هو حيٌ يرزق في قلوب الآلاف ، وفي أفئدة كل من أحبوه وعشقوا روحه الشيقة من أبناء العباسية وأهل أمدرمان ! ليت كل الناس كانوا ( سُكارى ) ومدمنون لتلك السماحة وجمال الروح والدواخل وطيبة القلب ! أيها الوديع الودود ، الطيب القلب والروح والفؤاد والجسد ! ... فلم تك إلا كائناً رقيقاً مسالماً ظريفاً ، دائم الإبتسام والبِشر والظرف وخفة الظل ! ... وكم كنت عاشقاً مُحباً و (كافياً للناس شرك) !!! ... وهذه وحدها تكفي لتخليدك كائناً مُحِباً ، بشوشاً ، ودوداَ خيراً وطيب المعشر ! لم تك كل أحوال حياتك بيدك ! ولا مسيرتك ولا مشاويرك بخاطرك وقصدك !!! ... فلك العذر تماماً !!! هكذا أتيت يا زنجي من رحم هذا الشعب البسيط الطيب المسكين ، وتحملت الصعاب وشظف العيش وعانيت الأمرين ! ... إنها المشيئة التي أوجدتك على تلك البيئة المحيطة بحلوها ومرها ، وسربلتك بأديم الأرض السمراء الطيبة السمحاء ! .. فجئت مسالما متسامحاً متصالحاً مع نفسك ومع كل من حولك ، فأحبوك الناس ،، وأحبتك الأشياء والأحياء !لك الله يا زنجي ! فليبهجك الله ويسعدك بقدرما أبهجت وأسعدت أهل العباسية وفتيتها وفتياتها بقفشاتك الرشيقة وأقاويلك الشيقة اللبقة المدهشة ! فلا غرو أنها نابعة من قلب صافي ومخيلة فسيحة مترعة بالنقاء والصفاء والجمال والمحبة ! ... ولاغرو أنهم أحبوك على الرغم من كل ما كان بك من حال ، وما نزلت بك من خطوب وما خطته لك الظروف والأحوال والأيام بسبب تلك التي كانت هي الداء !! ! ولكنك لم تك قاسياً ، ولا عدوانياً ! .. ولم تك جافياً ، ولا خائناً ولا مرابياً ولا حاقداً ، ولا ظالماً ولا آكلاً للسحت ، ولا سالباً لأموال اليتامى والمساكين !!! ...
وقديماً قالوا : ( السكران في ذمة الواعي ) ،، ولكننا كنا نحن السكارى يازنجي ! ، وكنت أنت الواعي الوحيد من بيننا بسلميتك وبقلبك الكبير وظرفك ، ومقدرتك على الحب والتصافي والتواصل والتسامح مع الصغير والكبير ! وبمقدرتك على دخول قلوب الآخرين ، كدخول الظل الظليل على أرض مشمسة قفار قاحلة جرداء !
لطالما تذكرتك يا زنجي ، وتذكرت وقفتك أمام تلك المحكمة !!! وذلك الموقف الفكاهي الساخر ! الذي أضحك الحضور ، وأبهج العساكر والضباط ، ، والكتبة والموظفين ، وجعل الحاجب يموت من الضحك !! حينما قلت بلا خوف ولا تردد ، لذلك القاضي الذي حكم عليك بالجلد ، وبتلك اللكنة ( اللجناء ) : (( ياسعادتك ،، ما تجلدونا حقت ( بكلة ) كمان وتريحونا من البهدلة النحن فيها دي ، بدل مانجي نتبهدل هنا كل يوم ! ) .... سكت القاضي واجماً ،،، وما كان يدري ماذا يقول ! ،، ولكنه استدرك قائلاً : ( بطاقتك الشخصية يا زول ؟! ) ......... فضحك الزنجي ضحكته الساخرة ، مشيراً إلى شخصه الضعيف بإستهتار : ( هى وين الشخصية يا سعادتك ؟!! ) فضجَّت قاعة المحكمة بالضحك ،، حتى سقط الحاجب من على كرسيه ، وأطاح بالأوراق !!! كان الزنجي بسحنته السوداء الأبنوسية رمزاً جميلاً للسودانية الأفريكانية الضاربة في القدم ، وهو سليل أحد بيوتات حي الأمراء العريق ! ... قال له أحدهم ذات مرة :
( الزنجي قالوا إنت أمير من الأمراء صحي الكلام ده ؟!! ) فرد قائلاً بلجنته اللذيذة البائنة : ( أُمراء !! اُمراء شنو يا خوي !!! ... الأُمرا هناك في انجلترا ! ) !!! ..
رحم الله أظرف ظرفاء أمدرمان والعباسية ، الأمير عادل ( الزنجي ) ،، وتجاوز عنه وأسكنه فسيح جناته .. وأرجو أن نبتهل جميعاً إلى الله العلي القدير ، العفو الغفور الرحيم ،، أن يعفو عن الزنجي ويتغمده بواسع رحمته ..
وأسال الله الودود اللطيف الخبير ، السلام المؤمن المهيمن ،، العزيز الجبار الغفار المتكبر ، الواسع الرحمة ، الرحمن الرحيم ، العلي الكبير ،، الرؤوف الحليم ،، أن يتجاوز عنه ويتغمده بواسع رحمته ،،، بحق ما أدخل علينا وعلى أهل الحِي والناس ، من بهجة ومسرة !!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة