|
Re: من سيرة أبو القنعان (Re: أحمد الشايقي)
|
لكنّ صبر فاطمة كان يتمدد فيهزم كل مؤامرات الزوجة الكبرى ، وهذا وحده كان يجعل هذه المرأة تغلي وتسعى إلى المزيد من أفعال السوء الموجهة لفاطمة . وفاطمة لا يسمع لها صوت في البيت ، تقوم بعملها في صمت غريب وتسعى لفعل كل شيء يريدونه دون ان تنتظر أوامر من أحد .. ولحظات الفراغ القليلة التي تجدها كانت تستغلها في الاهتمام بإبنها. وحين يبكي الطفل من إهمال أمه له فتناديه أو تداعبه كانت الزوجة الكبرى تنهرها وتقول لها ، لا يصح أن تتركي خدمة الأصلاء وتهتمين بطفل هامل لا مستقبل له بين الأصلاء . وكانت فاطمة كعادتها كل يوم تطحن الذرة ، وطفلها بين يديها يعاني من الحمى ، فحاولت أن تجعله ينام لكنها لم تفلح ، فوضعت له بعضا من حبات الذرة في كوب وحركّت الكوب لينشغل الطفل بصوت حبات الذرة وهي تضرب أطراف الكوب ، فتصبح لعبة يتلهّى بها الطفل فيترك لأمه فرصة للقيام بعملها . وانشغل الطفل بعض الوقت باللعبة التي صنعتها له أمه ، لكنه سرعان ما أصابه الملل فاطاح بالكوب على الأرض فتشتت حبات الذرة . والفلاحون يكادون يقدّسون الذرة ويرون في مثل هذا الفعل قلة تقدير للنعمة فلا يرضون أبدا أن يتلاعب أطفالهم بالذرة ، ولا يقبلون من أحد مجرد التفكير في التلاعب بها. وبدأت فاطمة بتجميع حبات الذرة من وسط التراب ، لكنها قبل أن تتم ذلك دخل عليها زوجها ، فسألها ماذا تفعل ؟ فردت عليه أنها تلتقط بعضا من حبات الذرة التي شتتها الطفل . فرفع يده بكل قوتها وصفعها صفعة واحدة كادت أن تودي بحياتها . - كيف تسمحين لنفسك وتربين طفلك على اللعب بالنعمة أيتها التعيسة ؟ ما أنت إلا جائعة بنت جائعة ، ويبدو أنه لا ينفع معك غير الضرب والعنف ، وسنوفر لك ذلك حتى تتأدبين أيتها الخادمة القذرة . لم ترد فاطمة على زوجها والد طفلها ، لكنها اعتبرت ذلك غاية إهدار الكرامة وقمة الإهانة ، اعتبرت اللحظة لحظة اتخاذ قرار لابد منه مهما كانت التضحية. والإنسان – أي إنسان – تستضعغه وتسعى في انتهاك إنسانيته لا تتوقع منه أن يستكين إلى الأبد . فلكل إنسان خياراته التي يستخدمها ويستدعيها حسب حاجته ، وفي الوقت المناسب ، وإن صمت دهرا فإنه لا محالة سينطق ، ولو كفرا ، ولابد أنّه سيقابل عنفك بعنف أكبر منه ، وسيقول لك ولو بعد حين أنك أنت الذي بدأت ، والبادئ أظلم . ولِم أصلا نهين بعضنا بعضا ، ألسنا كلنا مكرّمون من لدن ربنا الذي خلقنا ؟ من منّا اختار خلق نفسه بنفسه فجعلها فوق خلق الله؟ والله منح بعضنا الحكمة ، والصمت تجاه بعض الأفعال حكمة بالغة ، لكن صمت الحكيم سيتبعه فعلٌ حكيم أيضا ، وأنت حين تفعل الفعل لا تستغرب ردة الفعل . يومين أو ثلاثة استعادت فيها فاطمة وتيرة الحياة العادية بعد أن امتصت حزنها الجديد . احتضنت ابنها طويلا ، انحنت فوق جبينه تقبّله وتشم رائحته ، وتكلمه كأنه قد بلغ الشباب والحكمة . تقول له أنها لن تتركه أبدا ، إما أن يبقيا سويا أو أن يذهبا سويا . تحدثه أنها اختارت من قبل أن تحيا وحدها ، لكن يبدو أنها لم تفلح رغما عما قدمته من تضحيات . وتؤكد له أنها لن تتركه يحيا وحيدا ليعيش تجربة الهمل فيستعبده أقرب الناس إليه ، ويهين كرامته ، ويستبيح إنسانيته . ستخرج من هنا ، ولن تعود ، وستأخذ وليدها معها ، إن توفر لهما العيش الكريم سيعيشان ، وإلا ماتا بكرامة وعزة نفس . والموت نفسه واحد من أهم خيارات الإنسان ، يريحه من كثير مما لم يتمكن من معايشته من الألم والحزن والغبينة . والموت راحة من العيش الهامشي .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 09-28-15, 08:44 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 09-29-15, 06:27 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 09-30-15, 05:10 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-01-15, 05:51 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | يوسف السماني يوسف | 10-01-15, 06:12 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-13-15, 07:45 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-02-15, 03:34 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-03-15, 02:28 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-04-15, 05:15 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | مامون أحمد إبراهيم | 10-04-15, 09:07 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-05-15, 05:14 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | أحمد الشايقي | 10-06-15, 11:40 AM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-06-15, 05:55 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-07-15, 05:40 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-08-15, 06:00 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-10-15, 09:07 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-11-15, 06:17 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-12-15, 06:25 PM |
Re: من سيرة أبو القنعان | ودقاسم | 10-14-15, 08:42 PM |
|
|
|