|
السودانيون..." ناس ونسه"!
|
01:23 PM Mar, 31 2015 سودانيز اون لاين محمد التجاني عمر قش- مكتبتى فى سودانيزاونلاين
السودانيون..." ناس ونسه"! محمد التجاني عمر قش mailto:[email protected]@hotmail.com كثيراً ما يفخر السودانيون ويباهون بمقولة: "القاهرة تكتب وبيروت تطبع والخرطوم تقرأ" ظناً منهم أن هذه محمدة؛ ولكنها في تقديري غير ذلك؛ لأنها في واقع الأمر إنما تدل على قلة الإنتاج الفكري والأدبي لدى السودانيين وإن كانت القراءة هي وسيلة التثقيف واكتساب المعارف الأولى بلا منازع تماماً. فلماذا لا تكون الخرطوم هي التي تكتب وتطبع وتقرأ؟ ولو أراد السودانيون ذلك لفعلوا لأن هذا البلد لا تنقصه الكوادر العلمية ولا الأدبية ولا ينقصه العلماء والمفكرون والمبدعون من كتاب الرواية والقصة والشعر والمقال، وإنما هنالك أسباب حالت دون وجود إنتاج فكري سوداني ليس من بينها نقص المفكرين ولكنهم في واقع الأمر يفضلون "الونسه" على الكتابة؛ ولعل هذا يعود لطبيعة الشعب السوداني الذي يعتمد على الذاكرة والاستماع في أحيان كثيرة كغيره من الشعوب العربية التي لا تزال لا تعرف التوثيق والتدوين، الأمر الذي أضاع الكثير من التراث العربي شعراً ونثراً. من المؤكد أن هنالك علماء سودانيون أفذاذ ولكن لا تكاد تجد لأحدهم مؤلفاً واحد في المكتبات. ومثال على ذلك ما ذكره لي أحد الإخوة الذين زاروا معرض الكتاب الدولي هنا بالعاصمة السعودية الرياض؛ فقد قال إن أحد الإخوة السعوديين طلب منه أن يدله على قسم السودان في المعرض لأنه يريد شراء مؤلفات الدكتور عصام البشير ولكن للأسف الشديد لم يعثر على شيء منها وأعتذر له صاحب المكتبة المشاركة بأنه لا يعرف كتاباً واحداً من تأليف الدكتور البشير! وفي ندوة أقامتها رابطة الإعلاميين السودانيين بالرياض، تحدث فيها العلامة والخبير الإعلامي العربي المعروف علي شمّو عن واقع الإعلام والنشر في السودان، ذكر في معرض حديثه أن الخرطوم لا توجد بها دور نشر أو مطابع تواكب التطور الذي حدث في هذا المجال ولذلك عندما تعطلت إحدى المطابع في الخرطوم مؤخراً، لم تصدر ست صحف ذلك اليوم! وهذا، لعمري، مؤشر يدل على حالة مذرية فيما يتعلق بالإنتاج الفكري والأدبي في السودان. مِنْ جانب آخر، مَنْ يتابع كتابات معظم السودانيين يجد أنها تتمحور حول ذكرياتهم الخاصة وسيرهم الذاتية وبعض المواقف الوطنية وما قاموا به من أدوار في تلك الأحداث التاريخية ولذلك يخلو أغلب مؤلفاتهم من أي محتوى فكري أو أدبي وإنما هي تسجيل لمشاهدات واستنتاجات مكررة مثلما هو الحال في كتابات كثير من أعلام السياسة السودانية مثل محمد أحمد المحجوب وأحمد خير المحامي وحتى الزعيم إسماعيل الأزهري رحمهم الله جميعاً فكلهم يتحدث عن حقبة الاستقلال وما سبقها أو تلاها من أحداث ومواقف دون تقديم محتوى فكري مقنع حسب رأي كثير من المراقبين والمتابعين للنشاط الفكري في السودان. ولولا ما كتبه البروفسور الراحل عبد الله الطيب وما قدمه بعض المؤلفين من أمثال الطيب صالح مؤخراً ومعاوية نور وبعض كتاب القرن الماضي لما عرفت المجتمعات العربية شيئاً عن السودان. وحتى ما كتبه الدكتور منصور خالد كأحد أبرز المثقفين السودانيين لا يخرج عن إطار نقد حكم مايو الذي كان جزءاً منه في أكثر من موقع؛ وهذا ليس انتقاصاً لعلمائنا بقدر ما هو عتب عليهم لعلمنا أنهم قد قصروا مع قدرتهم على التمام. من ناحية أخرى، نُشرِت بعض الكتب لمؤلفين سودانيين ولكنها إما باللغة الإنجليزية أو أنها تتناول مواضيع محلية لا ترقى لمستوى النشر عالمياً. وإذا استثنينا دار جامعة الخرطوم للنشر ودار الوثائق المركزية ومركز عبد الكريم ميرغني والدار السودانية للكتب وبعض المكتبات الصغيرة، ما هي المؤسسات التي تعمل في هذا المجال الحيوي حتى توثق لحركة الفكر والتأليف في السودان؟ وأين مراكز البحوث في المجالات الاقتصادية والأدبية والسياسية وإن شئت فقل الفكرية التي تعنى بإثراء ساحة النشر والتأليف وتشجعها حتى يحتل السودان موقعة بين الدول والأمم الراقية التي تهتم بتوثيق المعلومة أياً كانت درجتها من الأهمية؟ أما أساتذتنا الأجلاء في الجامعات فقد أصبح قصارى جهدهم ومبلغ طموحهم أن يخرجوا لطلابهم بعض الكتيبات والمذكرات الأكاديمية التي لا تتعدى ما يدرسونه من مقررات، مع أن هذا العمل قد يحدث تأثيراً سلبياً يؤدي بالطلاب إلى الانقطاع عن ارتياد المكتبات الجامعية مع ما تعانيه هي الأخرى من ضعف في المصادر العلمية حتى وصلت إلى حال يرثى لها في وقت تزدهر فيه حركة النشر في الدول التي حولنا وتستفيد من جهد علمائنا ومشاركتهم الثرة في الكليات والجامعات حديثة النشأة. لا نشك مطلقاً أن السودان غني بالمفكرين والعلماء الذين تحتفي بهم مراكز البحوث في كبريات الدول وتكرمهم وتستفيد من علمهم وبحوثهم وتشهد لهم بالكفاءة والتميز، ولكنا على المستوى القومي لا نكاد نحس منهم أحداً أو نسمع ركزاً ولا نجد لهم مؤلفاً واحداً بينما إذا تحدثوا أجادوا بكثير من اللغات؛ وهذا بكل تأكيد أمر جد محيّر إذ المفروض أن تكون هنالك جهات رسمية تحث العلماء على الإنتاج المقروء والمدون من أجل الأجيال القادمة؛ حتى لا يكونوا "ناس ونسه"!
|
|
|
|
|
|