|
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. (Re: حبيب نورة)
|
الطريق الترابي الذي تندلق على جانبيه سجادتين طويلتين من نضير العشب، كانت تتخلله بعض البرك المتقطعة كسبيلٍ مفتوحٍ من الماء، كان وقفاً طبيعياً لعابر طريقٍ ما. قطعان من الأبقار بدت صعبة المراس، وحشيةُ، بقرونها الناتئة الحادة ، وأجسامها الرشيقة، وخوارها غير المرحب بصوت العربة المتعبة. كان بضعةٌ من الرعاة كانوا يحملون عصياً ومِدىً وحراباً، وكأنهم يستعدون لقتالٍ مع مجهولٍ ذو شرٍ مستطير. فازدادت كثافة العشب والأشجار تبعاً لذلك. ت باينت واختلفت، فمنها ما كان يعانق السماء، ومنها ما جثى على ركبتيه حتى كاد أن يتكوم على الثرى. تشاهد الرجال الذين كانوا يعتلون جوالات وصناديق البضاعة، وقد دبت في أجسادهم العافية، وكأنهم أدركوا صنعاء بعد طول سفر. أما في قمرة القيادة، فغالباً ما كان يجلس أحد الأعيان أو التجار الموسرين مجاوراً لود اللحو، وهو يعبث بأزرار البوق النحاسي الثلاثي بمهارةٍ، ويعزف الألحان شجية حنينة، فيخرج بعض الأهالي والنساء والأطفال من بيوتٍ بدائيةٍ مخروطية الشكل، صنعت من الحطب والقش، يسددون نظراتهم مستكشفين، فالعربة قد أصبحت مشارف المدينة الكبيرة التي كانوا يقصدونها. تنظر لهؤلاء البشر وهم يظهرون فجأةً على جانبي الطريق الوعر. كانت نظراتهم تتخشب وهم يلقونها على العربة المنهكة من طول المسير ووعثاء السفر. كانت أجسادهم مصقولة شبه عارية، على السواءِ، رجال ونساء. فتبرز الأفخاذ والصدور والنحور تلتمع في ضوء الشمس، دون أن يجدوا حرجاً في سترها، فيشويها الرجال الذين كانوا يعتلون العربة بنظراتٍ شبقة، وينصرفون إلى غيرها عجِلين. كانت تتخلل الطريق بعض نقاط التفتيش التي كان يشرف عليها في أغلب الأحوال أحد الضباط الإنجليز، وعدد من الجنود السودانيين، ولكن الأمر كان يتم بسهولةٍ ويُسر. أصبح الطريق أكثر خطورةً ووعراً من ذي قبل، وكانت العربة تئن وتطقطق مفاصلها بشدة، وكان الطريق ينحدر بغتةً وكأنه يتجه إلى هوة سحيقة، ويرتفع بعد ذلك متخذاً شكلاً لولبياً، فتجد نفسك تمضي في شبه استدارة، حتى تكاد تعود القهقرى، وبعد ذلك يصحو من إغماءه فيأخذ مساراً مستقيماً، وكانت العربة المتعبة تترنح وتكحّ لكثرةِ ما تقيأت من دخانٍ كان يصحبها ويتناثر حولها كسحابةٍ سوداء قاتمة.
نواصل ...
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | حبيب نورة | 11-23-14, 05:08 AM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | حبيب نورة | 11-23-14, 05:09 AM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | حبيب نورة | 11-23-14, 05:12 AM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | حبيب نورة | 11-23-14, 05:14 AM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | حبيب نورة | 11-23-14, 05:16 AM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | حبيب نورة | 11-23-14, 05:17 AM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | حبيب نورة | 11-23-14, 05:19 AM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | حبيب نورة | 11-23-14, 05:21 AM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | حبيب نورة | 11-23-14, 05:22 AM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | حبيب نورة | 11-23-14, 05:23 AM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | عبدالحفيظ ابوسن | 11-23-14, 05:45 AM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | حبيب نورة | 11-23-14, 05:55 AM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | خالد عبد الله محمود | 11-23-14, 06:21 AM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | علي عبدالوهاب عثمان | 11-23-14, 07:19 AM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | حبيب نورة | 11-23-14, 05:30 PM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | حبيب نورة | 11-23-14, 05:26 PM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | مهند الجيلي بادي | 11-23-14, 09:24 AM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | حبيب نورة | 11-23-14, 05:33 PM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | سيف اليزل سعد عمر | 11-23-14, 06:10 PM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | علي دفع الله | 11-23-14, 07:30 PM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | عبدالبديع عثمان | 11-23-14, 08:01 PM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | عبيد الطيب | 11-24-14, 05:49 AM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | حبيب نورة | 11-26-14, 09:43 PM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | حبيب نورة | 11-26-14, 09:36 PM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | حبيب نورة | 11-26-14, 09:31 PM |
Re: صندوق الزوادة .. حكايات السواقين. | حبيب نورة | 11-26-14, 09:29 PM |
|
|
|