مفكر سعودي: العرب أعاقوا الحضارة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-29-2024, 07:53 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-20-2016, 07:18 PM

محمد على طه الملك
<aمحمد على طه الملك
تاريخ التسجيل: 03-14-2007
مجموع المشاركات: 10624

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مفكر سعودي: العرب أعاقوا الحضارة (Re: Saifaldin Fadlala)

    ديل مقالين كتبتهن في ذات المنحى ونشرن في الصحف الالكترونية ..
    Quote: صدقا هل الحضارة الإسلامية حضارة نقلية أم مبتدِّعة ؟
    بقلم / محمد علي طه الملك
    قد يبدو السؤال من الوهلة الأولى مثيرا للحميّة الدينية ، وربما انحيازنا للثقافة العربية وتراث أساطينها غير أن السؤال جدير باعمال النظر فيه ومراجعته على ضوء مؤلفات عديدة كان لها السبق في التأسيس لمفهوم الحضارة الإسلامية ، ولهم أسانيدهم المدعومة بمنطق بعض المدارس الفلسفية ، غير أن عرض المفهوم على ضوء منجزات الحضارة الإسلامية بوجه خاص في المجال التطبيقي ، يدفع بالتأكيد لمثل هذا التساؤل .
    بدءًا يجمل عرض التعريفات التي أوردتها المدارس الفلسفية لمصطلح الحضارة ، قبل الانتقال لمناقشة السؤال والإجابة عليه .
    تعريف مصطلح الحضارة ـ Civilization :
    تباينت تعريفات المصلح بين المدارس الفلسفية ، ولكن قبل عرض تلك التعريفات تجدر الإشارة للإلتباس الذي يحدثه التقارب أو التداخل بين مصطلح الحضارة و مصطلحات أخرى مثل الثقافة والمدنية ، هناك طائفة من الباحثين تطلق لفظة الثقافة على تنمية الذوق الرفيع ، وبعضهم الآخر يطلقه على نتيجة هذه التنمية أي على مجموع عناصر الحياة ، أشكالها ومظاهرها في مجتمع من المجتمعات ، كذلك يطلقه بعضهم على نتيجة هذا الاكتساب ، أي على حالة التقدم والرقي التي وصل إليها المجتمع ، وإذا كان بعض العلماء يطلق لفظ الثقافة على المظاهر المادية ، ولفظ الحضارة على المظاهر العقلية والأدبية ، فإن بعضهم الآخر يذهب إلى عكس ذلك فيقرر أن لفظ الحضارة يدل على جملة المظاهر المادية ، بينما تدل الثقافة على مجمل النشاطات العقلية والروحية) (1).
    وإذا كانت الثقافة لدى بعض المفكرين أوسع من الحضارة ، فإن البعض الآخر يرى أن الحضارة أوسع من الثقافة ، لأن الحضارة عندهم هي الثقافة مضافاً إليها القوة التي بدونها تصبح الحضارة عبارة عن طور دفاعي عن الوجود الثقافي. ويؤكد أصحاب هذا الرأي على الفكرة التالية:
    (إن الحضارة تقوم على فكرة حضارية، ذات كيان متناقض ، وغير متطابق في كل جهاته ونقاطه مانحة إياها الحياة ، ويطلقون على هذه الفكرة الحضارية اسم (روح الشعب) أو (روح الأمة) والتي تطبع بطابعها المميز، ولا تنهض على هذه الفكرة الحضارية ، من وجهة نظرهم إلا حضارة واحدة.) (2).
    لتوضيح أكثر لصور التباين بين تعريفات العلماء والباحثين ، أعرض ما ذهبت إليه مجموعتين المانيتين الأولى من أنصارها كل من (راتناو ، و توماس )، حيث عرّفا الحضارة بأنها (مجموعة من المظاهر الفكرية التى تسود المجتمع ) وهما بذلك قصرا التعريف على الجوانب الفكرية المعنوية ، بما يطابق تعريف الثقافة ، أما المجموعة الأخرى ومنها كل من (ماكفر وشفيستر وادوارد تايلور) عرفوا الحضارة بأنها (ما توصل اليه مجتمع من المجتمعات  فى الفنون والعلوم والعمران ) وهؤلاء بدورهم يقصرون التعريف على الناتج المادي للأمة فيصبح تعريفهم متداخلا مع المدنية (3).
    في الواقع وإن كان بعضهم قد وحد بين الحضارة والثقافة ، أو بين الحضارة والمدنية ، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن يتطابق مصطلح الحضارة مع كلا المصطلحين أو مع أحدهما ، بحيث يصعب النمييز بينهما ، وبالمقابل فإننا لا نستطيع أن نفصل بين هذه المصطلحات الثلاثة فصلاً تاماً ، لأنها مرتبطة ببعضها أشد الارتباط ، على ذلك يمكن القول بأن العلاقة بين هذه المصطلحات قائمة على أساس التداخل والتمايز في آن ، ولإزالة شيء من الالتباس القائم بين هذه المصطلحات المتداخلة من جهة ، والمتمايزة عن بعضها من جهة أخرى ، قال بعض الباحثين : (إن الثقافة تشمل الجانب الروحي والفكري والمعنوي من نشاط الفرد والجماعة ، في حين أن الجانب المادي العملي يقع تحت عنوان المدنية ، ويتمثّل في الحرّف والمهن والزراعات والصناعات المختلفة ، والأدوات والتجهيزات التي يحتاج إليها فيها ، وكل ما يلزم الإنسان في معاشه وحله وترحاله وسائر مناشطه العملية والترويحية ، أما حضارة أمة من الأمم فهي تعني مجموع مكونات ثقافتها ومدنيتها ، إن الثقافة تشكل روح الحضارة وعقلها وقلبها ووجدانها ، بينما تشكل المدنية مادتها وجسمها وهيكلها ، إذاً الثقافة ليست الحضارة وإن جزءأ منها ، وليست المدنية بل هي باعثتها والموجهة لها ، خلاصة هذا الشرح للعلاقة بين الحضارة والثقافة والمدنية تبلغنا نتيجة مفادها أن لكل حضارة مكونين رئيسين هما الثقافة والمدنية (4).
    يقول الباحث ـ جمال الحمداوي ـ في ورقته المعنونة (المقاربة الثقافـية أسـاس التنميـة البشرية)
    من المعروف أن الحضارة هي نتاج بشري مرتبط بالجهد الإنساني ، والعمل الدؤوب في زمن تاريخي وهي من شقين مادي (تكنولوجي) يشتمل على كل ما أنتجه الإنسان عمرانيا وتقنيا وآليا لإسعاد البشرية وشق ثقافي (كلشر) ، بحيث تشمل الحضارة كل ما هو معنوي وروحي وقيمي من أفكار ودين وفنون وعادات وطقوس ، وكل ما خلفته البشرية من تراث وآثار مادية ومعنوية ومنقولة وعالمية .
    ولعل من أوائل الذين قدموا تعريفا جامعا للحضارة العلامة ابن خلدون (5) ، إذ عرفها بأنها ( نمط من الحياة المستقرة ينشئ القرى والأمصار ، ويضفى على حياة أصحابه فنونا منتظمة من العيش والعمل والاجتماع والعلم والصناعة وإدارة شئون الحياة ، والحكم وترتيب وسائل الراحة وأسباب الرفاهية) ويعرفها( توينبي ) بأنها ( مجموعة الأفكار والرؤى والقيم السائدة التي توجه الإنسان ، والتي تترك بصماتها وتلقي بظلالها على المنظومة الذهنية وأساليب وطرق التفكير لدى الإنسان ، وعلى الدولة والمجتمع ، وهي سمة المجتمع بما يحتويه من أفكار ومبادئ وعادات وتراثيات ، وطبيعة الحياة من الجهة النظرية والفكرية والعملية ، فالحضارة هي مجمل ما يحتويه الإنسان من ثقافة )(6).
    يلاحظ من التعريفات الأخيرة الجمع بين العنصرين المعنوي والمادي بما يجعل التعريفات أكثر كمالا وهو نفسه التعريف الذي بنت عليه العديد من المصادر ، حيث جاء تعريفها في معجم اكسفور :
    The process by which a society or place reaches an advanced stage of social development and organization.
    وعرفها ( وول ديورانت) مؤلف موسوعة قصة الحضارة قائلا : ( الحضارة نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي ، وتتألف من عناصر أربعة هي موارد الاقتصاد والنظم السياسية والتقاليد الأخلاقية ومتابعة العلوم ) (7).
    من على مشاكي تلك التعريفات ، نطل لمناقشة السؤال المطروح حول مدى تطابق وتوافق منجزات الإسلام كدين ، واجتهادات علماء المسلمين مع مصطلح الحضارة ، حتى نتبين ما للوصف الشائع ( الحضارة الإسلامية ) من مصداقية تاريخية .
    كثيرون هم من عامة الكتاب والعلماء ، درجوا على إسباغ وصف الحضارة الإسلامية ، على منجزات التراث العربي والفكر الديني واجتهادات علماء المسلمين ، منذ أن أكتملت رسالة الإسلام وتوقف الوحي ونهض إثرها المسلمون ، فكيف جاء تعريفهم للحضارة الإسلامية :
    يعرفها الدكتور أحمد عبد الرازق بأنها : ( مجموعة من المفاهيم عند مجموعة من البشر وما ينبثق عن عن المفاهيم من مثل وتقاليد وأفكار ونظم وقوانين تعالج المشكلات المتعلقة بأفراد هذه المجموعة البشرية بعبارة أخرى مختصرة ـ هي جميع مظاهر النشاط البشري الصادر عن تدبير عقلي ) (8).
    يلاحظ من مقدمة التعريف أعلاه ميولا نحو التعريف العام لمصطلح الحضارة ، على الرغم من استخدام لفظ (مفاهيم ) عوضا عن عن عبارة (جهد بشري ) لدى الباحث جمال الحمداوي ، غير أنه عاد في مختصره وأضفى معنً أوسع باستخدام عبارة ( نشاط بشري ) .
    في ذات السياق يعرف الدكتور أحمد شلبي الحضارة الإسلامية بأنها ( ما قدمه الإسلام للمجتمع البشري من فكر يرفع شأنه وييسر أمور حياته ، ونقول للمجتمع البشري وليس للمجتمع الإسلامي فحسب ، إذ أن الإسلام قدم مآثره للبشر جميعا ، وبعض هذه المآثر يتضح مع غير المسلمين أكثر مما يتضح مع المسلمين (9) ) واضح من تعريف الدكتور أنه يعزي مفهوم الحضارة الإسلامية للإسلام كعقيدة ، متفاخرا بمآثر الإسلام على البشرية بحيث اقتدى بها غير المسلمين ، وعلى نسق مغاير ورد تعريف آخر يقول (بأنه مجمل ما قدمه المجتمع الإسلامي للمجتمع البشري من قيم ومبادئ في الجوانب الروحية والأخلاقية فضلا عما قدمه من منجزات واكتشافات واختراعات في الجوانب التطبيقية والتنظيمية ) . جوهر الفارق بين التعريفين أن التعريف الأخير يسبغ الجانب الاجتماعي على مفهوم الحضارة الإسلامية ، دون إغفال للجانب الثقافي الروحي والجانب المادي الذي أشار إليه بالاكتشافات والجوانب التطبيقية ، غير أن التعريفين يعليان شأن الجانب المعنوي الروحي ، لكونهما عماد تشكيل الشخصية المسلمة ، أما الجانب العلمي التطبيقي ، فلا جدال من أن علماء المسلمين من أمثال الرازي وابن سينا والخوارزمي وابن الهيثم والفارابي وغيرهم من التطبيقيين والفلاسفة ، كانوا يقتبسون من علوم حضارات أخرى قديمة ، كاليونانية والرومانية وقبلهما الفرعونية ، حيث تأثر علماء المسلمين في عصر الازدهار والترجمة بالفلسفة الإغريقية تأثراً واضحاً وأصبحت الفلسفة الإغريقية تمثل مصدراً من مصادر الثقافة الإسلامية في عصرها الذهبي من هنا كان علماء المسلمين يتميزون بسعة الأفق والتكوين الموسوعي في بنائهم الفكري ، فكان الواحد منهم فقيهاً في الدين متقناً لفنون الجدل والكلام أديباً طبيباً كيميائيا رحالة جغرافيا (10) ، وكان عطاؤهم و جهدهم تطويرا لفنون حضارات أخرى ومعمارهم ، أسبغوا عليه أسلوبا جديدا يوافق تعاليمهم الدينية فبدا مستقلا .
    جاء عن الفيلسوف ( توينبي ) قوله : أن الباحث في الحضارة الإسلامية سيجد نفسه أمام حضارة لها خصوصيتها الذاتية وهويتها المتميزة ، كما أن لها نقاطاً تتقاطع بها مع الحضارات الأخرى ، وجاء في مقدمة الدراسة التي أعدها الباحث زياد عبد الكيم نجم : إنها حضارة جمعت بين الدين والدنيا ، وبين الروح والمادة بلا إفراط أو تفريط، ، وكانت الوسطية من أهم سمات هذه الحضارة ، والتي آمن بها أبناؤها كمنهج فكري ، وجسدوه سلوكاً عملياً في شتى مناحي حياتهم خصوصاً في طور نموها وازدهارها ، مما جعل الحضارة الإسلامية محط أنظار الكثير من الباحثين، سواء أكانوا من أبناء هذه الحضارة أم من أبناء حضارات أخرى ، حيث تم تناولها بالدراسة والبحث من قبل مفكرين ومؤرخين وباحثين من اتجاهات فكرية متعددة ، فأتت هذه الدراسات بآراء متنوعة ومختلفة ، وصل بعضها إلى حد التناقض ، حيث قرأ كل منهم هذه الحضارة من موقعه ، وفي ضوء الأيديولوجيا التي يعتنقها ، فوقع الكثير من دارسيها ولا سيما من أبنائها بين ضربين من المواقف ، رغم التدرج قرباً وبعداً بينهما ، فقد ذهب فريق نحو تعظيم الذات ونفي الآخر، فبقي أسيراً لألق الماضي وسحر بريقه ، وذهب الفريق الثاني إلى تضخيم الآخر وتقزيم الذات ، بعد أن رأى ما وصلت إليه الحضارة الغربية الحديثة ، وما آل إليه واقعنا اليوم (11 ).
    يبدو من ذلك أن الحضارة الاسلامية ، معني بها المنجز الروحي والمادي للمجتمع الاسلامي و نظم الخلافة الإسلامية ، أما الإسلام فهو دين وليس حضارة ، بمعنى أن الإسلام هو منظومة قيم وقوانين ناظمة للمجتمع فلو عُزّل الجانب الروحي لن يبقى سوى نظم الخلافة الإسلامية ، وهي نظم مبتدعة إستمدت شرعيتها من مبدأ الشورى القرأني من جانب ، واقتفاء أثر الرسول صلى الله عليه وسلم تيمنا بما بايعه عليه اصحابة من جانب آخر، مع ذلك هنالك شق يتعين الوقوف عنده وتقديره بشفافية وتجرد .
    معلوم أن نهضة المسلمين في عصور إزدهارهم ، كان زمانها التاريخي في العصور الوسطى المتقدمة والمتأخرة ، وإلى قدر ما حتى سقوط الخلافة العثمانية الإسلامية ، ذاك هو الحيز الزماني الذي يمكن التعويل عليه في وجود حيوي لحضارة إسلامية ، حتى وإن كانت مقتبسة في شقها المادي ، أما أن رغبنا البحث عن دور الحضارة الإسلامية كعطاء ومنجز خلال القرون الثلاثة الماضية منذ القرن التاسع عشر فلا نجد لها توقيعا يلفت الانتباه ، الأمر الذي جعل المسلمين منذ ذلك الوقت مجرد أمة متلقية ناقلة ومستهلكة لفكر ومنجزات الآخرين ، سواء كانوا من ملتهم من السلف أو من خارجهم .
    على ضوء ما سلف ، يمكن القول أن إستخدام مصلح الحضارة الإسلامية في هذا العصر، لا يشير سوى لنوع من إنعاش ذاكرة التاريخ بحضارة فقدت ريادتها ، وأضحت حضارة بايتة في شق إسهامها المادي ولم يبق من شقها الثقافي ما يعول عليه سوى الجانب الروحي المتعلق بالرسالة ، فهل يمكن التعويل على فرضية وجود صراع بينها وبين حضارة القرن الحالي ؟
    في تقدري إن كانت الحضارة الإسلامية معنية ضمن ما عرف بصراع الحضارات ، فالمراد بالتأكيد لن يكون سوى منجزها الثقافي الروحي ، بحسبانه المنجز الوحيد الذي ظل يتمدد على حساب سواه من عقائد لا بقوة عطاء أومنجزات معتنقيه الحضاري ، بل بسر خصائص ذاتية أودعها الله فيه ، إن الله يهدي بنوره من يشاء ، ومتمّ نوره ولوكره الكافرون ، فلمسلمون فقرهم جلي عند المقايسة مع واقعهم العصري ، فقراء حتى فيما يتعلق بتنقيح اجتهادات أسلافهم الفقهية المتداولة من أوان إزدهار الحضارة ، فتراكمت الأسئلة المعرفية وهي أسئلة في غاية الحساسية ، جاوبت عليها حضارة العصر ، بينما إنقسم حيالها المسلمون بتعددهم المذهبي ، بين منصرف عنها ورافض لها أو راض عنها .
    عمدة القول أن المسلمين لم تعد لهم حاجة في هذا العصر ، لبذل جهودهم في التنقيب عن دورهم الحضاري الماضوي المعروف سلفا ، فهو تاريخ لن تنكره البشرية ، أما القول بإحياء حضارة أفلّت أو في طريقها للافول ، لا يعدو كونه كمن يتمنى العودة لمرابع الصبا بعد هرم ، ولعل تجارب البشرية لم تثبت بعد حياة للشيء بعد موات .
    علينا كمسلمين أن نقلع عن هز شجرة التاريخ ، وأن نركز أبحاثنا عن وسيلة تدمجنا في حاضرنا بمدلولاته المعبرة عن العصر ، دون بعد أو انفكاك عن رسالة القرآن وقيمه العقدية ، بحسبانها الرسالة الروحية الباقية ما بقي لهذا الوجود من بقية .
    ختاما ليست غايتي من هذا البحث أن أثبط روح البحث والتقصي التاريخي لتراث ومنجزات الحضارة الإسلامية ، كضرب من ضروف المعرفة التوثيقية ، غير أنني أنتقد التعويل عليها كدافع لنهوض الأمة فالأمم لا تنهض باجترار ما ضيها كيفما كان زاهرا ، بل بتقييم حاضرها و البحث فيما يسعى بها نحو رقيها ، ولا رقي سوى بمقدار ما تقدمه من مثل وقيم إنسانية ومنجزات تسعد البشرية ، فهل بمقدورنا تقديم منجز بشري يضاهي منجزات العصر ونحن جلوس على مقابر التاريخ ؟

    ...........

    مراجع
    1 ـ ـصليبا ، جميل ، المعجم الفلسفي ، الجزء الأول ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، 1978 م.
    2 ـ حميدان ، إيمان ، فلسفة الحضارة عند هربرت ماركيوز ، منشورات وزارة الثقافة ، دمشق ، 2005 م.
    3 ـ زيادة، معن، الموسوعة الفلسفية العربية، المجلد الأول، معهد الإنماء العربي، بيروت، ط ،1986م.
    4 ـ زياد عبد الكريم نجم / أرنولد توينبي / نظرية التحدي والاستجابة ـ الحضارة الاسلامية نموذجا .
    5 ـ ابن خلدون، عبد الرحمن، مقدمة ابن خلدون، الجزء الأول ، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت ، ط2 ، 1988 م.
    6 ـ زياد عبد الكريم نجمم / أرنولد توينبي / نظرية التحدي والاستجابة ـ الحضارة الاسلامية نموذجا .
    7 ـ قصة الحضارة، الجزء الأول، ترجمة: زكي نجيب محمود، مطابع الدجول، القاهرة ، ط 5 ، 1971 م.
    8 ـ أحمد عبد الرازق أحمد : الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى ، القاهرة : دار الفكر العربي، 1990.
    9 ـ أحمد شلبى : موسوعة الحضارة الاسلامية / الجزء الاول ، الطبعة السادسة 1989 .
    10 ـ فلسفة التربية / د . محمد عبد الرءوف عطية ـ كلية التربية جامعة ام القرى .
    11 ـ زياد عبد الكريم نجم / أرنولد توينبي / المرجع أعلاه.
    ....................
    صدقا هل الحضارة الإسلامية حضارة نقلية أم مبتدِّعة ؟ (2)
    بقلم / محمد علي طه الملك
    في الجزء الأول من هذا المقال الذي نشر بهذه الصحيفة وصحف الكترونية أخرى ، كاتبني وحثني عدد من المعلقين والقراء ، بغية إضفاء مزيد من التقصي والإبانة لفضاءات الإجابة على السؤال المطروح وها أنا أجلس مرة أخرى أستنطق المراجع والبحوث المتاحة أمامي على قلتها ، عليّ أوفق بمشيئة الله .
    في الجزء الأول انتهت خلاصة التعريفات لمصطلح الحضارة بأنها جماع النشاط البشري بشقيه الثقافي والمدني للمجتمع في زمان معين ، وعُرفت الحضارة الإسلامية منسوبة للتعريف العام مضاف إليه في الشق الثقافي العقيدة الإسلامية ، كمحور يشكل هوية المسلم ويوجه نشاطه الفكري ويضبط سلوكة الإجتماعي .
    وجود الدين أي دين سواء أكان توحيديا أو مشركا ضمن البناء الثقافي في أي مجتمع ، ظل من الأمور التي لم يخطؤها أي بحث أو دراسة أجريت عن الحضارات السابقة لحضارة هذا العصر، بمعنى أن حضارة هذا العصر وحدها التي لم يسهم الدين كمقوم ودافع روحي في تفجير طاقتها ، لذا فإن نعتها بالحضارة المادية (1) نعت لا يجافي الحقيقة ، وإن انصرف نحو تعييب قصور الجانب الروحي عنها كذلك لم تكن الحضارة الإسلامية في مسارات نهوضها التاريخية نشازا عن مثيلاتها السابقات ، حيث شكّلت العقيدة بمحورها الغيبي وغايتها التوحيدية موئلا لفضائها الثقافي .
    هذه المقاربة بين حضارة العصر وسابقاتها بما في ذلك الحضارة الإسلامية ، جرى القصد من ورائها إبراز وتأكيد حقيقة بعينها ، هي أن الحضارة ليس بالضرورة أن تنهض مصحوبة بعقيدة ضمن مقومها الثقافي ، فالحضارة الحديثة إزدهرت ماديا دون أن تدير تروسها أو تفجر طاقتها روح عقدّية ، ومن ثم فإن الحاق لفظ الحضارة الإصطلاحي بالإسلام ، ليصبح المنطوق ( الحضارة الإسلامية ) لا أجد مسوغا له ، لا سيما وأن الإسلام دين ، ولفظ الحضارة لفظ وصفي يقبل التضاد ، كأن تقول حضارة متقدمة أو متخلفة وتلك صفات بالغة الحساسية إذا ما استخدمت تجاه المعتقدات ، فإن كان من بد ـ فإن استخدام مصطلح (حضارة المسلمين ) هو الأوفق ، لكون الوصف إن جاء سالبا يصبح الموصوفون هم البشر وليس عقائدهم.
    غني عن القول أن الحضارات كيفما تباعدت مسافة زمنية أو جغرافية ، لا تنعزل عن بعضها ، سواء في شقها الثقافي أو المدني ، دعوني أشير لمثالين معلومين في ثقافتنا المحلية ، دولاب الساقية والمركب الشراعي ، الأول حسب تقنيته الصناعية مؤلف من حلقات ذات تروس ، تتداخل مع بعضها لتنقل الحركة إلى الحلقة الحاملة لجرار الماء ، هذه التقنية هي نفسها عماد التقنية الميكانيكية الآلية إلى يومنا هذا ، أما المركب الشراعي فقد انتقل بذات تصمييم وهندسة هيكله الخشبي وذراعه الشراعي ، إلي السفن الشراعية العابرة للمحيطات ، قبل أن تحوّلها النهضة الصناعية إلى سفن آلية الحركة ، إذن انتقال أو نقل المعارف في شقها التطبيقي بين الحضارات البشرية لم يكن يحول دونها حائل ، من هنا لا أرى شططا عندما توصف منجزات علماء المسلمين العلمية والفلسفية بأنها نقلية ترد إلى مصادرها في حضارات شعوب أخرى، غير أن الأمر يبدو مختلفا وربما ينزع للاصطراع عندما يتعلق بالشق الثقافي ـ بوجه أخص ـ حين يكون الدين أي دين موئلا لثقافة ما ، ذلك لأن الديانات تستوي بصفة عامة في نزوعها نحو تطويق فضائها المعرفي بكوابح تحول دون الحرية الفكرية ، فيصبح المعتنق ترسا في آليتها يعز عليه الانخلاع عن المسار دون خسائر جسيمة ، ومن بدائع سنن الوجود أن تصبح هذه الخاصية الدفاعية بذاتها الآلية التي تثبط أو تُجمّد روح الخلق والتجديد ، بالقدر الذي يتساوق مع حركة الاجتماع البشري وقوى الطبيعة غير الساكنتين.
    كان العلماء والفلاسفة بدافع شخصي وجهود فردية لا تسندها المؤسسة السلطانية ولا تعيرها اهتما إلا فيما ندر، كانوا على قدر التحدي في البحث والنفاذ إلى علوم زمانهم ، ولكن بدورهم لم يكن بمقدورهم تسويق منتجهم العلمي دون تقيّد بتلك المشيئة بكثير عنت ، والأمثلة الموثقة يضيقق عنها مساحة هذا المقال ، ولم تكن حظوظ العلماء المسلمين أفضل من رفاقهم إن لم تكن الأسوأ ، مع ذلك فلامندوحة من الاعتزاز بإسهامهم الذي أثرى مقدمات النهضة العلمية والفكرية عن طريق الترجمة (2) ، غير أن ذلك لا يفي المطلوب لإسباغ مصطلح الحضارة إستنادا على تلك الجهود ، ذلك لسببين :
    الأول ـ أن منجزات اؤلئك العلماء علمية كانت أم فكرية ، تندرج تحت مفهوم الثقافة ، وهو مفهوم أضيق من حيث السعة عن ماعون مفهوم الحضارة .
