|
Re: الحلاج .. في الوجع الصوفي والحكاية الشعبية (Re: mwahib idriss)
|
• الحَلاَّجُ .. سِيْرَةٌ ذَاتِيَّةٌ
هذه سيرة رجل استحق أن يملأ الدنيا ويشغل الناس أكثر مما افتتنوا بأخبار وحكايا شاعر العربية الأمجد أحمد أبي الطيب المتنبي، فهو أبو المغيث الحسين بن منصور الحلاج البيضاوي، لقب بالحلاج لأسباب تستدعي التأويل وإدهاش التفكير، فيقال إنه كان يكتسب قوته بحلج الصوف صنعة أبيه، ويقال إنه قعد على دكان حلاج وبه مخزن قطن غير محلوج، فذهب صاحب الدكان لحاجةٍ فرجع فوجد القطن كله محلوجاً، فاشتهر بذلك. أما صاحب اللقب نفسه فيقول مؤولاً إنه يعني "حلاج الأسرار" لدرايته بها واطلاعه عليها.
وَوُلِدَ الحلاج في بلدة طور، وهي بلدة تقع شمال شرق مدينة البيضاء في بلاد فارس، وزعم كثيرون أنه من نسل الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري، وارتحلت أسرته إلى العراق ثم استقرت في مدينة واسط على نهر دجلة، وهنا نشأ الحلاج بالعراق متعلماً للعلوم والمعارف الدينية خاصة علوم القرآن الكريم. ويكفي للحلاج أنه تتلمذ على يد سهل التستري وأبي عمر المكي وأبي القاسم الجنيد وهم أبرز أقطاب التصوف الإسلامي على مر عصوره وفتراته.
وتعددت أسفار الحلاج متنقلاً من خراسان إلى العراق ثم إلى مكة المكرمة، ثم جاء إلى بغداد لينشر فكره وطرحه الصوفي نثرا وشعرا في كل بقاعها بغير كلل أو ملل، وكثرت الحكايات والأسمار وطرائف القصص عنه فترة إقامته في بغداد، منها ما ذكره ابن الوردي بقوله: "قدم الحلاج بغداد متزهدا متصوفا، يخرج للناس فاكهة الشتاء في الصيف وبالعكس، ويمد يده في الهواء ويعيدها مملوءة دراهم أحدية يسميها دراهم القدرة، ويخبر الناس بما أكلوه، وما صنعوه في بيوتهم".
هكذا الحلاج سيد الصوفية بحوادثه وإحداثياته الأكثر دهشة وغرابة، حتى اختلف الناس فيه واعتقد كثيرون الحلول فيه، ونال من التأويل ما لم ينله متصوف آخر، وما أقرب الاختلاف حول شخصه كالاختلاف في السيد المسيح (عليه السلام) لذا تعددت الأحاجي عنه فقيل هو ولي الله، وقيل: هو ساحر، وقيل إنه كان يجمع ثلاثين يتيما ويصنع لهم أجود طعام ويطعمهم في بيته ويكسوهم.
والحلاج نفسه يتعرض لاتهام الناس له بالكفر قبل أن يؤخذ قهرا وكرهاً إلى القتل والصلب، فها هو يحدث إبراهيم بن فاتك حينما استمع الأخير إلى مناجاته لربه سراً في خلوة له ويقول: "يا بني، إن بعض الناس يشهدون علي بالكفر، وبعضهم يشهدون لي بالولاية، والذين يشهدون علي بالكفر أحب إلي وإلى الله من الذين يقرون لي بالولاية". فقال ابن فاتك: يا شيخ ولم ذلك؟ فقال: "لأن الذين يشهدون لي بالولاية من حسن ظنهم بي، والذين يشهدون علي بالكفر تعصباً لدينهم، ومن تعصب لدينه أحبّ إلى الله ممن أحسن الظن بأحدٍ".
وإذا كان المتصوفة يشتهرون بمصنفاتهم فإن الحلاج وحده طاقة كتابة، وتبدو من الصعوبة حصر مصنفاته، إلا أن ابن النديم في كتابه الفهرست والكردي في كتابه الانتصار، أوردا بعضا من مصنفاته في التصوف وعلم الحرف والسيمياء والكيمياء والطلاسم والعزائم والرقى، ومنها: طاسين الأزل والجوهر الأكبر والشجرة الزيتونة والنورية، والأحرف المحدثة والأزلية والأسماء الكلية، والظل المدود والماء المسكوب والحياة الباقية، وحمل النور والحياة والأرواح، والأبد والمأبود، وسر العالم والمبعوث، والغريب الفصيح، والنقطة وبدء الخلق، وموائد العارفين، والذاريات ذروا، والكبريت الأحمر.
|
|
|
|
|
|
|
|
|