بانتظار إقلاع - محمد حمدي كان ينبغي أن أقول لها أن عينيها جميلتان، صافيتان كبحيرة أول الرَّبيع، عينان حين تنظر إليهما تنفتح بالقلب سماوات ممتدة للحلم ويتشكل كون اخر، يجيش القلب بالشعر لكن تهرب الكلمات وتختبئ تحت الطَّاولات والمقاعد. طالعت عينيها وتحسرت أننا ما التقينا من قبل سوى هذه اللحظة بصالة المطار. -رحلتي لماليزيا -رحلتها لموسكو شتان ما بين الصقيع والشتاء الإستوائي. عقارب السَّاعة فوق الكاونتر تقترب من العاشرة مساء، تبقت أمامي بضع ساعات للسفر، بعد ساعة ستسافر، أراها عبر الزُّجاج تجلس على كرسي منعزل وعلى الآخر الذي بجانبها حقيبتها بانتظار حافلة تقلها للطائرة، لوَّحتْ لي يداها، كانتا مثل جناحي عصفور يرفرف في بيد واسعة هي انتظاري. كنت بمقهى مطار الدَّوحة جالساً أحرك الملعقة ببطء في كوب القهوة، محاطاً ببرودة لزجة وتعب يتساقط من الحقائب والسَّقف ونداء الرِّحلات، كنتُ أفكر في عينين جميلتين وصدفة ورحلة طويلة قادمة، بضع ساعات تبقت سأغفو في مقعدي بعد الإقلاع،لا ريب، وسأصحو بعدها بمدة، ألقي اطلالة من نافذة الطائرة لاستكشاف العالم تحتي، ولا أرى سوى أرخبيل وماء...ماء وسماء زرقاء وكآبة رقيقة، قلبت ورقة بيدي، عليها اسمها وهاتفها وبريدها الالكتروني. الصَّالة تزاد برودة، أشعر بنعاس، أحرك الملعقة مرة أخرى عكس عقارب السَّاعة، يدق جرس المُنَّبِه(أرجو الانتباه على حضرات السَّادة المسافرين على متن الخطوط القطرية رحلة رقم.. والمتجهة إلى موسكو التوَّجه نحو البوابة، ذلك كان النداء الأخير). أنظر للساعة، ارتشف من كوبي قليلا تلسعني الحرارة وتعلق بفمى مرارة البن ..أتذكر لون عينيها، والمعطف الذي تحمله بيدها، كنت وحدي عندما جلستْ قبالتي قبل سويعات، قالت لي: إنها تكره الانتظار، حول جيدها وشاح ملفوف باناقة، كل شيء حولها ينم عن التَّرتيب في نقيض لي تماماً، أنا الأحراش الإستوائية بكل تنوعها الشَّجري والنباتي المبعثر. -تشعرني المطارات بالحزن. -من أين أنت؟ -من بلاد حولتني لحقيبة تتقاذفها المطارات. اشرق وجهها بابتسامة دافئة وقالت: لا أقصد من أي مدينة. -من أهل العوض ضحكت قائلة: ما أطيبكم أنتم، تعارفنا وتحدثنا في مواضيع شتى عن السفر والأحلام. - أدرس في موسكو وأنت؟ أهرب من خيبة ولأدفن أخرى قادمة. حولت مجلسي وعبر الزُّجاج رحتُ أراقب حركة المدرج ،طائرات تقلع وتهبط وأخرى تناور للإقلاع من بعيد أرى أنوار مدينة الدَّوحة مثل شموع على كيكة ميلاد، أنتظر أن تهب ريح وتطفئها، أسمع دوي تصفيق وأمنيات وتهاني، لكنها مجرد مصابيح شوارع وبيوت، هناك ربما في حديقة أو فسحة يجري أطفال ويلعبون، ينام آخرون مطمئنين في أسرتهم لا تزعجهم المطبات الهوائية ولا أزيز المحركات، طوبي لمن يجلس هانئاً يسامر أصحابه، طوبي لمن أقلعت بهم الطائرات ووصلوا لوجهاتهم، بينما أنا عبر الزُّجاج أحدق في المدرج، أتذكر لون عينيها ومعطفها، أراكم تعبي منتظراً بعد سويعات إقلاع طائرتي.. محمد حمدي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة