|
مقال في صحف اليوم : نداء عاجل إلي رئيس الجمهورية
|
Quote: مقال صحيفة : السوداني الثلاثاء : 06 أكتوبر 2009
نداء عاجل من مواطن مغترب إلي رئيس الجمهورية:
من أصعب الأشياء التي تواجه المواطنين في حياتهم هي عدم إعتراف الدولة بكفائاتهم إلا أن يكونوا من أشد المواليين أو من أشد الخصوم كما هو الحال اليوم في السودان , فمن يرفع السلاح يتفاوض معه الجميع , وتقام له الندوات والمؤتمرات , وتستقطبه وسائل الإعلام المختلفة ويحتضنه الغرب ويصبح أكثر شهرة من "نجم سينمائي" في لمح البصر , وعلي النقيض الآخر لابد للشخص أن يكون مواليآ إلي أقصي درجات الموالاة حتي لا يلقي من المعاناة ما يلقاه المواطن الضعيف .
لكن حديثي هذا ليس عن تلك الفئات التي هي إما "مع حتي النهاية" أو "ضد حتي النهاية" , فتلك الفئات قد تملكت من أمرها ولا تحتاج إلي من يتحدث بالإنابة عنها , ولكن حديثي هو عن أهل الهامش من المثقفين والمتعلمين من أهل هذا البلد الطيب , الذين قد يكونوا قد هاجروا خارج البلاد وعادوا للعيش فيها بدافع الشوق والحنين للوطن , متحصنين بالشهادات العليا والإستنارة الفياضة والعبقرية التي لا تضاهى والعلم الغزير المتدفق والمعرفة الثرة والنبوغ والندرة والمعرفة بأنواعها .
فهؤلاء عندما ياتون من الخارج لكي تستفيد البلاد من طاقاتهم وخبراتهم ومؤهلاتهم , ليست المشكلة فقط لديهم في ألا ترحب بهم البلاد (بعد طول غياب) , بل المشكلة في جوهرها هي أن يضيق لهم في رزقهم , ويمنعوا من المناصب التي يستحقونها , والتي تؤهلهم بها شهاداتهم وخبراتهم العلمية خير تأهيل , وتركن تلك الخبرات النادرة في حجرة مظلمة , ممنوع الإقتراب منها أو التصوير .
وإنها لخسارة كبيرة وعظيمة في حق هذا الوطن المعطاه سيدي الرئيس وأنتم تنادون (ليل نهار) تلكم الخبرات السودانية بأن تعود الي أرض الوطن , وقد كانت تلك الخبرات السودانية في الخارج يفرش لها البساط الأحمر والأحمدي , وتفتح لأصحابها جميع الأبواب والنوافذ , ولا يخطون خطوة إلا وحالفهم الحظ فيها , بينما يأتون للسودان ويجدون أن جميع الأبواب موصدة في وجوههم , حتي لا يجد المرء بديلآ سوي إما أن يعيش ذليلآ في بلده , أو يضطر أن يعود أدراجه من حيث أتي , ليعيش معززآ مكرمآ كما كان , فقد أصبح كل شيئ (في السودان) بالواسطات وليس بالشهادات أو الكفاءات سيدي الرئيس .
من الناحية الأخري أتحدث عن فئات أيضآ من المهمشين (ولكن في الداخل) , فهؤلاء النوابغ الذين سهروا الأيام والليالي في الدراسة وطلب العلم في بلادهم حتي تخرجوا من الجامعات وعملوا في القطاعات العامة بأنواعها المختلفة , وتدرجوا في المناصب وأصبحوا يعيلون أسرآ وعوائلآ , فجأة يجدون أنفسهم إما أن أحيلوا للمعاش الإجباري أو ما يسمي بالصالح العام , نعم يفصلون من أعمالهم هكذا إما بسبب الإختلاف , وإما للإضطرار لإعطاء مناصبهم لإناس آخرين فقط لإرضائهم .
وهنالك فئة أخري تغلق الأبواب في وجوهها منذ تخرجها من الجامعات , فلا تجد عملآ هنا أو هناك , ربما لعدم الولاء , عدم الإنتماء , عدم الإهتمام بالسياسة ... ألخ , فتضطر هي الأخري إلي ترك البلاد بما فيها والهروب للخارج , وتفقد بذلك البلاد كفاءات شابة كان من الأحري الإستفادة البناءة منها , فلن تبني البلاد إلا بسواعد أبنائها .
في رأيي المتواضع سيدي الرئيس أن الكثير من المناصب (خاصة العليا منها) في البلاد أصبحت تعطي لأشخاص لا يستحقونها إطلاقآ (وأنت أدري مني بذلك) , فأصبحت المناصب توزع وتقسم فقط لإرضاء شرائح معينة من المجتمع بغض النظر عن مدي كفائاتها أو خبراتها , وقد لمسنا ذلك في الأخطاء الكثيرة التي أصبحنا نسمع بها ونراها يوميآ من تقصير وتسيب مستمر للمسؤلين في أداء واجباتهم وعدم تحمل أيآ منهم للمسؤلية .
هذه هي المشكلة التي دعتني أن أكتب إليك سيدي الرئيس , فأنا أتحدث بلسان الكثيرين من خيرة أبناء هذا الوطن الذين إضطروا إما أن يهاجروا قسرآ منه , قدموا إليه ولم يجدوا إلا تضييق في أرزاقهم , أو الذين يريدون العودة الي السودان ولكن يعلمون علم اليقين أن كفاءاتهم ومؤهلاتهم لن تلقي أي صدي (داخل البلاد) برغم أنها تجد صدي كبير وواسع جدآ حيث هم الآن .
فلن يشعر هؤلاء بلذة البقاء خارج الوطن إن وجدوا فرصة للإعتراف بكفائاتهم وضمان عدم التضييق لهم في أرزاقهم في ذلك البلد الشاسع الذي من المفترض أن يسع الجميع , ولا يفوتني أن أذكر أن هنالك الكثيرين من السودانيين خارج السودان يعترف بخبراتهم ويستشهد بكفائاتهم وتقدم لهم الجوائز وتلهث خلفهم الشركات وتقام لهم الإحتفالات , وتعطي لهم الوسامات ويقابلهم الملوك والرؤساء وتحتضنهم تلك الدول وترعاهم لا لشيئ سوي لنبوغهم وعبقريتهم وعلمهم الساهب الغزير , وعندما يأتون إلي السودان لا يقام لهم أدني تعبير ولا يعترف بشهاداتهم ومقدراتهم وإمكانياتهم وحتي لا توجد لجنة أصلآ لتقييم مثل هؤلاء . فماذا أنت قائلآ يا سيادة الرئيس ؟؟؟
أشرف مجاهد مصطفي صحفي ومهندس- بريطانيا
|
|
|
|
|
|
|