في الليل تكون الوحدة قاسية ، جربتها ، تقلبت في فراشي تقلبا مريبا .. ولفني السكون وانتاشتني الرهبة .. لا أحد من حولي ، ولا أنيس ، حتى ان يكون طيفا .. والليل طويل وساعاته تمر ببطء قاتل ..والكآبة تتكوم في كل الاتجاهات .. حين طلقتها كانت حبلى .. كنت أظنها تضيق بالحب ، كأنه لجام يجبرها على السكون والاستسلام .. كنت أجدها رتيبة في الفراش ، وفي العناق وفي الأحلام .. لاتحلم بحياة الحب ولا تستجيب لنزواته. وأنا ، كنت أتصور حبيبة غارقة في العناق والقبل تشتهي عذب الحديث ورصانة الكلمات .. كلما أرهفت لها السمع صعّرت لي خدها ، كلما قرأت لها الشعر والحكاوي صدّت عني .. لا تريد أن تسمعني حتى لوحملت إليها ما أحسبه يسعدها تتضجر من هداياي ، وتضيق من حلو الحديث قلت لها مرة : أو تحبينني ؟ قالت : بلى والله ، ومن غيرك جدير بحبي ؟ سألتها : أتغشاك الغيرة أحيانا ؟ بحلقت في وجهي ولم ترد .. ثم استدارت وابتعدت قرأت لها عنترة وامرؤ القيس وكثير عزة ومجنون ليلى ونزار قباني وفاروق جويدة وباقتضاب شديد قالت : هذه دواوين للأدب وليست للحب .. ألم تقرأ النقد ؟ وأنا عاشق متيم تأكلني نيران الحب وتغرقني أنهاره .. أجوب أطراف البيت وأذرعه جيئة وذهابا وهي تجلس ببرود أمام التلفاز أو تقرأ كتابا أو صحيفة أو تحادث أحدا في الهاتف.. بدت لي كجزيرة باردة امتلكتها وحدي وكتب علي أن أقضي فيها بقية عمري.. إذن أنا لا أحس برفقتها ،ولا يأتيني منها إلا الإحساس بالبرد والفتور والإضمحلال .. عشية افتراقنا ، كان الأمر عاديا وكأنه تم التخطيط له منذ زمان طويل .. أو كقدر محتوم لا مفر منه .. كنت كالميت لا يقدر على البكاء من الموت .. ويعرف تماما أنه لا يوجد في الدنيا من يرده إلى الحياة ..لا بل أين هي الحياة ؟ هل كان ذلك الشيء الذي نعيشه حياة ؟ جمعت أشياءها وغادرت بيتنا في تمام العصر بوجه لم أتمكن من قراءته .. كانت تعابيره أقل من عادية .. كانت في حالة لا تدعو للأسى ولا التعاسة ولا السرور .. لم تعد إلى هذا المكان من بعد .. ولم أعد أهتم بها .. وحين حل المساء آويت إلى فراشنا تلمست إلى جانبي ولم أجدها فأحسست أن المكان أصبح اكثر دفئا .. أو هكذا خيّل إلي .. الآن أنا وحيد هنا ، حتى الشياطين خرجت من دارنا ولم تعد .. كأنها قضت وطرها بافتراقنا .. أعاني الوحدة والصمت ، وأمارس الرتابة والأرق ،لكن هاتفا يقول لي لست وحدك ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة