أستاذ صديق عباس الذى ختم رحيله 11- يونيو 2015 أحداث 131 عاما من مسرد التأريخ الغنائى و الموسيقى السودانى –حسب ورودها فى الجزء الثالث من موسوعة معاوية حسن يس - كما لايخفى هو أقدم الرباعى (الكردفانى ) من الحناجر الدهبية حسب طلوعهم فى عهد ناس وردى وكابلى و الجابرى وهدك من عهد وهم حسب الترتيب ظهور ذاك عهد رهيب جدا صديق عباس ( لم يترجم له المؤلف ) إبراهيم موسى أبا (ترجم له المؤلف فى ج3 ) ،عبدالقادر سالم ( لم يفرد له المؤلف ترجمة خاصة لكن توقف عنده فى أكثر من باب و وظفه كمرجع ) و عبدالرحمن عبدالله ( ترجم له المؤلف فى ج3 ) وكفي . هذا الرباعى السحري قبل عقود من تحديق أستاذنا صديق عباس فى الموت و ملته تتأهب لصوم طويل إستطاع عبر السحر والجمال الحناجر العسجدية دون حمل بنادق وكلاشات ودانات ونهب مدن وترويع ساكنيها بحجة التهميش إستطاع بقوة وثقة وضع غُنا وفن كردفان ورقصها من هسيس وجرارى وكرير (بالحلقوم ) و مردوم وإيقاعات شهيرة خاصة بكردفان كفضاء نغمى سحرى على طاولة وأثير (هنا أم درمان ) ليسمعه كل الوطن ويمنحه (السميعة ) بكافة قبائلهم جواز مرور كفن سودانى يرتفع بقوة إلى فن ناس حسن عطية والكاشف واحمد المصطفى وعثمان حسين وحقيبة ناس كرومة وسرور و ود ماحى من قبل وهو الفن الذى يوحد مشاعر السودانيين من نمولى لحلفا ومن شيخ برغوث إلى جنينة السلطان تاج الدين قبل خارطة نيفاشا التى مهرها تجار الحرب بتلك الأقلام الأسنه و الأيدى الأثمة – حسب مصطلح سارتر توهذا باب قبيح جدا . أستاذ صديق عباس فنان مرهف الحس رقيق الشعور عالى القيمة فى ميزان وطنه الفنى حين يقاس بمعيار محايد فهو من طبقة نادرة جدا فى الفن السودانى تجمعه بأساتذتنا الأجلاء محمد وردى ، محمد ميرغنى ، عبدالقادر سالم ، الطيب عبدالله والكمنجاتى الاكبر أستاذ على ميرغنى والكمنجاتى الراحل عبدالرحمن عبدالله حيث جميعهم من رواد مهنة التدريس بالسودان القديم حين كان المُدرس يعامل فى المجتمع بدرجة عالية جدا من الإحترام و التجلة وقد صدحوا بالحنجرة مثلما أمسكوا بالطباشير عليه سما فنهم بقوة و وقار وعاش بيننا خاصة أن المدرس بطبعه يعاف الركاكة والمساخة وقلة الأدب و المسخرة فى الحياة عموما والفن خصوصا ذاك قبل سيطرة ( البذاءة على مفردات الغناء السودانى ) هذا من حيث المهنة التى إمتهنها أستاذ صديق عباس و أقرانه النادرين . من حيث الصوت ورقته وعذوبته يجتمع صديق عباس مع ثلة نادرة من الصوادح السودانية تحديدا الجابرى ، محمد مسكين ، محمد حسنين و عبدالله الكردفانى ومحجوب عثمان و خليل إسماعيل عبر تلك الرقة والدعة والهمس والجمال الخلاب فى حناجرهم التى يصعب تصنيفها لكنها جميعا تاسر القلب وتجرحه. على مستوى الجغرافيا والديموغرافيا صديق عباس رغم سودانيته يعتبر معلما حضاريا بارزا فى لوحة النهود على مستوى أجيال عديدة حيث يكاد لايذكر إسمه حين يرد ذكر هذه المدينة الملهمة ذات التكوين الديموغرافى والطبقى والإثنى الفسيفسائى الموجب رغم غلبة قبيلة الحمر ( بفتح الحاء ) عليها كصاحبة للنظارة عبر منعم منصور وعياله علما أن تراث هذه القبيلة النغمى وهو من أرقى وأقوى تراث النغم بالسودان القديم ( وربما الجديد ) قد هاجر بقوة إلى مجمل فن صديق عباس وعبره وصل لكل (أضان نضيفة ) بكافة الوسائط تحديدا روائع مثل ( طالت بيك المُدة وغنت ليك أم قُجة زولا أب سن فُضة مالو السلام مابردا ) و غيرها من تراث قبائل كردفانية مجاورة كذاك التراث النغمى المذهل جدا الذى طوره شاعر كردفان الغنائى الأكبر عبدالله الكاظم مثل أغنية (الالايا ) وغيرها إلى جانب أغنية شدا بها أكثر من مطرب كردفانى مثل (الكباشى كان برضا الليمونى يوصلنى ود بنده الليمونى ) وغيرها . على المستوى الخاص (حس )صديق عباس تحديدا كلما أسمعه فى اى (حتة ) اكون بها بالداخل أو الخارج برجعنى بقوة عبر أكثر من حاسة إلى فترة الصبا والطفولة بأرض ميلادى المجلد ( القديمة ) تحديدا حين كان يفد صديق فى معية فرقة فنون كردفان معهم مغنية من أبيى كانت تقطن فى الأبيض إسمها عشة متيانق كانت تغنى بلسان الدينكا المبين إلى المجلد ليحيوا حفلات فى مدرسة البنات أ تسبقهم (عربية ) للدعاية تبث أغنياتهم وتجوب كل شوارع المجلد (القديمة ) وكنا كصبية نطارد هذه العربية دون أن نكل . ينقلنى صوت صديق عباس عبر أكثر من حاسة إلى روائح ومذاقات ومناظر كانت جزءا من الطبيعة التى نعيش معها من شجر وصفق شجر ورائحة بعر بقر وحمير وصمغ وطيور كالكنجو وابوالرهيو والوزين خاصة حين أسمع أغنياته الكبرى بلهجات كردفان مثل : 1- مطر الرُشاش. 2- نركب اللوارى 3- البتولا حلاتا يا زولا . لصديق عباس الرحمة والمغفرة ومثلها لموسى أبا وطول العمر لعبدالقادر سالم و ودباره . نسمع الالايا (انتبهوا لكمنجة محمدية ) القديمة صديق عباس الذى رحل مؤخرا يندرج بقوة عن جدار داخل أرفع طبقة للصوادح السودانيين من كافة العهود وهى طبقة ناس أحمد المصطفى وحسن عطية والكاشف والتاج مصطفى وعثمان حسين والشفيع وناس وردى وسيد خليفة ورمضان حسن وكابلى و ودالبادية و عركى (بتاع مدنى ) واللحو وزيدان والجابرى وعبدالرحمن عبدالله وهى طبقة صارت ناديا مغلقا لن نسمح بدخول صوت جديد إليها . صديق عباس ك (أفندى ) قديم من أكثر الصوادح السودانية تأنقا بذات نهج إبراهيم عوض (بتاع حى العرب ) على وجه التحديد كذلك صديق عباس كوجه وملمح من أكثر المغنيين السودانيين وسامة (رجولية ) بذات مظهر الجابرى وزيدان وصلاح مصطفى و ودالبادية . من كل أعلاه تشكلت صورة صديق عباس له الرحمة فى مخيلتى فتأمل .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة