|
Re: كميونة الدراويش (Re: ودقاسم)
|
لا أجد وقتا للراحة، فأصبح وقتي موزعا، حيث اتفق أبرهة – الذي أصبح مديرا لأعمالي- وأمي على تقاسم زمني بين بيت أمي وبيت سلوى. وتقاربت العلاقة بين أمي وسلوى حتى بلغت مرحلة الحميمية، ودخل أبرهة وأمي في علاقة يمكن أن نسميها نوعا من الصداقة الحذرة، وبدت أفكارهما تتسق وتتوافق، لا يخالفها الرأي ولا يعصي لها أمرا. كان هو ينفذ توجيهاتها بفهمها هي، ثم يأتيني ويشرح لي ما يقوم به بفهمه هو، ثم يتمم حديثه دائما بقوله: أليست الأعمال بالنيات يا صديقي ؟ وهنا وهناك يجتمع الناس دون نداء، ويطيلون الجلوس والانتظار، وبعضهم ينام في أي ركن من أركان البيت. كلهم ينادونني بإسم ( الخليفة )، حتى أن بعض أصدقائي والمقربين نسوا اسمي الحقيقي، وأصبحت الآن شخصا مختلفا تماما عما كنت عليه من قبل. نسيت الخمر والغناء والعزف على العود، وبالطبع لم أعد أعيش حياة الفقر، بل أصبت بالتخمة من كثرة ما أكلت من الفتة واللحم وشرب الماء البارد. كانوا يقدمون لي أكلا خاصا بي لا يشاركني فيه إلا أبرهة والمقربون من الشلة، وأصبحت أمي ترسل كميات كبيرة من الأكل الجاهز لبيت سلوى، يأكل منه أهل البيت، والضيوف المنتظرون. ولا علم لي من أين يأتي هذا الأكل الذي يكفي كل هؤلاء الناس المجتمعين في البيتين، ولا أعلم من يطبخه، ومن يقدمه لهذه الأعداد الغفيرة من البشر الذين تعطلوا من أعمالهم وهجروا القدر القليل من الإنتاج الذي كانوا يسهمون به ، حتى أن أبرهة دخل علي يوما وهو يضحك ويقول لي أن السلطات ستحاكمني يوما ما على تعطيل معاش الناس وتحويلهم إلى عاطلين عن العمل. وأن ديوان الضرائب سيأتيني بمطالبات ضخمة باعتباري أحد أغنى الناس لدرجة أنني أقدم الأكل المجاني يوميا لمئات الناس ، وربما تحتج مطاعم المدينة أيضا لأنها أصيبت بالركود. وقد اخافني كلام أبرهة فاختليت به وسألته عن حقيقة هذه الكميات الضخمة من الطعام، ما مصدرها ؟ فضحك أبرهة حتى استلقى على ظهره، وعاد سيرته الأولى في السخرية وإطلاق القفشات، وقال مستهزئا : أنت يا صديقي، أنت الشيخ، وأنت الخليفة، وأنت البركة، أنسيت نفسك ياشيخنا ؟ لكني لم أشارك أبرهة ضحكه واستهزاءه، بل سألته بصورة حازمة كيف تحول بهذه البساطة من شخص جاد، إلى آخر انتهازي ووصولي. فوجدها أبرهة فرصة طيبة ليقدم لي محاضرة من نوع محاضراته التي كنت أسمعها في بيت سلوى وكنت أظنها ناتجة عن أثر الخمر، لكنه الآن يتحدث بصدق خارج تأثير الكحول. يقول أبرهة أنّ الفقراء تم تسخيرهم للإنتاج وحُرموا المشاركة في عائداته، وسُلبت كل مقدراتهم، وصودرت إمكانياتهم لصالح الطبقة الغنية، لكن كما يقول الفقراء دائما، أن الله لا ينسى عبده، ففتح لهم بابا واسعا من أبواب ( مال الجاحدين يأكله واحدين ). والآن يستعيد الفقراء جزءا مما قدموه، والأغنياء يظنون أنهم يمارسون كرما يثابون عليه، لكنهم لا يعلمون أنهم يفعلون هذا غصبا عنهم وهم لا يشعرون. ولو أن الفقراء اجتهدوا وبذلوا كل طاقاتهم فإن ذلك لا يوفر لهم لحما وأرزا وخبزا وفاكهة كما هو متوفر لهؤلاء، لكنهم الآن لا يعملون شيئا ولا يبذلون طاقة ولا جهدا ، وهم يأكلون كل ذلك دون أن يدفعوا مليما واحدا، ثم ينهضون يتراقصون ويتمايلون على كلمات القصيد وضربات النوبة. إنهم الآن سعداء، يأتيهم رزقهم وهم جالسون تحت ظلال الأشجار، هذه جنة الفقراء في الأرض يا صديقي. وأنت تقود كل هذا بتسخير من الله وعون منه، وأنا أدير أعمالك وأساعدك من أجل هؤلاء المعذبين في الأرض. وفي هذا كله انتصار للفقراء والبسطاء على الذين ظلوا يمتصون جهدهم وعرقهم ويصادرون طاقاتهم. ولنتوسع في مشروعنا، نفتح أبوابا للتعليم فنرفع الوعي ، ونفتح العيادات الخيرية، ونسعى لتوزيع الدواء مجانا. ويمكننا مستقبلا أن نهتم بتطوير قدرات هؤلاء البسطاء، ونجلب لهم من يدربهم على كثير من الأعمال اليدوية والمهارات الانتاجية. والفقراء حين يتعلمون أعمالا يدوية أو يتقنون صناعة أو أي مهنة أخرى فإنهم يستعيدون عزة أنفسهم، وينخرطون في العملية الإنتاجية من جديد إذا توفر لهم التمويل اللازم ، وهو ما سنتمكن منه مستقبلا . بدا لي أن ابرهة قد استمرأ هذا الوضع، وأصبح ينسج المبررات الوهمية ليقنع نفسه بالاستمرار في عمله الجديد، لكن ما يدهشني حقا أن أبرهة حتى اليوم لا يطلب مني ولا من أمي قرشا واحدا. فقد ظل يبذل كل مجهوداته متطوعا دون أن يطلب راتبا أو حتى عطاء أو صدقة مما تمنحه أمي للفقراء يوميا. وقد تميز أبرهة بالنشاط وعلو الهمة، وظل متقد الذهن، لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا واهتم بها، يعرف كل من يدخل البيت ، ويخاطبهم بأسمائهم، ولا يهمل حاجة أحد منهم. جمع أبرهة عددا من الضعفاء والمشردين والمتسولين، ووفر لهم سكنا مؤقتا في طرف من أطراف البيت، وظل عددهم يزداد باستمرار، فأصبحوا جزءا لا يتجزأ من البيت، وقد دخلوا جميعا فيما نحن فيه من الذكر والصلوات وحفظ القرآن. وتحول البيت كله إلى مؤسسة ضخمة تظل أبوابها مفتوحة كأنها تقوم بعملها طيلة ساعات اليوم، وانتفت من البيت الخصوصية، إلا من مجلس الخلافة والجزء المعد لي، فلا يجرؤ أحد على الدخول إليهما دون ونواصل
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
كميونة الدراويش | ودقاسم | 12-30-15, 12:48 PM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 12-31-15, 12:20 PM |
Re: كميونة الدراويش | جورج بنيوتي | 12-31-15, 02:13 PM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-01-16, 05:57 PM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-03-16, 07:03 PM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-05-16, 08:42 AM |
Re: كميونة الدراويش | ابو جهينة | 01-05-16, 11:08 AM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-06-16, 01:07 PM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-10-16, 01:57 PM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-07-16, 10:33 AM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-06-16, 01:26 PM |
Re: كميونة الدراويش | doma | 01-10-16, 03:20 PM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-11-16, 06:31 AM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-12-16, 01:18 PM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-13-16, 08:46 AM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-18-16, 08:22 AM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-20-16, 01:46 PM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 01-22-16, 07:59 AM |
Re: كميونة الدراويش | ودقاسم | 04-04-16, 07:40 PM |
|
|
|