|
خصخصة الحروب.. نموذج سوداني
|
01:01 PM May, 06 2015 سودانيز اون لاين ابراهيم حموده- مكتبتى فى سودانيزاونلاين
لمن يظن أن السودان معزول (عالميا) ويسير في مؤخرة الركب فيما يتعلق بالتغيرات التي تفرضها تعقيدات مرحلة العولمة الحالية، فإنه يكون قد أخطأ التقدير. والدليل في المضاهاة الأولية المتعلقة بمفاهيم الدولة ومفهوم الحرب كمسألة سيادية تمارسها الحكومات التي تمثل شعوبها كأحد خيارات ممارسة السياسية وامتداداتها. أوردت الأخبار أن الرئيس السوري بشار الأسد قد قرر الاستعانة بشركات تجارية لإدارة الأجزاء التي ما تزال تحت سيطرته في سوريا. الادارة هنا تشمل كل ما تقوم به الدولة من حفظ الأمن وفصل الخلافات وفرض الضرائب وتوفير الخدمات، كل ذلك على أساس "مربح" بالنسبة للشركات التي تدخل هذه المغامرة.. بهذا يتوفر الوقت الكافي وصفاء البال للرئيس السوري ونظامه لممارسة الحرب. وحرب اليوم هي الأخرى ليست لحروب الأزمان الخالية. حين كان الجيش يرسل فرق الاستكشاف ويجمع المعلومات ويمارس افراده طبخ طعامهم بأنفسهم إضافة للقيام بوظائفهم الأساسية المتمثلة في الحرب. تعتمد الكثير من الجيوش الغربية والجيش الأمريكي اليوم على شركات تجارية أيضا تتولى عملية الامداد الغذائي وخدمات الـ Catering والأطعمة الجاهزة التي ترسل طازجة أحيانا في مناسبات الأعياد مثل الكريسماس وعيد الشكر. لا يتوقف دور الشركات على ذلك، فهي توفر جزء العمل الاستخباراتي، اللوجستي وأعمال الحماية لقوافل الجيش. هذا يذكرنا بشركة بلاك ووتر Black Water الأمريكية التي فتحت النار قبل سنوات على مجموعة من العراقيين العزل الأبرياء بشكل عشوائي.. كانت هذه الحادثة هي بداية الكشف عن الوجه الأخر للحروب الحديثة والدور المتنامي للشركات الخاصة التي يكونها في الغالب عسكر ورجال مخابرات خارج الخدمة مستغلين خبراتهم وشبكات علاقاتهم بالمؤسسة العسكرية من أجل تحقيق الربح عبر أنشطتهم هذه. كي تؤدي هذه الشركات عملها فإنها تعتمد على جيش موازي مدجج بأسلحة توازي وقد تفوق أسلحة افراد الجيش من حيث الثقل والنوعية والعددية. حدث هذا في العراق، افغانستان وفي حروب كثيرة في مناطق متفرقة من العالم منها الحرب الحالية على تنظيم داعش. تورط الشركات الخاصة في الحروب الدائرة يستدعي جدالا أخلاقيا حول الحروب ومسائل السيادة. الفرضية الأساسية التي ينطلق منها الجدل هي أن الدولة هي المحتكر الأساسي للعنف وأدواته وانفاذ هذا العنف باسم المصلحة العامة. حدث مثلا هنا في هولندا أن قررت السكة حديد تزويد بعض مفتشيها بقيود حديدية كي تستخدم في اعتقال الركاب المبادرين بالعنف تجاههم. كان مصدر الاعتراض أن استخدام القيود هو جزء اجراءات العنف التي يجب أن تبقى في يد الشرطة والمسألة هنا رمزية أكثر منها خلاف حول القيود الحديدية، لأن هذه السابقة قد تفتح الباب أمام المزيد من تفويض صلاحيات الدولة التي تمس حريات الناس وحصانة جسدهم لشركات مدنية همها الربح. نفس هذا الاعتراض يوجه الآن للشركات الخاصة العاملة مع الجيوش الغربية وملخصه أن الشركة التي تستثمر في الأنشطة الحربية ليست لديها مصلحة في توقف الحروب مما يجعل من شراكتها مع الجيش "مجروحة" بهذا المنطق. الحرب هي امتداد لممارسة السياسة ولكن بأدوات أخرى كما يقولون وتداخلها مع الآلة المالية للشركات التجارية يفقد القرار السياسي، والمؤسسات السياسية التي تقف خلفه مصداقيتها ويصيب النظام الديمقراطي في مقتل في المحصلة النهائية. للسودان بالطبع نصيب من هذه التطورات ولكن بنسخة مشوهة تليق بالنظام الشائه الحالي. فعوضا عن استخدام شركات تجارية يديرها عسكر ورجال مخابرات لا تعوزهم الحرفية والمهنية لجأ نظام المؤتمر الوطني للميليشيات القبلية مثل ميليشيا حميدتي وموسى هلال ليس لمحاربة دولة أخرى معتدية ولكن لمحاربة شعبه، كما اعترف بذلك الناطق الرسمي للقوات المسلحة السودانية. المشكلة الأولى هنا أن نظام البشير لم يستخدم هذه الميلشيات (الشركات) وفق خطة منظور الأجل ولكن كبديل عن المؤسسة العسكرية ذاتها، الأمر الذي يعني تنازل الدولة عن سيادتها التي تمثلها قواتها المسلحة لصالح رجال عصابات لهم أجندتهم الخاصة. الأمر الثاني، أو المشكلة الثانية هي أن الشركات يمكن صرفها بإنهاء التعاقد ولكن ميليشيات حميدتي المسماة بالدعم السريع ستشكل مشكلا مستقبليا بالأسلحة التي تحملها وبالعقلية التي كونتها "أمسكوا الصادق يمسكوه، فكوا الصادق يفكوه". وفي النهاية استئجار شركة ليس كاستئجار ميليشيا لو كان لصوص الانقاذ يعقلون.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: خصخصة الحروب.. نموذج سوداني (Re: ابراهيم حموده)
|
تحليل محترم. شكراً يا استاذ. فعلا السودان وصل مرحلة خصخصة الحرب لكن بنموذج مشوهة كالعادة. الجنجويد اصبحوا شركة و استثمار يعود بريع كبير على زعماء الكبار (ملاك الاسهم). حتى تجاوزوا لهم نظم المؤسسة العسكرية السوادنية و أصبح الجنجويدي يحصل على رتبة ضابط بدبابير كتيرة قبل ان يتعلم فك الخط. هو بيع و تنازل حتى نظم و ضوابط العسكرية السودانية لصالح حماية الكيزان.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خصخصة الحروب.. نموذج سوداني (Re: محمد على طه الملك)
|
مرحب بيك مولانا محمد علي طه الملك، وشكرا للإضافة القيمة التي ستساهم في توسيع ماعون الحوار. هذ النظام يستورد نموذجه من فترة موغلة في التاريخ تحت مسمى التأصيل.. ولديه نفور عميق من نموذج الدولة الغربية بمؤسساتها المعروفة، لذا فحتى حزبه الذي كونه، لا ينسجم كليا مع طريقة تكوين وعمل الأحزاب بشكلها المعروف. بمعنى أن التراتبية "الروحية" هي التي تحرك الأشياء وليست الآلية الحزبية بشكلها المعتمد على الحوار وتقليب الاحتمالات والامكانيات. النظام القائم تديره جماعة تدعي أنها تتحلى بالطهر النابع من إيمانها.. لذا يساورها الاعتقاد بأن أفرادها مهما أفسدوا وسرقوا فهم أفضل من غيرهم بحكم التفويض الرباني الذي يعتقدون أنهم قد وهبوه.. وكلنا يعلم أن النوايا مهما حسنت لا يمكن أن تدير دولاب الدولة ومتطلباته بعيدا عن آلية رقابة سياسية، شعبية وإعلامية. إضافة لذلك، مكابر من يعتقد أن تنظيما مفردا يمكنه أن يتحكم في دولة بحجم قارة من حيث المساحة والتنوع مهما بلغ جبروت الآلة العسكرية التي يملكها. لذا تم اللجوء لما يعرف بأحزاب الفكة لسد الفراغ الناجم عن عزوف الأحزاب المعروفة عن المشاركة على المستوى الصوري المتاح. يحتاج النظام لنوع من الالتفاف الشعبي حوله ولكن في نفس الوقت تعمل أجهزته التنظيمية على عزل واستبعاد الأخرين خوفا من أن ينال الآخر نصيبا أكبر من المنافع، فالنظام الحاكم يتعامل مع الوطن كغنيمة.. المفاصلة والتقارب الأخير بين الشعبي والوطني يفضحان هذه النظرة. حديثك حول سطوة راس المال والشركات العابرة للقارات ودور تقنيات التواصل والاعلام .. يحتاج وقفة طويلة.. من أفضل الكتب مبيعا هذه الأيام في هولندا كتاب الصحفي "يوريس لويندايك" المعنون Het kan niet waar zijn وترجمة العنوان بالدارجة السودانية " أصلو ما ممكن أصدق" والذي يدور موضوعه حول الأزمة الاقتصادية بعد حوالي سبع سنوات من بدايتها. اكتشف يوريس، بعد بحث ميداني مطول، أن البنوك لم تغير سياساتها القديمة التي قادت للأزمة وكأنها لم تتعلم شيئا.. كان مدخله مخيفا حين صور الوضع بطائرة في الجو تشب النيران في أحد محركاتها فيذهب أحدهم لكابينة القيادة لتنبيه الكابتن ولكنه يفاجأ بأن الكابينة خالية من أي شخص.. وهكذا هو حالنا اليوم في مرحلة العولمة التي يصعب فيها ممارسة أي رقابة على المؤسسات المالية الكبيرة. قيل أنه في السابق كانت الدول تملك البنوك ولكن في الوقت الحالي طغت البنوك وتجبرت وصارت تهدد بنقل أعمالها لدول أخرى حالة ممارسة أي ضغوط رقابية علي أدائها فصارت لدينا بنوك ذات دول. في مثل هذا المناخ الاقتصادي العالمي صارت البنوك تستثمر أموال دافع الضرائب في تجارة السلاح وتزدهر شركات الأمن المسلحة في مناطق النزاعات، الأمر الذي يعزز من تشابك الاقتصادي والسياسي في منطقة رمادية خالية من رقابة المؤسسات السياسية ، الحكومية والشعبية. وهو للأسف مناخ يسمح في ظل الفوضى العالمية السائدة لنظام البشير بالتمادي في مجازره وانتهاكاته. ختاما، وبالإشارة لمسألة المعلوماتية والتواصل والتأثير على الرأي العام أشير لمفارقة قال بها الكثير من علماء التواصل بأن التضخم الحادث في هذا المجال لا يؤدي سوى لعدم التواصل بشكل فعال.. لننظر لفيض المعلومات المتوفرة على وسائل التواصل الاجتماعي من تويتر لفيس بوك وواتساب.. هذه الوفرة تتطلب نوعا من المقدرة على "التفاوض" لقبول معلومة ما أو رفضها. النشر المتعمد للإشاعات مثلا يؤدي لزرع نوع من عدم الثقة في الوسيط ذاته والجنوح لعدم أخذه بالجدية اللازمة وبالتالي ابطال مفعول التواصل الفعال بين المجموعات التي لديها بالفعل ما تقوله. أعلم أن الاشارة الأخيرة لا علاقة لها بما تفضلت بتوضيحه حول دور المعلوماتية في هذه المرحلة .. ولكنه نوع من توارد الخواطر.. ربما ينطبق الأمر أيضا، بدرجة من الدرجات، على التفاصيل الأخرى التي أوردتها هنا بقصد فتح منافذ ومجاري فرعية لحديثنا. ثم اعلم أن إطالتك مستحبة يا أخي، للمضي بهذا الحوار قدما. لك مني الود وفائق التقدير.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خصخصة الحروب.. نموذج سوداني (Re: ابراهيم حموده)
|
سلامات أخي إبراهيم .. عطفا على ما تفضلت به من توصيف واقعي دقيق .. للأنموذج المتحكم على البلاد والعباد بتراتيبيته الروحيه التي تحرك الدولة .. بعيد عن الآلة التنظيمية الحزبية وجوغتها من الموالي وحارقي البخور .. هذا التوصيف يضع النظام في أسوء وأخطر أنواع الحكم الدكتاتوري المطلق المتلبّس بقناع الدين .. ويعيدها لنظم القرون الوسطى الثيوقراطية التي حكمت أوربا بنظرية الحق الإلهي المباشر.. حيث الحكام مختارون من قبل الله وطاعتهم من واجبات الدين وعصيانهم عصيان لأمر الله .. ولعل المقولة الشعبية التي أعاد صياغة مفهومها عمر البشير لكي تناسب بزة الحكم .. ( الزارعنا غير الله يجي يقلعنا) جاءت كتعبير صادق عن روح نظرية الحق الإلهي المباشر.. وتماما مثلما كانت تشيع الكينسية بين رعاياها في القرون الوسطى .. أن الرب خلق الإنسان وخلق كذلك السلطة لتنظيم علاقات البشر .. لأنه لا يحب الفوضى لعباده وأن السلطة الإلهية من سيفين .. سيف السلطة الدينية بيد البابا وسيف السلطة الزمنية بيد الامبراطور .. فهاهم أئمة المساجد ومجالس الفتيا في بلادنا .. تخرج لنا في كل يوم جديد ما يآزر ويدعم استمرارية الحكم .. ولكن مع التسليم بكل ذلك .. لا زالت فكرة استعداء الحكم لهوامشه مثيرة للاستغراب وجالبة للحيرة .. بوجه خاص الاستراتيجية ذات المنحى الاثني التي يتبعها في هذا الشأن .. كثيرا ما أسأل نفسي أتراهم يدركون العواقب ويرجون مآلاتها التي تفتت ماتبق من جغرافية الوطن ؟ أم أن الخوف من مصايرهم حال ضياع السلطة هو الدافع والمحرك لكي يهدم البيت على رؤس الكل؟ شكرا مرة أخرى على تحفيز النقاش .
| |
|
|
|
|
|
|
|