لم نكتب هنا فى الأسابيع الفائتة. فتلك أجواء كانت تسود فيها روح عصابية غير متسامحة على الإطلاق. للأمانة فأن نصل التخوين والتهاون، كان سيجهز على أى رأي خارج تغريد سرب طيور الزينة الأسفيرية.
وقد قلت من قبل أن بعض اخوتنا فى الداخل هنا، امتهنوا تجارة بيع الأحلام للإخوة خارج الحدود . وهذا لايعنى أبداً إقصاء أصدقائنا فى الخارج عن الدور الوطني فى التغيير. لكن بالضرورة يجب أن لانلغي شرط المعايشة اليومية وواقعها وتحولاتها، أى صلتها الموضوعية بين الفرد ومحيطه، وكيف ينتج الوعي اليومي، رؤيته وافكاره، ويصنع تجاربه فى خضم الواقع المعاش وتقلباته.
فى خضم الدعوة للعصيان، وهى قطعاً كانت دعوه مؤثرة، ولن تقف عند هذا الحد، وإنما حركه مقاومة تحكمها طبيعة التراجع والتقدم فى وعاء من التراكم والخبرات يضاف الى ماسبقه، كتب أحدهم وبدوافع نبيلة، وبشكل دعائى جميل، يوصي الناس فى الداخل بشراء احتياجاتهم قبل إعلان العصيان. وكانت تشمل قائمة طويلة على ذلك المعتصم أن يجلبها من البقالة قبل ان ينوي أعتصامه فى اليوم المحدّد للعصيان المدني. لابأس فى هذه الدعوة النبيلة التى تحاول ان تجنِّب الناس المشقّات.
لكن علينا أن نضع في اعتبارنا، أن الذهاب لشراء الحاجيات هذا فى سودان اليوم من أكل وشراب لثمانين فى المائة من الشعب السوداني، يكون فى أخر المساء ،بعد كدٍّ وجهد كبير فى بحر النهار وحتى أطراف المساء.
إن الإنقاذ ياسادتنا الكرام، أفقرت غالبية الشعب السوداني. وصارت تكلفة البقاء فى المنزل ليوم باهظة على حياة الأفراد .يوم واحد فقط تتساهل فيه الكشات مع متسولي الخرطوم وشحاذيها وسيفشل أى عصيان من تزاحمهم. مئات الألوف من سائقى الركشات فى شوارع العاصمة المطلوب يخرج كل واحد منهم برقم إيراد يومي محدّد يذهب إلى جيبه مبلغ مائة جنيه، وباقى المبلغ لمالك الرقشة الذى يطلق عليه أسم (الجلابي)، أظن أن مبلغ المائة جنيه هذا يساوي أربعة دولارات.
العصيان للنخب السياسية الناشطة فى الواقع وفى الاسافير، هو حركه مقاومة سياسية عالية الوعي والتدابير والاتصال. لكنه لغالبية الشعب السوداني هو لحظة تمكين لخصم سئ السمعة اسمه الفقر فى أن يضيف الى رصيده يوماً من أيام الأسبوع.
سترون فى ذلك اليوم السيارات فى شوارع الخرطوم، الرقشات والباعة والزحمة فى الطرقات. ولايغرّنك هذا المشهد حين تبحث عن تمايز طبقي، بين كل أولئك البشر الذين يزاحمهم الإرهاق فى شوارع الخرطوم. فكلهم فى الفقر سواء. فقط أختلافات نسبية يبديها لك المظهر والهيئة، لكن أولئك الساعين نحو الهتاف والضجيج، العالقين لأقصى حدٍ فى وهم الإعتداد بالذات المعومين بالتجارب الفقيرة، يتحاشون جداً هذا السؤال وطرحه فى سياق مشروع المقاومة.
وهو سؤال الطبيعة الطبقية للنظام ، التي حوّلت الثروة الى جانب القلة من الطبقة الطفيلية الجديدة، والفقر الى الجانب الآخر، حيث الشعب الذي يدبّ فى الأرض وكانه أصم وأعمى، اٍلا من نداء البطون والمسغبه المقيمة.
لم تلتفّ الحكومة على العصيان ودبّرت لإفشاله، لكن الفقر كان العامل الأول والوحيد فى فى عدم نجاحه.
*حاتم الياس، نقلاً عن "سودانفوراول"، نقلاً عن صفحته الفيسبوكية.
12-31-2016, 05:06 PM
Yasir Elsharif Yasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 49028
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
osama elkhawad
Yasir Elsharif
عبدالحفيظ ابوسن
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست