كُرنك أم خير

الفاتح جبرا .. في ذمة الله
نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب د. الفاتح يوسف جبرا فى رحمه الله
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 09-23-2024, 08:32 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-07-2016, 06:38 AM

انور الطيب
<aانور الطيب
تاريخ التسجيل: 10-11-2003
مجموع المشاركات: 1970

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
كُرنك أم خير

    " ما دمت تظن الحلم رسولا للأشواق/ ما دمت تخبئ عن زهرة عمرك هذا الفيض من الإشراق/ما دمت تلوذ بدنيا الصمت وتأبى أن تقرب حد البوح وتقنع بالحلم /فالحلم حدود أراضي الضعفاء" الأديب محمد صديق الكوتش
    إهداء
    إلى كل الغلابة والمساكين في هذه البلاد وبلاد العالم أجمع من الأطفال والنساء والرجال الذين لا يملكون شيئا ويعطون كل شيء ، قلوبهم صافية ، نياتهم صادقة ، يعيشون من أجل السلام ويموتون لأجل الكرامة
    "كُرنك أم خير ... أنور الطيب المهل
    "المُدلل كيف نسايرو ... سمحة تحت التوب مسايرو ..."
    بهذه الأبيات الشعرية ذات الموسيقى الراقية ابتدر زميلي كلامه وهو يستمع لأغنية أبوعركي البخيت " الجميل السادة وضاح المحيا ابتسم يوم شفتو ما قبلان تحية ... من دلالو والله مالو "- ونحن في الطريق إلى كُرنك أم خير - تنهد زميلي وهو يتمتم بالأبيات السابقة .. هذا ما يعجبني في السفر مع السودانيين إذ من السهل جدا إقامة صداقات و إيجاد مواضيع مشتركة لمواصلة المشوار الطويل.عندما تُخبِر أحد اصدقائك أو أحد افراد أسرتك بأنك مسافر إلى منطقة لم يسافر إليها أحد معروف لديهم في زمن قريب أو منطقة كانت تعاني من آثار حرب ضروس، تنتابهم المخاوف لأسباب عدة ولكن تنتهي هذه المخاوف بالدعاء لك برحلة موفقة وعودة سالمة. هذا الدعاء هو دائما زادي في مثل هذه الأسفار..
    كانت رحلتنا هذه المرة في مهمة إنسانية مختلفة إذ أنها قررت بشكل سريع، يومٌ ونصفٌ كانا كافيين لإكمال كلّ الإجراءات اللازمة للرحلة . بدأت رحلتنا من الخرطوم إلى كادوقلي ، من مطار الخرطوم ركبنا طائرة صغيرة خصصت لهذه الرحلة وكان فيها كل الوفد المسافر الذي يتكون من اثني عشر شخصا، بعد إكمالنا للإجراءات، بدأ مساعدالطيّار بإعلامنا بزمن الرحلة ، الإرتفاع الذي تحلق عليه الطائرة ، وكيف تتدلى أنابيب الأكسجين عند إنخفاض الضغط داخل الطائرة،ووجه كلّ شخصٍ منّا بمساعدة نفسه أولاً ومن ثم مساعدة جاره عند حدوث الطواريء- هذا إن كان محباً لجاره- وإن لم يكن كذلك فليتركه يذهب إلى الجنة أو الجحيم ..أتبعها بضحكة ، ثم قال بعدها ممازحاً أيضا تعرِفون أنّ التدخين ممنوعٌ في هذه الطائرة ومن يخالف هذه التعاليم سوف ألقي به من النافذه ، ضحك الجميع وبدأت الرحلة بسلام من الخرطوم إلى كادوقلي. مثل هذه المداعبات من مساعد الطائرة تخفف كثيرا من الضغط على المسافرين في ظروف قاهرة. تذكرت حينها رحلتنا قبل عامين من الجنينة إلى زالنجي في طائرة عمودية ،قال مساعد الطيّار بعد إيضاح وسائل السلامة وزمن الرحلة وغيره ، قال: في هذه الرحلة تقدم خدمات راقية ووجبات ساخنة ، حينها تهيأنا لتناول وجبة دسمة ولكنه قال بأننا لا نستطيع تقديمها على الدوام لعدم وجود مضيفة تقوم بهذه المهمة . ضحك الجميع ضحكة أنستهم أصوات المحرك العالية .وصلنا إلى مطار كادوقلي بعد ساعة ونصف تقريبا ، مطار كادوقلي مطار صغير ولكن يفي بحاجة المسافر وخاصة في التبديل من طائرة إلى طائرة أخرى في مدة لا تزيد عن الساعة .
    كادوقلي مدينة جميلة ملتاعة تحفها الجبال من كل النواحي، عندما زرتها المرة الفائتة قبل ثلاثة أعوام كانت الحرب فيها مشتعلة والمشاكل فيها كثيرة ، أذكر أنني كنت في يومِ عملٍ عادي ، عندما أردت الذهاب من المكتب إلى الوزارة نصحني زملائي بالذهاب بالعربة رغم قرب المسافة ورفضت ذلك وذهبت راجلاً ... مررتُ بروضةٍ للأطفالِ يلبسون ملابساً بيضاء من الأعلى وحمراء من الأسفل ، جذب إنتباهي الأطفال وهم ينشدون النشيد الوطني بصوتٍ مرتفعٍ ، ما أحلى الأطفال وهم ينشدون نشيد العلم ، إذ أنهم ينشدونه بكل جدية تفوق جدية الرُتب العليا في القوات النظامية.
    " نحن جند الله ... جند الوطن ...
    إن دعا داعي الفداء لم نخن ...
    نتحدى الموت عند المحن
    نشتري المجد بأغلى ثمن" ...إلى آخر النشيد.
    بين أطفال الروضة لا يوجد مزح أثناء أداء النشيد الوطني ويراقبون بعضهم مراقبة لصيقة تمنع الفوضى والإنفلات أثناء الأداء.هكذا الوطن إما أن تحبه وتتعايش معه أو أن تبغضه وتتركه إلى أوطان أخرى... ليت ساستنا يتعلمون من هؤلاء الأطفال معنى الإخلاص وحب الوطن ... أشعر بالأطمئان الشديد عندما أرى مثل أولئك الأطفال يدرسون ويتعلمون وأنا في هذه الحالة مندهش لأداء الطلاب للنشيد الوطني ، إذ بطلقات عنيفة تصدر من مكان في السوق بالقرب من المدرسة فيهرول الأطفال في اتجاهات عدة كعقد من الياقوت تناثرت أجزاؤه في أرضية من البلاط أو البورسلين مع أصوات تعبر عن الرعب الشديد. لا يوجد مصيبة تعادل مصيبة خوف الأطفال ، ولا يوجد جريمة تعادل جريمة إرهاب الأطفال ، لم أدرِ ماذا أفعل وكيف سأساعد هؤلاء الأطفال ... يبدو أنّ منازلهم قريبة أو أنّ كل طفل يعرف إلى أين يذهب ولربّما اعتادوا على هذه المناظر ولربما فقدوا أسرهم إلى حين أو إلى الأبد ... لا أدري ،كلما ما أدريه أنني وقفت عاجزاً عن مساعدتهم ، ما هي إلا دقائق معدودة وتم الاتصال بي من قِبَل مكتب الأمن والسلامة بالمكتب بأن أعود بسرعة إلى مكتبي... مشيت مستترا بالحائط إلى أن وصلت إلى المكتب وأصوات الطلقات ما زالت مستمرة ..عند وصولي للمكتب أطمأن عليّ الجميع وبدأت الإتصالات على الراديو كله تُنبئ الجميع بأنّي عُدت سالما إلى المكتب.
    وجدت زميلتي نادية داخل المكتب منهارة ، وكان همُ الجميع في من هم خارج المكتب ليطمئنوا على عودتهم للمكتب لا من هم بداخله فهم آمنون ... أو كما يظنون ... لم أرَ في حياتي إنسانا منهارا بهذا الشكل ، مثل نادية، وأنا أحاول طمأناتها ولكنها لا تعبأ لأي محاولة مني وظلت حالتها تزداد في الإنهيار ملاحظا ذلك من كلماتها التي يبدو أنها محاولة منها للتعبير عن خوفها بكلمات غير مفهومة، إنه الخوف ... ناديت بصوتٍ عالٍ على حواء الفرّاشة التي اعتادت على تنظيف المكتب لنا وتقديم الشاي والقهوة في الصباح . حواء إمرأة بسيطة ولكنها واعية تقدر وظيفتها وتهتم بإنجاز أعمالها بتفان وإخلاص ، ما أكلت حراما يوما واحدا ولا أطعمت أولادها لقمة غير كدها أو لقمة مشكوك في أمر حلها .. قامت حواء بأداء دورها في إخراج نادية من حالتها وإستعادتها لوضعها الطبيعي بأفضل مما يمكن أن ينجزه أمهر طبيب نفسي في الدنيا ، إنه العناق ، العناق الصادق الذي يعبر عن القرب ، الدفء ، الإخاء ، وحدة المصير وعلاقتنا بالله ، نحن أقرب إلى الله في هذه الظروف، لا يوجد جمال لهذه اللحظة سوى قربنا من بعضنا وقربنا من الله ..
    الإنسان أيام المحنة أصفى ما يكون ، أجمل ما يكون ، أنظف ما يكون ، الإنسان أيام المحنة يعود كطفل رضيع لم يتلوث بخَبث الدنيا ... شعرت بالراحة ولكن كان قلبي مع الأطفال الذين فشلت تماما في تقديم مساعدة لهم ... ولكن الله كفيل بهم ، ولا يوجد شيء يمكن أن ينخر من رجولة الرجل غير عجزه عن مساعدة الأطفال أو النساء عند حاجتهم لذلك وإن أصابهم مكروه فلعنتهم ستصيب من أوقدوا نار هذه الحرب اللعينة ومن كانوا سببا فيها ... لم أكره شيئا ككراهيتي للحرب ، حتى لم أعد أحتمل نزاع شخصين أمامي.. بعد أن عادت نادية لطبيعتها اتصلت هي بزملائي في الخرطوم وقالت لهم بأنها قد ساعدتني وأخرجتني من لحظة إنهيار فظيعة ، ضحكت كثيرا لقولها وهكذا الإنسان عندما يعود لوضعه الطبيعي ينسى بأنه كان بريئا يوما ما وهو ينشد نحن جند الله جند الوطن ، إن دعا داعي الفداء لم نخن ..
    كادوقلي لا أدري معنى لهذا الاسم ولا أصله لكنها مدينة خضراء محاطة بالجبال ، أرضها خصبة وتكاد تلحظ الحشائش على رأس المنازل ، أهلها طيبون ولكن قد لا يأتيك هذا الانطباع من أول مرة إذ أنهم جادون في التعامل مع الأشياء ولا يكثرون المزح خاصة مع الأغراب ، ربما يعود هذا للطبيعة الجبلية للمنطقة أو ربما للمعاناة التي عاناها أهلها في العقود الآخيرة ، ولكن حين تتوطد علاقتك معهم ينفقون كل شيء من أجلك ويكسبون رضاءك بأي ثمن ، ليس طلبا لشيء سوى المودة والمحبة والصداقة...
    زميلنا ميرغني ، سائق ماهر ، تدرب ليعمل في مناطق الطوارئ ، من أبناء الدلنج تجاوز الخمسين بقليل ولكن عمره البيولوجي أقل من ذلك بكثير، ببساطة لأنه يحسن فن الأكل والرياضة ، كان غالبا ما يأتي بعد إنتهاء الدوام ليرجعني إلى المنزل فنتبادل أطراف الحديث ، ميرغني رجل أنيق ، إن سئلت في تخمين مهنته فسوف ترجح بأنه مدير بنك من البنوك الكبيرة ، خاصة في المساء ، بنطال أزرق جميل وقميص أبيض ذو ياقة عريضة وربطة عنق زرقاء مخططة بالأبيض ، طول مناسب ، قوام متناسق ، مشية هادئة ، لا يتسرع كثيرا في الكلام ولكنه عندما يجد فرصته فإنه يوظفها لذكر أمجاده الكروية ومغامراته الشبابية ويفاجئنا بأنه يريد الزواج من أخرى ، طالبة بالجامعة ، سألناه نحن مباشرة أهل البحر كما يقول لنا ميرغني نفسه – سألناه- إن كانت زوجته الأولى موافقة ، ضحك وقال هي من اختارتها له ، تعجبنا أنا وزميليّ معتصم ومحمد فقال إن لم تكونوا مصدقين فلتذهبوا معي إلى المنزل، أصر على أن نرى صورة زوجته الثانية ، فكانت جميلة كما قال ، واصلنا شرب القهوة معه. في كردفان ودارفور ، الزواج الثاني مفخرة للرجل والزوجة الأولى وللأبناء فهو دلالة على أن الرجل له مركز ومال وقرار. تذكرت بعدها عندما دعيت في زالنجي قبل أعوام في " الضرا" وعندما علموا أنني الوحيد بينهم المتزوج بإمرأة واحدة ، قالوا لي : لولا أنك ضيفنا لكان من المفترض عليك خدمتنا أثناء تناولنا للطعام.
    ترجلنا هذه المرة حتى وصلنا الطائرة العمودية التي سوف تحملنا من كادوقلي إلى دِفرة، طائرة قادرة على حمل عشرين شخصا بأغراضهم ، على طرف الطائرة تتدلى واقيات للسمع كبيرة الحجم من الضوضاء. الرحلة من كادوقلي إلى دِفرة لا تستغرق الساعة ، الأرض منبسطة وبها كثير من الأودية والغابات ، الأودية تتلوى كثعبان ضخم التهم فريسة محاولا هضمها في يوم بارد . الأودية في السودان كثيرة ولكن أهمها في هذه المنطقة وادي أبو حبل الذي يأتي من مسافة بعيدة ليعانق النيل الأبيض ، الوادي هنا حياة للرعاة ولاهل الزراعة.
    دِفرة منطقة جميلة ، كانت بخير قبل حفر آبار النفط فيها ، الغابات تحيط بها من كل جانب عدا الكرانِك التي تُنزع لها بعض الأشجار ليسكن الناس فيها ، ما أجمل الغابات في دِفرة، أشجار مختلفة اللون والطول والشكل والوظيفة وكأنما خلقت هذه الأرض للتعايش بين كل مكوناتها. أشجار متنوعة وجميلة ، الطلح ، الصهب ، العرديب ، الخروب ، وغيرها الكثير ، كل إنسان هنا يدرك أهمية كل شجرة ، الطلح كحمام بخار لا تستغني عنه النساء المتزوجات ، أو الأطفال المرضى بالإسهال والرطوبة . الصهب سيقانه تصلح أعمدة للكرانك " القطاطي" ، العرديب والخروب مانعة لأمراض الدم والبطن في بلد تنعدم فيه الخدمات الصحية الأساسية .
    شاهدنا أسرابا من الطيور الجارحة تطير مسرعة من مهبط دِفرة، معظمها طيور مهاجرة جاءتنا من أصقاع بعيدة وباردة ، تطلب دفئا في منطقة غاب الدفء عن إنسانها بهمج الساسة ودناءتهم. طيور جارحةٌ تتغذى على أبقارٍ نافقةٍ تَركت وجبتها لتفسح الطريق لطائرتنا العمودية ، حمدنا الله أنها لم تضل طريقها إلى محرك الطائرة ، عبث هواء مروحة الطائرة العمودية بكل شيء حوله ، تطايرت أوراق الشجيرات كأطفال الروضة في كادوقلي وتلوت سيقانها كإمرأةٍ في مخاضها الآخير.
    الطيور كائنات عجيبة ، تسير في مجموعات يقودها طائر يوجهها بشكل واضح وتتبعه بشكل عجيب ، تتحرك على شكل مسبعات ومثمنات قال أهل الطاقة أنها تحميها من ضغط الهواء وتساعدها في سرعة الطيران دون الحاجة لبذل جهد كبير . كل أنواع الطيور تكاد تراها في هذه المنطقة ، الحبارى ، الرهو ،القماري ، حتى الطير " الخداري" بلونه الأخضر الجميل وريشه الناعم الأملس.
    البيت الذي استضفنا فيه بيت كبير محاط بسور من القش به ثلاث مداخل مفتوحة لايوجد بها أبواب وتسمح بدخول الهوام والدواب والكلاب دون مانع يذكر. مجموعة من الكرانك موزعة بانتظام على نواحي المنزل بأعمدة من حطب الصهب ومغطاة بالقش من كل الجهات مع فتحة تزيد عن المتر تسمح بدخول أي شخص متوسط الطول مثلي بشيء من الصعوبة. على أطراف المنزل توجد غرف مزدوجة بسقف مفتوح يطل على السماء دفن في احداها برميلين ملتحمين من الحديد نزعت أغطيتها من الأسفل وفتحت فتحة صغيرة من أعلى تسمح باستقبال الفضلات الناتجة عن العمليات الايضية المختلفة بينما ثبتت الأغطية المنزوعة من البراميل على الغرفة الأخرى لتقوم مقام البورسلاين والسيراميك في الحمامات الحديثة.
    الكُرنك حضن دافئ لأي خائف من البرد ، تمنيت لو امتلك محمد بهنس هذا الكُرنك الذي بلا شك لن يمنع عنه قدر الموت ولكن بالتأكيد كان سيمنع عنه خطر البرد. منطقة دِفرةيطلق عليها اسم الدائر الجنوبي الذي يضم حوالي الثلاثين قرية وكل قرية تتكون من مجموعة من السكان ، غالبية سكان المنطقة من المسيرية الرحل وتتراوح أنشطتهم بين الرعي والزراعة ، كعامة قبائل البقارة ، للأبقار النصيب الأكبر من الرعاية مع قليل من الأغنام. الكلاب لايخلو منها بيت وهي الصاحب الوفي لقطعان الأبقار المختلفة في هجرتي الخريف والصيف. الهجرة إما إلى اتجاه بحر العرب جنوبا أو إلى عكسه شمالا ، أيا كانت فإنها رحلة للمعاناة من أجل الحياة ، يعاني فيها الجميع من رجال، نساء وأطفال و دواب ولكنها الحياة التي اعتادوا عليها دون الشكوى إلى أحد ، الكل ممتن لخالقه ويحمده.
    الإنسان هنا متصالح مع نفسه ومع البيئة ، إكرام الضيف صفة أساسية لكل إنسان في منطقة دِفرة، ماذهبنا إلى منطقة إلا وقدمت إلينا وجبات ساخنة من اللحوم والأرز ، النساء هنا طباخات رغم أنهن لا يستعملن كثيرا من البهار أو عصير الطماطم ، لن يقبل أحد بأن لا تأكل عنده ولا يوجد ترتيبات خاصة لمرضى السكر أو البطن ونصيحتي لهم بأن يتسلحوا بالأدوية المناسبة وفي حالة العدم فإن الحلبة والحرجل والخروب والقرض ستفي بالغرض.
    التعليم مشكلة كبيرة وأغلب الأطفال ينقطعون عن الدراسة لأسباب كثيرة أهمها ضيق ذات اليد والطبيعة غير المستقرة للرحل الذين لا أظن أنهم مشمولون بجدية في خطط الدولة ، البنات أكثر عرضة للخطر إذ أن معظمهن يتزوجن وهن في سن صغيرة ويعانين معاناة لا يشعر بها أحد سواهن ، ربما تنتهي حياتهن بأول مولود يضعنه .
    أما الصبيان فبالإضافة لانشغالهم بأعمال الرعي والزراعة فإنهم وقود كل الحروب اللعينة رغم معارضة الآباء لذلك وخاصة الأمهات إلا أن العرف والفراغ يحتم عليهم ذلك ...
    أستاذ عبد الكريم من أبناء الأبيض أتى إلى دِفرة من أجل النهضة بالتعليم ، بكى بأدمعه عندما وصف لنا حال المدارس والطلاب ، بكى لأنه فشل في أن يقوم ما يمكن أن تقوم به دولة ..وقال كلمة لا يمكن أن تمحى من ذاكرتي وهو أن الإستثمار الحقيقي لأي دولة ناجحة هو تعليم أبنائها وبعدها سوف يندحر التخلف وتتوقف الحروب وتزدهر الدولة .
    في اليوم الآخير من رحلتنا أصر عمدة أم خير على وداعنا ، وداعا يليق بضيوف محترمين كما قال ، رغم أنه غير راض عن الخدمات التي تقدم لهم من أي جهة ولا يثق في أي جهة كانت إلا أنه قال أن الواجب يحتم عليهم احترام الضيف وإكرامه ولا يجب أن يخلط الناس بين عدم رضانا وبين إكرام ضيفنا ، إنها معادلة صعبة لا يمكن أن يفهمها أي شخص إلا شخص خبير ببواطن النفس البشرية. رفض قائد المجموعة تلبية الدعوة إلا أننا أقنعناه بأن هذا التصرف يعتبر إستفزازي لهذه المجموعة وقائدها ومن الحكمة إحترام تقاليد وثقافة الآخر كما أن هذا مبدأ إنساني في المقام الأول ويتماشى مع ما جئنا من أجله ..
    بعد صلاة الظهر، بدأ الإحتفال ، إحتفالا مهيبا قرعت فيه الطبول " النقارة" ورقص فيه الجميع ، شيبا وشبابا ، نساء وأطفالا ، لكن كان للشباب الحضور الأكبر ... مجموعة من الشباب تقرع الطبول بعصي أسطوانية كأنما صنعت لهذا الغرض على طبول شد جلدها شدا محكما .ولد شعره كثيف ، يمسك بمنديل أحمر على يديه ليجفف به العرق المتساقط من جبهته ، يتبختر في الحلبة كصقر جامح امتلك الفضاء الذي يمشي فيه ، يؤشر برأسه تأشيرة خفيفة على بنت أعجبته فتصحبه كمسمار صغير من الحديد تأثر بمغناطيس ضخم وكبير. يقترب الولد من البنت تارة على خطوط مستقية ومرات أخرى على شكل أقواس ودوائر .. رقص عنيف وجميل ، أجسام متناسقة ومترابطة ، البنات يلبسن ملابس زاهية وجمالهن جمال طبيعي لا مكياج فيه ، بعضهن انطبق عليهم كلمات زميلي في السفر " المدلل كيف نسايرو سمحة تحت التوب ضفايرو". حاول أحد زملائنا الرقص لكنه لم يستطع لإنعدام طاقته مقارنة بهؤلاء الشباب ، ضحكنا عليه كثيرا ...
    أثناء ذلك قدمت لنا وجبات ساخنة من الأرز واللحم المطبوخ طبخا جميلا خلا من الزيوت والصلصة الزائدة ، ذهبنها بعدها إلى بيتنا المتكون من مجموعة كرانك وتحركنا في الصباح الباكر إلى مطار دِفرة في رحلة العودة إلى كادوقلي ومن ثم إلى الخرطوم ، لكن ظل أهل دِفرة داخل قلوبنا جميعا ..إلى الأبد ..
    دِفرة ديسمبر 2014
    التعديلات بسبب عدم تناسق الخط في المرات الأولى .عفوا

    (عدل بواسطة انور الطيب on 09-07-2016, 06:42 AM)
    (عدل بواسطة انور الطيب on 09-07-2016, 06:46 AM)
    (عدل بواسطة انور الطيب on 09-07-2016, 06:46 AM)
    (عدل بواسطة انور الطيب on 09-07-2016, 06:47 AM)

                  

09-09-2016, 04:41 PM

محمد صديق
<aمحمد صديق
تاريخ التسجيل: 05-03-2009
مجموع المشاركات: 3990

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كُرنك أم خير (Re: انور الطيب)

    في اليوم الآخير من رحلتنا أصر عمدة أم خير على وداعنا ، وداعا يليق بضيوف محترمين كما قال ، رغم أنه غير راض عن الخدمات التي تقدم لهم من أي جهة ولا يثق في أي جهة كانت إلا أنه قال أن الواجب يحتم عليهم احترام الضيف وإكرامه ولا يجب أن يخلط الناس بين عدم رضانا وبين إكرام ضيفنا ، إنها معادلة صعبة لا يمكن أن يفهمها أي شخص إلا شخص خبير ببواطن النفس البشرية.

    ***************************************************************************************************************************************
    جميل هذا البلد بطبيعته وأهله.

    ليتنا نحيا الإستقرار والسلام

    شكراً الصديق :أنور
                  

09-11-2016, 07:23 AM

انور الطيب
<aانور الطيب
تاريخ التسجيل: 10-11-2003
مجموع المشاركات: 1970

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كُرنك أم خير (Re: محمد صديق)

    الحبيب الاديب محمد صديق .. شكرا لمرورك البهي ، فعلا هذا البلد جميل بإنسانه وطبيعته .. وما ننشده السلام والإستقرار والحرية ..
                  

09-14-2016, 08:40 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كُرنك أم خير (Re: انور الطيب)


    مافيش كل سنة وانت طيب ، والذي منو..!

    عليك اللعنة ، ثم عليك اللعنة يا انور..
    اظنها معايدة لم تسمع بها من قبل ، في حالك وابائك الأولين ، اصح يا صاحب..هي امامك ناضحة كما الملح الذي يدلق على الجرح النازف ، وانت تعرف ماذا يعني ان تدلق ملح على جرح نازف..!

    كنت داير اقول ليك ، ولغاية اللحظة ح اقول ليك ، بعد ما تكمل النزيف عن الوطن العجيب ، ياخي توقف لحظة واكتب لينا عن عوضية عز الدين والعظيم ايوب فارس ، وكما حدثنا بعض من عيال بحرى الأنقياء (جمهورية بحري يا انور) ، ان سيدنا الجميل خضر بشير ، كان يقضي الليل ساهرا يمتع الجماهير بابدع الأغاني والمزيكا لغاية ما الشمس تشرق ، ولمن يقولوا ليهو : يا استاذ انت قضيت الليل غنا وتعبان ، كفاية امشي ارتاح شوية ..!
    يقوم عمنا خضر بشير ويقول ليهم: منتظر الصبحية البغني فيها ايوب فارس..!!!
    غايتو نحن ناس يا مؤمن يا مصدق ، الزول البيحرص انو يسمعوا خضر بشير ، فده زول مو هين..مو هين تب..!!

    صاحبنا وصديقنا الجميل ، عبد الغني حسين (عبد الغني بريش فيوف) يكتب في هذا المنبر ، من اهالينا ناس مدينة الدلنج (ناس عمك ميرغني) ، ذات يوم هفت ليهو ومرق من علبو ، وكتب انسان امسودان في ذاتو (عبد الغني عامل فيها حركة شعبية ، وتلك جكة اخرى اعفينا منها الآن) ، كتب عبد الغني في الفيس بووك ، وجاب صورة عباس ، وسماهو (القانقستير).. أي والله العصابة واصل العصابة (بفهم اجرامي جنائي).. عارف عباس البتحدث عنو عبد الغني هو منو يا انور؟..هو عباس عقرب ، صاحب الميدان الشهير (ميدان عقرب)..شفتا عبد الغني ضيعنا قدر شنو يا انور؟..
    لبقية الصديقات والأصدقاء..

    الكرنك ، شكل هندسي ، عجيب ، لم تعرفه فلسفة الهندسة الحايمة اليوم في المشهد العالمي ، وكنت يا انور دايما اتساءل: لماذا نسى انسان امسودان بناء الهرم؟.. الكرنك حاجة بين القطية (مخروط اشبه بالهرم ) وبين الجاحوبة (بيت بيضاوي دائري) ، والمربع بتاع الثقافة القوطية..الكرنك حاجة هندسية براها ما انزل الله بها من سلطان..!!

    ومثلما تذكر صاحبنا انور فكرة الكرنك وكتب عنها ، فنحن ، بعض ناس امسودان المفعوصين ساكت ، نذكر ان المنطقة التي ولد فيها انور الطيب ، هي اول منطقة في كوكب الأرض قدمت للعالم فكرة صناعة النسيج..!!!!!!!!!!!
    حاولت التضامن مع حاجة حواء (الفراشة) ، نادية ، عم ميرغني ، ولكن..!!

    Quote:
    دِفرة منطقة جميلة ، كانت بخير قبل حفر آبار النفط فيها


    ثم منظر الأبقار النافقة ، التي يحكي منظرها صديقنا انور الطيب..!
    ليس هو الموضوع مجرد وصف في حكي ادبي جميل يا من يقرؤون حروف انور هنا..!

    دعونا نجرب مدخل اخر للقراءة ، مدخل نهرب عنه بقصد ، او بغير قصد..هل تأملنا اثار صناعة البترول في السودان؟..هل تأملنا الأثار البيئية الناجمة عن صناعة البترول(المنطقة الجميلة قبل البترول ، ثم المنطقة التي تمتلئ بالأبقار النافقة؟..نعم يا انور ، تصدق او لاتصدق ، قد يحزنون ويشرطوا قمصانهم من اجل طيور نافقة في الأسكا ، ولكنهم لا يدركون معنى ابقار نافقة حول دفرة..المنطقة الجميلة قبل صناعة البترول ، كما يحدثنا بطل الحكي هنا ، شفت نحن امة ضايعة قدر شنو يا صاحب؟!!)..

    نعم يا انور ، بعض من الأوفياء من بنات وابناء المنطقة ، جمعوا الداتا ووثقوا للآثار الناجمة عن صناعة البترول في المنطقة (دفرة)..وهم يتابعون بحق وحقيقة..شفتا كيف يا صاحب ورطتهم؟..الموضوع مش حرب وسياسة فقط ، الموضوع بقى معركة وجود وقليل من يعرف المعنى الحقيقي..!!!!!

    كادقلي ، يا انور ، هو جد صديقنا الأستاذة نور تاور ، وهي اعرف من يحدثك عن الأسم..

    سعيد بهذا الحكي ، يا انور ، وحكمة قالها اصدقاءنا وصديقاتنا في المؤتمر السوداني : ان محنة اهالي امسودان ، هي انهم لا يعرفون بعضهم البعض..!

    في حكي موازي ، لا ادري هل سيرى النور ام لأ ، احد بطلاتي كانت مكلفة بتفجير حقل دفرة.. ولكنها ، لتقدير خاص ، قامت زاغت..!!

    ليه ناس الحركات المسلحة الحايمة هناك ، ابت تفجر صناعة البترول ، سواءا في دفرة أو غيرها؟..

    الكرنك هين يا انور ، لو كان اتيح لبهنس الرقص في النقاقير في كيلك ام زقاف (رقصة الهياج كما يحدثنا استاذنا وشيخنا عبد القادر الكتيابي) ، لكان المشهد مختلف تماما..لكان المشهد مختلف تماما..!!

    عليك اللعنة يا انور..

    وما نحن الإ ولاد حرام ساكت يا صاحب.. لا احد يسمع ما يقولون ، لا احد يقرأ ما يكتبون ، الإ بعد صلاة العصر..!!


    دعوة خاصة للأصدقاء ديرديري ودهب تلبو..للمرور من هنا..

    دمت طيبا يا صاحب

    دمت طيبا..

    ولنا الله..!!


    كبر
                  

09-14-2016, 12:25 PM

انور الطيب
<aانور الطيب
تاريخ التسجيل: 10-11-2003
مجموع المشاركات: 1970

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كُرنك أم خير (Re: Kabar)

    الأخ محمد النور كبر ، أيضا دون معايدة والذي منو :)
    صدقا لم أتأثر بمداخلة على بوست من بوستاتي كمداخلتك هذه، التي شعرت بصدقها من بدايتها كما شعرت أنها أضافت لهذا البوست ورفدته بصدق كإرشادي إلى معنى كادوقلي وسوف أتواصل مع نور تاور حول التفاصيل، وتوضيحك لمعنى الكرنك بشكل أفضل مما تقدمت به، ولم أعرف حتى كيف أرد عليك ! هل اللعنة بلعنة أم بلعنات أخر ، لكن دمت دائما بألف خير ، وليتني أستطيع أن أكتب عن شخصيات من جمهورية بحري خضر بشير ، عوضية عز الدين ، أيوب فارس ، أبو داؤود وعمك سعد وأستاذ عزام والشوش و غيرهم الكثير وشاكر جدا لدعوتك لأحبابك المرور من هنا " ديرديري ودهب تلبو" ، فهذا شرف كبير ... لك مني عاطر التحايا وخالص الشكر وسنتواصل يا جميل دون شك طالما في العمر بقية
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de