|
السودان: العودة إلى ما قبل المربع الأول! محجوب محمد صالح
|
السودان: العودة إلى ما قبل المربع الأول!
01-23-2015 10:32 AM محجوب محمد صالح
المشهد السياسي في السودان تغير تغييراً جذرياً خلال الشهور القليلة الماضية التي أعقبت إطلاق رئيس الجمهورية مبادرته لحوار وطني شامل مطلع العام الماضي فانتهت موجة التفاؤل التي سادت بعض الدوائر بعد طرح تلك المبادرة وأخذت نذر المواجهة والتصعيد تتوالى حتى تصل قمتها عند حبس رئيس حزب الأمة أكبر دعاة الحوار، وأدت بعد ذلك إلى تغيير كامل في المناخ السياسي كان مثار دهشة المراقبين لأن الاستراتيجية الرسمية السائدة الآن في التعامل مع أزمات السودان جاءت على عكس ما بشر به مشروع الحوار تماماً.
الاستراتيجية الرسمية الجديدة التي أخذت ملامحها تتكشف تدريجياً حتى أصبحت الآن واضحة ومتكاملة تقوم على المرتكزات الآتية: أولاً: مواجهة النزاع المسلح في دارفور وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق عسكرياً ليحل مشروع الحل العسكري بديلا لأي حوار يفضي إلى حل سياسي توافقي – أي حوار يدور مع حملة السلاح في دارفور يجب أن يدور فقط حول وقف إطلاق النار وتوقيعهم على وثيقة سلام دارفور غير القابلة لفتح التفاوض حول محتوياتها – وأي حوار يدور حول الولايتين ينحصر في وقف إطلاق النار والاتفاق على الإجراءات الأمنية.
ثانياً: الانتخابات الرئاسية والعامة قائمة في موعدها وفق الترتيبات التي وضعتها الحكومة ووفق القانون الذي سنته منفردة وتحت إشراف المفوضية التي انفردت بتعيينها والحكومة تعتبر الانتخابات هي قمة (الحوار) الآن وهي الوسيلة الوحيدة لإحداث أي تغيير وتريد أن ترسخ (شرعيتها) ليأتي التغيير في حدود ما تسمح به هي.
ثالثاً: الحوار سيدور مع من حضر وأي اتصال أو نقاش بين القوى السياسية وحملة السلاح بغرض إشراكها لكي تكون جزءاً من العملية السياسية هو جريمة وتقويض للدستور، وكل من ينخرط فيه سيواجه تهمة تقويض الدستور ومواد الخيانة الوطنية.
وقد بدا تطبيق هذه الاستراتيجية والمعارك الآن دائرة في مناطق الصراع المسلح وبيانات الحكومة تترى حول حسم موقف حملة السلاح عسكرياً خلال أيام أو أسابيع بفرض السلام عبر هزيمة المتمردين، وقد فتحت بلاغات جنائية ضد الموقعين على نداء السودان في أديس أبابا واحتجز من عاد للسودان منهم في الحبس توطئة لتقديمهم للمحاكمة وينتظر الحبس رئيس حزب الأمة إذا عاد للسودان وطال الحبس ثلاثة هم رئيس قوى الإجماع الوطني فاروق أبوعيسى ورئيس منظمات المجتمع المدني الداعمة لنداء السودان وخبير حقوق الإنسان الدكتور أمين مكي مدني والقيادي بولاية النيل الأزرق الدكتور فرح إبراهيم العقار وسبق توجيه التهمة لرئيس حزب الأمة السيد الصادق المهدي الذي ينتظره أمر حبس ومحاكمة حال عودته للسودان، وابتدرت الحكومة إجراءات مع مجلس الأحزاب لتجميد نشاط حزب الأمة بحجة انتهاكه للدستور وزادت الحملة على الصحف شراسة وتم توجيه نفس التهمة لبعض الصحافيين.
لم يكن غريباً أن يؤدي ذلك كله إلى درجة عالية من الاحتقان السياسي والاستقطاب الحاد وارتفاع وتيرة المواجهة السياسية والعسكرية والانهيار الكامل لمشروع الحوار الوطني الشامل والاستعاضة عنه بالحوار (بمن حضر)، فكان لذلك كله تداعياته التي طالت أول ما طالت موقف بعض الأحزاب الداعمة للحوار والتي انخرطت في الحوار فأعلنت مقاطعة لجنة الحوار مشترطة لعودتها لمائدة الحوار إطلاق سراح المعتقلين والمحبوسين السياسيين وإطلاق حرية العمل السياسي، وقاطعت اجتماع لجنة (7+7) الذي كان من المقرر عقده يوم الأربعاء الماضي معترضة على تدخل الحكومة في تشكيل لجنة الحوار وفرض ممثلين جدد واستبعاد آخرين مطالبة بالسماح للقوى السياسية ممارسة نشاطها السياسي خارج دورها وإيقاف الرقابة ومصادرة الصحف وإيقاف الإجراءات الاستثنائية حسب متطلبات خريطة الطريق التي توصلت إليها مع الحزب الحاكم عبر لجنة الوساطة الإفريقية واعتمدها الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن– وذلك مطلب لا نحسب أن الحكومة ستستجيب له لأنه يتعارض تماماً مع الاستراتيجية الجديدة التي أشرنا هنا إلى تفاصيلها وأبعادها. وقد لزمت الصمت أطراف كانت تتابع وتتفاءل بمشروع الحوار مثل حزب المؤتمر الشعبي الذي ما زال يطمع في تسوية سياسية تعيد مشروع الحوار حسب خريطة الطريق التي اعتمدتها الحكومة والمعارضة والتي تبخرت تماماً الآن وأعلن الحزب مشاركته في اجتماعات لجنة الحوار واعتزامه المطالبة بتنفيذ خريطة الطريق – الحكومة مصممة على السير في مشروعها المرتكز على الحل العسكري للصراع المسلح وعلى الاعتماد على الانتخابات القادمة كمصدر لشرعية حراكها رغم مقاطعة الأحزاب الفاعلة لتلك الانتخابات وعدم الاعتراف بنتائجها.
المشهد –إذن- يعود بالوضع في السودان إلى سيناريو المواجهة الشاملة ولن يفيد اجتماع لجنة السبعة في تجاوز هذا الصراع لأن مبدأ الحوار بمن حضر سينطبق أيضاً على اجتماع لجنة السبعة الذي سيتم (بمن حضر) وفي غيبة الآخرين، والمحصلة النهائية هي أن حولية (الحوار الشامل) باتت مدخلا للعودة بالأوضاع في السودان إلى ما قبل المربع الأول! ? • mailto:[email protected]@maktoob.com العربي
http://www.sudaneseonline.com/news-action-show-id-180498.htmhttp://www.sudaneseonline.com/news-action-show-id-180498.htm
|
|
|
|
|
|