    السبب الثاني ـ استحلب أولئك العلماء أفكارهم وأنجزوا أعمالهم بجهود شخصية ، دون إسهام من مؤسسسة إسلامية أو دولة مقبلة لا مدبرة عن معارف عصرها غير الدينية ، مما أفقد بحوثهم الدعم المادي والرعاية المؤسسية ليربو ويزدهر وينتج أثره في الحياة العامة ، بل نجد على النقيض من ذلك ، حيث تحاوشتهم المحن من كل صوب ، يتبعها الاضطهاد وتلمزهم الزندقة أين حلوا ، فذاك ابن رشد من أوائل علماء الطب والرياضيات ، يُنفى من وطنه اشبيلية إلى المغرب وتحرق كتبه ، ويعقوب الكندي الذي اتهم بفكر المعتزلة فأمر الخليفة المتوكل بضربه وحرق مؤلفاته ، وابن سينا والجاحظ وغيرهم كثر ، ولا أجد سببا لما كان يُعرّض العلماء للاضطهاد من قبل السلطة الرسمية وفقهائها المعاضدين ، سوى الخشية على سطوة استلابهم لوعي الرعية ، وهو ذاته المنهج الذي لم يتجاوزه المسلمون إلى الآن ، لذا نجد أن عصر الحداثة لم يكن له أن يرى النور لو لم تشنج أوربا فكرها الكنسي في عصر النهضة والإصلاح ، وتفصل بين السلطتين الروحية والزمنية ، فاردةً للحريات أشرعتها بما في ذلك حرية الاعتقاد ، على الرغم من أن قصب السبق في هذا المضمار سجله القرآن في سورة الكافرون.
    يستخلص من ذلك أن دور السلطة وفقهائها في سائر عصور نهضة المسلمين ، لم يكن مبشرا ومستبشرا بنهضة العلم المدني والعلماء ، وكان أقل ما يواجهوا به تهمة الزندقة كمدخل يبرر حرق مؤلفاتهم ، ولعل بحث واستقصاء هذه العلة التي أقعدت تطور المسلمين ، يجدها قابعة في نظم الحكم الإسلامي ، فهي نظم نشأت تجمع بيد خلفائها وأمرائها السلطتين الروحية والزمنية ، الأمر الذي أخضع مصائر وأرزاق فقهاء الدين ومفسريه لسلطة الحاكم ، فخرّجوا اجتهاداتهم وفتياهم بما يرع مصالح الحكام لا الرعية ، فالرعية أمرها موكول للفقهاء يعظونهم بطاعة الولاة بأسانيد فقهية ، كتب الدكتور مصطفى محمود في ذات السياق متخذا من مقولة كارل ماركس الذائعة مدخلا فقال :
    (كثير من الناس عندما تسمع هذة العبارة يتولد لديها شعور سلبى تجاهها وهى( الدين افيون الشعوب ) 
    بالطبع كلنا سمعنا هذة العبارة وسيجيب الكثيرين ان ماركس يعنى بها مهاجمة الدين والدعوة للالحاد ولكن لو استكملنا معا النصف الثانى من العبارة (الدين افيون الشعوب وزفرة المستضعفين فى الارض) هل تغير شىء؟ هل تغير المعنى؟ حسنا الى من لم يلاحظ ماركس عندما قال هذة العبارة لم يكن الافيون فى ذلك الزمن سوى مسكن للالام ، لم يكن يقصد مهاجمة الدين بذاتة ولكن عنى هنا رجال الدين الذين يحرصون على استغلال الدين فى قلوب وعقول الناس لتحقيق مصالح الطبقات البرجوازية المستفيدة من تخدير الشعوب عن حقوقهم المسلوبة . فقط اريد ان استرجع معكم كيف يأفن الدين فى المجتمع لخدمة طبقة معينة عندما نشاهد شيوخ وأئمة يتحدثون للفقراء ويطالبونهم بالصبر والقناعة وعدم التظر الى ما فى يد الغير ويبشرونهم بانهم سيدخلون الجنة قبل الاغنياء ب70 خريفا ! ).
    ربما وضع الدكتور إصبعه على جرح تاريخي ظل متقيحا إلى يومنا ، كّنهَّ مرجعيته رائد علم العمران البشري العلامة ابن خلدون ، حين عزا أسس نظم الحكم وقيام الدولة في ديار المسلمين إلى العصبية (3) وهي عصبية تم تقنينها في سقيفة بني ساعدة ، عندما تفتقت قرائحهم عن شرطي القرشية والهجرة لتولي الخلافة (4) ، ولعل الناظر لتاريخ نظم الحكم الإسلامية ومنجزاتها طوال عصورها الموصوفة بالإزدهار والغلبة ، يجد الأبرز توثيقا فيها سِيّر الحكام وولاتهم وجملة من الغزوات والفتوحات منسوبة إليهم ، تلك وحدها الجالسة في مقدمة الحصاد التاريخي للمسلمين ، صحيح أن الفتوحات غاية رساليه توظف لها إمكانات الدولة وجندها من المسلمين ، غير أن النظرة القيمية لعائد تلك الفتوحات العظيمة لدى الحكام والفقها جاءت سالبة ، لا تتجاوز محصلتها الغنائم والضرائب أو الجزية ، وضم أرض لدار المسلمين دون اعتبار أو رؤية مبصرة للتوابع من مداخيل ثقافية ، وإرث نظم ديوانية منضبطة ، وبشر مأهلون في ضروب شتى من المعارف وموارد هائلة ، وزكائب من أشغال العلماء ، الأمر الذي أفقد المسلمين فرص تأسيس نظم ودواوين حكم متقدمة على نظم الشعوب التي أخضعوها ، تبدأ من حيث انتهوا إليه من فنون الحكم وإدارة اقتصاد الدولة وتطوير وسائل العيش وترقية البنيات التحتية ، بحيث تصيب الرفاهة المجتمع بأسره ، واحقاقا للحق لم أجد مثل هذه النظرة القيمية تبدو شاخصة إلى قدر ما سوى لدى من فتحوا الأندلس ، ذلك قبل أن تسري بينهم آفة العصبية وتحيلهم إلى دويلات متصارعة سهُل ابتلاعها.
    اختلف الباحثون حول طبيعة نظم الحكم الإسلامي على تباينها ، من عصر الخلافة الراشدة إلي عهد الخلافة العثمانية ، منهم من وصفها بالنظم التيوقراطية ، ومنهم من وصفها بالأوليجارشية ، ومنهم من قال بانها نظم أرستقراطية بالغة الإستبداد ، ومنهم من اكتفي بوصفها إسلامية (5) ، بل ذهب البعض لأعمق من ذلك ، وهم ينفون الصفة السياسية عن الإسلام ، ويرونه دينا فسحب ، وفي هذا السياق يقول الشيخ على عبد الرازق ( كل ما جاء به الإسلام إنما هو شرع ديني خالص لله تعالى ، سواء أوجدت للبشر مصلحة مدنية من هذا الشرع أم لم توجد ، والإسلام لم يهتم بتدبير أمور الدنيا ، ولم يتعرض للحكم ، ولم يُعن بالسياسة لأن هذا من أغراض الدنيا ) (6 ) ، وذهب الدكتور حسين فوزي النجار لذات المنحى قائلا ( أن محمداً كان يؤكد الفصل بين ما يوحى إليه وبين ما يسوس به المسلمين من نفسه ، والإسلام لا يجمع بين الدين والدولة ، وأن محمداً لم يبعث ليقيم ملكا وينشئ دولة ، وما كان إلا نبيا ورسولا إلى الناس كافة (7). ولإن كانت نظم الحكم كما وثقها المؤرخون ، نهضت على مرجعية عصبية ، ومضت على سنن الغلبة والوراثة ، تصبح حضارة المسلمين قعدت عن استحداث نظام في هذا المضمار، على الرغم مما بسطته الرسالة بين أيديهم من شورى كانت تعني أول ما تعني فتح الأبواب أمام الناس لتسهم برأيها وتبني مؤسساتها ، لا فتحها بالمفاضلة لأقلية مقربة قصرّت سابغها انتصارا لعصبية ، هذا بحانب ما أدنته الفتوحات من خبرات لنظم تليدة من السند للنيل للفرات ، عوضا عن ذلك تبنوا نظما عصبية أولية ، سبقهم إليها الاجتماع البشري من آلاف السنين ، منذ ارتقت تكويناتهم سلم الحياة الجماعية .
    رُبّ قائل لم تكن هذه النظم بلا مؤسسات من ديوان للحكم له مؤتمن و وزير ، وبيت مال ودواوين للجند والقضاء والحسبة وتراتيبية إدارية ومقاطعات إداريه عليها ولاة ..الخ ، كل ذلك موثق لا ينكره أحد، غير أنها لم تكن على سراط من دينها وشأن رعاياها ، فأهل السلطان في العهود الأولى ما كان يعنيهم كثيراً بيان الشرع لهداية الناس في حياتهم الخاصة ، وعلاقتهم الاجتماعية والمالية ، إنما يريدون أن تُخلّي لهم ولاية السلطة بحكم الأمر الواقع عن قوة لا شرعية ، وتصريف السياسيات والأموال العامة ، وأخذ من يكره أو يقاوم سلطانهم بما يصدّه إلى سكوت مكبوت ، بل يلتمسون في ذلك فتاوى تبارك ذلك الواقع باسم الدين (8) ، والحال كذلك لا أجد وصفا لتلك النظم بغير أنها نظم حذقت المعلول من ضروب سياسة الحكم مما أسقط سيرة التحامها بالنظم المنتجة للحضارة بكليتها الاجتماعية ، بعيدا عمّا وفره الإسلام من تعاليم وظفّت لتقويم السلوك الاجتماعي والأخلاقي للمسلمين ، فكان الناتج اشتغال الفقهاء في إطار تنافسهم بتفاصيل فقهية بددت طاقتهم البحثية ، وصرفت أذهانهم عن التفكير في تطوير مستويات الحياة فيما يمس حاجة الإنسان من وسائل مادية تسهم في الارتقاء بمعاشة.
    لعل الناظر في حصيلة المسلمين من فنون ومعمار ، أيضا يجدها التمست مرجعيتها في حضارات أخرى حيث نشأ الإسلام في بيئة صحراوية ، وبين أقوام يغلب عليهم البداوة ، وكان الأشهر في بيئتهم فنون الشعر والخطابة ، غير أن الفن المعماري كان له وجود مقدر في جنوبي الجزيرة العربية ، إذ سادت بها حضارات قبلية لبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فضلا عن حصون ومبانٍ زانت بعض الحواضر القديمة مثل يثرب ، وكانت حصون يثرب وقفا على سكانها اليهود ، على ذلك يمكن القول أن أول بناء أقامه المسلمون هو بيت ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيثرب ( المدينة) ، لقد شكل هذا البناء على بساطته قاعدة تصميمية سار عليها المسلمون في بناء مساجدهم (9)، ولعل الناظر للفن الإسلامي بمختلف اشتقاقاته ووظيفته يجده مطبوعا بالهوية الإسلامية ، مع ذلك لا تنكر المصادر أن أصول الفنون الإسلامية مجتزأة من حضارات أخرى ، فارسية وساسانية وبيظنطية وقبطية ، وهندية ، باستثناء فن الخط العربي الذي أسس لقاعدته كتاب المصاحف ، لقد حصر الدكتور محمد هاشم النعسان أبرز العمائر شيوعا في العمارة الإسلامية في المدارس والضرائح والخانكة والسبيل والخان والسوق والحمامات والقصور(10) ، يستشف من ذلك أن الفن الإسلامي كان ذو صفة أميرية ، مصبوغ بملمح صفوي لا يطوله العامة ولا يتطلع إليه الشعب .
    لقد نشط العديد من الباحثين والكتاب بدافع الغيرة والعاطفة الدينة ، على تأصيل مفهوم حضاري للإسلام فجاءت بحوثهم وكتاباتهم في كثير من الأحيان تزاوج بين المدنية ذات الهوية المادية ووظيفة الإسلام الرسالية (11) ، غير أن مضاهات وقائع التاريخ ومقاربتها لا تنحو إليهم ، ولا تقطع بنشوء حضارة بمعناها الإصطلاحي كان للمسلمين فيها اليد العليا ، بل ثقافة روحية توحيدية ناظمة لعلاقاتهم الاجتماعيه يعوزها نظام مدني وسياسي لم يكن من غايات الرسالة كرسالة لكافة العالميين (12)، ذلك كيفما اجتهد المسلمون على إسباغ هويتهم على مدنيات مستلفة من شعوب أخضعوها بسنن الجهاد ، من هنا جاء سعي الحكام حفيا بدنيا يصيبونها بمعزل عن رعاياهم باسم الدين، أظهرت نظمهم السياسية ومدنيتها أميرية صفوية الطابع.
    ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
    (1) أ . د عبد الحليم عويس/ الإسلام وحضارته في مواجهة الحضارة المادية والفوضوية / مقال منشور بموقعه الالكتروني حسن عبد الحي / الانبهار بالحضارة الغربية المادية / مقال منشور بموقع الألوكة الثقافية .
    (2) موسوعة عباقرة المسلمين / رحاب خضر عكاوي / دار الفكر العربي بيروت 1993م
    (3) ابن خلدون، عبد الرحمن، مقدمة ابن خلدون، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت ، ط2 ، 1988 م.
    (4) تاريخ اليعقوبي /ج 2 ط 1375هـ.
    (5) د. إسماعيل البدوي ، نظام الحكم الإسلامي مقارنا بالنظم السياسية المعاصرة ، دار الفكر العربي 1986م .
    (6) الشيخ علي عبد الرازق ، الإسلام وأصول الحكم ، مطبعة مصر 1925م.
    (7) د. حسين فوزي النجار ، الإسلام والسياسة بحث في أصول النظرية السياسية ونظام الحكم في الإسلام ، مطبوعات دار الشعب القاهرة.
    (8) د. حسن عبد الله الترابي / النظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع .
    (9) د .سعاد ماهر محمد، العمارة الاسلامية على مر العصور، جدة 1985.
    (10) د . محمد هاشم النعسان / أسس ومبادئ العمارة الإسلامية / مقال .
    (11) انظر كل من / د . أحمد عبد الرازق : الحضارة الإسلامية فى العصور الوسطى.
    سعيد عاشور وآخرون : دراسات فى الحضارة العربية الإسلامية –الكويت 1986م.
    (12) د. حسين فوزي النجار ، المرجع أعلاه.
                  

العنوان الكاتب Date
مفكر سعودي: العرب أعاقوا الحضارة طارق عبد الله11-19-16, 09:23 PM
  Re: مفكر سعودي: العرب أعاقوا الحضارة طارق عبد الله11-19-16, 09:25 PM
  Re: مفكر سعودي: العرب أعاقوا الحضارة محمد حيدر المشرف11-20-16, 06:24 AM
    Re: مفكر سعودي: العرب أعاقوا الحضارة Hatim Alhwary11-20-16, 06:35 AM
      Re: مفكر سعودي: العرب أعاقوا الحضارة طارق عبد الله11-20-16, 09:15 AM
        Re: مفكر سعودي: العرب أعاقوا الحضارة Saifaldin Fadlala11-20-16, 11:25 AM
          Re: مفكر سعودي: العرب أعاقوا الحضارة محمد على طه الملك11-20-16, 07:18 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de