الأستاذ محمود: بين "إنصاف" عبدالله الفكي و "تحامل" محمد محمود. بقلم إبراهيم عبد النبي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-02-2024, 01:20 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-26-2015, 01:06 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48990

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود: بين andquot;إنصافandquot; عبدالله (Re: Yasir Elsharif)

    الأستاذ محمود: بين "إنصاف" عبدالله الفكي و "تحامل" محمد محمود (6)


    إبراهيم عبدالنبي


    أخصص هذه الحلقة لاستعراض نماذج من منهج (المحاباة البحثية) الذي نهجه الباحث عبدالله الفكي، في كتابه، حيث أظهر تحيزا واضحا إلى جانب محمد محمود، وبعض (أهل الخصوص)، مقابل هجومه الحاد على آخرين، بالرغم من تساوي محمد محمود (كنموذج) مع هؤلاء (الآخرين) في الإساءة إلى الأستاذ محمود، وفكره، ومواقفه. وأعلنُ، هنا، عن اعتقادي أن تشويه محمد محمود يزيد سوءا عن تشويه الآخرين، أولا: لأنه تشويه مغلف بغلاف (الدراسة التحليلية) ويحمل ديباجة (التعريف بطه وفكره)! وثانيا: لأنه تشويه قد ألبِس (لبوس الحق) بإعلان عبدالله الفكي أن محمد محمود (على معرفة من الداخل بالفكرة الجمهورية وبالمجتمع الجمهوري)! وثالثا: لأنه تشويه وجد الإشادة، دون حق، من عبدالله الفكي، ومن كاتب مقدمة كتاب الفكي، بروفيسور عصام البوشي، في أكثر من محفل ومنتدى!

    ولقد استعرضتُ حتى الآن نماذجَ كافية، فيما أعتقد، من كتاب محمد محمود لإثبات (تحامله)، وبقي أن أستعرضَ جانبا من (إنصاف) عبدالله الفكي! ولذلك، أفردتُ هذه الحلقة لإثبات (محاباة) الباحث الفكي، وكاتب مقدمة كتابه، بروفيسور البوشي، للدكتور محمد محمود! وسوف أستعرض جانبين وعدت باستعراضهما في الحلقة الأولى، هما: إساءة محمد محمود للأستاذ محمود عبر ربط نسبه بالشيخ الهميم، وإساءته لموقف الأستاذ محمود المناهض لقانون الخفاض الفرعوني عام 1946.

    ولكي أثبتُ المحاباة عبر المقارنة، أبدأ باستعراض نقد الفكي، في كتابه، لمحمد وقيع الله، كمثال! فقد تعرض الباحث الفكي على صفحة (905) لما كتبه د. محمد وقيع الله، حول نسب الأستاذ محمود، فقال:
    (أسقط البعض سيرة الشيخ الهميم على الأستاذ محمود على أساس أنه الحفيد، وكان دافعهم تأكيد زعمهم الباطل المغرض بشأن الأستاذ محمود، ومن أجل الانتصار في مواقفهم العدائية فاقدة الورع العلمي والشروط الأكاديمية. فخلصوا إلى نتائج بكماء وخلاصات عرجاء لا تمت للعلم أو الأخلاق بصلة، لا شك أن مثل هؤلاء يهبطون بمستوى السجال ويغيبون العفة في دوائر العلم والتنوير ومن ثم يعطلون تطور الفكر ويجمدون حركة التغيير.
    كتب محمد وقيع الله، في دراسة بعنوان: "دراسة عن فكر محمود محمد طه: مستقبل دعوى الرسالة الثانية من الإسلام"، قائلاً:
    "وأما الأستاذ محمود محمد طه فهو سليل أسرة متصوفة موغلة في التصوف، وجده الأعلى هو الشيخ الهميم المعروف في تاريخ التصوف في السودان. يحدثنا عنه مؤرخ الحركة الصوفية السودانية "ود ضيف الله" في كتاب "الطبقات" فيقول إنه ادعى الوصول، وسقوط التكاليف عنه، ويحكى عنه أنه تزوج في وقت واحد بسبع نساء، كان من ضمنهم شقيقتان هما ابنتا شيخ صوفي آخر يدعى بان النقا الضرير"، وقد أنكر عليه قاضي الشريعة الشيخ دشين ذلك، وأعلن فسخ هذه النكاحات، فرد عليه الشيخ الهميم داعياً: الله يفسخ جلدك. والغريب أن الشيخ "ود ضيف الله" يحدثنا أن جلد القاضي الشيخ دشين قد انفسخ فعلاً كما ينفسخ جلد "الدبيب"، أي الثعبان"!
    وبعد أن أكد محمد وقيع الله أن الشيخ الهميم جد الأستاذ محمود، وهذا غير صحيح البتة، استدعى سيرة الشيخ الهميم على النحو الذي أورده أعلاه، ثم وصف الأستاذ محمود بالحفيد فكتب قائلاً:
    "واصل الحفيد محمود إطلاعه العلمي بعد تخرجه سنة 1941م، وعمل بالهندسة في رئاسة السكة الحديد في مدينة عطبرة بشمال السودان، واغترف كثيراً من فلاسفة الغرب وعلماء التراث الإسلامي، ورجال التصوف الإشراقي".
    في مثل هذه الدراسات لا نتوقع معالجات علمية جيدة فالدراسة تنطوي على أخطاء تاريخية فادحة)!!

    هذا ما كتبه الباحث عبدالله الفكي عن محمد وقيع الله، ودراسته! وألفت النظر إلى (الأوصاف) التي أطلقها عبدالله الفكي في حق وقيع الله ودراسته من قبيل: (فقدان الورع العلمي) و (الهبوط بمستوى السجال) و (تغييب العفة في دوائر العلم والتنوير) و (الوصول إلى نتائج بكماء وخلاصات عرجاء) الخ.. وأرجو أن نصطحب هذه الأوصاف معنا، لنطبقها على محمد محمود، ونرى (فرق الخطاب) عند عبدالله الفكي، في تدليل عملي لانطباق القول: (عين الرضا عن كل عيب كليلة، وعين السخط تبدي المعايبا)! خصوصا أن نتائج، وخلاصات، وإساءات، محمد محمود، في هذا الخصوص، تطابق، بل تجاوز إساءات ونتائج وخلاصات وقيع الله، من حيث التجنّي، وعدم الموضوعية! أكثر من هذا، فإن محمد محمود أعلن، صراحةً، ضمن شرحه لخطة كتابه، في التمهيد، غرضه من وصل نسب الأستاذ محمود بالهميم، كما يلي:
    (الباب الأول من الكتاب يقدم تعريفا بطه عالمه. وقد تم التركيز على المؤثرات الرئيسية التي شكلت تجربته الروحية والفكرية: التأثير الأولي، والمبكر، لأسرته الصوفية ومزاجها، الخ...)!

    وذهب محمود، على صفحتي (xi و xii) من (تمهيد) الكتاب، ليحدد الغرض الأساسي من إيراده هذه (المؤثرات الأولية والرئيسية المبكرة)، حيث قال:
    (المدخل المنهجي لهذه الدراسة مؤسّسٌ على فرضية أن المفكّر هو نتاجٌ للتفاعل النشط بين الموروث الفكري الموضوعي، التراكمي والجماعي، في بيئته عبر "عدة قرون" (أو ما قد يسمى "التراث")، وبين التحصيل الفكري الشخصي المتجذر في التجربة الشخصية للمفكر. إن "الأفق المعرفي" للمفكر يتم تعريفه على أنه يجمع بين هذين البعدين التفاعليين، من التلاقح والاندماج بين الموضوعي والذاتي. وعلى هذا، فإن تحليلي لطه يتم من هذين البعدين: البيئة التاريخية التي شكلت شخصيته، وتجربته الشخصية).

    وفي سرده للمؤثرات البيئية الرئيسية والأولية، وأثر الأسرة الصوفية، ركز محمد محمود، في الفصل تحت عنوان (خلفية – بدايات الإسلام السوداني)، بدءا من صفحة 2، على سيرة الشيخ (الهميم)، حيث قال:
    (بجانب التنافس الداخلي بين الطرق الصوفية نفسها، كان هناك الصراع التقليدي بين شيوخ الصوفية والعلماء "الفقهاء". ولعل أوضح الصور الدراماتيكية لهذا الصراع في مرحلة عصر الفونج، كانت المواجهة التي حدثت بين محمد الهميم، وهو شيخ صوفي مبجل، ومن أوائل من سلكوا الطريق القادري، وينتسب إلى قبيلة الركابية، وبين القاضي دشين، الشافعي "قاضي العدالة". ويخبرنا صاحب كتاب الطبقات، مصدرنا الرئيسي عن الحياة الدينية خلال هذه الفترة، أن الشيخ، وهو في حالة "جذب إلهي" لم يلتزم بأحكام الشريعة وتزوج من النساء أكثر من العدد المسموح به، بل زاد على ذلك بأن جمع في الزواج بين أختين، في وقت واحد)..

    وقد أورد محمد محمود الحكاية من كتاب الطبقات، كما أوردها وقيع الله، ولكنه زاد عليها، من عنده، بأن أكد (تأصّل) حالة (الجذب) و (العداء الشديد للفقهاء) في أسرة الشيخ محمد الهميم (التي نسب طه إليها زورا وبهتانا)! حيث قال محمد محمود:
    (وفي سرده لهذه الحكاية فإن راوية السيرة يظهر تعاطفا واضحا مع الشيخ، والذي يتم تبرير ما فعله عن طريقين: فالشيخ إدريس ود الأرباب لم ينكر ما فعله الهميم، كما أن القاضي الذي أساء الأدب مع الشيخ قد عوقب بأن انفسخ جلده، لاحقا. وقد أظهر أبوالقاسم الجنيد، حفيد الهميم وخليفته على السجادة القادرية، "عداءا عميقا" للعلماء، حيث أعلن: "قلوب الفقهاء محجوبة عن الله"..)!

    ولكن محمد محمود يستدرك، في الجملة التالية مباشرة، ليخبر قراءه أن (الجذب) و (العداء العميق للفقهاء)، ليس شيمة (عموم) الصوفية في السودان، في إشارة إلى أنها سمات قاصرة على أسرة الهميم (المنسوب إليها طه زورا)، وملازمة لهم، من بين كافة جموع صوفية السودان، بدءا من جدهم الأكبر "الهميم"! فلنسمع محمد محمود:
    (على أن هذه الحالة من حدة الخصومة والعداء الشديد والكراهية للفقهاء، لم تكن هي العرف السائد.. ذلك أنه، وبالرغم من أن التراث الصوفي السوداني يسمح بمساحة "للجذب"، إلا أن صوفية السودان اتجهوا في عمومهم إلى تأكيد النموذج المثالي "للاستقامة" و"التوازن بين الباطن والظاهر". فالمؤسسة التعليمية (الخلوة) التي يديرها الشيخ الصوفي، من مقرراتها "دراسات القرآن"، و"الأحاديث النبوية"، و"الفقه"..)!

    وبعد أن وضع الأساس التاريخي للمؤثرات البيئية والتراثية، كما يحب، وأعطى قراءه (خلفية) عن (الهميم) _الجد الأكبر المزعوم لطه_، ذهب محمد محمود ليحدث قراءه على صفحة 12 و 13 من الباب الأول في الكتاب تحت عنوان (البيئة والرجل والحركة)، عن (طه) و (شخصيته) و (فكره)، و (أثر) جده الأكبر (الهميم!) عليه، حيث يقول ما يلي:
    (ولد محمود محمد طه بين حوالي عام 1909 و 1911 في مدينة رفاعة بإقليم الجزيرة الأوسط. وقد فقد كلا والديه عندما كان طفلا. وتنتمي أسرته إلى قبيلة الركابية، و"محمد الهميم كان جده الأكبر". ونظرا لأن العرف الاجتماعي والتربية المنزلية للأطفال في السودان تستدعي جعلهم على وعى ومعرفة، منذ عمر مبكر، بأصلهم القبلي، وتراث القبيلة، فمن المرجح أن تكون ذكرياتٌ بعينها قد لعبت دورا بارزا في تشكيل طفولة طه.. ومن المعقول أن نفترض أن طه كان قد تم إبلاغه وإخباره بالأصل الشريفي النبيل المزعوم لقبيلة الركابيين، الذين يدعون الانتساب إلى النبي، حيث يرجعون بنسبهم إلى الحسين بن علي، حفيد النبي محمد. كما من المرجح أيضا أن طه قد سمع العديد من القصص عن جده الأكبر الهميم. ومن المرجح كذلك أنه سمع حكاية الكيفية التي اكتسب بها هذا الرجل المقدس لقبه "الهميم" هذا. وكيف أن زوجة شيخه قد طلبت "دوكة"، وكيف أن الهميم اشترى الدوكة، وحملها على رأسه، قاطعا مسافة طويلة مشيا على الأقدام، ليلحق بشيخه. كما من المرجح كذلك أن يكون طه قد سمع حول الأسلوب الدراماتيكي الذي تم به تعميد الهميم في الطريق القادري، عندما تطوع باذلا نفسه ليأخذ الطريق، عن طريق "الذبح". وكذلك من المرجح أن طه قد سمع عن مواجهة الهميم المشهورة مع القاضي دشين. ولا بد أنه سمع أيضا كيف أن الهميم رأى ليلة القدر في رفاعة وقد صعق من رؤيتها، وكانت النتيجة أن الهميم فقد، ليس وعيه فحسب، بل فقد بركاتها أيضا، حيث تحولت البركات إلى شيخ آخر. كذلك من المحتمل أن يكون طه قد سمع بكرامة علي النيّل، ابن الهميم وخليفته، الذي كان مجرد ذكر اسمه يجعل الأفيال تطيع البشر. كما لا بد أنه سمع بأبي القاسم الجنيد الذي قفز فجأة من راعي بقر إلى سجادة الخلافة، ولا بد أنه سمع كذلك عن مقدرته المذهلة على قراءة أفكار الناس. كذلك من المحتمل أن طه قد سمع بالشيخ أبودليق الذي عين ابنته عائشة خليفة له على سجادة الشيخ الهميم القادرية)!

    أرجو أن نلاحظ إصرار محمد محمود على تأسيس نسب الأستاذ محمود إلى الهميم، مع كل الافتراضات التي حشدها أعلاه، مقرونة بعبارات (من المرجح أنه تم إبلاغه، ولا بد أنه سمع، الخ) وكلها افتراضات مبنية على (أساس غير صحيح)! علما بأني، في هذا المقام، لا يهمني هذا التأسيس، ولا هذه الافتراضات، إلا بالقدر الذي أثبت به تحيز الباحث عبدالله الفكي، ومحاباته لمحمد محمود، على حساب الأمانة العلمية، والبحث العلمي المحايد!

    فقد تحدث عبدالله الفكي عن الأخطاء التي انطوت عليها الكتب والمصادر التي جاءت فيها ترجمة نسب الأستاذ محمود!! وقد وصف القول بنسب الأستاذ إلى الهميم على أنه من نسج (الأساطير والأوهام)! وضرب الباحث عبدالله أمثلة عديدة لذلك، عند مختلف المؤرخين والباحثين! ثم خلص إلى ما يلي على صفحة 902 من كتابه (محمود محمد طه والمثقفون):
    (الشاهد أننا في حاجة ماسة لتحرير نسب الأستاذ محمود، حتى ننتقل للاستنتاجات العلمية، ونسهم في ترفيع مستوى السجال إلى مراقي الأسس العلمية بعيدا عن الأساطير والأوهام التي تسعد البعض بلا معرفة أو علم أو أخلاق. لا أعني في هذا أولئك الذين يخطئون وإنما أقصد الذين يستنتجون ويبنون على نتائجهم البكماء الخلاصات الخرصاء)..

    ولقد قرأنا، أعلاه، كيف وصف عبدالله الفكي دراسة وقيع الله بأنها (لا تمت للعلم أو الأخلاق بصلة)، وأنها خلصت إلى (نتائج بكماء وخلاصات عرجاء)! وقال إن من يصدرون مثل هذه الدراسات (يهبطون بمستوى السجال ويغيبون العفة في دوائر العلم والتنوير) و (يعطلون تطور الفكر ويجمدون حركة التغيير).. الخ!! ولكن عندما تعلق الأمر بمحمد محمود، اختلفت لغة الفكي!! وفي ظل ما قد رأينا، حتى الآن، من تحامل محمد محمود، وتعمده تشويه فكر الأستاذ محمود، وشخصه، فإنه من غير المفهوم _عندي على الأقل_ السبب الذي على أساسه أخرجه الباحث عبدالله الفكي من زمرة أصحاب (النتائج البكماء والخلاصات العرجاء)، ومن معية الذين (يهبطون بمستوى السجال ويغيبون العفة في دوائر العلم والتنوير)، و (يعطلون تطور الفكر ويجمدون حركة التغيير)!

    فالباحث عبدالله الفكي يقول عن محمد محمود، على صفحة (903) من كتابه، ما يلي:
    (لقد أرجع محمد أحمد محمود في كتابه الموسوم بـ: Quest for Divinity: A Critical Examination of the Thought of Mahmud Mohammad Taha، الأستاذ محمود في نسبه إلى الشيخ محمد الهميم، كتب محمد أحمد محمود عن نسب الأستاذ محمود قائلا:
    “His family belonged to the Rikabiyyun clan, and Muhammad al-Hamim was his great-grandfather).
    يمكنني ترجمة هذه الجملة إلى اللغة العربية بتصرف ولغرض هذه الدراسة: "تنتمي أسرته _أي الأستاذ محمود_ إلى قبيلة الركابية ومحمد الهميم هو جده". من المهم الإشارة إلى أن محمد أحمد محمود، التزم منهجا علميا صارما في دراسته عن الأستاذ محمود، وهو بعيد كل البعد عن أولئك الذين وسمتهم بالمستنتجين للنتائج البكماء والخلاصات العرجاء في مسألة صلة الأستاذ محمود بالشيخ الهميم، كما هو الحال لدى محمد وقيع الله")!

    سؤال: ما الذي يجعل منهج محمد محمود (علميا صارما) و (بعيدا كل البعد عن النتائج البكماء والخلاصات العرجاء في مسألة صلة الأستاذ محمود بالشيخ الهميم، كما هو الحال لدى محمد وقيع الله)؟ خصوصا أن الباحث الفكي قرر، في كتابه، أن محمد محمود كان (تلميذا) للأستاذ محمود، ومن ثم فهو على (معرفة من الداخل بالأستاذ محمود وبفكره وبالمجتمع الجمهوري)، ولذلك، لا يُتوقع، بداهة، أن يخطيء في نسب (معلمه) الأستاذ محمود! ومحمد وقيع الله لم يكنْ تلميذا للأستاذ محمود، وقد نقل من آخرين! علما بأن كليهما حمّل (نسب الأستاذ محمود المزعوم للهميم) ما حمّل من مكنونات وخبايا نفسه، تجاه الأستاذ محمود! وقد قرأنا ما كتب وقيع الله، وسنقرأ هنا، ما كتب محمد محمود، لنرى أنه يعادل، على الأقل، ما كتبه وقيع الله، من حيث السوء والتجني، إن لم يجاوزه!

    ولكن: لنفترض، لهنيهة، في أنفسنا، حسن النية لدرجة السذاجة، ولنضرب صفحا عن حملة التشويه المغرضة التي استعرضناها من كتاب محمد محمود في الحلقات السابقة، ولنفترض أن محمد محمود لم يلاحظ معلومة نسب الأستاذ محمود المدرجة ضمن أول ثلاثة أسطر من سيرة الأستاذ محمود المطولة على الصفحة الأولى من موقع الفكرة الجمهورية، بالرغم من إيراد محمد محمود حوالي سبع مقتطفات، في كتابه، من هذا الموقع، فيما أحصيته له حتى الآن! ولننسَ قول الفكي إن محمد محمود كان تلميذا للأستاذ محمود! بل، فلنصدّق كلام الفكي أن محمد محمود أخطأ فقط، بحسن نية، ولم يتعمد أن ينسب الأستاذ محمود للهميم، عن غرض! ولنقلْ، إن خطأه قد جاء في إطار احتفائه بطه، وتقديمه لقراء الإنجليزية! فهل يتجاوز عبدالله الفكي عن (الخطأ) في نسب الأستاذ محمود، إن جاء الخطأ "في إطار الاحتفاء بالأستاذ محمود"؟

    الإجابة: لا!! عبدالله الفكي لا يتجاوز عن الخطأ في نسب الأستاذ محمود، حتى إنْ جاء في إطار الاحتفاء به! لماذا؟؟ لأن عبدالله الفكي يرى أن الأمر (يعود لحقائق التاريخ) ولذلك (لا بد من تحرير نسب الأستاذ محمود من الأوهام والأساطير) حتى (لا يقفز البعض ويبني على نتائج عرجاء)! الدليل؟ حسنا.. تطرق عبدالله الفكي على صفحة (902) من كتابه، إلى مقال ورد في مجلة (الأزمنة العربية)، عدد (يناير 1987)، وقد جاء المقال (في إطار الاحتفاء بالأستاذ محمود والتعظيم من شأن مواقفه، والمناصرة له في حقوقه) حسبما أعلن الفكي، نفسه، حيث يحدثنا الفكي عن المقال بما يلي:
    (كذلك جاء في مجلة "الأزمنة العربية"، عدد يناير 1987 في الحديث عن ميلاد ونشأة الأستاذ محمود: ""نشأ الأستاذ محمود في أسرة دينية، يرجع البعض نسبها إلى الشيخ محمد الهميم أحد كبار رجال الصوفية في تاريخ السودان وقد اعتبر من طائفة الملامتية والتي تعرضت لكثير من النقد والإدانة لأنها تستوجب على أفرادها إظهار أنفسهم وكأنهم يرتكبون المعاصي لكي لا يعرف الناس حقيقة أمرهم لذلك يلومونهم على أساس مفارقتهم للدين _هذا ما يبدو للعيان_ هذا وقد تميزت أسرته بإنجاب عدد من المتصوفة من بينهم الأخ الأكبر للأستاذ محمود وهو مختار محمد طه والذي يقال إنه لم يلامس النقود بيده بعد أن أدرك وقرر عدم التمسك بالدنيا والماديات. المهم أن الجو العام لنشأته الأولى كان دينيا وصوفيا وكان لذلك تأثيره الواضح على الأستاذ محمود فيما بعد).

    ثم يعلق الباحث الفكي على قول (الأزمنة العربية هذا)، بما يلي:
    (القول أعلاه، على الرغم من أنه جاء في إطار الاحتفاء بالأستاذ محمود والتعظيم من شأن مواقفه، والمناصرة له في حقوقه، إلا أنه ينطوي على الكثير من الهنات التي تعود إلى المصادر التي أخذ عنها كاتب المقال (لم يكُ واضحا اسم كاتب المقال في نسخة المجلة التي بحوزتي) هنا لا بد من الإشارة إلى أن الأمر عندي لا يعود إلى رأي أو موقف من الشيخ محمد الهميم، وإنما يعود الأمر لحقائق التاريخ، أن الأستاذ محمود لا تتصل شجرة نسبه بالشيخ محمد الهميم، وهذا حتى لا يقفز البعض ويبني على نتائج عرجاء كما رأينا آنفا وسنرى لاحقا)!!

    إذن الأمر فيما يتعلق بنسب الأستاذ أمر (أساسي) و (لا يعود إلى رأي أو موقف من الشيخ الهميم) وإنما (يعود الأمر لحقائق التاريخ)، ولذلك لا بد من (التحقق منه) و (التثبت فيه) من أجل (تحرير نسب الأستاذ محمود) وحتى (لا يقفز البعض ويبني على نتائج عرجاء)!! ولذلك لا يمكن التسامح مع "خطأ فادح" كهذا! علما بأنه في عام 1987 لم يكن موقع الفكرة الجمهورية قد تأسس بعد، حسب علمي، ولا تزال المعلومة السائدة هي المعلومة الواردة في كتاب باشري، ومصادر أخرى! بعكس الحال لدى محمد محمود (التلميذ المزعوم)!

    ولكن عبدالله الفكي، لأمر ما، أو ربما لمؤثّرٍ ما، لم يطبق معياره هذا، الذي وضعه بنفسه، على محمد محمود؟! بالرغم من أن محمد محمود اقتطف حوالي سبع مرات من موقع الفكرة الجمهورية، الذي يثبت على صفحته الأولى نسب الأستاذ محمود (الصحيح)! فعلى أي أساس، إذن، غض عبدالله الطرف عن محمد محمود واستثناه، حين نسب الأستاذ محمود إلى الهميم، لا في إطار الاحتفاء، بل بغرض استخلاص نتائج وخلاصات شائهة؟ حيث أعلن محمد محمود، ابتداء، غرضه من سرد المؤثرات البيئية الأولية والرئيسية وأثرها في تشكيل شخصية ووعي وفكر (طه)، ومن ضمن هذه المؤثرات نسب طه (المزعوم) إلى الهميم، وسماعه وتأثره بالحكاوى الكثيرة عنه! وعلى هذا فإني أستغرب كيف يكون محمد محمود (بعيدا كل البعد عن أصحاب النتائج البكماء والخلاصات العرجاء في مسألة صلة الأستاذ محمود بالشيخ الهميم، كما هو الحال لدى محمد وقيع الله)؟ ولماذا يدين الفكي محمد وقيع الله، ويدين مجلة الأزمنة العربية، على الرغم من حسن نيتها، واحتفائها بالأستاذ محمود، ومناصرتها له في حقوقه، بينما يُعظّم من شأن محمد محمود، ويشيد بدراسته؟

    وهذه الأسئلة، تزداد إلحاحا، بصورة محددة، أن علمنا أن نتائج وخلاصات محمد محمود التي بناها على نسب الأستاذ محمود إلى الهميم، أسوأ بكثير من خلاصات الآخرين، بل وتستحق، أكثر من غيرها، أن توصف بأنها (نتائج بكماء) و (خلاصات عرجاء)!

    فقد أشار محمد محمود، مثلا، إلى أن الهميم كان (فانيا) في حالة (جذب إلهي)، ولذلك خالف الشريعة، وتزوج بأكثر من أربعة وجمع بين الأختين.. الخ! ولكنه لم ينس، في سياق ذلك، أن يخبر قراءه أن صوفية السودان ملتزمون، في عمومهم، بمبدأ (الاستقامة) و (التوازن بين الظاهر والباطن)! طبعا، باستثناء أسرة (الهميم) الذي نسب طه زورا، إليه! وكذلك حرص محمد محمود على أن يخبر القاريء أن الهميم كان ينطوي على عداء (عميق) للفقهاء، بدليل مواجهته للقاضي دشين وفسخ جلده! وأن هذا العداء العميق للفقهاء مستحكم، ويجري في جينات الأسرة، وقد أورثه الهميم لحفيده وخليفته على السجادة القادرية، الشيخ أبوالقاسم الجنيد، حيث يخبرنا محمد محمود عن هذا الحفيد، ما يلي:
    (وقد أظهر أبوالقاسم الجنيد، وهو حفيد الهميم، عداءا شديدا للعلماء، حيث أعلن: "قلوب الفقهاء محجوبة عن الله". على أن هذه الحالة من التنافر والعداء الشديد والكراهية للفقهاء، لم تكن هي العرف السائد. فبالرغم من أن التراث الصوفي السوداني يسمح بمساحة "للجذب"، إلا أن الصوفية اتجهوا في عمومهم إلى تأكيد النموذج المثالي "للاستقامة" و"التوازن بين الباطن والظاهر").

    ولعل القاريء، وقد وصلنا إلى هذه المرحلة المتقدمة من المعرفة بطريقة تفكير محمد محمود وأجندته، لا يفوت عليه الغرض الذي يرمي إليه محمد محمود من الحديث المطول عن الشيخ الهميم، وتأثر الأستاذ محمود به وبما سمعه عنه، بما في ذلك الحديث عن (الانجذاب الإلهي) للهميم، وعدم تفريقه بين الحقيقة والشريعة، وخروجه عن الشريعة، وعدم التزامه (الاستقامة) و (التوازن بين الظاهر والباطن)، وعدائه الشديد للفقهاء، وتوريثه هذا العداء لأحفاده، ومنهم حفيده الجنيد، الخ! فهذا التأسيس الغرض الأساسي منه هو النيل من الأستاذ محمود، والإساءة إليه! خصوصا أن محمد محمود أشار في ثنايا كتابه إلى عداء (طه) المستحكم مع مؤسسة (الفقهاء وعلماء الدين)!

    وإلا: لو كان محمد محمود موضوعيا فعلا، وذا منهج علمي صارم، لما اكتفى بالجوانب التي ظنها (قدحا) في سيرة الهميم، خصوصا أنه قال إنه اعتمد كتاب (الطبقات) كمصدر رئيسي له! فهناك جوانب أخرى من سيرة الهميم في كتاب الطبقات، كانت متاحة أمامه، وكان عليه، كباحث محايد و (غير مغرض) أن يوردها أيضا ليعكس جميع المؤثرات، مثل قول الشيخ تاج الدين البهاري عن الهميم: (أنا جئت من بغداد لأجل هذا الولد)! وقوله للهميم، عندما لحقه مشيا لمسافة طويلة، والدوكة على رأسه: (يا ولدي هذه همة تصلح بها لإقامة دين الله في الأرض)! وقول الشيخ دفع الله العركي: (ناس ود عبدالصادق وقعت لهم دعوة مستجابة ملكوا بها الدنيا)! وقول الشيخ إدريس ود الأرباب عن محمد الهميم: (محمد عريس الحور العين)! ولو أن محمد محمود كان موضوعيا فعلا وذا منهج علمي صارم، لنقل عن صاحب الطبقات، دعوة الهميم لسليمان الطوالي (الزغرات) الذي كان (بابكولا) يجلب الماء (بالقرب)، لصنع (المريسة) بالإنداية، حيث قابله الهميم وبان النقا، وهم (عطاشى) في طريقهم للمندرة _(سمعت الأستاذ محمود ينطقها "المنضرة")_، وطلبا أن يسقيهما ماء، فتكى القربة وسقاهما! فقال له الشيخ محمد (الهميم): (الله يملاك دين)! فكانت تلك آخر مرة يحمل فيها (سليمان الطوالي) الماء للإنداية، حيث أوصل الماء، ولحق بالهميم في (المندرة)، ليسلك عليه، ويصبح وليا نافذا، من دعوة (واحدة) للهميم! أحيا الله قلوبنا وعقولنا، بذكر الهميم، هنا، ونفعنا _أخرى ودنيا_ به، وبصلاحه!

    العجيب أن محمد محمود، ولأنه يقرأ بغرض الإدانة، سُلِب عنه الفهم، فأخطأ في قراءة فقرة معينة في الطبقات، من سيرة الهميم، حيث قال في سياق افتراضاته الكثيرة عن (الحكاوى المرجح أن "طه" سمعها حول الهميم)، ما يلي:
    (ولا بد أنه سمع أيضا كيف أن الهميم رأى ليلة القدر في رفاعة وقد صُعِق من رؤيتها، وكانت النتيجة أن فقد، ليس وعيه فحسب، بل فقد بركاتها أيضا، حيث تحولت البركات إلى "شيخ آخر")!!

    وهذه (الجلْطة) أعتقد أنها نتيجة (غارة وسلب مباشر) من الهميم، أعزّنا الله بذكره! ذلك أن محمد محمود، يشير بقوله هذا، إلى هذه الفقرة من كتاب (الطبقات)، في سيرة الهميم، حيث يقول ود ضيف الله:
    (ويُحكى أنه في رفاعة رأى ليلة القدر، فصُعِق منها صعقة شديدة، فسمعتها أمه في أربجي، فقالت فاز بها أعرج ابن أعرج، تعني الشيخ عبدالصادق)!

    فهنا، محمد محمود، ولجهله بالتراث الديني الصوفي في السودان، وبأنساب الصوفية، وأسمائهم، ظنّ أن (عبدالصادق) شيخ آخر (ذهبت إليه ليلة القدر إثر صعقة الهميم)! وهذا، لعمري، ليس جهلا بالتراث الصوفي فحسب، بل هو جهل حتى بأبجديات الخطاب الشعبي، وثقافة التراث المجتمعي، واصطلاحات اللغة العامية، في السودان!

    فصاحب الطبقات، ذكر أن والدة الهميم عندما سمعت (وهي في أربجي) صعقة ولدها من ليلة القدر في رفاعة (وهذه كرامة لها لا ريب)، أعلنت: (فاز بها أعرج ابن أعرج)! وقد شرح صاحب الطبقات كلمة أعرج الثانية بقوله: (تعني الشيخ عبدالصادق)! أي أن والدة الهميم تعني بأعرج الأولى ابنها (محمد)، وبأعرج الثانية تعني والده (الشيخ عبدالصادق)! وعلى هذا، عبارة والدة الهميم تعني، بكل بساطة: (فاز بها ولدي)! وقد لقبته: أعرج (محمد) ابن أعرج (عبدالصادق)! فالشيخ الهميم اسمه: محمد (الهميم) ود (عبدالصادق)! ولكن محمد محمود، ولأنه يقرأ بغرض الإساءة، فقد عمي عن المعنى المقصود من العبارة، وظن أن (عبدالصادق) هو شيخ آخر مقصود بالعبارة كلها (أعرج ابن أعرج)! وعندي، أن الأمر لا يخلو من غارة، وسلب، كما أسلفتُ! برغم أن الدكتور زي (زول) الشيخ يوسف!

    ولكن: برغم كل هذا الجهل بالتراث الصوفي والديني في السودان، وبالفكرة الجمهورية، وبأقدار الرجال، يتصدى محمد محمود، للنقد والتحليل بقصد تفهيم (الآخرين)، وبالإنجليزية كمان!

    والأسوأ في كل هذا، هو أن محمد محمود استخدم تأسيسه الخاطيء والمغرض في ربط نسب الأستاذ بالهميم، وإشاراته إلى تأصل حالة (الفناء والجذب) و (عدم الاستقامة الصوفية) و (عدم التوازن بين الظاهر والباطن) في أسرة الهميم (الذي نسب طه إليه، توهما)، ليصل إلى (النتيجة) و (الخلاصة) التي يريدها، في الأساس، وهي التشكيك في (استقامة) و (صحة) و (توازن) الموقف المشهود للأستاذ محمود صبيحة يوم 18 يناير 1985، على المقصلة! فقد كتب محمد محمود، على صفحة 33 – 34 في كتابه، عن موقف الأستاذ محمود المشهود على المقصلة، ما يلي:
    (طه يعتبر نفسه صوفي "باقي"، له تجربته في الطريق النبوي، ويتبع نهج الصوفية الباقين "غير الفانين". علما بأن الصوفية الباقين مثل أبوالقاسم الجنيد (توفي عام 289/910م) والذي يقتطف طه أحيانا من كلامه، أوصى بضرورة التزام "الاستقامة" و "التوازن"، وعدم البوح بالأسرار والمعارف الإلهية العامة. وبرغم الصداقة الحميمة بين الجنيد والحلاج، الذي أعدم بسبب شطحاته الصوفية، فإن الجنيد انتقد موقف الحلاج لأن الجنيد لم يكن يقبل أن يبوح الصوفي بتجربته ومعرفته الصوفية للعامة. ووجهة النظر "الصوفية" الناقدة هذه تشكك في "استقامة" و "توازن" و "صحة" موقف الصوفي الشهيد، وترى في "مصيره النهائي" الذي لاقاه عنصرا من عناصر "العقوبة الإلهية" و"الطرد". علما بأن الدلالات السلبية التي تعكسها وجهة النظر الصوفية هذه حول "إعدام" طه لم تكن خافية على حس الجمهوريين الصوفي. ولذلك فإن أحد الطرق الفعالة التي حاولوا عبرها تبرير الموقف، كانت التأكيد على أن موت طه، في الواقع، كان عملا أراده هو بنفسه، وقد اختار تقديم أكبر تضحية بأن بذل نفسه لفداء الأمة وإنقاذها من كارثة قوانين الشريعة الإسلامية التي فرضها النظام)!

    ومع كل ما فعله محمد محمود هذا، وبالرغم من إساءاته الممنهجة _بل ربما بسببها_ يحدث الباحث عبدالله الفكي الناس أن (محمد محمود التزم منهجا علميا صارما في دراسته عن الأستاذ محمود)! ويقرر كاتب مقدمة كتاب الفكي، البروفيسور عصام البوشي (صديق العمر لمحمد محمود)، على رؤوس الأشهاد، أن كتاب محمود محمود (من أفضل ما كتب عن محمود محمد طه)! حيث قال البوشي، في محاضرة عامة أقيمت بمركز الخاتم عدلان عن كتاب محمد محمود، ما يلي:
    (د. محمد محمود أهداني كتابه، واطلعتُ عليه! وأقول: إنه من أفضل ما كُتب عن محمود محمد طه! وتناول كل القضايا!)!!

    علما بأنه في ندوة عامة حول كتاب الفكي انعقدت في بريطانيا بتاريخ 26/4/2014 تحت رعاية منتدى (أجندة مفتوحة)، وإشراف محمد محمود وآخرين، أخبر البوشي الحضور بما يلي، عن الأستاذ محمود:
    1- (الأستاذ محمود من البشر الذي كانوا يتميزون بعدم التناقض! كان شخصية غير متناقضة! وكان شخصية يحاول أن يعيش ما يقوله! وكان شخصية كان ظاهره زي باطنه!)

    2- (الأستاذ محمود كان حذرا في كلامه! عندما يتحدث كان يدرس القضية، ويصل فيها إلى نتيجة، ثم يعلنها! ولذلك إن قل خطؤه، فإنما يقل من هذا الاتجاه: اتجاه التأمل! ما كان مندفعا في مسائله!)!

    3- (الإسلام البقدموا "الأستاذ محمود" ليس إسلام تعصبي! دي نقطة زي ما بيقول تلتقي فيها الأديان كلها، الأديان كلها بتدعو لقيم، تدعو لسلوكيات متفق عليها. بعض الزعم بتاع محمود محمد طه أنه الإسلام بمشي خطوة لا قدام، بيتبنى الحاجات دي كلها، يضمها، ليمشي بيها لا قدام)!

    4- (المنابر الحرة الدعا ليها الأستاذ محمود، المنابر دي هي شنو؟ هي الجوامع، تحرر، الكنائس، تحرر، الإذاعة تحرر، التلفاز، والصحف، والمنابر، ودور الأحزاب، وا، وا، وا... فدي كلها مسائل مهمة! ولذلك الأستاذ تحدث عن مسألة الثورة الثقافية، وتحدث فيها حديث واضح عن مسائل كثيرة)!

    هذا كلام البوشي!

    وأنا، هنا فيما يلي، أهدي البوشي بعض ما قاله محمد محمود عن الأستاذ محمود، في الكتاب الذي قال البوشي إن محمد محمود أهداه له، وقد اطلع عليه، ومن واقع اطلاعه هذا، قطع بأنه (من أفضل ما كتب عن محمود محمود طه)! حيث يقرر محمد محمود عن الأستاذ محمود، في هذا الكتاب، ما يصادم مباشرة، تقريرات البوشي أعلاه! وقد اخترت للبوشي أربع نقاط، من كتاب محمد محمود، لتقابل نقاط البوشي الأربعة أعلاه! فلنسمع محمد محمود، يحدث قراءه عن (طه):
    1- (إن "تناقض" طه و"عدم تماسك فكره"، حيث يعد لكل مناسبة خطابها، يلحق به أبلغ الضرر)!! صفحة (137)..

    2- (طه يلصق بالآيات معاني ومقاصد "تناقض" بصورة واضحة المعاني والمقاصد الظاهرة لهذه الآيات)! صفحة (210).

    3- (فكر طه، فكر "إقصائي"! فهو يؤكد أن نموذج محمد وتقليده هو السبيل الوحيد إلى حضرة القدس، وليصل الفرد إلى أصالته أو خلاصه النهائي. وعلى هذا فإن الحل "الوحيد" الذي يقدمه طه لأصحاب الديانات الأخرى أو لمن يعارضون المذهب الصوفي أو الملحدين، هو الحل الذي يقدمه كل "إقصائي"، وهو: "يجب أن تتبعوني وتؤمنوا بي"! ومن بين كل هؤلاء الفرقاء، يرى طه أن "الملحدين" تحديدا هم "الأكثر جهلا"! بل هو في الواقع يذهب، في إحدى النقاط، إلى حد التعبير عن أنه يجب أن لا يسمح للملحدين بالتعبير عن آرائهم في المنابر العامة)! نهاية صفحة (123) وبداية صفحة (124).

    4- (طه يمارس أحيانا "وصاية فكرية" على "عامة المسلمين" الذين يرى أنهم "يجب أن لا يُعرّضوا إلى الكثير من المعرفة"، أو "لآراء الملحدين"، التي قد تربكهم (أسئلة وأجوبة الأول ص 30!). وعندما نرى ما قاله في حق جارودي يصبح عندنا دليل واضح أن "وصاية طه الفكرية تمتد، وراء عامة المسلمين السذج، لتشمل أيضا المفكرين". وهذا رأي لا يتفق مع نزعة طه للحرية، و"قد تراجع عنه لاحقا"! ففي مقابلة مع مجلة الوادي عام 1983 قال إن من حق الناس أن يعتقوا أية أفكار (بما في ذلك الإلحاد)، ولهم الحق أن يدعو إلى أفكارهم هذه، في جو ديمقراطي). صفحة (262).

    لذلك: لا أزال أرى _من واقع حسن الظن حتى الآن_ أن عبدالله الفكي لم يقرأ كتاب محمد محمود، بل اعتمد على رأي آخرين _ومنهم البوشي_ عن الكاتب، والكتاب، معاً! كما أرى أيضا أن إعجاب البوشي إنما هو إعجاب بشخص الكاتب (محمد محمود)، في الأساس! وهذا الإعجاب لا يخفيه البوشي، فقد مدح بروفيسور البوشي "صديق عمره" محمد محمود، في ندوة "أجندة مفتوحة"، وبحضوره، قائلا:
    (الأخ محمد أحمد محمود علاقتي به علاقة قديمة جدا، ودايما كان مهموم بالمسائل الفكرية، فالمسألة ما غريبة عليه يعني! ومنذ أن كان طالبا في الجامعة، يتحدث عنها)!!

    وعلى هذا، يكون البوشي قد قدّم (الرغبة) على (الوثيقة)، بمعيار الفكي! وقد تبعه الفكي في ذلك، بالمخالفة (لمنهجه)! ففي ندوة عامة انعقدت بالخرطوم بتاريخ 18/7/2012، بخصوص كتابه، وكان مقدم الندوة د. النور محمد حمد، أعلن الفكي، بحماس ولغة قاطعة، عن نفسه، وعن كتابه، ومنهجه، ما يلي:
    (معظم الدراسات السودانية، في نقدنا لمصادر الدراسات السودانية، في معظمها، وحتى الدارسين، دوما بيقدّموا الرغبة على الوثيقة! "أنا في الكتاب دا قدّمت الوثيقة على الرغبة"! و"الوثيقة سعيت لاستنطاقها"، موش بأني أقول محمد محمد خير البدوي آخذ كلامه بحذر.. أي كلام قريتو أخذته بحذر شديد.. "وما بسْتند إلا على حاجة شفتها وقريتها"! وحتى لما أقراها بسْتند عليها بحذر شديد! الحذر بيأتي من وين؟ بيأتي من المنتهج الأنا منتهجو! وهو مقارنة القرائن! إنت ما بتقدر تقول الشخص صادق أو كذاب أو كذا أو كذا! قد يكون فهم الموضوع خطأ، هو كتبها، قد، قد، قد، وما إلى ذلك)!

    لنسمع مرة أخرى: 1- (أنا في الكتاب دا قدمت الوثيقة على الرغبة)! و: 2- (الوثيقة سعيت لاستنطاقها) و 3- (ما بستند إلا على حاجة شفتها وقريتها)! و: 4- (حتى لما أقراها بستند عليها بحذر شديد)!

    فإذا كان الأمر كذلك، يحق لأي قاريء أن يسأل الفكي: هل طبقت معيار (تقديم الوثيقة على الرغبة) هذا، على محمد محمود، وكتابه، عندما قلت:
    1- (من المهم الإشارة إلى أن محمد أحمد محمود، التزم منهجا علميا صارما في دراسته عن الأستاذ محمود)!

    2- (ففوق المنهج العلمي الصارم الذي التزمه محمد أحمد محمود، فإن أهمية دراسته تأتي أيضا من كونه "كان على معرفة بالفكرة وبالمجتمع الجمهوري من الداخل"، إذ التقى الأستاذ محمود وقضى بعض الوقت في معيته، و "كان لفترة وجيزة من بين تلاميذ الأستاذ محمود")!

    على كل حال، أكرر القول: إن كان عبدالله الفكي قد قرأ كتاب محمد محمود، بما فيه ملحوظة محمد محمود حول طبيعة علاقته بالأستاذ محمود، ثم خلص إلى ما خلص إليه، فهذه مصيبة! وإن لم يكن قد قرأه بل اعتمد على رأي أشخاص آخرين، ومنهم البوشي كاتب مقدمة كتابه، فالمصيبة أكبر!

    لذلك: أنا هنا سأحج عبدالله الفكي بالوثيقة، حسب معياره، وهي (كتاب محمد محمود)! ذلك أن محمد محمود لم يقل في كتابه إنه (قضى بعض الوقت في معية الأستاذ محمود) ولم يقل إنه (كان لفترة وجيزة من بين تلاميذ الأستاذ محمود)! بل قال تحديدا إنه كان على (معرفة شخصية) بطه خلال عامي 1972 – 1973! ومعلوم أن كثير من المثقفين، والمهتمين بالفكر، كانوا على (معرفة شخصية) بالأستاذ محمود، خصوصا خلال فترة السبعينات، وما قبلها وبعدها، ومن هؤلاء: منصور خالد، ومحمد محمد علي، وعبدالله بولا، بل وزميل محمد محمود في شعبة اللغة الإنجليزية بجامعة الخرطوم، دكتور أحمد نميري، وهذا الأخير له مناقشات وأسئلة مسجلة في أشرطة جلسات الجمهوريين! ولم نسمع أن أيا من هؤلاء قد قال عن نفسه، أو قال عنه أحد من الجمهوريين، أنه كان تلميذا، لفترة وجيزة أو غير وجيزة، للأستاذ محمود!

    فلماذا أهمل الباحث الفكي (الوثيقة) وهي كتاب محمد محمود نفسه، الذي صرح فيه بطبيعة علاقته مع طه، وفضّل عليها (الرغبة)؟ وهي للعجب، ليست (رغبته) هو، بل رغبة شخصين آخرين هما: (برفيسور البوشي) و (د. النور حمد)؟؟

    فمحمد محمود يحدثنا في (الوثيقة) _الكتاب_، عن طبيعة علاقته بالأستاذ محمود، بما يخالف (رغبة) البوشي والنور حمد! ففي ملحوظته رقم 67، على صفحة 236 من كتابه، شارحا قوله (على صفحة 32) أن (طه لا يأكل اللحم ولا يحمل نقودا في جيبه)، ذكر محمد محمود ما يلي:

    (ملحوظة 67: هذه الملاحظات مستندة إلى معرفة المؤلف الشخصية بطه في عامي 1972 – 1973)!

    (Note 67: These observations are based on the author’s personal acquaintance with Taha in 1972 – 73.).

    فلو كانت هناك (تلمذة) فإن أولى الناس بذكرها، هو (التلميذ) المزعوم نفسه، خصوصا أن المقام هو مقام إعداد كتاب عن (المعلم) المفترض، كما قلتُ في الحلقة الأولى! ولكن التلميذ (المزعوم) لم يفعل! ومع هذا، اطّرح الفكي _الباحث المستقل_ ما ورد في (الوثيقة) من (صاحب الوثيقة) نفسه، ليعتمد (رغبة) الآخرين! وبنفس القدر فإن عبدالله الفكي هنا، وخلاف منهجه المعلن أيضا، قد اعتمد (المصادر الثانوية)، بل السماعية منها، في ظل وجود (المصدر الرئيسي) على مستويين: مستوى (الوثيقة) وهي (كتاب محمد محمود)، ومستوى (اللحم والدم)، وهو (صاحب الوثيقة)، نفسه؟ ولا بد أن نتذكر، هنا، الحرص المبالغ الذي أبداه عبدالله الفكي، حين انتقد الطلبة، ومشرفتهم أيضا، لاعتمادهم (مصادر ثانوية) في ظل توفر (المصادر الرئيسية)، وكتب في ذلك أربعة حلقات مطولة، بالرغم من أن المعلومات التي نقلها الطلاب عن تلك المصادر الثانوية كانت صحيحة، ولم يبنوا عليها أي إساءات أو تشويه، كما فعل محمد محمود بمعلومات المصادر الرئيسية، التي استند عليها!!

    عليه، يبدو لي أن عبدالله الفكي يتبع منهجا انتقائيا في تطبيق معاييره عن (ضرورة تحرير نسب الأستاذ محمود)، و (تقديم الوثيقة على الرغبة)، و (ضرورة الأخذ عن المصادر الرئيسة)، حيث يطبقها على البعض دون البعض الآخر! حيث يستثني (أصحاب الحظوة) و (أهل الخصوص)، ويحابيهم! فالباحث الفكي، قام على صفحة (901)، مثلا، بمدح د. حيدر إبراهيم علي (احترازه) في إرجاع نسب الأستاذ محمود للهميم، لمجرد استخدام حيدر لكلمة (البعض) في نصه، في حين أنه (أدان) مجلة الأزمنة العربية، بعد أربعة أسطر فقط، على ذات (الاحتراز) الذي (مدح) عليه د. حيدر! وهذا، في حد ذاته أمر عجيب، نظرا لأن عبارة مجلة الأزمنة العربية تطابق عبارة حيدر، حرفيا! وقد استخدمت المجلة كلمة (البعض) أيضا!

    فلنسمع أولا، ما قاله الباحث الفكي عن حيدر إبراهيم:
    ("احترز" حيدر إبراهيم علي، في إرجاع نسب الأستاذ محمود إلى الشيخ الهميم، إذ كتب حيدر في ورقته الموسومة بـ "الأستاذ محمود محمد طه: الإنسان والمواقف والأفكار"، وهو يتحدث عن نسب أسرة الأستاذ محمود كتب قائلا:
    (ونشأ في أسرة دينية يرجع "البعض" نسبها إلى الشيخ محمد الهميم أحد كبار رجال الصوفية في تاريخ السودان")..

    ولنسمع، مرة أخرى، عبارة مجلة الأزمنة العربية، التي تحتوي على نفس (الاحتراز) بكلمة (البعض)، لنقارن كيف تتطابق عبارة (الأزمنة العربية) مع عبارة (حيدر):
    (نشأ الأستاذ محمود في أسرة دينية، يرجع "البعض" نسبها إلى الشيخ محمد الهميم أحد كبار رجال الصوفية في تاريخ السودان)!

    المفارقة أن محمد محمود (صاحب المنهج العلمي الصارم) لم (يحترز) حتى باستخدام كلمة (البعض) التي مدح الفكي، حيدر إبراهيم، عليها! فمحمد محمود، كما ترجم عنه الباحث الفكي، قال بصورة تقريرية مباشرة ما يلي: (تنتمي أسرته _أي الأستاذ محمود_ إلى قبيلة الركابية، ومحمد الهميم هو جده)! هكذا! ومع ذلك، قرر الفكي عن محمد محمود ما يلي: (من المهم الإشارة إلى أن محمد أحمد محمود، التزم منهجا علميا صارما في دراسته عن الأستاذ محمود) الخ!! يبدو أن من يعش رجبا، يرى عجبا في فضاء (النقد المحايد)، و (التحليل العلمي)، و (الإنصاف)!!

    هذا فيما يخص نسب الأستاذ محمود! وندلف بعده للتشويه الآخر فيما يخص موقف الأستاذ محمود في مناهضة قانون الخفاض الفرعوني! وسندهش هنا أن نعلم أن عبدالله الفكي صنف دراسة محمد محمود على أنها (علمية)، واخترع تبريرا لتحامل محمد محمود، هو: (محمد محمود طبق "منهج الحداثة" النقدي ولذلك لم يفهم موقف الأستاذ محمود)!! علما بأن الفكي أورد قول محمد محمود بالإنجليزية بدون ترجمة في كتاب موجه للقراء العرب! بل حتى العبارات التي ترجمها من قوله، حرص على أن يلبسها ثوبا إيجابيا!

    لذلك: أورد، هنا فيما يلي، ترجمة كاملة بالعربية لقول محمد محمود، وتحته أصل القول باللغة الإنجليزية، من أجل أن يستبين القراء عنصر (التحامل) فيه، ويقيسوا عليه مدى (إنصاف) الفكي للأستاذ محمود! يقول محمد محمود:
    (وفي سبيل كسبه لهذه المعركة باسم "شرف" النساء السودانيات، أوقع طه، عن غفلة، الضرر الأكبر الذي ألحقه شخص واحد منفردا، برفاهية النساء السودانيات، وحريتهن. إن الخفاض لم يكن أبدا عادة "سودانية"، بمعنى أنه لم يكن كل السودانيين يمارسونه. ومن هنا، فإن معارضة طه لقانون الخفاض الفرعوني خدمت مصالح قطاعات السكان التي كانت متشبثة بتعنت بهذه الممارسة، وترفض أن ترى مبلغ الأذى والقسوة والهمجية التي تمثلها هذه العادة)2!!

    أدناه أصل قول محمد محمود حسبما أورده الفكي في كتابه (الموجه لقراء العربية):

    (In winning this battle in the name of the “honor” of Sudanese women, Taha had inadvertently contributed the single greatest damage to the welfare of the Sudanese women. Circumcision had never been a “Sudanese” tradition in the sense that all Sudanese practice it, Taha’s opposition served the interests of those sections of the population who adamantly clung to the practice, refusing to see its harms and brutality).2


    جدير بالذكر أن محاباة الفكي، واطراحه (الوثيقة) لصالح (الرغبة)، لا تقتصر على محمد محمود، فحسب، بل تشمل آخرين، منهم على سبيل المثال، الأستاذ بدرالدين السيمت، كنموذج! فقد ذكر الباحث الفكي ما يلي عن السيمت:
    (وضح بدرالدين فترة "مرافقته" للأستاذ محمود، وبين أسباب "مفارقته" في مقدمة كتابه تحت عنوان فرعي وسمه بـ "كاتب هذا السفر ليس من الجمهوريين"، كتب بدرالدين قائلا: "باديء ذي بدء أحب أن ألفت نظر القراء الكرام، إلى أن كاتب هذا السفر ليس من الإخوان الجمهوريين، فهو قد فارق الفكرة الجمهورية منذ عام 1982، ولم يعد عضوا مع الإخوان الجمهوريين، في أثناء حياة الأستاذ الجليل، ووجوده وجودا حسيا. وقد تم الخروج بعد حوار لطيف مع الأستاذ الجليل، والإخوة الجمهوريين الأجلاء، في مسائل عرفانية، تتعلق بالأصالة والفردية، يجدها القراء مبسوطة في موضعها من هذا السفر. ومهما يكن من أمر، فإننا كنا وما زلنا، ولن ننفك نحفظ للأستاذ الجليل قدره الأسنى، ونعرف له فضله الأسمى، ومقامه الباذخ الشامخ، كما أننا لا نزال نحفظ الود القديم لكل الأخوات والإخوان الذين ينسبون أنفسهم للفكرة الجمهورية. ومن ما لا شك فيه، أن الخلاف في مثل هذه الدقائق العرفانية، أمر محمود ومطلوب، وهو دليل بذرة الفردية، فقد علم كل أناس مشربهم، وما يعقلها إلا العالمون. أكثر من ذلك، فإنه إذا لم يقيض الله ذلك الخلاف، ويستعملنا فيه استعمالا حسنا، فإن الفكرة الجمهورية، ستذهب في التاريخ _شأنها شأن بقية الحركات الدينية_ كحركة تقليدية، يقودها أصيل واحد، ويتبعه مقلدون كثيرون، وعن ذلك تعالت الفكرة الجمهورية علوا كبيرا"..)!!

    يلاحظ أن بدرالدين قد أعلن عن نفسه بوضوح! محدّدا أنه (لم يعد عضوا مع الإخوان الجمهوريين)، وأنه (فارق الفكرة الجمهورية منذ عام 1982) إثر خلاف مع الأستاذ محمود، في مسألة الأصيل الواحد، وهو خلاف، كما يعلم الكثيرون، لا مجال إلا أن يكون واحدا منهما، فقط، (صادقا) بشأنه! وألفت النظر هنا إلى تناقض خاتمة كلام بدرالدين، أعلاه، مع مقدمة كلامه: فخاتمة كلامه تدل على أنه يرى أحقيته بقيادة (الفكرة الجمهورية)، برغم ادعائه (في مقدمة كلامه) أنه غادر الفكرة الجمهورية، ولم يعد عضوا مع الإخوان الجمهوريين! فقد قال في خاتمة كلامه أعلاه: (أكثر من ذلك، فإنه إذا لم يقيض الله ذلك الخلاف، ويستعملنا فيه استعمالا حسنا، فإن الفكرة الجمهورية، ستذهب في التاريخ _شأنها شأن بقية الحركات الدينية_ كحركة تقليدية، يقودها أصيل واحد، ويتبعه مقلدون كثيرون، وعن ذلك تعالت الفكرة الجمهورية علوا كبيرا)!! فهذا النص يوضح أن بدرالدين يعتبر نفسه (الأصيل الآخر) الذي استعمله الله استعمالا حسنا، ليتولى قيادة الفكرة الجمهورية، إثر (موت) طه! وهذه هي (الحكمة) من ذلك الخلاف الذي قيضه الله!! ولعله من أجل هذا نرى بدرالدين، يعمل بشتى الوسائل، على استمالة بعض الجمهوريين لآرائه، ويمنح من اتبعه صكوك (الأصالة) و (ترك التقليد) من لحظة انضمامهم إليه!

    وبرغم هذا _بل ربما بسبب هذا، من يدري_ يقول الفكي عن بدرالدين، ومشروعه:
    (الشاهد أن كتابات بدرالدين السيمت قد نحت منحى مختلفا عن كتابات تلاميذ الأستاذ محمود الآخرين ممن وردت الإشارة إليهم، وممن سترد الإشارة إليهم لاحقا. فقد نحا بدرالدين في كتاباته منحى روحيا، وهو عنده يمثل اتجاها مختلفا لفهم الأستاذ محمود، وهو فهم، كما يرى بدرالدين، يتحقق من خلال المعرفة الروحية الخاصة التي يدعو لها بدرالدين. إن كتابات بدرالدين تعبر عن طرح مشروع خاص، إذ تبدى لي من خلال قراءتي الأولية لكتابات بدرالدين أنه يقدم نفسه كصاحب مشروع، يقوم مشروعه على معرفة روحية خاصة، وقد ترسم بدرالدين طريقه ووضع مرتكزاته التي تنطلق من إرث البشرية في البعد الروحي والنقطة الأسمى في النسب، نسب الروح وعرقها. تمثل هذه المعرفة الروحية الخاصة ببدرالدين المدخل السليم لفهم الأستاذ محمود وفهم أنفسنا وفهم الكون والديانات...الخ، بيد أني أعتقد، اعتقادا خاصا ويقوم على قراءة أولية لكتابات بدرالدين، أن مشروع بدرالدين مهما كانت ملامحه ومآلاته ووجهته وغاياته ومهما تجلى نفاذ بصيرته وسمات أصالته فهو مشروع ينتهي عرقه الفكري ونسبه الروحي عند الأستاذ محمود محمد طه.)..

    وعلى ذكر (النسب الروحي) هذا، كنتُ قد سألت الفكي سؤالا لم يجبْني عليه، وهو:
    (حيث أن نسب الروح واحد، فيما يخص المعرفة الدينية الحق، فإنه من هنا يتفرع عن هذا أيضا، سؤال جانبي: هل نسب مشروع بدرالدين الروحي هذا، هو من نفس قبيل نسبك الروحي الذي ينتهي أيضا عند الأستاذ محمود، حسبما اكتشفته عبر مشروع كتابك هذا، أم أنه يختلف عنه؟؟)!!

    ثم، إني أوجه أسئلة أخرى الآن إلى عبدالله الفكي، بوصفه باحثا مستقلا (يقدم الوثيقة على الرغبة)، هي:
    (كيف يكون لمشروع السيمت الخاص (مهما كانت ملامحه ومآلاته ووجهته وغاياته ومهما تجلى نفاذ بصيرته وسمات أصالته) عرق فكري ونسب روحي بمشروع الأستاذ محمود، وهو يختلف معه اختلافا أساسيا وجذريا، بالمستوى الذي ذكره السيمت في كلامه أعلاه؟ وما هو دليلك من كتابات السيمت، أو من كتابات الأستاذ محمود، على وجود هذا (العرق الفكري) و (النسب الروحي)، خصوصا أن مشروع السيمت، مثلا، يبدأ من (نقطة تجاوز الأديان)، بما فيها الإسلام، ويقول إن شهادة (لا إله إلا الله) هي (شهادة زور) في حين يبدأ مشروع الأستاذ محمود من (نقطة التقاء الأديان) ويقول إن شهادة (لا إله إلا الله) هي (المحور الذي يدور عليه كل الدين)؟

    بل: كيف يمكن للفكي، الذي يزعم أنه (يقدم الوثيقة على الرغبة)، أن يصل من مجرد (القراءة الأولية) لكتابات بدرالدين، إلى يقين (قاطع) بوجود عرق فكري ونسب روحي، لمشروع بدرالدين (مهما كانت ملامحه! ومآلاته! ووجهته! وغاياته!) و (مهما تجلى نفاذ بصيرته! وسمات أصالته!)، بمشروع الأستاذ محمود؟ خصوصا أن بدرالدين أعلن بوضوح (اختلافه) كشخص، مع الأستاذ محمود، و(اختلاف) مشروعه أيضا مع مشروع الأستاذ محمود؟ علما بأن الفكي لم يقدم دليلا نصيا للقاريء يبرر (يقينه) هذا! أم لعله مكتوبٌ في أسس البحث (المستقل) أن يُلزم القاريء بما يعلنه الباحث من (يقين) و (جزم)، حتى وإن كان مستمدا من قراءة الباحث (الأولية)، دون أي دليل أو سند؟

    إن أخشى ما أخشاه هو أن تكون (قراءة الفكي الأولية لكتابات بدرالدين)، هي من قبيل (قراءة الفكي لكتاب محمد محمود)، على النحو الذي رأينا!

    وبعدُ: أعتبر هذه الحلقة نهاية مناقشتي لكتابات محمد محمود، و (تحامله)، في ظل إشادة عبدالله الفكي وتمجيده لكتابات محمد محمود ومنهجه، بسبيل من (إنصاف!) الأستاذ محمود! وسأواصل، بعون الله، لأختم بالنور، في الحلقتين السابعة والثامنة، حيث أورد مقتطفات من كلام الأستاذ محمود، بما يدمغ بصورة حاسمة، مزاعم محمد محمود، وتقوّلاته.

    إبراهيم عبدالنبي
                  

العنوان الكاتب Date
الأستاذ محمود: بين "إنصاف" عبدالله الفكي و "تحامل" محمد محمود. بقلم إبراهيم عبد النبي Yasir Elsharif02-21-15, 12:35 PM
  Re: الأستاذ محمود: بين andquot;إنصافandquot; عبدالله الفكي و andquot;تحاملandquot; محمد Yasir Elsharif03-01-15, 07:39 AM
    Re: الأستاذ محمود: بين andquot;إنصافandquot; عبدالله Yasir Elsharif03-12-15, 06:28 PM
      Re: الأستاذ محمود: بين andquot;إنصافandquot; عبدالله النذير حجازي03-13-15, 09:43 PM
        Re: الأستاذ محمود: بين andquot;إنصافandquot; عبدالله Yasir Elsharif03-27-15, 08:33 PM
          Re: الأستاذ محمود: بين andquot;إنصافandquot; عبدالله Yasir Elsharif04-11-15, 03:03 PM
            Re: الأستاذ محمود: بين andquot;إنصافandquot; عبدالله Yasir Elsharif04-26-15, 01:06 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de