاً مفتوحاً .. وأصدقاء منلبنان القديم مستعدين أن يقتسموا معك رغيف الخبز .. ورغيف الحب .. ( يحمل الرجل الحقيبتين ،وتتبعه المرأة ، ويخرجان من الباب رقم 1 ) .ستار |
|
Post: #2
Title: Re: تُرى هل تنبأ نزار بمستقبل الدول العربية ح�
Author: د.محمد بابكر
Date: 12-31-2015, 03:15 PM
Parent: #1
Quote: الفصل الثاني :ـــــــــــــــــــــــــشتاء عام 1975(( المشهد ليلي . والساعةتتجاوز منتصف الليل بقليل . حاجز مصنوع من جذوع الأشجار ، وأكياس الرمل ، والبراميلفي ضاحية تطل على مدينة بيروت .الليل شتائي بارد . وأصواتجنادب ليلية . وسماء رمادية داكنة لا يضيئها بين الحين والحين سوى أضواء الطائراتالتي ترتفع على مدرج المطار باتجاه البحر .الحاجز يرتفع على يمين المسرحبشكل نصف دائرة مفتوحة إلى جهة الصالة . على يسار المسرح تمر الطريق الرئيسيةالصاعدة من بيروت .وعلى جانب الطريق لافتة كُتبعليها : ( جمهورية جنونستان - لبنانسابقاً ) خلف الحاجز ، ثلاثة مسلحينيراقبون الطريق : يخرج أحدهم ، وهو في حواليالخامسة والثلاثين من العمر . ويبدو أنه المسؤول العسكري عن الحاجز . يخرج من خلف الحاجز إلىالطريق العام ، وبيده بطارية كهربائية .يشير إلى مدينة بيروت التيتبدو من البعيد مخنوقة الأضواء .. مسكونة بالكآبة .. )) المسلح 1 : ... وأخيراً ،نجحنا في اغتيال جمهورية لبنان العتيقة .. وقضينا على السنديان ، والبلوط ، وأشجارالصنوبر ، وأعمدة بعلبك .. ووضعنا الحجر الأساسي للجمهورية التي طالما حلمنابتأسيسها ، أعني ( جمهورية جنونستان ) . أنظروا إلى بيروت التي كانتتسمى ذات يوم ، لؤلؤة البحر الأبيض المتوسط ، ومدينة المدائن ، والقصيدة الزرقاء.. إنها أشبه بامرأة جميلة كبرتمئة عام خلال عام واحد .لقد استطاع حزبنا العظيم أنيحول بيروت إلى مقبرة جماعية ، ويُحرق وجهها بالأسيد ، ويجعل منها أرملة متشحةبالسواد .ليس مهماً أن تبقى بيروتجميلة . فالجمال لا يدخل في قاموسنا الثوري . وليس مهماً أن تظل بيروت مصدراً منمصادر الشِعر . فمنظرو حزبنا يحتقرون الشِعر والشعراء ، ويعتبرون كتابة الشعرثرثرة وشعوذة وإضاعة وقت .. ثورتنا ليس فيها مكان للشِعر. ولا لتنابلة السلطان الذين يقولون القصائد والمواويل ... الكتابة عمل مضاد للثورة .والتشابيه ، والاستعارات ، والمجازات ، والكلام الجميل بكل أنواعه ، والقصيدةالعمودية ، والقصيدة الحرة ، وقصيدة النثر ، والروايات ، والمسرحيات ، والفنونالتشكيلية كلها .. ثوراتٌ مضادة .سوف نلغي جميع الكتب ، بما فيذلك الكتب السماوية ، ولن نسمح إلا بتداول كتاب مقدس واحد ، هو الكتاب الذي وضعهرئيس الحزب .( ينبعث صوت فيروز من راديوترانزستور صغير يحمله أحد المسلحين ) .المسلح 2 : وفيروز .. أينموقعها من ثورتنا يا حضرة الكومندان ؟ المسلح 1 : لا موقع لها .إنها تنتمي إلى مرحلة تاريخية سحيقة ومتخلفة . فمفرداتها الغنائية تحاول أن تخلق فيأذهان البسطاء ( يوتوبيا ) مستحيلة ، وعالماً خرافياً لا يمكن تحقيقه على هذهالأرض . إنها بكلامها عن ضوء القمر ،والكروم ، والعصافير ، والقناطر ، وضوء القناديل ، ومكاتيب الهوى ، والحنين ،والمحبة ، والأجراس ، والصلوات ، ترسخ في ذاكرة الناس لبنان القديم ، في حين تحاولالثورة أن تمحوه ... إنها مغنية خطيرة على دعوتناالثورية . طابورٌ خامس يستطيع أن يقضي على جميع مخططات التغيير التي نرسمها . إنهابأغنية واحدة عن المحبة تستطيع إسقاط كل أيديولوجيتنا . لذلك يتوجب على المكتبالسياسي في حزبنا أن يصدر أوامره بمصادرة حنجرتها ....المسلح 2 : ولكن .. هل منالسهل مصادرة حنجرة مغنية ؟ المسلح 1 : العواطف لا تدخلفي قاموسنا الثوري . كل الحناجر التي تشاغب على الثورة يجب استئصالها ، سواء كانتحنجرة فيروز .. أو حنجرة دجاجة .. المسلح 2 : ولكن الجماهير تحبصوت فيروز .. المسلح 1 : سنقطع آذانالجماهير إذا لزم الأمر . الأحاسيس الجميلة كلها مؤجلة حتى تنتصر الثورة .. ضوءالقمر مؤجل . غروب الشمس مؤجل . زرقة البحر مؤجلة . سنابل القمح . أشجار اللوز .رائحة الورد . مواعيد العشاق . الأشواق . القبلات .. قصائد الغزل .. كتب الشعركلها مؤجلة .. مؤجلة .. المسلح 2 : وإذا طلع على باليأن أعشق ، قبل أن تنتصر الثورة ، فماذا أفعل ؟ المسلح 1 : عندئذ ، عليك أنتستقيل من الثورة ، فالثائر الحقيقي لا ينام مع النساء .. المسلح 2 : مع من ينام إذن ؟المسلح 1 : يحتضن صورة رئيسالحزب .. وينام .. المسلح 2 : لكنني لستُ من أهلهذا .... المسلح 1 : أرجو أن تقلع عنتعليقاتك الساخرة .. وإلا قدمتُ عنك تقريراً إلى قيادة الحزب .. ( المسلح رقم 3 يتحرك منمكانه ، كأنه يبحث عن شئ ضاع منه .. ) .المسلح 3 : يا جماعة كفوا عنهذا الجدل البيزنطي .... أين زجاجة الكونياك ؟ إن البرد يخترق عظامي ، ولم نستفتحعلى هذا الحاجز بزبون واحد ... ماذا جرى لأهل بيروت حتى صاروا ينامون كالدجاج معغروب الشمس .. فلا سهر .. ولا من يسهرون .. ولا طرب ولا من يطربون .. إن زبائننا قد تناقصوا بصورةملحوظة ، وعصافير الليل لم تعد تتجول .. وأخشى إذا تحسن الوضع الأمني في البلد ،أن ينقطع رزقنا .. ونفقد عضويتنا في الحزب ... المسلح 1 : لا تقطعوا أملكميا شباب . إن الله كريم . وهو يرزق النمل حيث كان . إن بيننا وبين طلوع الفجر نحوخمس ساعات .. ولا بد أن يرسل الله إليكم قرباناً .. أو إنساناً .. تنقذون به شرفكمالحزبي . ( يُسمَع صوت محرك سيارةقادمة باتجاه الحاجز . يرجع المسلحون الثلاثة إلى خلف الحاجز ، ويأخذون وضع تأهب... )المسلح 1 : ألم أقل لكم إنالعصافير قادمة ؟ ( سيارة صغيرة تقودها امرأةتتوقف أمام الحاجز . يتقدم نحوها المسلح 1 شاهراً مسدسه ، ويطلب منها النزول منوراء المقود . تنزل امرأة في حوالي الثلاثينمن عمرها ، رشيقة القوام ، داكنة الشعر ، واسعة العينين . يوجه المسلح ضوءالبطارية إلى وجهها ... ) المسلح 1 : من أنتِ ؟المرأة : أنا امرأة .. ألمتروا امرأة في حياتكم ؟ أليس لكم أمهات .. شقيقات .. حبيبات ؟ المسلح 1 : نحن لا نسألكِ عنجنسك . جنسكِ لا يهمنا .. المرأة : وماذا تريدون إذن ؟المسلح 1 : نريد أن نعرف إذاكنتِ تحملين سلاحاً . المرأة : نعم .. معي أربع ..أو خمس قطع .. ( يتبادل المسلحون نظراتالريبة والحذر .. ويخرطشون بنادقهم تحسباً للمفاجآت .. ) .المسلح 1 : تقولين معكِ أربعأو خمس قطع سلاح ... أخرجي كل ما عندكِ .. وحاذري أن تقومي بأية حركة مريبة .. ( تفتح المرأة حقيبة يدهابهدوء وبرودة أعصاب ، وتبدأ بسحب بعض أدوات الزينة . مرآة . مشط . علبة بودرة .أنبوب أحمر شفاه . قارورة عطر .. ) .المرأة ( بابتسامة ساخرة ) :هذا كل ما عندي ... المسلح 1 : ولكن هذه أدواتتجميل ، فأين هو السلاح ؟ المرأة : هذا هو سلاحي !!المسلح 1 : نريد السلاحالحقيقي . السلاح الذي يقتل . السلاح الذي تخبئينه في مكان ما ...المرأة : صدقوني . أنا لاأخبئ شيئاً . والسلاح الذي وضعته أمامكم هو السلاح الذي تحمله كل امرأة في العالم. كل امرأة جميلة .. هي مسلحةبصورة طبيعية .. ( بحركة إغراء مدروسة ، تأخذالمرأة قارورة العطر ، وترش منها رشتين تحت أذنيها ... ) .المسلح 1 : ( شاهراً عليهاالمسدس ) . توقفي عن الرش .. وإلا رششتكِ .. المرأة : وهل يزعجكم عطري إلىهذا الحد ؟ هل يتناقض عطري مع ثورتكم ؟ المسلح 1 : جميع أنواع العطور، وعلى رأسها العطر النسائي ، تتناقض مع أيديولوجية الحزب . المرأة : مساكين .. مساكين ..فهذه أول ثورة أسمع بها في حياتي لا تعترف بالعطر .. لا تعترف بالرائحة الطيبة .. المسلح 1 : يا مدموازيل ..نحن هنا في متراس مسلح ، ولسنا في صالون تجميل .. المرأة : لكن العطر تركيبٌإنساني . الحيوان وحده هو الذي لا يتعطر ... المسلح 1 : إن ثورتنا من طرازآخر .. ثورة ٌ لا تهتم بالعطر ، ولا بالحب ، ولا بالجنس ، ولا بالنساء ، ولاتتعاطى كل هذه التفاهات .. المرأة : شكراً على المجاملة. إن آراء حزبكم بمنتهى التقدمية . وبالمناسبة ، قل لي : هل رئيس حزبكم متزوج ..أم عازب ؟ المسلح 1 : إن معلمنا تزوجالعمل السياسي . تزوج الشعب . تزوج القضية .... المرأة : ولكن القضية هيأيضاً أنثى ... المسلح 1 : كُـفــِّي عن هذهالبهلوانيات الكلامية .. فلا وقت لدينا لهذه الثرثرة النسائية ... المرأة : إذا كنتَ لا تريد أنتحاورني ، فهل يمكنني أن أقابل رئيس الحزب ؟المسلح 1 : المعلم ؟ تريدينأن تقابلي المعلم ؟ ومن أنتِ ؟ وبأي صفة تريدين أن تقابليه ؟ المرأة : أنا صحفية ..المسلح 1 : أنتِ مجنونة بكلتأكيد .. إن الوصول إلى القمر أسهل من الوصول إلى معلمنا .. وعلى فكرة فإن رئيسناليس لديه اهتماماتٌ نسائية ... المرأة : شغلتم بالي عليه ..هل هو مريض ؟ هل هو ساخن ؟ هل هو من أنصار سيدنا لوط عليه السلام ؟؟ المسلح 1 : أنتِ امرأة طويلةاللسان ككل الصحفيات . ويمكنكِ أن تنشري على لساني أن معلمنا ليس منحرفاً .. ولايشكو من أي ضعف جنسي .. وإنما ارتفع بجسده عن مستوى بقية البشر .. حتى أصبح (سوبرمان ) ...المرأة : الله يشفيه .. وماذايفعل معلمكم في ساعات الفراغ .. ما هي هواياته ؟المسلح 1 : هواياته أن يقتل .هناك أناسٌ هوايتهم أن يعزفوا على البيانو .. وأناسٌ هوايتهم أن يرسموا .. وأناسٌهوايتهم أن يجمعوا الطوابع القديمة وأناسٌ هوايتهم أن يكتبوا الشِعر ... أما معلمنا فهوايته أن يقتلالآخرين .. المرأة : فعلاً .. هذه هوايةأوريجينال .. ومن هم الآخرون الذين يقتلهم ؟المسلح 1 : كل الطارئين ..والغرباء .. والذين لا خلفية حضارية لهم . والمحشورون كالحيوانات في سفينة نوح ...المرأة : ولكنكم بهذه الطريقةستقتلون ثلاثة أرباع البلد .. المسلح 1 : لا يهم . فسوفيبقى الربع الحضاري ، النخبوي ، السوبر - لبناني . المرأة : ولكن الربع الباقيسيكون بحجم العدس .. أو قرص الأسبرين .. المسلح 1 : قرص الأسبرين يبقىأفضل من سفينة نوح ... المرأة : وماذا ستفعلون ببقيةالحيوانات ؟ المسلح 1 : سنذبحها .. أونرميها في البحر .. لأن الحمولة الزائدة ستــُغرق السفينة .المرأة : ولكن هذا موقف عنصري، عرقي ، ماكيافيلي ، صهيوني ... المسلح 1 : العناوين الصحفيةلا تهمنا . واتهامنا بالماكيافيلية لا يهمنا أيضاً . كل ما يهمنا أن نتخلص منالحيوانات الزائدة التي تتناسل على ظهر السفينة .. وتهددها بالغرق .. نحن - كحزب - نؤمن بأن لبنانيحتاج إلى ثقافة العنف . لا إلى ثقافة ( المَيْجَنا ) و ( العَتــَابا ) و ( أبوالزُلــُف ) .. والخبز التنوري .. والعرق الزحلاوي .. والمسرح الرحباني .. المرأة : وما هو اعتراضك علىالمسرح الرحباني ؟ المسلح 1 : المسرح الرحبانيمسرح فانتازي ، تخييلي ، افتراضي ، يعمل من الحبة قبة ، ويصنع لنا وطناً أكبر منا. وطناً يكاد لفرط جماله أن يكون غير حقيقي . المسرح الرحباني يسبح فوق غمامةبنفسجية ، ولكنه لا ينزل إلى أرض البشر ..المرأة : إن وظيفة الفن أنيرتقي بالإنسان إلى الأعلى .. ووظيفة الشعر أن يحملنا إلى الأجمل .. المسلح 1 : جماليات الشِعر ،يا سيدتي ، هي وراء تخلفنا وضعفنا . الثقافة الحقيقية هي ثقافة القوة . ولن يستريحلبنان إلا إذا قتل القمر .. ولبنان الذي نحلم به يولد بينالمتاريس ، وأكياس الرمل ، والديناميت .. لا في مهرجانات بعلبك .. واستعراضاتالكازينو .. وبكائيات وديع الصافي .. المرأة : آه .. كم تذكرنيبالماركيز دو ساد ... المسلح 1 : إذا كانت الساديةتعطيني وطناً قوياً ، فسوف أكون سادياً . وإذا كان القتل هو المركب الذي لا بد لنامن ركوبه ، فسوف نركبه .. المرأة : ولكن لبنان ليسمعتاداً على القتل ... المسلح 1 : سيتعود عليه .. إناللبناني سريع التأقلم مع الأشياء . وبعد قليل سيمارس القتل بالسهولة ذاتها التييرقص بها الدبكة .. أو يشرب كأس عرق ... إن القضية قضية عادة . أنا في البدايةكنتُ لا أجرؤ على قتل نملة ، ثم أصبحتُ أقتل إنساناً بذات السهولة التي أفرشي بهاأسناني ، أو أغير قميصي .المرأة : أرجو أن لا تفكر فيأن تفرشي أسنانك .. أو تغير قميصك الآن .. المسلح 1 : هذا يتوقف على نوعالأوراق التي ستبرزينها . المرأة : ولكنني قدمتُ لكمأوراقي .. ( تشير إلى أدوات الزينة ) .المسلح 1 : الأوراق التيقدمتها تستعملينها على فراش الحب .. لا هنا .. هذا حاجزٌ محترمٌ ، يا سيدتي ، وهولا يقبل الرشوات النسائية .. المرأة : ولكنني قلت لكم إننيصحفية .. المسلح 1 : صحفية من أين ؟ المرأة : صحفية من لبنان . المسلح 1 : لبنان كلمة واسعةجداً .. حددي .. المرأة : لا أفهم السؤال .المسلح 1 : أقصد إلى أي لبنانتنتمين ؟ المرأة : لم يطرح أحدٌ عليَّمن قبل مثل هذا السؤال العجيب . وهل لبنان هو بمساحة الصين ، حتى أقول لك إننيأنتمي إلى الصين الوطنية ، أو الصين الشعبية . إن لبنان بحجم الكف .. أو بحجمالقلب .. المسلح 1 : وقلبكِ .. مع أيلبنان من اللبنانين ؟ .المرأة : قلبي مع لبنان .لأنه لا يمكن للمرأة أن تحب رجلين في وقت واحد .. المسلح 1 : إنني لا أريدرموزاً وتوريات .. سأكون أكثر صراحة وأسألكِ : إلى أين تذهبين عادة ، إلى المسجد.. أم إلى الكنيسة ؟المرأة : أذهب إلى الله ... المسلح 1 : أي واحد منهم ؟ المرأة : وهل هناك أكثر من ربواحد ؟ المسلح 1 : عندنا في لبنانيوجد أكثر من واحد . كل متراس مسلح له ربٌ مختلف عن رب المتراس الآخر . لذلك نطلبمنكِ أن تحددي بدقة إلى أي متراس - عفواً - إلى أي رب تنتمين ؟المرأة : إلى الواحد الأحد ،الذي يرانا ولا نراه ، ويُغيِّر ولا يتغير .. المسلح 1 : هذا جوابميتافيزيكي لا ينفعنا في التحقيق .المرأة : أنتمي إلى الذي يعلمما في الأرحام ..المسلح 1 : وهذا جوابٌ فيالطب النسائي لا نقبله .. المرأة : أنتمي إلى مُقدِّرالأقدار ، وعالِم الغيوب والأسرار .المسلح 1 : ستوب .. ستوب ..ستوب .. لقد دوختني بأجوبتك السريالية .. المرأة : ولكن أسئلتكم أيضاًهي أسئلة سريالية .المسلح 1 : نحن جماعة مسلحون، ولا وقت لدينا لجدلك البيزنطي . نريد منكِ كلمة ورد غطاها . هل أنتِ مع الربالذي على اليمين ، أم مع الرب الذي على اليسار ؟المرأة : أنا مع الرب الذي فيكل الأمكنة .. المسلح 1 : رجعنا إلىالبهلوانيات ، والكلمات المتقاطعة ؟ المرأة : ولكن هذه هي أفكاري.. المسلح 1 : طز بأفكارك ..ومتى كانت المرأة تفكر بغير نهديها ؟ المرأة : تعجبني تقدميتك ..وموقفك الحضاري من المرأة ..المسلح 1 : وتجيدين التهكمأيضاً ؟ . حسناً هاتي هويتك الصحفية .. ( تفتح المرأة حقيبتها ،وتعطي هويتها للمسلح ) المرأة : تفضل .. هذه هيهويتي الصحفية .. ( يدقق المسلح في الهوية ، ثمبصوت يقطر منه اللؤم والسخرية ) المسلح 1 : ها .. ها .. ها ..جريدة ( المحبة ) .. جريدة ( المحبة ) .. إن حدسي لا يخطئ أبداً ..إذن أنتِ من سكان الحارةالثانية ، وتشتغلين في جريدة تصدر باللغة العربية .. المرأة : وهل اللغة الرسميةفي لبنان هي اللغة المسمارية .. أم الهيروغليفية ؟ المسلح 1 : اللغة العربيةتسبب لمعلمنا حساسية كالحساسية التي يسببها أكل البيض والسمك ...المرأة : ولكن معلمكم يكتب ..ويخطب .. باللغة العربية ..المسلح 1 : هذا تكتيك .. قناع.. محاولة التفاف على اللغة العربية . معلمنا شعلة ذكاء ، وبركان عبقرية.. المرأة : ما شاء الله ..المسلح 1 : والآن قولي لنا ،في أي قسم من أقسام الجريدة تعملين ؟المرأة : أعمل سكرتيرة لرئيسالتحرير ، وأجري التحقيقات التي يكلفني بها مع رجال السياسة .المسلح 1 : أذكر أنني قرأتُبعض تحقيقاتك في جريدة ( المحبة ) . وبكل صراحة أقول لكِ إنها لا تعجبني .. المرأة : الدنيا أذواق . ولكنما هو اعتراضك على كتاباتي ؟ المسلح 1 : كتاباتكِ تنطقبلسان الحارة الثانية .المرأة : لبنان ليس حارة ياسيدي . ليس حارتي ولا حارتك . وإنما هو مجموع الحارات التي تقتسم الفرح ، والآمال، والخبز ، والدموع .. والكاتب الحقيقي لا يتكلمبلسان الحارة .. وإنما هو الناطق الرسمي بلسان الأمة .. بلسان الإنسان .. الكاتب الحقيقي هو الذي يرتفعمن الخاص إلى العام ، ومن الجزء إلى الكل .. ومن القوقعة إلى البحر .. المسلح 1 : كتابتكِ هي دقةقديمة .. وأفكاركِ دقة قديمة .. ومفرداتكِ دقة قديمة .. المرأة : مثل ماذا ؟ المسلح 1 : مثل المحبة ،التعايش ، التسامح ، المساواة ، الديمقراطية ، العدل الاجتماعي .. المرأة : هل صارت المحبة موضةعتيقة ؟ المسلح 1 : طبعاً .. طبعاً ..إنها مرحلة رومانسية تجاوزها الزمن . إن نقطة ضعف لبنان كان رومانسيته .. ولذلكاستوطى الناس حائطنا ، وركبونا ... لأنهم اعتبروا أن لبنان ليس أكثر من مزرعة تفاح.. ومعصرة عنب .. وكأس عرق .. وصحن كبة نية .. المرأة : وما هو بديل التفاح، والعنب ، وصوت فيروز ؟ المسلح 1 : البديل هو هذا ...( يشير إلى مسدسه ) ..المرأة : ولكن هذا ( تشير إلىالمسدس ) .. ربما ينفع في قطع طريق .. أو السطو على مصرف ، ولكنه لا ينفع في تأسيسدولة ..المسلح 1 : لقد أسسنا ( دولةجنونستان ) .. وانتهى الأمر ، واعترف بنا أكثر دول العالم .المرأة : ( جنونستان ) .. (جنونستان ) .. هل هذا اسم دولتكم الحقيقي ، أم أنه اسم الدلع ؟ المسلح 1 : أنتِ قليلة أدب . المرأة : شكراً ..المسلح 1 : وطابورٌ خامس .. المرأة : شكراً .. المسلح 1 : ومتآمرة على سلامةالجمهورية .. المرأة : أية جمهورية ؟جمهورية قرص الأسبرين ؟ المسلح 1 : ستدفعين ثمن هذاالكلام في نهاية التحقيق . والآن نريد بعض التفاصيل عن تاريخ ومكان ولادتك ، ولونعينيكِ .. وطول قامتك .. المرأة : لماذا ؟ هل تريدونأن تخطبوني ؟ المسلح 1 : أعوذ بالله .. نحننريد أن نقتلك .. لا أن نخطبك .. المرأة : إذا كنتم تريدون أنتقتلوني ، فلماذا تجمعون كل هذه التفاصيل عن مواصفاتي الجسدية .. ثم ألا تعرفونأنني مخطوبة ؟؟ المسلح 1 : مخطوبة ٌ لمن ؟ المرأة : مخطوبة ٌ لواحد منأولاد حارتكم ؟المسلح 1 : واحدٌ من أولادحارتنا ؟ مستحيل . أنتِ كذابة .. أنتِ حالمة .. أنتِ مجنونة .. المرأة : أنا لستُ كذابة .أنا امرأة ٌ لها قلب .. وقد تصادف أن أحبني رجلٌ من أولاد حارتكم ، وأحببته .. فهلعندكم مانع ؟ المسلح 1 : طبعاً .. هناكأكثر من مانع . مانعٌ حزبي . ومانعٌ جغرافي . ومانع طائفي . ومانع ديموغرافي .ومانع حضاري .المرأة : ولكن حبنا قفز فوقكل هذه الحواجز المصطنعة .. فذابت كما تذوب جبال الجليد .. المسلح 1 : إنني عاجزٌ عنتصديقك أيتها المرأة .. عاجزٌ عن تصديقك .. فأولاد حارتنا لا يمكن أن يحبوا بناتحارتكم . إن الحزب لا يوافق . المرأة : ومن قال لكم إننيأريد أن أتزوج الحزب ؟؟إن الحب لا ينتظر موافقةالحزب ، ولا المكتب السياسي ، فهو يسقط كالمطر على كل الحارات .. ويتفتح كشقائقالنعمان في كل البراري .. المسلح 1 : إذا صح ما تقولينأيتها المرأة .. فسوف نقتله ونقتلك ، لأن زواجكما يتناقض مع استراتيجية الحزب ،واجتهادات مُنظريه ..نحن ضد هذا الحب الفوضوي ..ضد هذا الفلتان العاطفي الذي من شأنه أن يمحو خصائص حارتنا .. ويحمل إليها الخراب.. المرأة : الحب لا يخرب المدن. الكراهية هي التي تخربها . إن جميع ما على سطح الكرة الأرضية من بحار ، وأنهار ،وجبال ، وغابات ، وعصافير ، وفراشات ، وسنابل قمح .. وجميع ما في السماء من شموس ،وكواكب ، ومجرات ، هي مِن صُنع الحب . إن الله فِعْلُ محبة .. فلماذا يعارض حزبكممشيئة الله ؟ المسلح 1 : كل النساءبطبيعتهن رومانسيات .. وانفعاليات . ولذلك فهن لا يصلحن للحكم والقيادة . إنهنيخلطن دائماً بين شؤون القلب وبين مصالح الدولة العليا ، كما فعلت كليوباترا ..وتكون النتيجة سقوط الإمبراطوريات واندثار الممالك . المرأة : هل تسمح لي أن أوقظذاكرتك قليلاً ، فأذكرك أن كل الحروب في التاريخ أشعلها رجال ، وكل الكوارثوالمجازر البشرية هي مِن صُنع الرجال ، فهولاكو ، وجنكيزخان ، ونيرون ، وجمال باشاالسفاح ، والإمبراطور بوكاسا كانوا كلهم رجالاً . أما ماري أنطوانيت المسكينةفقد قطعوا رقبتها ، لأن الثورة الفرنسية كانت بحاجة إلى امرأة لتــُسند إليهاالدور النسائي .. وفي لبنان ، من الذي ورَّطالبلد بهذه الحرب القذرة سوى الرجال ؟ منذ عام 1943 وأنتم تحكمونلبنان ، أيها الرجال ، حكماً إقطاعياً ، عشائرياً ، عائلياً ، وراثياً .. تنتقلفيه الزعامات التاريخية إلى الذكور وحدهم .. البيك يسلم التاج إلى البيك.. والأفندي إلى الأفندي .. والشيخ إلى الشيخ .. أما النساء ، فقد تركتموهندائماً خارج الشركة السياسية المحدودة الأسهم ، وعهدتم إليهن - حفاظاً على أنوثتهنكما تدعون - بأشغال الإبرة ، وزيارة المرضى والمساجين ، وشغل كنزات الصوف للأيتام، ورعاية المكفوفين ، وأعمال الطبخ والتمريض .. المسلح 1 : وماذا تعرف المرأةأن تفعل أكثر من هذا ؟ هذه هي الوظائف الطبيعية والتقليدية التي خلقها الله منأجلها .. المرأة : الله لا يتدخل فيتشكيل الوزارات ، ولا يمارس أعمال التفرقة العنصرية . وليس هو الذي عيَّن مارغريتتاتشر ، وإنديرا غاندي رئيستين للوزارة .. ليس هناك يا سيدي ، وظائف تقليدية خاصةبالمرأة ، وأخرى خاصة بالرجل .. هذه التقسيمات أوجدها الرجال ، ثم مع مرور الزمن ،اعتبروها إرثاً أبدياً لهم .وهكذا احتكرتم العمل السياسي، والإداري ، والقضائي ، والاقتصادي لأنفسكم ، كما يحتكر تجار الحرب السكر ،والرُز ، والطحين .المسلح 1 : تقولين العملالسياسي ؟ وهل ثمة امرأة تفهم أصول العمل السياسي ؟ ( تضحك المرأة ضحكة عالية ) المسلح 1 : ماذا يضحكك ؟ المرأة : يضحكني قولك ( العملالسياسي في لبنان ) . فهل تعتقد أن في لبنان سياسة أو سياسيين ؟ في لبنان - يا سيدي - مجموعة منالدكاكين تبيع وتشتري سياسة . هناك متعهدو سياسة كمتعهدي الأبنية والطرقات . هناكسماسرة .. ومضاربون .. وكومسيونجية سياسة .. استأجروا لبنان إجارة طويلةلمدة 990 سنة ، قابلة للتجديد ، ولا يزالون يرفضون إخلاء المأجور .. إن دم لبنان يلطخ أصابعكمأيها الرجال . أما النساء فلم يتورطن في يوم من الأيام في عملية القتل ، لأنهن أرققلباً .. وأنقى وجداناً .. وأكثر حناناً من ذكور القبيلة .. المسلح 1 : الثورة لا تقومعلى الحنان .. ورقة القلب ..المرأة : وعلى ماذا تقومالثورة ؟ المسلح 1 : تقوم على التصفياتالدموية ، لا على الرسائل الغرامية .. تقوم على سلاح المسلحين .. لا على ثرثرةالمثقفين . إن ثقافة المسدس هي أهم عندي من ثقافة الوردة ... المرأة : هذا كلام جزارين ..لا كلام ثوريين .. المسلح 1 : الألقاب والنعوتلا أعبأ بها . ما دمتُ قد انتصرت ، فليقل عني التاريخ ما يشاء .. هناك ثقافة واحدة هي ثقافةالقوة . حين أكون قوياً ، يحترم الناس ثقافتي . وحين أكون ضعيفاً ، أسقط أنا ،وتسقط ثقافتي معي .عندما كانت روما قوية عسكرياً، كانت اللغة اللاتينية سيدة اللغات .. وعندما سقطت الإمبراطورية الرومانية ، صارتاللغة اللاتينية طبق سباغيتي . |
|
Post: #3
Title: Re: تُرى هل تنبأ نزار بمستقبل الدول العربية ح�
Author: د.محمد بابكر
Date: 12-31-2015, 03:43 PM
Parent: #2
Quote: لقد استطاع حزبنا العظيم أنيحول بيروت إلى مقبرة جماعية ، ويُحرق وجهها بالأسيد ، ويجعل منها أرملة متشحةبالسواد . |
وكذا اليوم بغداد و دمشق وصنعاء ومن يدرى ربما غداَ الخرطوم و القاهرة و الرياض فلا احد يعرف ما يخبئه هذا الليل العربى من جنون وظلام..!!
|
|