|
Re: كميونة الدراويش (Re: ودقاسم)
|
مرت سنوات وأنا والناس من حولي على هذا الحال، يتقدم بهم العمر لكن السنين لا تضيف لهم شيئا، يمضون أوقاتهم وهم يدورون دورة الحياة نفسها في تكرار لا يملّونه . والحياة من حولهم تتسع فكرا وعملا، لكنهم يتمترسون خلف ضيق الجهل وظلام العتمة ، ومن يرتفع منهم في وعيه تجده يقترب من منهج أبرهة ، فيهادن أمي ليجعلها تتلطف أكثر بالفقراء ، لكن دون أن يسعى للتأثير على المؤسسة كلها أو يعمل على إلغائها . ومن ينجرف ناحية منهج أمي يرى نفسه أكثر صلاحا وقربا من أهل الله ، لكنه يظل مطحونا برحى الجهل والاستغلال ، وهو مغيّب وعيه وإحساسه بالظلم وضياع الحقوق . وأنا المتفرج الأكبر في هذا العرض المسرحي الذي لا يبدو أنه يتجه إلى نهاية ، فظللت أكثر وقتي صامتا ، لا أوجه ، ولا أمنح ، ولا أمنع . تركت كل ذلك لأبرهة وأمي والمقربين إلى كل منهما ، يديرون عملا ضخما أطلقوا عليه اسمي دون أن يملكونني منه قيراطا من مسئولية . فظللت مثل هبل في جاهلية العرب ، يدورون حوله ، يقربون له القرابين ، لكنه لا يستطيع أن يمنعهم ، ولا يملك لهم نفعا ولا ضرا ، ولا يجد منهم فكاكا. ورغما عن وضوح الرؤيا لكن الملل لم يتسرب إلي، ولم أجعل له علي سبيلا ، فكنت أغلب وقتي أبدو سعيدا بما أنا فيه ، وتغلب علي نظرة أبرهة للموضوع كله ، فأعدّه موضوعا مسليا ، كونه أخرجني من حالة تدمير الذات التي كانت تتملكني، إلى حالة أشعر فيها بأنني ألعب دورا إيجابيا تجاه قطاع لا بأس به من مجتمع الفقراء . لكني ظللت أحاور نفسي ، وأكثر التأمل ، وأثير التساؤلات لأتمكن بالخروج بنظرية أو عمل كبير يصلح شأني وشأن الناس من حولي ، أو يغير الله ما بنا إلى حال نتمكن فيه من قهر الجهل والفقر وما يتبعهما من مآلات . وتصورت نفسي مثل موسى أتطلع إلى النار لأعود منها بقبس أو أجد عليها هدى ، وأعلم أن موسى رأى النار في رحابة الأفق، فخاطبها وانتصر ، وأنا ظللت أبحث عنها في آفاقي المحدودة فلم أجدها. وكنت - طبقا لبعض ظنوني- أعتقد أن أمي هي القادر على إخراجي من هذا الحال المتأرجح بين أفكارها وأفكار أبرهة، فأمي هي التي أتت بكل هذا ، وأشادت بنيانه حقا أو باطلا ، وهي الوحيدة القادرة على محوه أو تطويره . وأمي هي التي أخرجتني إلى الدنيا، ثم أغرقتني في أوحالها ، فمرغتني فوق رماد الفقر ، ثم أعادتني إليها لتجعلني صنما تهدف للوصول به إلى أقصى درجات الغنى ، وغطتني بظلماته ، وأحاطت كل أفعالها بمسوح الدين وأوهام الكرم وادّعاء النبل . أراها قادرة على كثير مما يعجز عنه الآخرون ، تدير الكثير من أمورها بالإشارة ، فيهب المتعطشون لعطائها ويفعلون ما تأمرهم . لكني لا أراها قادرة على هزيمة دواخلها لتكتب بنفسها نهاية لهذه المهزلة التي صنعتها وجعلتني جزءا منها . والعمر يتقدم بأمي ، وأحسبها ستبدأ في التراجع عن بعض ما ظلت تعتبره عقيدة لديها . وانتظرت نوعا من العد التنازلي وارتخاء المسكة الحديدية في كثير من أمور المال ، وما يتبعه من التسلط والجبروت . وحين مرضت أمي مرضا ألزمها الفراش شهرا أو يزيد، ظننت أن المرض سيهزمها، وأحسست منها في لحظة ضعف رغبة في الاعتراف بكل أخطائها ، لكنّ ما حدث كان مفاجأة لي ولكل الذين اعتادوا أن يكونوا من حولها . كانت أمي تأمرني أن أدعو لها بالشفاء التام، وتطلب مني أن أضع يدي فوق رأسها ، وأقرأ عليها، وأتبع ذلك بتفلة . وكانت تسر للمقربين منها أن ذلك يفيدها فتشعر بشيء من الصحة والعافية فتمتليء بالأمل والرغبة في البقاء. قامت أمي من مرضها ذاك وهي أكثر رغبة في تقوية سلطانها ومركزها المالي ، فخرجت إلينا بمشروع جديد يضيف ويقوي من مشروعها السابق، بل ويعتبر امتدادا له . أصبت بكثير من الأسى ، والقرف من مشروع أمي الجديد حين طرحته علي ، فدخلا علي هي وأبرهة كشريكين رأسماليين يخططان سويا لبناء الشراكة وتقويتها. يبدو أن أمي كانت لا تزال منهكة مما أصابها، لكنها بدت متماسكة كعادتها، وأمرت أبرهة فبدأ بالحديث عن فكرة لم تخطر لي على بال . وعجبت كيف أن أبرهة أصبح مساعدا لأمي حتى أنه أصبح يتعرف على كل خططها قبل أن تكلمني عنها ، وكيف أنه أصبح أمينا على أسرارها لدرجة أنه لم يعد يطلعني على ما تسر به إليه. وهما الآن لا يدخلان إلي لعرض المشروع علي لأوافق عليه أو أرفضه ، بل أرادا تزويدي بالمعلومات حتى لا أكون مغيبا عن عمل كبير يعتبر من صميم أعمال الخليفة . إذن فخطط المشروع معدة وجاهزة ، ولا تحتاج مني إضافة أو تعديلا ، ولا اعتمادا ، بل سيبدأ التنفيذ فورا دون تأخير ، ولن ينتظر أبرهة وأمي أن يتسرب الخبر ، وقد تم تكليف تيم من عشرة أشخاص دون أن يشرح لهم أحد تفاصيل المشروع. كان أبرهة يتحدث بثقة كبيرة ، ولعله كان مستمتعا بما حمل لي من أخبار ومعلومات ، فحبك القصة بلغته التي أعرفها ، لكنه أضاف الكثير من المحسّنات يستجدي بها التشويق وشد الانتباه ، فكنت فعلا أتشوق لمعرفة التفاصيل رغما عن إحساسي بالقرف من الموضوع كله .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
كميونة الدراويش | ودقاسم | 12-30-15, 12:48 PM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 12-31-15, 12:20 PM |
Re: كميونة الدراويش | جورج بنيوتي | 12-31-15, 02:13 PM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-01-16, 05:57 PM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-03-16, 07:03 PM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-05-16, 08:42 AM |
Re: كميونة الدراويش | ابو جهينة | 01-05-16, 11:08 AM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-06-16, 01:07 PM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-10-16, 01:57 PM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-07-16, 10:33 AM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-06-16, 01:26 PM |
Re: كميونة الدراويش | doma | 01-10-16, 03:20 PM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-11-16, 06:31 AM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-12-16, 01:18 PM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-13-16, 08:46 AM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-18-16, 08:22 AM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-20-16, 01:46 PM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-22-16, 07:59 AM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 04-04-16, 07:40 PM |
|
|
|