|
Re: الخيانة الأعظم (Re: عليش الريدة)
|
وفي يوم ما , رجع أمجد إلى غرفته متكدرا , مضت أربعة أيام ولم يظهر الأزرق, ترى ماذا حل به.. إن أصابه مكروه فستكون تلك هي الطامة الكبرى.. غير ملابسه ثم استلقى على الفراش.. إن هذه الغرفة من دون الأزرق كالسجن.. لاحظ فجأة صفوف متراصة من النمل في ركن قصي , إنه منظر غريب في هذه الغرفة,وشده الفضول لمعرفة سبب تجمعات النمل, فنزل من فراشه واتجه إلى ذلك الركن..ويآآ لهول الألآم التي تجلبها العيون.. كان الأزرق إذن، محمولا على أكتاف النمل القاسي ميتا .. كانت تلك الحشود التي تتسابق متموجة, وذلك الجثمان المهيب الذي يعلو ويهبط , وذلك القلب الذي انفطر , والعيون التــي ضاقت عنها المحاجر, والأنفاس التي عجزت عن حصرها المواعين.. كل تلك الدراما السـوداء , جعلت الغرفة كساحة كبيرة احتلتها الجماهيرالمصدومة حزنا على عظيم قد ولى , وهي تحمل نعشه إلى مثواه الأخير.. وهكذا مثلما عاش الأزرق كما يعيش العظماء , أبي إلا أن يموت كما يموت العظماء. وكحيلة جبانـة و قديمة له عند الصدمات , اعتزل المخ العمل , وترك الجسد يتكدس على ثقوب غربال الوعي الضيقة.. فتقدم أمجد بهدوء وخلص الأزرق من براثن النمل,و كنس النمل الذي اضطربت صفوفه, داخل إناء من الحديد.. ثم أضرم فيه النار تلو النار..و رجع للأزرق وحمله على راحته, ويا لسخرية الموقف..إذ حقق له المـوت الكريه أمنية حيببة, فقد كان يتوق منذ زمن,إلى أن يلمس الأزرق بيديه.. ورقدعلى الفراش واضعا الأزرق بجانبه , وأخيرا غرق في بحار النحيب الأليم. وبعد أن هدأت نوبة البكاء , أخذت الهواجس والأفكار السوداء تتناوشه: كيف سأستمر من غيره, ترى كيف كان مقتله؟ وهــل يوجد شئ في هذه الغرفة يستطيع أن يقتله.. و دهمه خاطر ما, فنزل مسرعا من فراشه,وتحرك إلى نفس الركن الذي وجده فيه ميتا, وحفر بلاط ذلك الركن وصنع قبرا صغيرا.. ودفن فيه الأزرق ...ثم هجمت عليه نوبة النحيب مرة أخرى. اعتكف أمجد بعــد موت الأزرق أربعة أيام في غرفته ولم يخرج منها أبدا, وفي اليوم الخامس ظهرت على جدران الغرفة عناكب صغيرة, كانت ضئيلة وبطيئة, راقبها أمجد بفتور, قرابة الساعة ولم تنجــح كلها في اصطياد ذبابة واحدة.. قام أمجد بقتل ذبابة و وضعها على سطح أحد دفاتـــره الدراسية, وتحايل بالدفتر حتى جعله أمام أحد تلك العناكب وعلى مقربة منه, وكمن العنكبوت الصغير المستدرج في مكانه فترة قصيرة,ثم قفز رابضا على الذبابة الميتة الممدة علـى الدفتر الدراسي.. وباشمئزاز شديد، قذف أمجد بالدفتر وعلى سطحه الذبابة الميتة , ومن فوق ظهرها ذلك العنكبوت المسكين داخل محرقة النمل... ثم أضرم النار,وهو يصيح :إن الأزرق ما أكل فطيسا قط.. وتناول المكنسة مواصلا صياحه في العناكب: أين كنت عندما كـان الأزرق موجودا, لم تصيدي في حرمه حيا, ولن تفعلي ميتا.. وانهال عليها ضربا.
|
|
|
|
|
|