الأستاذ محمود: بين "إنصاف" عبدالله الفكي و "تحامل" محمد محمود. بقلم إبراهيم عبد النبي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-09-2024, 07:48 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-01-2015, 07:39 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 49030

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود: بين andquot;إنصافandquot; عبدالله الفكي و andquot;تحاملandquot; محمد (Re: Yasir Elsharif)

    الأستاذ محمود: بين "إنصاف" عبدالله الفكي و "تحامل" محمد محمود (2)


    إبراهيم عبدالنبي

    استعرضنا، في الحلقة الأولى، بعض (نتائج) و (خلاصات) د. محمد محمود، في كتابه، حتى انتهينا آخر الحلقة إلى تقريره إن (طه معادٍ للفكر)! وإن هذا (العداء) أثر على تلاميذه، بحيث (نمت لدى الجمهوريين ثقافة داخلية قوامها "عدم الثقة" في المعرفة المستقاة من الكتب)! ولذلك، لم يحوزوا إلا نزرا ضئيلا (كبسولات) من المعرفة الصوفية، هي حصيلتهم من الثقافة الشفاهية للمجتمع السوداني!!

    كما اطلعنا، في ذات الحلقة، على التقارير (اليقينية الجازمة) من الباحث عبدالله الفكي أنّ محمد محمود: (التزم منهجا علميا صارما في دراسته عن الأستاذ محمود) وأنه: (يكتب عن معرفة من الداخل بالفكرة الجمهورية وبالمجتمع الجمهوري)، وأنه: (بعيد كل البعد عن أولئك الذين وسمهم عبدالله الفكي بالمستنتجين للنتائج البكماء والخلاصات العرجاء)!!

    على هذا، وبما أن عبدالله الفكي أعلن أن كتابه يأتي بسبيل من (إنصاف) الأستاذ محمود، فإن تقاريره هذه عن كتاب محمد محمود، تجعله أحد رجلين: إما أنه لا يعرف (حقيقة) موقف الأستاذ محمود من (الفكر)! أو أنه (لم يقرأ) كتاب د. محمد محمود، واكتفى بآراء آخرين عن (الكتاب)، وأطلق تقاريره هذه، بناء على (آراء آخرين)!!

    ولأي سائلٍ محايد، أن يسأل الدكتور: إذا كان طه (معادٍ للفكر)، كيف يكون قد أنتج (فكرا)، يستحق أن تصدر كتابا في (تحليله)؟!؟ ثم، أليس ظلما أن يُوصَم بمعاداة الفكر، رجلٌ ظل طول وقته يدعو الناس، جميع الناس، إلى تحقيق (الفكر الذي يملك أن يفلق الشعرة، ويملك التمييز بين فلقتيها: أيهما أبيض، وأيهما أسود)!؟!

    لذلك: أفضلُ شيء، هنا، في مقام إثبات تحامل الدكتور، أن أورد بعض أقوال الأستاذ محمود الدالة على موقفه من (الفكر)، مثل قوله هذا:
    (ولسنا ندعُو، أولَ ما ندعُو، إلى شيءٍ أكثر، ولا أقل من إعمال الفكر الحر فيما نأتي وما ندع، من أمورنا _الفكر الحر الذي يضيق بكل قيد_ ويسأل عن قيمة كل شيء، وفي قيمة كل شيء، فليس شيء عنده بمفلت عن البحث، وليس شيء عنده بمفلتٍ عن التشكيك.. فلا يظننّ أحدٌ أن النهضة الدينية ممكنة بغير الفكر الحر، ولا يظننّ أحدٌ أن النهضة الاقتصادية ممكنة بغير الفكر الحر، ولا يظننّ أحدٌ أن الحياة نفسها يمكن أن تكون منتجة، ممتعة بغير الفكر الحر)!!

    علما بأن الأستاذ محمود يرى أن الشعب السوداني، تحديدا، هو أجدر، وأقدر الشعوب، على تحقيق قيمة (الفكر)! و التخلق بفضيلة (الفكر)!! فلنَسمع، ولنُسمع الدكتور، والباحث عبدالله الفكي، ما يلي:
    (أنا أعتقد أنه مافي مجتمع، من المجتمعات التي نعرفها، في مستوى يمكنها أن تتحسّن، ثم هي عاجزة عن التحسّن، زي بلادنا نحن! وسبب عجزها عن التحسّن أنه "الفكر" مُجْدِب! والشاعر قال: ولمْ أرَ في عيوبِ الناس عيْباً، كنقصِ القادرينَ على التّمامِ! فالسودانيين قادرين على التّمام، ثم ناقصين!! وأنا أفتكر نقصهم مُلتمس في أنه "الفكر" مُجدِب! إلى الحدود الأنّو الجهل يستعلن، ويحارب الفكر، ثم يجد من يسمع ليهو! ومافي دخيرة للبلد، ليتغير وضعه من هذا الجدب، في الفكر، إلا الشباب المثقف! ومافي أداة لتعين الشباب المثقف على "الفكر" وتجويد "الفكر"، وتصفية "الفكر"، كالنهج الإسلامي)!!

    و (للمفارقة) أن محمد محمود (خصّ بالشكر) في مستهل كتابه بعض زملائه (جمهوريين وآخرين)، قال إنه ظل لفترة طويلة يناقشهم في الفكرة الجمهورية. وقد عدّ من الجمهوريين دالي، وستيفن هوارد، وآخرين! وحيث أن الدكتور نسب الأستاذ إلى (معاداة الفكر) والجمهوريين إلى (ضعف الثقافة) من ثمّ، فإني هنا، أسأله، كما سأله د. القراي من قبل: هل يجد د. محمد محمود، في نفسه، أنه أكثر اطلاعا وعلما بالثقافة العامة، أو الدين، من هؤلاء الجمهوريين الذين ناقشهم، خصوصا (دالي وستيفن)؟؟

    على كلٍّ، الأمانة تقتضي أن أقرر هنا، أن هناك فعلا، اتجاه من اتجاهات (التفكير) –ولا أقول (الفكر)_ لا يرضاه الأستاذ محمود، على وجه التحقيق! هذا الاتجاه هو أن ينحو الإنسان، إلى أن يبيع "كرامة فكره" بحطام الدنيا! ومن ذلك أن يكون "الفكر" الذي يتبناه "غير أصيل"، و "متكلّف"، مجاراةً منه لتيارات معينة، وخدمة لأجندة أطراف أخرى، مقابل بعض "الحطام الدنيوي"! فعن هذا النوع من (اتجاه التفكير) يقول الأستاذ محمود ما يلي:
    (الإنسان منذ أن وجد، قبل الأديان، كان عنده شعور بالحاجة للحرية! الحاجة للحرية حاجة مودعة فينا، موش شيء بنتكلّفوا، ولا هو ترف، ولا هو نافلة! شيء مودع فينا، زي حاجتنا للطعام! حاجتنا للحرية زي حاجتنا للطعام! الجسد، أو المعدة بتجوع، والعقل بجوع! غذاء المعدة الطعام، وغذاء العقل الحرية! لكن الإنسان بطبيعته، لنشأته الحيوانية، بِشعر بحاجة المعدة، قبل ما يشعر بحاجة العقل! وبطبيعة الحال، من أجل دا، كتير من الناس بسخّروا عقولهم لإشباع معداتهم! حتى الإنسان يبيع "كرامة فكره"، بحطام الدنيا، البشْبِع معدته! دا طبعاً الجانب الحيواني فينا! لكن ما من شك أنّنا كلّ مرة بنرتفع من الجانب الحيواني، لنشرّف الجانب الإنساني)!!

    وعلى ضوء هذا القول، أواصل استعراض وجه آخر من وجوه (المعرفة من الداخل) _اقرأ: (وجوه التحامل)_ في كتاب محمد محمود.. فقد ألصق على صفحة (32) من كتابه (خلاصة) أخرى متحاملة من خلاصاته (الجاهزة)! هذه المرة ليصم "دور الجمهوريين" في تأسيس أركان النقاش، وإدارتها! علما بأن (فضل) الجمهوريين في تأسيس أركان النقاش، وإرساء ثقافة الحوار السلمي، بتواضع وأدب، في الشارع والجامعات، واحتمال صنوف الأذى في ذلك، أمر اعترف لهم به حتى غلاة معارضيهم! ولكن الدكتور، من باب التعريف ربما، يحمل خلاصة (مسبقة) جاهزة، لا بد من إلصاقها على هذا الدور التاريخي! ولم لا، فالدكتور يسعى إلى تقديم طه، وفكره، وحركته، إلى القراء الذين لا يملكون معرفة (مسبقة)!

    يقول الدكتور عن دور الجمهوريين في تأسيس الأركان، على صفحة (32) من كتابه، ما يلي:
    (كانت حركة الجمهوريين العامة في الشوارع لافتة للنظر، فأنت تراهم في مجموعات من اثنين أو أكثر يجوبون شوارع معظم المدن والأرياف يناقشون الجمهور، والمشاة، وقد أصبح هذا منظرا مألوفا في معظم المدن والمحليات. فالجمهوريون كانوا أول من أسس نشاط أركان النقاش في جامعة الخرطوم. وقد انتشرت هذه الممارسة من ثم إلى بقية الجامعات. والجانب الصارخ في حركة الجمهوريين هو مشاركة النساء في الحركة العامة بالشوارع في نشاطات المجموعة، وقد كانت هذه المشاركة العامة مخالفة لما هو معهود في المجتمع السوداني الذكوري. إلا أنه من المهم، على كل حال، أن أؤكد أن الجمهوريين لم يكونوا يمارسون نشاط الأركان بأريحية وعقل مفتوح، بل كانوا يتبنون نهجا دعويا صفويا منطلقين من كونهم يمتلكون حقيقة الإسلام وأنهم هم معلمو الشعب، معتقدين بشدة أن المسألة مسألة وقت حتى يقتنع الناس بالحق الذي عندهم)!!

    لنسمع (لنتيجة) و (الخلاصة) النقدية (المهمة) مرة أخرى:
    (إلا أنه من المهم، على كل حال، أن أؤكد أن الجمهوريين لم يكونوا يمارسون نشاط الأركان بأريحية وعقل مفتوح، بل كانوا يتبعون نهجا دعويا صفويا منطلقين من كونهم يمتلكون حقيقة الإسلام وأنهم هم معلمو الشعب، معتقدين بشدة أن المسألة مسألة وقت حتى يقتنع الناس بالحق الذي عندهم)!!

    هذه النتيجة لا علاقة لها بالمقدمة! بل هي مجرد حكم قيمي (جاهز)، وإسقاط متعمد، ألصقه الدكتور على الحقيقة التاريخية التي سردها، ليكسبه صفة (الموضوعية)، والحياد! وإلا فأين النتيجة (صفويون)، من المقدمة ("يجوبون" الشوارع و"يناقشون" "الجمهور" و "المشاة")؟؟ إن هذا التقرير يعكس للأسف، أن الدكتور، في سبيل حرصه على إسقاط خلاصاته القيمية (الذاتية) الجاهزة، لا يلقي بالاً حتى إلى معنى (المصطلحات) التي يستخدمها، ومدى انطباقها، على الوقائع التي يتصدى لها!

    لا ريب عندي، فيما أعتقد، أنّ لدى د. محمد محمود مشكلة أساسية تجاه (طه) و (الجمهوريين)! وهي مشكلة ربما تكون ناتجة من (شعور) معين تجاه الأستاذ محمود، والجمهوريين، نتيجة جولات نقاشه مع الأستاذ، أو مع الجمهوريين، خصوصا من (خصهم بالشكر) في كتابه! ولعلنا نستطيع أن نتحسس (جانبا) من (المشكلة) في قول الدكتور هذا، على صفحة (34) من كتابه:
    (من المؤكد أن موت طه قد خلق لدى الجمهوريين أزمة قيادة، حيث كان طه هو مركز القيادة الروحية والتنظيمية للحركة. وبالتالي لم يكن مفاجئا أن تحدث أزمة قيادة لدى الجمهوريين. ولكن ليس هذا هو كل الأمر، فيما يتعلق بالصدمة القاسية التي حاقت بالجمهوريين. فالأزمة الحقيقية لحركة طه ليست أزمة قيادة، بل يمكن وصفها على أنها "أزمة استقلال فكري"! ذلك أنه، بالرغم من أن طه يركز في تنظيره على مفهوم "الحرية"، بل "الحرية الفردية المطلقة"، إلا أن هذا الجانب بالتحديد هو ما فشل في أن "يعطيه" لتلاميذه! فالحركة الجمهورية التي أنشأها مثلت انعكاسا لمفهومه هو للوصاية، حيث "لكل لطيف سلطان طبيعي على كل كثيف"! وكانت نتيجة هذه الوصاية الفكرية الشاملة التي مارسها على أتباعه، أن افتقرت حركته إلى المصادر الداخلية اللازمة لإنجاب القامات الفكرية والروحية من داخلها، مما جعلها غير قادرة على الاستمرار بعد وفاته)!!

    أعيد خلاصة الدكتور حول (الأزمة الحقيقية للجمهوريين) مرة أخرى لمصلحة مناقشتها:
    (الأزمة الحقيقية لحركة طه ليست أزمة قيادة، بل يمكن وصفها على أنها "أزمة استقلال فكري"! ذلك أنه بالرغم من أن طه يركز في تنظيره على مفهوم "الحرية"، بل "الحرية الفردية المطلقة"، إلا أن "هذا الجانب بالتحديد" هو "ما فشل في أن "يمنحه" لتلاميذه"! فالحركة الجمهورية التي أنشأها مثلت انعكاسا لمفهومه هو للوصاية، حيث "لكل لطيف سلطان طبيعي على كل كثيف"!)!!

    الأزمة، إذن، ليست أزمة (قيادة) فحسب! بل هي أزمة (استقلال فكري) سببها الأساسي وجود أزمة (فكر) و (التزام) وأزمة تسلط (وصاية) لدى المفكر (طه)!! ولا شك أن هذه، بالطبع، (خلاصة) أخرى (مسبقة) في سياق التعريف بطه وفكره! ولنا أن نسلّم أيضا، كما يريد عبدالله الفكي، أنها (أبعد ما تكون من "النتائج البكماء" و "الخلاصات العرجاء") التي استخلصها الناقدون الآخرون (المغضوب عليهم)! من منطلق أن عين (الرضا) عن كل عيب (كليلة)، بالطبع!

    على كل حال، أول ما يُقال في دحض خلاصة محمد محمود هذه، أن أبجديات المعرفة بعلوم الدين، و (فلسفة الدين) على الأخص، بل ما تعطيه البداهة، حتى من التركيب اللفظي لمصطلح (الحرية الفردية المطلقة)، أنه لا يمكن (لإنسان) أن (يمنح) أو (يهب) الحرية الفردية المطلقة (لإنسان) آخر! ذلك أن (الحرية الفردية المطلقة) _بين قوسين_ إنما هي (هبة من الله تعالى) ينعم بها تعالى _(أي: يمنحها)_ على من أحسن العبودية له، وأسلم _عن وعي ورضا_ إرادته المحدثة إلى الإرادة الإلهية القديمة! وحتى في هذه، فإن غاية الفرد البشري، في هذا المضمار، السير السرمدي باتجاه التخلق بأخلاق الذات، في (الحرية الفردية المطلقة)! وهيهات!! بل إن (الحرية)، من حيث هي، إنما هي (نفحة من نفحات الإطلاق تضوعت على أهل الأرض)، فيما يقول الأستاذ محمود!

    وللمرء أن يتساءل: هل لم يمر الدكتور، في سياق اطلاعه على "فكر طه"، على قول الأستاذ أن (الحر حرية فردية مطلقة، في الحقيقة، هو الله)، بدليل أنه (لا يُسألُ عمّا يفْعل! وهُمْ يُسألون)!؟؟ حيث: (لا يُسأل عمّا يفعل) تعطي الإطلاق! و (هم يُسألون)، تعطي القيد!

    كنتُ أود لو أستطيع أن أقول إن الدكتور ربما لا يكون قد مرّ على هذا القول، بسبب من كثرة أقوال الأستاذ محمود، وكتاباته! ولكن للأسف: لا!! فالدكتور (اطلع)! بل (يعرف) أن الأستاذ يقول: (الحرية الفردية المطلقة لا تمنح ولا توهب)! ولكن يبدو أنه كان مستغرقا بإثبات (خلاصته المسبقة) التي تدين الأستاذ، ربما تنفيسا عن (حيرته)! وعدم (فهمه)! لسر التوقف (المفاجيء والتام) لحركة (طه) إثر (موته)! فقد مهد الدكتور لخلاصته هذه الواردة على صفحة (34)، على طول صفحتين قبلها (من 32 إلى 34) بحديث مطول عن حركة الجمهوريين، قال فيه إنها حركة (محيرة) و (مربكة)، وإنه من الصعب أن يفهم المرء، أو يجد تفسيرا، للتوقف المفاجيء والتام لحركة الجمهوريين فورا إثر (وفاة طه)! ثم ألصق فيما يبدو أنه تنفيس عن هذه الحيرة والربكة (خلاصته المسبقة) عن (سر التوقف المفاجيء والتام لحركة طه إثر موته)!

    ومما يثبت أن الدكتور يعرف عكس ما خلص إليه، أنه، أدلى على صفحة (138) بتقرير مغاير!! ظنّا منه، ربما، أن مرور صفحات كثيرة كهذه قد تكون (طمرت) خلاصته المتحاملة، و (غبّت أثرها) على القاريء! فقد عمد الدكتور إلى إيراد (خلاصة جاهزة) أخرى، مغلوطة، تناقض (خلاصته) هذه، وتثبت أن (الحرية الفردية المطلقة) ليست شيئا يمكن لطه، أو أي بشر غيره، أن يعطيه للآخرين! ولا بد للآخرين من العمل الجاد وفق المنهاج لتحقيقها! ولا يظننّ أحدٌ أن الدكتور أورد هذا القول لإنصاف (طه)! لا!! بل قاله لإدراج (خلاصة جاهزة) أخرى: (من أجل تعريف القاريء الذي لا يملك "معرفة مسبقة"، بالرجل وفكره) بالطبع!!

    فعلي صفحة (138) من كتابه _أي بعد مرور مائة وأربعة (104) صفحة على (خلاصته) في صفحة (34)_ يقول الدكتور عن الأستاذ محمود وفكره ما يلي:
    (هناك جانب هام في مفهوم طه للحرية الفردية المطلقة، وهذا الجانب يتعلق بطريقة تحقيقها! فعلى ضوء اعتناقه لمذهب التسيير (الجبر)، كان من المتوقع أن يقول طه إن الحرية هبة من الله ينعم بها على البشر. ولكنّه يقول إن الحرية لا يمكن أن تكون هبة من الله! ولا بد للمرء أن يبذل مجهودا جادا لتحقيقها. وهذا المجهود الجاد يجب أن يكون منظما وموجها وفق منهاج يحدده هو في نظريته حول "تقليد النبي"، حيث يعيد تركيب محمد كنموذج. علما بأن المنطق الداخلي لنظريته هذه يقتضي أن يكون "محمد" شخصا حقق فعلا الحرية الفردية المطلقة، وهذا تحديدا ما يدّعيه طه). 12

    (An important aspect of Taha’s concept of absolute individual freedom is the modality of its realization. In light of his determinism, it might be expected that he would maintain that freedom is bestowed upon human beings. Yet, he argues to the contrary that freedom can never be a gift and one has to work hard to attain it. This hard work has to be systematic and structured and in accordance with the method (minhaj) he outlines in his theory of prophetic imitation, wherein he reconstructs Muhammad as a model. The inner logic of his theory of prayer requires that Muhammad be someone who has actually attained absolute individual freedom, and this is precisely what Taha claims)12.).


    أولا: ألفت النظر إلى نقل الدكتور المغلوط، والمبتور، لأقوال الأستاذ محمود، ليثبت خلاصته هو (المسبقة)! فالدكتور يقول إنه (كان من المتوقع، باعتبار اعتناق "طه" لمذهب "التسيير"، أن يقول إن "الحرية هبة من الله" ولكنه، مع ذلك، يقول "الحرية لا يمكن أن تكون هبة من الله")!! فقوله: (كان من المتوقع) مجرد ذر للرماد في العيون!! فهو يعرف أن (طه) يقول إن الحرية (منحة) من الله! وهذا أساس تعريف الأستاذ للحرية، في نفس الموضع الذي نقل منه! ولكنه للأسف، اختار أن (يتقول) هذا التقول (المجحف) على الأستاذ محمود! فالأستاذ محمود يقول تحديدا (عكس) ما نسبه الدكتور إليه!

    وأنا، هنا، ومن أجل إقامة الحجة على الدكتور أضع، للقاريء الكريم، خلاصته السابقة هذه من صفحة (34): (ذلك أنه، بالرغم من أن طه يركز في تنظيره على مفهوم "الحرية"، بل "الحرية الفردية المطلقة"، إلا أن هذا الجانب بالتحديد هو ما فشل في أن "يعطيه" لتلاميذه!)، مقابل خلاصته اللاحقة هذه من صفحة (138): (ولكنّه يقول إن الحرية لا يمكن أن تكون هبة من الله! ولا بد للمرء أن يبذل مجهودا جادا لتحقيقها)، لأثبت (التحامل) في خلاصته الأولى التي دمغ بها طه على أنه (فشل تحديدا في أن "يمنح" الحرية الفردية المطلقة لتلاميذه رغم تنظيره الكثير عنها)! فهو يقرر بنفسه إن (الحرية لا يمكن أن تكون هبة من الله! ولا بد للمرء أن يبذل مجهودا جادا لتحقيقها)! فهذه الخلاصة الثانية تجعل تحقيق (الحرية) متوقف على (بذل مجهود جاد من جانب الأفراد)! وهذا يعني أن (طه) لا يمكنه أن يمنحها لتلاميذه! وبالتالي يثبت (التحامل) في الخلاصة الأولى!

    ولكن، ما يدعو إلى الأسف والأسى حقا، هو أن ما نسبه الدكتور إلى (طه) في خلاصته (الثانية) هذه، إنما هو مجرد (تقول واختلاق وإسقاط) من جانبه! ولكن: لم لا يسقط ما يريد؟؟ فهو يكتب (عن معرفة من الداخل)!! وأهو: كلّه في سياق تقديم الرجل وفكره وحركته للناس!! وإنصافه منهم!!

    للعلم، ولتصحيح ما أورده الدكتور، الأستاذ محمود (وبعكس ما نسبه إليه الدكتور) يقول إن الحرية، من حيث هي، في أي مستوى كانت، إنما هي (نفحة أي _هبة_ من الله)! ولهذا فهي حق أساسي للفرد البشري، وليست منحة من بشر، وعلى هذا لا يحق لأي فرد بشري، أيا كانت سلطته، مصادرة حرية فرد آخر، في أي مستوى، إلا بموجب قانون دستوري، إثر سوء تصرف ثابت قانونا، من جانب ذلك الفرد في ممارسة حريته! ويقول إنه أي دستور لا ينص على حق الحرية، ليس بدستور، على الإطلاق!

    فلنسمع الأستاذ يحدثنا في كتابه (الرسالة الثانية من الإسلام) عن (الحرية)، بخلاف ما نسب إليه د. محمد محمود:
    (كثير من الفلاسفة يرى أن الحديث عن الحرية الفردية المطلقة نافلة من القول، وإلا فحرية الفرد يجب أن تكون مقيدة، إن لم نرد لها أن تصبح فوضى. وأما الإسلام فهو يرى أن الأصل في الحرية الإطلاق، وإننا حين نتحدث عن الحرية، من حيث هي، وفي أي مستوى كانت، إنما نتحدث عن الإطلاق، من حيث لا ندري، ذلك بأن الحرية المقيدة إنما هي "نفحة" من نفحات الإطلاق "تضوعت على أهل الأرض" بقدر طاقتهم على احتمالها، فكأنّ القيد ليس أصلا، وإنما الأصل الإطلاق، وما القيد إلا لازمة مرحلية تصاحب تطور الفرد من المحدود إلى المطلق. فالحرية في الإسلام مطلقة، وهي حق لكل فرد بشري، من حيث أنه بشري، بصرف النظر عن ملته أو عنصره، وهي حق يقابله واجب، فلا يؤخذ إلا به، وهذا الواجب هو حسن التصرف في الحرية. فلا تصبح الحرية محدودة إلا حين يصبح الحر عاجزا عن التزام واجبها، وحينئذ تصادر في الحدود التي عجز عنها، وتصادر بقوانين دستورية..)!!

    قارنوا بين تقرير محمد محمود هذا: (على ضوء اعتناقه لمذهب التسيير (الجبر)، كان من المتوقع أن يقول طه إن الحرية هبة من الله ينعم بها على البشر. "ولكنّه يقول إن الحرية لا يمكن أن تكون هبة من الله!") وبين قول الأستاذ هذا: (إننا حين نتحدث عن الحرية، من حيث هي، وفي أي مستوى كانت، إنما نتحدث عن الإطلاق، من حيث لا ندري، ذلك بأن الحرية المقيدة إنما هي "نفحة" من نفحات الإطلاق "تضوعت على أهل الأرض" بقدر طاقتهم على احتمالها)!!

    هذا حول (الحرية) و (الحرية الفردية المطلقة) و (خلاصات) الدكتور، و (تقولاته) المتناقضة بخصوصها! فماذا عن (حركة الجمهوريين)؟؟

    أولا: مجرد سؤال، للعلم: ما هو نوع (الحركة) الذي يريد الدكتور للجمهوريين أن يتبنوها الآن؟ ولماذا يريد لهم أن يظلوا يجوبون الشوارع، كما كانوا يفعلون، في وقت الانتشار الواسع، هذا، لوسائط الاتصال، التي قلّصت العالم إلى (شاشة موبايل)، كما نقل الأستاذ عيسى إبراهيم، عن أحد الجمهوريين!

    ثانيا: ألا يعلم الدكتور، بحكم اطلاعه على (الفكر) الذي عكف على تحليله، أن مجال الحركة الأساسية عند الجمهوريين أنفسهم! وأن القصد المعلن من الحركة الخارجية، كان هم الجمهوريين أنفسهم، في الأساس! وقد حدث أن أوقف الأستاذ الحركة الخارجية أكثر من مرة، دون أن يوقف الحركة الداخلية في الجلسات والترشيد! ذلك أن التغيير، في فكر الأستاذ، أساسه الداخل لا الخارج؟؟ ويشهد على هذا العديد من أقوال الأستاذ، من قبيل هذا القول:
    (التغيير، عندنا، يجب أن يبدأ من النفس البشرية!! يبدأ من داخل كل نفس!! فان نحنُ غيّرناها إلى ما هو أحسن، أمكن أن نغيِّر، إلى الأحسن، غيرنا.. وإلا فلا!! فان "فاقد الشيء لا يعطيه")!!

    وهذا القول أيضا:
    (لما كان الفكر الثوري فكراً دقيقاً، وأصيلاً، ونفاذاً، وسليماً، فإن تغييره للواقع لا بد أن يبدأ من داخل النفس البشرية!! ذلك بأن أي تغيير يقتصر على الخارج _على البيئة البشرية، والبيئة الطبيعية_ أعني: المجتمع، والطبيعة، لا يكون تغييراً سليماً، ولا مستقيماً!! ذلك بأن التغيير الخارجي، إنما هو صورة للداخل، أعني: للنفس البشرية!! فإذا كانت النفس خربة بالأحقاد، والضغائن، والعداوات الرعناء، في كلمة واحدة: بالجهل، فإن هذا الخراب يطبع بطابعه التغيير الذي يجري في المجتمع، وفي البيئة)!!

    على كل حال، نعود إلى (الصفوي)!! فالصفوي، في جانب من جبلاّته، هو من يجعل من عقله المجرد حكما على الأشياء، لدرجة أنه، عندما يعجز عقله المجرد عن إدراك الأشياء، (يتخذ من عجزه فضيلة)، فينكر الأشياء، ويجحد وجودها! وهذا معنى القول: (يتخذ من عجزه فضيلة)، كما يشرح الأستاذ! الصفوي ينكر الشيء، ويجحده، لمجرد (عجزه) هو عن إدراكه! وهذه (الصفوية) في أوضح تجلياتها، من حيث أنها وجه آخر للتعالي الأجوف، والتكبر! فالصفوي، مثلا، إن عجز عقله عن إدراك وجود الله، لجأ إلى الطريق الأسهل، وهو نفى وجود الله، ليستريح! وإن عجز عن إدراك الحكمة من الدين والنبوة والرسالة، ودورها جميعا في تطور الخلق، وتقدم البشرية، نفى وجودها وأنكره! وقد قرر الأستاذ عن مثل هذا الشخص إنه (ليس خليقا بأن يحاضر الناس في أي مستوى من المستويات)!!

    حضر، ذات مرة، أحد الشباب إلى الأستاذ محمود، وقد كان رافضا لفكرة وجود الله! وتحدث للأستاذ، بما مفاده، عدم وجود حاجة لأن نحشر شيئا لا نعرفه في تفاصيل حياتنا.. فسأله الأستاذ محمود، بما معناه: كدي إنت هسّع فكّر شوية: هل، في تفاصيل حياتك دي، كل شيء عاوزو بتكون قادر عليهو، ومسيطر عليهو، لتنفّذه! فقال الشاب، بعد سكوت: طبعا في "حتّة بسيطة" كدا الواحد ما بكون عندو سيطرة عليها! فقال له الأستاذ: أهو "الحتّة البسيطة"، الما عندك سيطرة عليها دي، الله! فتّش عليها، بتلْقاهُو!

    يجب أن أقرر، هنا، ما ينبغي أن يقرره كل منصف، وهو أن الأستاذ محمود وتلاميذه، أبعد ما يكونون عن (الصفوية)! وقد شهد لهم في هذا الكثير من الأعداء! بل هم (متواضعون)! و (التواضع) كما يقول الأستاذ محمود هو: (شيمة الإنسان المفكر)! وهو: (أصل الخلق الرصين الذي يسوق إليه العلم الصحيح)! وهو: (أقرب الخصال إلى المعرفة وإلى الله! ومن أجل دا نحن بنضع أنفنا دا _مكان العزة_ بنضعوا في الرغام، في التراب)!!

    وبما أن الدكتور، قد تصدي لتحليل فكر (طه)، وهي مهمة خطيرة، كان يفترض أن يكون، على الأقل، قد اطلع في كتابات (طه) على ما يدل على هذا (التواضع الفكري)! ولكن يبدو أن الدكتور، كما قلت، مشغول بالبحث عن مواضع بين أقوال الأستاذ لينصب فيها خيام (خلاصاته المسبقة)، من أجل أن يعكسها للقراء الغربيين الذين لا يعرفون العربية، ولا يمتلكون معرفة (مسبقة) بالرجل (طه) وفكره، وحركته!!

    لذلك: أثبت هنا مثالين فقط، من ضمن أمثلة عديدة على (التواضع الفكري) الذي هو (أصل الخلق الرصين الذي يسوق إليه العلم الصحيح)! فالأستاذ محمود لا ينكر الأشياء ولا يحكم بعدم وجودها لمجرد أنه لا يعلمها! ثم إن (تواضعه الفكري) يجعله لا يتحرج من القول أنه (لا يعلم)، عندما لا يملك إجابة حاضرة على مسألة ما! وهذا أبعد شيء عن (الصفوية) التي يحاول الدكتور أن يلصقها بالأستاذ محمود، وبفكره، وبتلاميذه!

    ففي ندوة (لا إله إلا اله )، بمدينة الأبيض، التي ختمتها (ضربة) عنيفة بعصا وجهها أحد المهووسين إلى رأس الأستاذ محمود، (عفا الأستاذ عنه فيما بعد)، سأل أحد الحضور الأستاذ عن السر في تركيب كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) من اثني عشر حرفا، واتفاقها في ذلك مع كثير من الأشياء في الكون المكونة من اثني عشر حرفا، مثل منازل القمر، والشهور، والساعة! فأجاب الأستاذ بما يلي:
    (طبعا مسألة العدد فيها حكمة، زي ما سأل السيد: يقصد أنه مثلا أنها المنازل اتناشر، الحروف اتناشر في لا إله إلا الله، لا بد أنه في حكمة في المسألة دي! ولا بد أنها الحكمة في! لكن أنا ما عارفها)!!

    وفي جلسة داخلية _عام 1968_ (عن الصلاة وهي مسجلة وموضوعة على موقع الفكرة) سأل أحد الجمهوريين (محمد أدروب أوهاج) السؤال التالي: (عندي سؤال في الصلاة، أولا عاوز أسأل من حكمة توقيت الصلوات الخمسة المفروضة، وبعدين عدد الركعات، برضو؟)

    فأجاب الأستاذ بما يلي:
    (مسألة توقيت الصلاة في مواقيتها المشهورة وعدد الركعات فدا ما بيحضرني فيهو شيء! ونتعرض أنا وإياكم للفيوض الإلهية فيه! عندما يجيني فيهو حاجة بقول لكم! لكن ما عندي فيه حاجة في الوقت الحاضر! وما من شك أنه عندو أسراره! دي الحاجة اللي نحن يجب أن نعرفها: هو مؤكد عنده أسراره! ومؤكد نحن مفروض أن نعرف الأسرار دي! الفقهاء بيقولوا دا ما بخصنا! غايتو هي أخذت بالصورة دي ونحن نؤديها.. أخذت كدا، ودا ما بخصنا! لكن: ما من شيء كلمنا الله عنّو، وفرضه علينا، إلا المقصود أن نعرفه! فأنا ما بيحضرني فيها شيء هسع! وانتوا كلكم اتوجهوا بافتقاركم إلى الفيوض الإلهية في نفس الوقت!)!

    جدير بالذكر، في هذا المقام، أن الدكتور، بعد أن قرر أن (طه) فشل في أن يمنح (الحرية الفردية المطلقة) لتلاميذه، أصدر قرارا آخر، في نهاية صفحة (43) و بداية صفحة (44) من كتابه، نزع بموجبه مفهوم (الفردية) نفسه من (طه)! فقال إن (طه) أخذ مفهوم (الفردية) من أفكار المذهب الليبرالي الغربي!!

    و د. محمد محمود، بقراره هذا، أحد رجلين: إما أنه يجهل مفهوم (طه) حول (الفردية)، أو أنه يجهل مفهوم (الفردية) في الفكر الليبرالي الغربي! وبما أن الاحتمال الأول مستبعد، لاعتبار أن محمد محمود يكتب عن معرفة من الداخل بالفكرة الجمهورية (كما أكد الباحث عبدالله)، ولاعتبار تصديه لتحليل فكر (طه) _إذ ليس من الحكمة أن يتصدى المرء لتحليل ما لا يعرفه_ نجد أمامنا الاحتمال الثاني، والذي هو أيضا مستبعد (لاعتبار اللقب العلمي الرفيع الذي يحمله الدكتور)! وعلى هذا، لا يبقى أمامنا، في ظل غياب كلا الاحتمالين، سوى تعمد (التحامل) على (طه)، من جانب الدكتور!

    وقد كانت الأمانة العلمية تستوجب أن يوفر الدكتور للقاريء رأي الأستاذ محمود حول (الفردية)، ويضعه مقابل رأي المذهب الليبرالي، حتى يكون تقرير الدكتور موضوعيا، وعلميا! خصوصا أنه أعلن أن غرض كتابه هو تقديم فكر (طه) وحياته وعوامل تكوينه الفكري الروحي، لقراء لا يملكون معرفة (مسبقة) بها جميعا، حسبما أورد على صفحتي (11) و (12) من كتابه! فهل لم يقرأ الدكتور، مثلا، قول الأستاذ إن (مذاهب الحضارة الغربية بجعلها جهد الإنسان الذهني كله مركز في تحصيل قوته قد مسخت "فرديته" وأثبتت فشلها)؟!؟ ولماذا لم يقدم الدكتور أقوال الأستاذ المفصلة عن (فشل) الحضارة الغربية، و قوله إن الفكرة الجمهورية هي التي سوف تصحح أخطاء الحضارة الغربية، وتحل محلها؟؟ أم أن هذا ليس من ضمن أولويات الدكتور في (تعريف القراء بفكر طه)؟؟

    على كل حال، ينبغي أن نذكّر الدكتور برأي الأستاذ محمود الحاسم في (الفردية) عند الليبراليين الغربيين، إن كان لا يذكره، فربما يكون قد (فات عليه) في زحمة انشغاله بإلصاق نتائجه وخلاصاته (المسبقة) في ذيل مقتطفاته المنتقاة (بعناية)، من أقوال الأستاذ محمود!

    يقول الأستاذ عن مفهوم (الفردية) و (الحرية الفردية) وفق المذهب الليبرالي الغربي، ما يلي:
    (فض الكبت إنما يعني التسامي فوق قوانين الجماعة، بعدم الحاجة للتورط تحت طائلتها، لا برفع القيد عن الممارسة، كما ظن الغربيون، حين يتحدثون عن تحرير الغرائز.. فالتحرير إنما هو تحرير للغريزة من الخوف، ومن الكبت، الذي لواها، وتحرير للبنية من آثار الكبت الذي شوهها، وقبضها، وحجّرها.. فهذا التحرير إنما هو اتجاه في السير الرأسي يبقي على قوانين الجماعة، ويطلق، في ذات الوقت، طاقات العقل، والقلب والجسد، وما هو بالسير الذي يرتد بالحياة إلى حيث فارق الإنسان الحيوان في أول ظهور العقل البشري.. لقد تجسدت في عصرنا الحاضر، الحاجة لفض الكبت بصورة لم يسبق لها مثيل، ولقد أخذت الحياة الإنسانية، على ظهر هذا الكوكب، في الارتداد إلى مستويات خلّفها الإنسان منذ زمن بعيد!! فالثورة الجنسية، وثورة الرفض، إنما تمثلان هذه الردة، حيث بدأ الرافضون يستبيحون فيما بينهم، من العلاقات ما ظلت البشرية حفيظة عليه منذ فجر النشأة، وقد دفعت في الحفاظ عليه الكثير من دمها، ومن عرقها، ومن دموعها.. أكثر من ذلك!! فقد اتجهت بعض البرلمانات الغربية إلى النظر في مشاريع قوانين لإباحة ما اجتمعت البشرية، على اختلاف نحلها، وألوانها، وعقائدها، على تحريمه، فأعلنت بذلك عن إفلاسها وعن أفول شمس حضارتها، بأعلى صوت!! هذا ما فهمته الحضارة الغربية لمعنى فض الكبت، وهو معنى ظاهر الخطل، والبطلان، إذ هو الاسترسال في غير مسئولية أخلاقية!! والممارسة للّذة، بغير مسئولية، ليست حرية وإنما هي فوضى!! وما يكون للفوضى أن تثمر سلاما، فأنت لا تجني من الشوك العنب!)!!

    هذا عن رأي الأستاذ في (الحرية الفردية) بالمفهوم الليبرالي! أما ملخص مفهوم الأستاذ للحرية الفردية فهو أنها تبدأ من (الالتزام الأخلاقي)، للفرد، ولا يكون لها حد، إلا حدا يستلزمه عدم إحسان التصرف فيها! فالأستاذ محمود يقول:
    (بداية الأخلاق ضبط الغرائز، الذي كانت تتطلبه المجموعة الأولى من الفرد، ليكون اجتماعياً!! ونهاية الأخلاق هي حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة)!!

    فالحرية الفردية، في فكر الأستاذ محمود، لها (ضابط) هو (حسن التصرف فيها)! و (حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة) يعني أن يعيش صاحب الشريعة الفردية فوق شريعة الجماعة، ولا يتورط إطلاقا في خرق قانون الجماعة! أما (نهاية) حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة، فهي أن لا يكون في كل ما يأتيه ويدعه صاحب الحرية الفردية، إلا الخير والبر بالأحياء والأشياء!

    الغريب أن د. محمد محمود، في سياق تحامله على الأستاذ محمود، ولكي ينفي الفضل عن الأستاذ في قوله بمبدأ (الفردية) في الإسلام، يتبنى (حجة الفقهاء)! و (موقف الفقهاء)! من فكر (طه)!!! فالدكتور يحدثنا (صفحة 44 – 45) أن طه يستخدم (آيات متعلقة بالآخرة) و (بأحداث متجاوزة للتاريخ)، ليدلل بها على مفهومه للفردية، في الإسلام!!! لنسمع الدكتور:
    (بالرغم من أن طه يصر على أن ما أتى به من فهم للفردية ناتج عن تلقي كفاحي من القرآن، فإنه بلا شك قد استمده من أفكار المذهبية الليبرالية الغربية، حيث طور هذه الأفكار ليؤكد فكرته هو عن "الفردية". أما فيما يخص استدلال طه بالآيات من قبيل: (لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة) والآية (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا)، فإنه وبالرغم من أن سياق هذه الآيات يتعلق بالآخرة وبأحداث متجاوزة للتاريخ وليست من عالمنا هذا، أو أنها جزء من حدث خلاص خاص، إلا أن طه يخضع هذه الآيات لمبدأ تأويله التوحيدي، الذي يقول به إن "كل ما كان، وسيكون، هو كائن الآن"! وبالتالي فهو يقرأ هذه الآيات على أنها تقرر مبدأ أساسي في علاقة الإنسان بالله، ليس في الآخرة فحسب، بل في هذه الحياة)!!

    هل هذه حجة؟!؟ إذن: ما رأي الدكتور في الآيات الأخرى (غير المتعلقة حرفيا بالآخرة) ولا (بأحداث متجاوزة للتاريخ) بل متعلقة بمعيشة البشر في هذه الحياة، ودالة على (الفردية) من قبيل الآية: (كل نفس بما كسبت رهينة)، والآية: (ونرثه ما يقول ويأتينا فردا)! والآية: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم: ألستُ بربكم؟؟ قالوا: بلى!! شهدنا!! أنْ تقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين!)!! بل الآية: (قل: إنما أعظكم بواحدة: أن تقوموا لله، مثنى، وفرادى)! وما هو المعنى الذي تبعثه في ذهنه الفاصلة في الآية التي قبلها: (أنْ تقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين!)!؟ بل ما رأيه بالأمر في الآية الأخيرة: (إنما أعظكم بواحدة: أن تقوموا لله، مثنى، وفرادى)! ماذا تعني (مثنى) وماذا تعني (فرادى)!

    أخشى أن يلجأ الدكتور مرة أخرى إلى (جحر) الفقهاء، ليقول إن (مثنى) تعنى (صلاة الجماعة)، و (فرادى) تعني (صلاة كل زول براهو)!

    على كل حال، لا أعتقد أن الدكتور يجهل الآيات، والحجج الكثيرة التي يوردها الأستاذ محمود، للتدليل على مبدأ (الفردية) في الإسلام، ولكن الدكتور، لأمرٍ ما، مشغول (في كتابه) بإصدار (الأحكام القيمية) على شخص الأستاذ محمود، والبحث عن مواضع بين أقوال الأستاذ ليلصق عليها (خلاصاته الجاهزة)، أكثر من انشغاله بفكر الأستاذ محمود، الذي يدعي أن كتابه مخصص (لتحليله)!

    وفي تقديري الخاص أن اتهامات الدكتور (المتناقضة) للأستاذ بمعاداة الفكر، وفشله في إعطاء الحرية الفردية لتلاميذه، وقلة اطلاع الجمهوريين وضآلة معرفتهم بالثقافة العامة، وتبنيهم أسلوبا (دعويا صفويا)، واعتقادهم أنهم يملكون (حقيقة الإسلام)، هذه الاتهامات كلها محاولة للتنفيس عن شعورٍ ما، هو نتاج تجربة شخصية للدكتور، من واقع مناقشاته للأستاذ ربما، أو من واقع مناقشاته لبعض الجمهوريين، خصوصا من ذكرهم في كتابه! فهذا (الانطباع) الذي عبّر عنه الدكتور، ليس جديدا! وهو (انطباع) متوقع الشعور به لدى بعض من يناقشون الجمهوريين! لعدة أسباب، أهمها: السطوة الفكرية، للأستاذ محمود والجمهوريين! وهناك مثال موثق لمثل قول د. محمد محمود هذا، فقد قاله شخص آخر قبله، أيام الحركة الجمهورية!

    ففي محاضرة الشرق الأوسط، بنادي السكة حديد بالأبيض (وهي موضوعة على موقع الفكرة)، كانت حجة الأستاذ قوية، ومستعلية بصورة واضحة أثناء النقاش، فقام أحد الأشخاص (نهاية الجزء الثاني من تسجيل الندوة على الموقع) وعلق قائلا، ما مفاده، إن الأستاذ محمود (متسلط)، ويعتقد أنه يملك (الحقيقة)، ويفرض (وصاية فكرية) على الناس!! فردّ عليه الأستاذ، معرفا "الوصاية"، وذلك كما يلي:
    (أولا أنا طبعا برفض مسألة أني بفرض وصاية! الإنسان المفكر ما بفرض وصاية! لكنْ الفكر قد يفرض وصاية! إذا انت بتفكّر، وفكرك قوي، قد يفرض وصاية، الفكر! ودا ما بْتُعاب عليه إنت! لكن فرض الوصاية هو البجي بالقوة! وأنا بطبيعة الحال بَسْتهجِن القوة، وما بتّجه ليها! وحتى لو ملكْتها ما بستعملها!! لكن كوني بتكلم بفكر، والفكر دا أنا مخلص ليه، ومجوّده، وساعي وراهو طول الوقت، دا الحاجة المطلوبة!! فإذا كان في من الناحية دي حاجة، وشعر بيها الابن، في أنها فرض وصاية، هي فرض وصاية فكر، يرفضُه، أو يسيبه! لكن فرض الوصاية بالقوة ما بتستطيع أن ترفضه، وهي دي "الوصاية"..)!!

    وكما ذكرت أعلاه، فإن الاتهام الذي وجهه د. محمد محمود للأستاذ بأنه (فشل في أن يعطي تلاميذه الحرية الفردية المطلقة)، سبقه بتقديم مطول (الصفحات من 32 إلى 34 من كتابه) عن أن حركة الجمهوريين عبارة عن حركة محيرة! قائلا إنه من الصعب أن يفهم المرء، أو يجد تفسيرا، للتوقف المفاجيء والتام لحركة الجمهوريين فورا إثر (وفاة طه)!

