Awad Elhassan 1 hr · "أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ" رحيل رجال السودان القديم عوض محمد الحسن جاءت زفرة حرّى على لسان سيدنا يعقوب في سورة يوسف وقد ظنّ أن ابنه قد مات (أكَلَهُ الذِّئْبُ). ماذا أقول وأنا قد شهدت يوسف يموت أمامي تدريجيا حتى فاضت روحه الطاهرة؟ يكتب الناس عن أمواتهم فيصفونهم بأحسن الصفات والنعوت: دمث الأخلاق، طيب القلب، يحبه الجميع – يعملون بما أمروا به: أذكروا محاسن موتاكم (وإن قلّت) وتجنبوا سيئاتهم (وإن كثرت). ويصدق ذلك في نعي معظم الأموات، إلا في حالة أخي الأصغر يوسف إينعوف مكاوي الذي وافته المنية يوم الأحد 27 أغسطس 2017، فكل الصفات الحميدة التي اتصف بها في حياته، والتي يرددها الناس في مأتمه، وفي ما يكتبون، حقيقية، وقد لا تفي يوسف حق قدره. كان يوسف إنسانا نادرا ومكملا إلى حد الغيظ لأهله وأحبائه. كان أحد رجالات السودان القديم الذين شارفوا الإنقراض في هذا الزمن العجيب: شهما، ووفيا، وكريما، ورؤوفا، وصادقا في قوله وفعله، وشجاعا، وحييّنأ، وحنينا، وطيب القلب، ومتواضعا، وحاذقا ومجوّدا لعمله، ومسؤولا، وزكي النفس، وذكي العقل، ومتدينا التدين الحق، وبارا بأهله، وأصهاره، وأصدقائه، وجيرانه، وزملائه، وبالضعفاء والمساكين، وبالحيوان والنبات جميعا. كان باختصار،كما وصفته ابنته الصغرى سلمى، "إنسانا جميلا" تحبه لله من الوهلة الأولى. عرفت يوسف منذ أن صاهرت آل إبنعوف عام 1973. لم أسمعه قط يذكر أحدا بالسوء (حتى من مسه منهم أذى). كان يغضب كما يغضب الناس، ولكنه كان يكتم غضبه، ويلتمس العذر لمن أغضبه. وكان وفيا لمن أحسن له حتى وإن أتبع الإحسان بالإساءة. حين هاجر معظم مهندسي وطياري وفنيِّي الخطوط الجوية السودانية إلى الخليج وغيره، بقي يوسف بها حتى شارف سن المعاش وفاءا للشركة التي وقفت بجانبه في مرضه في بداية التسعينيات حتى منّ الله عليه بالشفاء في الأردن بتلقيه كلية أخته آمنة، أسبغ الله عليها ثوب العافية. وحين دار الزمان وأتانا عهد "التمكين" وذهبت الخطوط الجوية السودانية إلى غير أهلها، واصل يوسف عمله رغم سوء المعاملة وغياب التقدير لخبرته ولعلمه ولعمله، ورغم تدهور الشركة والنهش المتواصل في جسدها وهي تحتضر. وحين عجز ، رغم جهوده ونصائحه، عن احتمال ما يحدث للشركة، استقال من منصبه مديرا للتخطيط، ثم أعقب ذلك باستقالته من الشركة. من كرم الله على يوسف أنه توفى محاطا بأسرته: رفيقته سلوى وابنه وبناته وشقيقاته وأصهاره جميعا، رغم وفاته خارج السودان. ومن نعم الله عليه أنه أكمل مهمته كأب بتخرج ابنه وبناته من الجامعة والتحاقهم بوظائف خارج وداخل السودان. غير أن رحيله يترك، لا شك، ثغرة كبيرة في حياتهم وحياتنا وحياة الكثيرين، وسنفتقده ونفتقد صحبته وروحه الحلوة، وبسمته الدائمة، وتفاؤله، ومرحه، وطيبته. وعلى ذكر ابتسامته المشرقة، حين زارنا في لندن في السبعينيات، أوقفه عجوز إنجليزي استوقفته ابتسامة يوسف، وعرض عليه شراء أسنانه الناصعة، وما دري "الخواجة" أن وراء الإبتسامة المشرقة روحا أكثر إشراقا وجمالا. رحم الله أخي يوسف وتقبله وجعل البركة في ذريته، التي نسأل الله أن تقتدي بسيرته العطرة، وألهم رفيقته والأسرة جميعها، وأمه الحاجة سعدية، وأصدقاءه الكثيرين، وزملاء وأصدقاء ابنه وبناته وأسرهم، وأهل الكوة وأم سنط وبري الدرايسة، وألهمنا جميعا، الصبر على فراقه وفقده، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
09-05-2017, 09:32 AM
عبدالله عثمان
عبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة