الفاتح جبرا .. في ذمة الله
نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب د. الفاتح يوسف جبرا فى رحمه الله
|
Re: اساطير ... المدينة الخلاسية ... سيرة مدينة .. (Re: حافظ البشاري)
|
.لكل مدينة معالمها و شخصياتها الواقعية و الاسطورية وفي تاريخ كل مدينة آثر وانسان يكون شاهدا للدلالة علي صدق الواقع او الاسطوره يغذي بعدها المعنوي و يشخص حياتها الماثلة هكذا تعيش المدينة حياتها واقعا و اسطورة في انسياب وسماحة فكل له دوره المؤثر في الحياة العامة بدون تنازع او تضاد ففي تاريخ المدينة القديم منه و الحديث شخصيات واساطير ووقائع منها ما هو مستمر ومنها ما انقطعت جذوره و صار حكايات متداولة ولان تحولات الوقائع والاحداث في المدينة ايقاعها بطئ فليس من ثمة حاجة للعجله فذاكرة المدينة الشفاهيه تحفظ عن ظهر قلب كل حدث و تاريخ وتنقله بامانة و دقة متناهية عبر جسور وحبال سرية من جيل الي جيل موثقة لكل حادثة وواقعه مكانها وزمانها في كتاب الذاكرة الجمعية و الذي تمثل صفحاته حياة كامله لاحداث الماضي وشخصياته ترفد حياة انسان المدينة الحاضر بصورة تبوغرافية للاحداث و المواقف شخصيات المدينة كثيرة تظهر و تختفي تؤثر في الواقع و يؤثر عليها الواقع تسير احيانا في خط سير الواقع و احيانا كثيرة تتجاوزه راسمة خط سيرها المخالف للواقع تتفق مع المزاج العام احيانا و احيانا كثيره تتجاوزه فمدينة بلا اساطير مدينة بلا شخصية فاذا كانت الاساطير تجذر للماضي مشروعية وجوده الخفي و المستتر خلف فضاءات اللغة و الحراك الاجتماعي فانها بلا شك ايضا تفسر كثير من سلوك انسان الحاضر و تصبغ ملامحه بحبرها السري في احيانا كثيره معلنة عن وجودها في تمثلات كثيرة تتضح بمقدرة الاخريين علي فك شفراتها فمدينة بلا اساطير مدينة بلا شخصية فاذا كانت الاساطير تجذر للماضي مشروعية وجوده الخفي و المستتر خلف فضاءات اللغة و الحراك الاجتماعي فانها بلا شك ايضا تفسر كثير من سلوك انسان الحاضر و تصبغ ملامحه بحبرها السري في احيانا كثيره معلنة عن وجودها في تمثلات كثيرة تتضح بمقدرة الاخريين علي فك شفراتها
.
(عدل بواسطة حافظ البشاري on 08-25-2015, 07:37 PM)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: المدينة الخلاسية ... سيرة مدينة .. (Re: حافظ البشاري)
|
تعيش المدينة آساطيرها التي ترتبط ارتباطا وثيقا وعميقا بتاريخ نشآتها وتكونها ولان تاريخ المنطقه كله تاريخ شفاهي فان للاساطير و الحكي الشعبي مكانا مقدرا في الذاكرة الجمعية لانسان جبال النوبة و كثيرا ما ترتبط الاسماء والاماكن تبعا لورودها و تسلسلها في الحكي و الاساطير الشعبية في الوسط الجنوبي الشرقي للمدينة يقبع جبل بليله محاطا بغموضه الاسطوري مغذيا ذاكرة المدينة بمعين لا ينضب من الحكايات التي ارتبطت ارتباطا وثيقا بالوجدان الشعبي لسكان المدينة و قد سمي جبل بليله باسم الكجور بليله وهو آحد كجرة المدينة في عهودها السابقه و قد كانت لكثير من اعماله الكجوريه صدي واسعا جعلت منه شخصيه آسطوريه و قد ارتبط اسم الجبل به و صار يعرف بجبل بليله آي جبل الكجور بليله
آساطير المدينة في كل احوالها وتمثلاتها الماضية و الآنية لا تستلزم كثير من الجهد علي هضمها فان آسطورة جوهرة جبل بليله او اسطورة الجوهرة المفقودة يتسع فضائها الآسطوري الزمني ليشمل الماضي البعيد و الحاضر القريب معا وتحكي الاسطورة ان الجبل كان يسكنه ثعبان ضخم يتخذ له كهفا في آعلي سفح الجبل ولا يظهر هذا الثعبان الا في اوقات محددة خاصة في منتصف الليالي المظلمة حين يعم الظلام الكثيف جميع ارجاء الجبل و المدينة و تضيف الاسطورة بان الثعبان يمتلك جوهرة كبيره بحجم بيضة النعام يحملها في فمه لتضئ له الطريق في ظلمات الليل و تساعده علي رؤية ما يرغب في اصطياده من حيوانات الجبل و حين يري الثعبان صيدا فانه يقوم بوضع الجوهرة علي الارض حتي يتثني له آفتراس صيده و هكذا يدور الثعبان طوال الليل حول ضوء الجوهرة الذي يجذب له الكثير من الحيوانات
تقول الآسطورة ان كثير من الآهالي حاول الحصول علي الجوهرة بطرق شتي ولكنهم فشلوا في ذلك و كان كل من يقترب من الجوهرة يلقي هتفه و يصبح لقمة صائغة للثعبان وقد فشلت كل المحاولات في الحصول علي الجوهرة ولكن آحد الكجرة يسمي بليله فانه قد حضر الي المدينة و عندما سمع بقصة الجوهرة فقام ببناء بيت له جوار الجبل و خطط سرا للحصول علي الجوهره حتي تثني له ذلك فقد قام في احد الليالي المظلمة بطلاء جسده بالطين و طلع الي اعلي الجبل وهو يحمل قلة صغيرة مطلية بالطين من خارجها وقام الكجور بالاختفاء بالقرب من احد الصخور منذ المساء الباكر حتي منتصف الليل حيث ظهر الثعبان و انتظر الكجور بليله حتي قام الثعبان بوضع الجوهرة علي الارض لاصطياد فريسته ووقتها قام بليله بغطاء الجوهرة بالقلة التي يحملها معه فاظلم الجبل و لم يستطيع الثعبان الرؤية في الظلام فتخبط يمينا ويسارا حتي اغشي عليه و مات و ظل الكجور بليله جالسا في مكانه حتي آصبح الصبح و عندما تآكد من موت الثعبان حمل القلة و بداخلها الجوهرة و ذهب الي بيته اسفل الجبل و من يومها يقوم الكجور بليله باخراج الجوهرة كل ما اظلم الليل و يتجمع الاهالي حول نورها و يمارسون العابهم الشعبيه حتي منتصف الليل هكذا آصبح نور الجوهرة سببا لان يجتمع الاهالي كل ليلة وآصبح الكجور بليله مشهورا في كل ارجاء مناطق جبال النوبة وآصبح اهالي المدينة يكنون له احترام خاصا ففي فترة الحكم الانجليزي كان الانجليز يعون تماما الدور الروحي الذي يمارسه الكجرة في مناطق جبال النوبة و لذلك كانوا كثيرا ما يتفادون الوقوع في احتكاك مع الكجرة في الوقت الذي مثل فيه الكجرة رآس الرمح في كل الثورات و مباركة التمرد علي السلطة الاستعمارية مما جلب عليهم كثير من سخط المستعمر ولم يكن الكجور بليله بمعزل عن ما يدور حوله من حراك وتمرد وان دوره الريادي في مباركة المقاتلين و ممارسة طقوس الاعداد للحرب كان كل ذلك يجعل من دوره دورا كبيرا لا يمكن التنازل عنه وحينما فطن الانجليز لدور الكجرة التحريضي و التعبوي للمتمردين فقد قامت السلطة بالانتقام من الكجور بليله والذي اوشي به احد اتباعه و بمكان احتفاظه بالجوهره حيث قامت سلطات الانجليز بمصادرة الجوهرة و اعتبرتها احد ممتلكات تاج المملكة البريطانيه العظمي وتم ترحيل الجوهرة من المدينة الي الخرطوم و من ثم احيطت بالسرية التامه الي ان تم ترحليها الي بريطانيا الي القصر الملكي وهكذا لم تنتهي الاسطورة بفقدان الجوهرة و لكنها بقيت عالقه في العقل الجمعي اسطورة خالده يعيشها اهالي المدينة كل يوم حين مرورهم بالقرب من جبل بليله الذي اضحي احد معالم المدينة البارزة التي لا تخطئها العين
| |
|
|
|
|
|
|
Re: المدينة الخلاسية ... سيرة مدينة .. (Re: حافظ البشاري)
|
حـجـر النار اسطورة الجبل الناري
جغرافية المدينة تجعلها موقعا مميزا وفريدا وتساهم الطبيعة الجبلية المحيطة بالمدينة في خلق هالة من الخصوصية و الغموض المخيف ففي ليالي الصيف القمرية ينعكس الضوء الحالم علي سلسلة الجبال المحيطة بالمدينة و من ثم يرتد الضوء منعكسا علي مساحات واسعة من المدينة شاملا بضيائه الفضي كل البراحات و الفضاءات فليالي المدينة القمرية اشبه بنهاراتها الصيفية اما في فصل الخريف فان ليالي المدينة هالكه الظلام فالجبال تغطي اي احتمال للضوء وتراكم سحب الخريف الكثيفه تحجب اي ضوء ممكن و تزيد من اضفاء حاله من التوتر والتوجس في قلوب وافئدة سكان المدينة كما ان بروق الليل وصواقعه الداوية التي ترددها اصداء جبال المدينة مجسمة صوت الصواقع كحالة سمعيه فريده تدغدق اذان السامعين و تخلق حالة من الخوف و الذعر وتجعل من ليل المدينة ليل طويل ملئ بالآرق و الهواجس يخشي آهل المدينة فصل الخريف و موسم تساقط الامطار خشيه النساك والمتصوفه لربهم فاسباب الخشيه مدعاة للايمان والتفكر والتقرب بفعل الخير والبعد عن الشر تقربا من الذات العليه فالخريف برعوده و صواعقه الداويه يرتبط في اذهان كثير من سكان المدينه بابعاده الاسطورية التي سيجت عقل آهل المدينة الجمعي منذ زمن بعيد فآضحي موسم نزول الامطار هاجسا يدغدق ذاكرة الكثيرين و يذكرهم بقدرة الآلهة علي العطاء فتخضر المزارع والجباريك وتحيا الارض بعد مواتها و تجري مياه الامطار غاسله معها كل خطايا القلوب و ادران الصيف
كان اهل المدينة في سابق ماضيهم القديم يؤمنون بان صواقع الخريف تصيب في مقتل كل من هو مخطئ في حق الآخرين وخاصة اللصوص و من يعتدون علي حقوق الآخرين فلذلك كانوا يحلفون بالصواقع ويعتقدون بانها مرسلة من الالهه لمعاقبة اللصوص والمخطئين لذلك كان كل من سرق شيئا او حازه بغير حق فانه يقوم برميه في الساحات العامه و في طرقات المدينة قبيل نزول الامطار و من ثم توضع كل المسروقات في منزل كجور المدينة ليتعرف عليها اصحابها
كان آهل المدينة في عهودهم السابقه يخشون الليالي المظلمة بسسب اعتقاد اسطوري بانها ليالي مشئومة تجلب معها الشر فهي نزير شؤم بان شرا ما يحيق باهل المدينة في الايام القادمة لذا كان الاهالي يقومون بممارسة طقوس سبر النار لابعاد الارواح الشريرة التي تجد في الليالي الحالكه متسعا و براحا للانطلاق لالحاق الاذي بالجميع فيخرج الجميع اطفالا و نساءا و رجالا الي الساحات العامة في المدينة ويقومون باشعال النار وتلازم طقوس سبر النار الادعية الروحية و التوسلات بان ترفع الالهة الضيم عن اهل المدينة وان تزيل البلاء المحيق بهم و ان تبعد الشر و الارواح الشريرة عنهم
هكذا كان اهل المدينة يقاومون اظلام الطبيعة بالادعية و التهجد الي زمن قريب و الي حين ان شهدت المدينة تطورا واصبحت الكهرباء و مولداتها متاحة في جزء كبير من المدينة تضيئ طرقاتها العامه و تضيئ ليالي الظلام الحالكة ولم يتبقي من خلود الاسطورة سوي جبلا شامخا في اقصي المدينة الشمالي الغربي مازال يطلق عليه اهل المدينة حجر النار اي جبل النار و الذي كان الاهالي يقيمون طقوس سبر النار في اطرافه و بفعل التحديث و الانارة ذهبت طقوس سبر النار الي قاع الظلام و بقي جبل النار شاهقا و خالدا و شاهدا علي الاسطورة في الذاكرة الجمعية لانسان المدينة في تمددها الاسطورة
| |
|
|
|
|
|
|
|