    وهكذا، بدلا من أن يهتم الدكتور ببحث و (تحليل) أسباب هذا (التوقف التام والمفاجيء)، من واقع إيراد أحاديث للأستاذ، أو استطلاع آراء الجمهوريين، اختار الدكتور الطريق الأسهل، وهو: اتهام طه بالفشل في أن يعطي تلاميذه الحرية الفردية المطلقة! وهذا أسهل الطرق، فيما يبدو! فلماذا يتعب (الباحث) نفسه في البحث والتحليل، و الخلاصات (المسبقة) جاهزة لديه، ربما منذ عقود؟؟ خصوصا أن الكتاب تم إعداده أساسا لتقديم (طه) و (فكره) إلى قراء لا يملكون معرفة (مسبقة)، عن (طه) ولا (فكره)!

    على كل حال، أرى أن البحث الجاد الذي يتصدى لتحليل مواقف الأستاذ محمود، ويبحث في أسرار وأسباب وقوف حركة الجمهوريين، على ضوء مبدأ هام كمبدأ (الحرية الفردية المطلقة)، ينبغي عليه من باب أولى أن يعكف، أولا، على دراسة خاصية فريدة، لا تفوت على حصيف، فيما يخص الأستاذ محمود! ألا وهي: صدق أقوال الأستاذ على المستقبل بصورة حرفية! سواء فيما يخص حركته هو، أو فيما يخص الآخرين!

    فالتجربة دلّت أن أقوال الأستاذ، تصريحا أو تلميحا، عن المستقبل تتحقق وتتجسد بصورة حرفية! وهذا أمر جدير بالبحث والتحليل! ولكن، للأسف خلا (تحليل) الدكتور الفاضل من هذا، ربما لانشغال الدكتور بتطبيق أحكامه القيمية (الجاهزة) على الأستاذ محمود! وأذكر هنا، كأمثلة، برأي الأستاذ في مشكلة الشرق الأوسط، وبرأيه في ما آل إليه حال السودان اليوم، ووصفه بأنه يجي يوم (خارطة السودان دي تكون زي الدلقان المهرود)! بل أذكّر بتحذير الأستاذ محمود من الهوس الديني، وهو تحذير نتائجه، وتبعاته، ماثلة الآن! فقد حذر الأستاذ محمود من أن تهاون الناس في مقاومة الهوس الديني، ستكون تبعاته أن يهدد الهوس الديني أمن ووحدة الشعوب، ويدخل كل بيت! وقد كان اليساريون يومئذٍ يسخرون من الجمهوريين على اعتبار أنهم مشغلون بغير الأولى! وأذكر عبارتهم الساخرة: (الناس في شنو والجمهوريين في شنو)!؟ فحينها لم يكن التصور واضحا لمعنى (الهوس الديني يهدد أمن الشعوب) أو معنى (الهوس الديني سيدخل كل بيت)! ولكن الآن أصبح حديث الأستاذ هذا مجسدا، وماثلا، عبر شاشات التلفزيون المنصوبة في (كل بيت)!

    لذلك: كان الأولى بالدكتور، في تقديري، بحكم تخصصه الأكاديمي في فلسفة الدين وعلم اللاهوت، أن يعكف على دراسة مثل هذه الظاهرة (الغريبة)، فيحاول تحليلها، وسبر غورها، بدلا من الانشغال بلصق خلاصاته وأحكامه القيمية (المسبقة)، على أقوال ومواقف الأستاذ، ليضلل القاريء الذي لا يمتلك معرفة (مسبقة) بفكر الأستاذ محمود! ولإعطائه بعض الأشاير، أقول إن حديث الأستاذ محمود عن الحرية الفردية المطلقة ليس مجرد تنظير (كما زعم)، بل هو (حياة) معاشة! فالحرية الفردية المطلقة قاعدتها (الاستقامة)! والاستقامة هي أن لا يتوزع الإنسان بين ماضٍ قد انقضى، ومستقبل آتٍ، بل يعيش منحصرا في لحظته الحاضرة، بتجويد وإتقان! ومن التجويد والإتقان أن لا ينشغل العارف بما هو آتٍ، مما (يعرفه يقينا) عن أحداث في المستقبل! ذلك أن تجويد وإتقان الحضور في اللحظة الحاضرة يقتضي أن يكون نظر العارف (العبد) إلى من بيده الماضي والحاضر والمستقبل!! إلى الله!! ومن هنا، يكون الانشغال بما هو آتٍ، في المستقبل، رغم العلم به، منقصاً لعبودية العارف!!

    على كلٍّ، مساهمةً مني في إجلاء (الحيرة) التي احتوشت الدكتور بخصوص (التوقف التام والمفاجيء لحركة الجمهوريين إثر وفاة طه)، إن كان حريصا على جلائها، أثبتُ هنا، حديث الأستاذ هذا، لتلاميذه، في شأن مستقبل حركة الجمهوريين، ليتأمله، فربما خصه ببعضٍ من (التحليل):
    (أنا أقول لكمْ: الظروف البتلْقوها انتوا، في المشقة، اليوم، ما بتتْلقِي بُكْرة! كلُّ يوم غربتكم تقَل! كلُّ يوم المشقة البتلقوها، تقَل! انتهزوا الفرصة دي! كتير من الناس كانوا يهتمُّوا بأن يؤذوا في سبيل الله! لأنكم: "لن تنالوا البر، حتى تنفقوا مما تحبون"! وأكثر ما نحبُّه نفوسنا! فإذا إنت بذلتَ نفسك لتسمع الكلمة النابية تُقال، والذم، والسخرية، والنظرة المستهزئة، في سبيل الله، ما جزاك إلا الأنوار التي تشرح صدرك، وتضع الوزر عن ظهرك! فسيرُوا على طريقكم، موفّقين! وسيرُوا مسدّدين، ومرعيّين، بالعناية التي لا تنام! والسلامُ عليكم، ورحمة الله!)!

    أواصل، بإذن الله وبعونه، في الحلقة الثالثة..

    إبراهيم عبدالنبي
                  

العنوان الكاتب Date
الأستاذ محمود: بين "إنصاف" عبدالله الفكي و "تحامل" محمد محمود. بقلم إبراهيم عبد النبي Yasir Elsharif02-21-15, 12:35 PM
  Re: الأستاذ محمود: بين andquot;إنصافandquot; عبدالله الفكي و andquot;تحاملandquot; محمد Yasir Elsharif03-01-15, 07:39 AM
    Re: الأستاذ محمود: بين andquot;إنصافandquot; عبدالله Yasir Elsharif03-12-15, 06:28 PM
      Re: الأستاذ محمود: بين andquot;إنصافandquot; عبدالله النذير حجازي03-13-15, 09:43 PM
        Re: الأستاذ محمود: بين andquot;إنصافandquot; عبدالله Yasir Elsharif03-27-15, 08:33 PM
          Re: الأستاذ محمود: بين andquot;إنصافandquot; عبدالله Yasir Elsharif04-11-15, 03:03 PM
            Re: الأستاذ محمود: بين andquot;إنصافandquot; عبدالله Yasir Elsharif04-26-15, 01:06 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de