02:35 PM March, 15 2016 سودانيز اون لاين
ابراهيم حموده-
مكتبتى
رابط مختصر
قال لي توماس سيدلاشيك Tomas Cedlacekوهو يرشف من كوب الماء الذي أمامه: إبراهيم كفاك احتفالاوتوماس لايشرب غير الماء، لا شاي، لا قهوة ولا مكيفات أخرى أو كحول، شأن أصحاب الرؤيا والنبوغ المبكر كلهم، حين كان في العشرينات من عمره كان مستشارا للرئيس التشيكي الأسبق فاتسلاف هافيل. وهافيل أعرفه هو الآخر ككاتب مسرحي له العديد من المؤلفات، وكان قد عرفنا به أستاذنا ناصر الشيخ حين وزع علينا إحدى كتاباته في مادة اللغة الانجليزية اثناء دراستنا بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح نهاية ثمانينات القرن الماضي..
وتوماس مغرم بضرب الأمثلة لشرح المسائل الاقتصادية المعقدة مجال تخصصه، وضرب الأمثلة يعني تلخيص الحكمة في قصة. الناس لا يحفظون الأرقام والمعلومات بسهولة ولكنهم يتذكرون القصص وتظل عالقة بأذهانهم أكثر من غيرها.
فكرة الكف عن الاحتفال كان قد استشهد به في سياق آخر يخص تعاقب الصرعات الشبابية المختلفة في تاريخ المجتمعات الأوربية. فبعد الحرب العالمية الثانية كان الناس بحاجة لبعض (الفرفشة) بعد كل الفظائع التي عاشوها أثناء الحرب فجاءت حقبة الستينيات والسبعينيات بمخدراتها وموسيقاها وظهور أقراص منع الحمل مضاف إليها جملة من التمردات والانفلاتات.
وبعد أن أوشكت هذه الاحتفالات على تهديد آلة الاقتصاد وبنى المجتمع المختلفة، صدر ثمة أمر من مكان ما فحواه: كفى احتفالا وهيا للعمل.. وهذا ما حدث من نهاية السبعينيات إلى بداية التسعينيات ليبدأ الاحتفال مرة أخرى حين عم الرخاء وانتعش الاقتصاد وتم تعديل قوانين العمل بمنح كافة العاملين في المؤسسات الكبيرة وشبه الحكومية يوم راحة إضافي كل اسبوعين. اصبح مثل هذا اليوم يستثمر في زيارة مراكز بيع معدات الحدائق واسواق البناء ومراكز التسوق الكبيرة لانفاق ما فاض من مال الأمر الذي يؤدي لانعاش دورة الاقتصاد.
الواقع أنني أيضا كنت في حالة احتفال متواصل منذ زيارة الزميل عاطف خيري لنا في هولندا في العام 2008 وصديقي طارق محمد عثمان من كندا في العام 2010 الأمر الذي كاد أن يحولني لشخصية مسرحية أكثر مني شخصا متزنا (أو يتوسم منه أن يكون كذلك) أدركته سن النبوة وفاتت.
ذكرت السيد توماس سيدلاشيك لأنني أرى فيه كل ما لم أكنه في شبابي. أن تصل قمة المجد وأنت في العشرينات. تماما مثل الشاب البروفيسور ماركوس جابريل Markus Gabriel الذي شغل كرسي الأستاذية للفلسفات المعاصرة في جامعة بون الألمانية وهو لم يكمل الثلاثين من عمره بعد. وحين نظمت مجلة الفلسفة الهولندية قبل سنوات ثلاث تقريبا قمة العشرة الكبار G10 في الفلسفة كان ماركوس أحد العشرة العظام على مستوى العالم.
انصعت، ظننتني لطلب الكف عن الاحتفال في حديثي المتخيل، أقلعت عن التدخين منذ ثلاث سنوات، قاطعت السهر وصرت أنام عند العاشرة والنصف مساء. أكتفي من المشروبات بكوبين من القهوة في اليوم وما تيسر من أكواب الشاي، الشيء الوحيد الذي أسمح لنفسي بالاسراف فيه، كمن يقول لنفسه (ياخ خلينا نطنبجا).
لكن دائرة اهتماماتي الصغيرة لا تتركني لسكينتي التي أدركتها. صباح اليوم فتحت صفحتي في الفيس بوك وحاولت كالعادة مراجعة التحديثات التي فاتتني أثناء نومي، واصدقائي من قارات الدنيا المختلفة لا يكفون عن ارتكاب التحديث ولو بتغيير صورة الغلاف. رأيت فما رأيت من التحديثات العابرة مقالا في صحيفتي المفضلة لسنوات NRC – Handelsblad للشابة النابهة Ellen Deckwitz فضلت أن تختار له عنوان "الخيانة" وتقصد بها الخيانة الزوجية أو خيانة المحبوب، حيث أن العلاقات العاطفية لا تحصر داخل صيغة الزواج، هنا وفي أماكن أخرى كثرة بالطبع.
قالت إلن في حكايتها..
انها صحت وفي داخلها إحساس يرادوها بممارسة الخيانة، أو ارتكابها، بحسب حمولة الحكم الأخلاقي على الفكرة.
قالت ذلك لصديقها، شريكها، فضحك من فكرتها، ومن ذا الذي لا يحب البنات في قمة جنونهن؟
ولكنها أردفت قائلة له: هل تفضل أن أخبرك حالة (انجازي) للفكرة أم تفضل صمتي والاحتفاظ بالأمر لنفسي؟ فتغير وجه صديقها وصار كظيما، والبنات الجميلات أمرهن فظيع حين تداخلهن فكرة كهذي.
قالت إلن أنها لم تستطع التخلص من الفكرة والحاحها فأخبرت والدتها التي طمأنتها بأن هذا الاحساس موروث منها هي وأخواتها (خالات البنت) لدرجة أن إحداهن كانت تحبس في خزانة (المكانس) لحين انقضاء فصل الربيع، وأخرى كانت الهرمونات تشتجر لديها لدرجة أنك قد تقلي بيضة على حرارة بطنها.
عادت إلن لبيت (الصحوبية) أعني بيت صاحبها فتلقاها ملهوفا:
هل أقدمت على تنفيذ الفكرة؟
- لا لم أنفذها ولكني اكتشفت أن بعض الناس يحمل مثل هذه النزعة طوال عمره، فحمدت لنفسي أنها داهمتني في فصل الربيع فقط..
فقررت هي وصاحبها أن يحمدا النعمة التي هم فيها، والحمد باب من أبواب السعادة.
وهكذا جلست متحفزا لكم الاحتفالات التي ستمد رأسها من خلال الفصول و الاختبارات التي ستمر بعجلاتها على عمري قبل أن أدرك نعمة الحمد.