على هامش مشاركة وزير الخارجية السوداني في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أجرى الوزير السوداني محادثات مطولة مع المسؤولين في الإدارة الأميركية استمراراً لحوار كان قد دار في الخرطوم مع المبعوث الأميركي الخاص للسودان أملاً في الوصول إلى تفاهمات حول قضايا أساسية تجد اهتماماً كبيراً من الحكومة لأنها تطمع في إعادة تطبيع العلاقات بين البلدين ووضع حد للعقوبات الأميركية الاقتصادية المفروضة على السودان منذ سنوات والتي أرهقت الاقتصاد السوداني ورفع اسم الدول من قائمة الدول الراعية للإرهاب ورغم تجارب الحكومة السودانية مع الإدارة الأميركية في هذا الصدد التي لم تحقق اختراقاً في هذه الأجندة كانت الحكومة السودانية تنخرط في مفاوضات دون أن تبالغ في توقعات نتائجها، وكل تلك المفاوضات السابقة لم تحرز تقدما ملحوظا ولكنها هذه المرة أقدمت على المحادثات السودانية بقدر كبير من التفاؤل ورفعت سقف توقعاتها معتمدة على أنها تفاعلت بصورة كبيره مع المواقف الغربية والأميركية في مواجهة الإرهاب وفي الوقوف ضد داعش بمنع تحركهم عبر السودان كما تجاوب السودان مع الخطط الغربية لوقف سيل المهاجرين لأوروبا عبر الأراضي السودانية ودعم التحالف العربي في وجه التمدد الإيراني بإرسال جنوده لليمن، وأن هذه المواقف الرسمية السودانية ينبغي أن تجد اعترافاً من أميركا ومن الدول الغربية في تعاملها مع السودان، خاصة أن الحكومة أخذت زمام المبادرة في طرح مشروع للحوار الوطني على أمل حل الأزمة الداخلية، وأن ذلك الطرح وجد دعماً أميركياً وإن لم يسفر حتى الآن عن حوار حقيقي – ولكل هذه الأسباب أقدمت الحكومة السودانية على التفاوض مع الولايات المتحدة هذه المرة بقدر كبير من التفاؤل. لقد دارت المشاورات الأميركية السودانية الأسبوع الماضي في نيويورك، وحرص الجانبان على تجنب تسريب معلومات حول تفاصيلها أو الإدلاء بتصريحات متعجلة حولها وقد تركزت المطالب السودانية على ضرورة تخفيف حدة المقاطعة الأميركية إلى أن يتم رفعها نهائياً، وأثار السودان بصفة خاصة قضية التحاويل المالية لحصيلة الصادرات السودانية؛ إذ إن المقاطعة الأميركية لم تمنع البنوك الأميركية من التعامل المصرفي مع السودان فحسب بل طال المنع أغلب البنوك العالمية بسبب العقوبات المالية الكبيرة التي تفرضها أميركا على أي بنك يتعامل مع السودان – ويبدو أن الجانب الأميركي ما زال يعتبر أن مستقبل العلاقات الأميركية مرتبط بقضايا عديدة ويجب إحراز تقدم فيها جميعا حتى يمكن الحديث عن تطبيع كامل العلاقات، ولكننا نعتقد أن المحادثات الدائرة الآن قد تؤدي إلى تخفيف حدة الحصار المصرفي للتحويلات المالية كما قد يؤدي –أيضاً– إلى بعض الاستثناءات في المقاطعة التجارية وتفعيل الاستثناءات السابقة كبادرة لإظهار حسن النوايا. لقد آثر الوفد السوداني ألا يصدر أي تصريحات حول مسار المفاوضات وفضل أن يأتي التصريح من الجانب الأميركي وقد صدر بيان أولي يوم الثلاثاء الماضي عن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي حول هذه المحادثات رحب فيه بتعاون حكومة السودان مع الولايات المتحدة في مجال محاربة الإرهاب ومواجهة تنظيم (داعش) في الأشهر القليلة الماضية ومنع حركة الداعشيين من وعبر السودان، واعتبر تعاون السودان في هذا الإطار تعزيزاً للجهود الدولية في مكافحة الإرهاب، ولكننا نعتقد أن الفقرة الثانية في بيان الناطق الرسمي هي الأكثر تعبيراً عن الموقف الأميركي وقد جاء فيها: «إن المواجهة مع الإرهاب هدف مهم بالنسبة للولايات المتحدة إلا أننا نتواصل مع حكومة السودان حول قضايا حقوق الإنسان ومعالجة النزاعات الداخلية ومخاطبة الاحتياجات الإنسانية وتحسين الاستقرار الإقليمي وإحداث تقدم في الحريات السياسية وفي المساءلة والمحاسبة والمصالحة». ولا بد أن تقرأ حكومة السودان هذه الفقرة جيداً قبل أن تسرف في التفاؤل، فإن التطبيع الكامل مرهون حسب الرؤية الأميركية بأجندة متعددة الجوانب تنشد تغييراً كاملاً لا يبدو أن الحكومة السودانية مستعدة له الآن!!;
العنوان
الكاتب
Date
إلى أين تقود المحادثات السودانية الأميركية؟ مقال لمحجوب محمدصالح
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة