أرجو أن أعتذر للإستاذ محمود محمد طه في أمرين: أولا أنني إستنكرت دعوته في ندوة عامة في عام 1967 دون أن أكون قد ألممت بها وفهمت أبعادها فهما صحيحا. ثانيا أنني إستنكرت بعض مواقفه السياسية بدون أن أفهم بُعد النظر فيها. بالإضافة فلنا، أن نعتذر كشعب سوداني في إننا لم ننصر له حقه في حرية الرأي ولا زالت سلطتنا السياسة تتمنع أن يؤسس تلامذته حزبا لهم وهم السلميون الذين لم يحاربوا بغير الفكر.
كنت طالبا بالمدرسة الثانوية في عطلة مدرسية عندما حل الإستاذ محمود محمد طه ضيفا على مدينة الرصيرص وأقام ندوة ليشرح فكرته عن الرسالة الثانية. وقد رفضت حينها طرح الإستاذ محمود محمد طه بحجج تلقنتها من كتاب مقرر الدين: فحواها أن الدين يشبع حاجات جوهرية في الإنسان، وهي حاجات لا تتغير بالزمن. وأذكر أن من إستحسن مداخلتي الساذجة وصفق لي حينها هو القاضي الشرعي بالمدينة.
و قد رأيت الإستاذ محمود محمد طه في عام 1974 في منزله بالثورة عند عودتي من زيارة للولايات المتحدة الأمريكية وذلك لتسليمه كتبا طلب مني داعية أمريكي أفريقي ببروكلين (نيو يورك) أن أسلمها له. و عند مغادرتي لمنزله كان جُل أسئلة أصدقائي تتركز حول هل يمارس الصلاة مع أتباعه أم لا؟ وهي فكرة أذاعها أعداؤه. هذا الداعي الأمريكي –لا أدري ماذا حدث له الآن- لكنه كان يدعي إنه ينتسب لعائلة المهدي. وكان يكتب باللغة الإنجليزية والعربية وأنشأ جماعة إسلامية أمريكية منشقة من الحاجا محمد. وقد هالني أن له فرقة موسيقية راقصة يحي بها حفلاته!
لم أرى محمود بعدها ولم أبدي إهتمام كبير بآرائه من بعدها. فلقد سلكت مسلكا أيدولوجيا مختلفا. لكني كنت أيضا أستنكر مواقف محمود محمد طه المناهضة لتأميم قناة السويس (فقد كنا ناصري التوجه)، وموقفه المؤيد لتقسيم فلسطين، وموقفه المناهض لقرار السلطة الإستعمارية بمنع الطهارة الفرعونية. ولقد كان إغتياله في زمن نميرى طامة كبري أشاعت جوا من الإحباط في أوساطنا في نادي أساتذة جامعة الخرطوم. فلقد كان شهيدا للرأي فقط حمل قلمه وفكره ولم يشكل أي خطورة لنظام النميري. كانت خطورته أكبر على الفكر السلفي المتزمت. وهناك شبهة أن تكون قوة إقليمية متزمتة هي التي أوحت بقتله. وأنا أعتذر للأستاذ محمود محمد طه ولتلامذته بإنني لم أسعى لفهم طرحه ولا مواقفه السياسية. وبالرغم من أنني لا زلت بعيدا عن فكرته وأطروحاته لأسباب تتعلق بتوجهاتي الفكرية التي كونتها عبر الزمان إلا أنني الآن أري أن مسعاه كان مواءمة الفكر الديني مع السياق الإجتماعي الإقتصادي المتغير. وأنه مع إيمانه القوي بمقاصد الدين فإنه يرى أن بعض التطبيقات الدينية تختلف بحسب التطورأو التغير في الظروف الإجتماعية والإقتصادية. (كثيرون غيره ميزوا بين ممارسات المسلمين في مكة وفي المدينة). فكرة التجديد في الدين فكرة مطلوبة الآن أكثر فأكثر وما فتاوي الترابي وفتاوي السيد الصادق المهدي الجرئية إلا محاولة لرفض الفكر السلفي والإجتهادات القديمة—مبدأهما أن المجتهدين السابقين رجال كما هما –أي الترابي والصادق- رجلان بل عالمان متبحران في علوم الدين وفي علوم الدنيا تخرجا من ققم جامعات "الكفار" في فرنسا وإنجلترا. (وما يضير من ذلك فقد تعلم أفذاذ المسلمين من أمثال الفارابي وإبن سينا والكندي وإبن رشد من الوثنيين الإغريق. وقد كان فضلهم على فكر النهضة في أوربا كبيرا، وكانت الرشدية مدرسة تهابها الكنيسة التي حظرت كتبها وتدريسها).
وقد كنت أسرت لأحد رجال الترابي أن الدكتور حسن الترابي كان يمكن أن يكون محمود محمد طه زمانه لولا أن تعجله للتحكم في إدارة البلد ومداهنته للجماعات السلفية المحلية والإقليمية قد جعل منه الترابي الذي نعرفه الآن متنازعا بين فكر ديني إصلاحي وأفكار إستبداد ديني سياسي. وأنا لم أقرا له تفسيره للقرآن ولكني أظن أنه كان مؤهلا لإحداث ثورة إصلاحية في الفكر الديني بمؤهلاته العلمية وذكائه المشهود له وبإلمامه بالمسائل الدينية. وكان ممكن أن ينال شهرة محلية عالمية بأحسن مما إشتهر به الآن لو ركز على الفكر بدلا عن الحذلقة السياسية. وأنا أظن أيضا أنه له كثيرا ما يود أن يقوله ولكنه يمارس الضبط الذاتي. أما السيد الصادق المهدى فهو أيضا كان يمكن أن يكون مثل الأستاذ محمود محمد طه لولا أنه إستراتيجيا كان لابد أن يعتمد على قاعدة الأنصار التي لم تكن حينها مهيأة لفكر إصلاحي. ولذلك ظل يستهجن أفكار أوغست كوميت والكتاب التنويريين في أوربا. وقد إنشقل بحل المشكلات العملية في قيادة الأنصار ومشاكل السودان والعالم. ولكنه لم يوفق كجده السيد عبد الرحمن الذي بني حزب الأمه ودائرة المهدي بصبر وبمثابرة. ويمكن أن يكون جذوة فكر المهدية والصراع الإنجليزي المصري قد ساعد السيد عبد الرحمن في نجاحاته السياسية والإقتصادية. ولكنه كان عبقريا في بناء التكوينات السياسية والدينية. ويمكن للأحزاب الجديدة أن تتعلم منه كما تتعلم من تكتيكات الترابي والحزب الشيوعي في أيام عبد الخالق. ولا أدري ما إذا كان لتجربة المؤتمر الوطني أي فائدة لأنها سخرت موارد الدولة وسلطتها لكسب تأييد فئات من الإنتهازيين وعملت على إستغلال النعرات القبلية والدينية. وأتمني أن تقدم الدراسات وتقوم الأحزاب بدراسة كيفية تعمل على إنتشار قاعدتها. كل هذا تكهن في حكم الظن: ولكن الدرس أن خياراتنا وطموحاتنا قد ينعكس على أطروحاتنا الفكرية مما ينقص من امانتنا وتوافقنا مع أنفسنا. وهناك نتيجة أخرى: أنه بالرغم من الظرف مناسب للإصلاح الديني في العالم الإسلامي إلا أن القوي المنظمة تعيق عمليات الإصلاح وتمارس إرهابا منظما على الآراء المخالفة. وقد فهمت الآن أكثر مما ذي قبل بُعد نظر الأستاذ محمود في مسألة تقسيم فلسطين- ليس بسبب الحقوق المشروعة وإنما سياسة الممكن. وحتي حجته عن تأميم قناة السويس فإنه قال أن تأميم القناة يفتح الباب لدخول الشيوعية. وبالرغم من أنني لا زالت أظن أنه أخطأ في تقديرها فإن عداء الغرب لمصر كان تكلفته عالية على مصر وعلى تطورها الإقتصادي والتكنولوجي – كما يحدث لنا في السودان الآن.
وكذلك فإنني لم أقبل موقفه من معارضة حظر الطهارة الفرعونية بالرغم من أن أنصاره يقولون أنه كان يحتج علي تدخل المستعمر في تقاليدنا. بالرغم من أن تهيأتي الفكرية الحالية لن تسمح لي بتبني الفكر الجمهورية فإنني أشيد -بحياد- ببُعد نَظر الأستاذ محمود، ورؤيته الثاقبة لضرورة الإصلاح في الفكر الديني والتأويل. وأنا أرفض الحظر الذي يضعه نظام الإنقاذ لمساعي تكوين حزب جمهورى. تدل معاكسات السلطة السودانية الحالية لجماعة الجمهوريين تخوف الإسلاميين من الفكر الجمهوري، وضيق بالرأي الآخر أشبه بما حدث في أوروبا أثناء الثورة البروتستانية. وأظن أننا بحاجة للدفاع عن حق الجمهوريين في تنظيم أنفسهم وعرض فكرتهم.
وفي رأي فإن الشعب السوداني - خاصة سدنة نميرى والإسلاميين- عليهم دين الإعتذار لمقتله، فبمقتله قتلت حرية الرأي والفكر. وفي تقديرى فإن قتله أضر بهدف الحفاظ على شعلة الإصلاح الديني بعواقب غير سليمة على قيم الدين. ظهور الموجات الإلحادية في السودان والعالم الإسلامي هي نتاج الجمود في الفكر. وللتكفير في جريمة قتله يجب إطلاق الحريات لفكر الجمهوريين والأفكار الأخرى. فإذا ما كان المسلمون يتحاورون مع الأديان الأخرى ويعتقدون أن هناك قضايا مشتركة تجمعهم في زمن الحداثة والتغيير فإنه أولى بهم بأن يفسحوا مجالا للفكر الجمهوري الذي يتفق معهم في مسلمات الدين الرئيسية. أم أنها السياسة والأنانية والخوف من القوة الإقليمية؟
Quote: مقال من الراكوبة للكاتب:عبدالعزيز عبد الباسط على الازهر الاعتذار لاسرة الاستاذ محمود محمد طه 01-16-2015 04:37 PM
منذ ايام حل علينا المولد النبوى الشريف وقد سمع ورأى العالم كله الجنرال السيسى يخطب بوجه متجهم امام علماء الازهر ويطلب منهم صراحة مراجعة بعض النصوص الدينية التى جرى تقديسها لمئات السنين والتى جلبت لنا معاداة العالم حسب قوله و طبعا نحن كمسلمين ليست لنا نصوص مقدسة الا ايات قراننا الكريم و ما عداها هى الاحاديث الشريفة لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم والاحاديث الشريفة ليست نصوص مقدسة بل هى احاديث شريفة كما عرفت فى جميع العصور و كما جرت تسميتها بين جميع أئمة الفقه و العقيدة منذ فجر الاسلام حتى يتضح الامر وحتى لا يخرج علينا من يحاول تبرير القول بالباطل و يبدو للمتأمل فى حديث الجنرال ان ايات الجهاد هى المقصودة تحديدا بالنصوص المقدسة وبعض الايات المدنية التى تنظم الامور الفردية مثل الزواج و الطلاق والمواريث و يخص منها تلك التى جرى تطبيقها فى زمن المدينة فى عهد رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام ولا زال المسلمون يعملون بها ويقدسونها الامر الذى اثار موجة من الغضب بين علماء المسلمين فى العالم وطلب البعض منهم صراحة من الازهر مراجعة عقيدة الجنرال الدينية . ما يهمنا نحن أهل السودان فى هذا الامر تحديدا راى الازهر فى ما قاله الجنرال لان ما قاله الجنرال لا يختلف كثيرا عما سبق ان قاله المفكر السودانى الكبير الشهيد محمود محمد طه رحمه الله ذلك الرجل الذى كان الازهر واحدا من الازرع الدعائية التى ساهمت فى إعدامه حينما بعث ببرقية الى الرئيس جعفر محمد نميرى اتهم فيها الاستاذ محمود محمد طه بالردة و قال فيها بالنص ان ما جاء به محمود محمد طه هو الكفر بعينه . كلا م الجنرال لا يختلف عن الكلام الذى سبق ان قاله الاستاذ محمود محمد طه فاذا سكت الازهر عن كلام الجنرال و أقر بصحته فعليه ادبيا واخلاقيا ان يقدم اعتذار رسمى ومعلن لاسرة الاستاذ محمود محمد طه خاصة و للجمهوريين الذين امنوا بفكره واتبعوه عامة و ذلك عن الخطأ الذى ارتكبه فى حق الرجل وعلي الازهر ايضا ان يسحب فتواه التى اتهم فيها الاستاذ محمود محمد طه بالكفر و عليه كنوع من رد الاعتبار ان يسمح بطبع كتب الرجل و المساهمة فى نشرها تكفيرا لما ارتكبه فى حق الرجل لان الكيل بمعيارين فى مثل هذه المواقف ليس من شيم الكبار وفى مثل هذه المواقف يصبح الكيل بمعيارين عيب فاضح لا يجوز البتة وقد يضر بالازهر كمؤسسة دينية لها احترامها و سمعتها والله من وراء القصد .
Quote: إبتسامة أمام الموت!! عندما رفع الجلاد القناع عن وجهه، قبل أن يضع حول عنقه الحبل القاتل، كان محمود محمد طه يبتسم!! وقد نقل أحد الزملاء من وكالة الأنباء الفرنسية أنها ((إبتسامة سخرية)) .. إن هذا الثبات أمام الإمتحان العظيم هو من حظ القديسين .. وهو يذكرنا بتوماس مور، الذي كان في القرن السادس عشر قد عارض بنفس التصميم والثبات طغيان السلطة وتحكمها على الضمائر. فانتهى به الأمر إلى المقصلة ثم بعد أربعة قرون تم تنصيبه قديساً.. إننا نأمل من المسلمين، الذين أساساً، يجهلون عبادة الشهداء، ألا يأخذوا زمناً ليعرفوا في محمود محمد طه رجلاً قديساً.. رجلاً يقبل أن يموت من أجل أن يعيش إخوانه بصورة أفضل..
نقلا عن كتاب "ماذا قال العالم عن الأستاذ محمود محمد طه" http://www.alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=274andchapter_id=5http://www.alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=274andchapter_id=5
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة