|
Re: وقفات مع الجوانب الروحية والعقلية للتصوف (Re: mwahib idriss)
|
الإشراق والعقل
وإذا كان التصوف يعد ثورة روحية في الإسلام تتضمن عدة جوانب روحية كالفناء والإشراق والوجد والتوكل على الله؛ فإنه لم يغفل إعمال العقل وتدبره عن طريق فهم تعاليم الإسلام والوعي التام به، وإدراك حث القرآن الكريم على التقوى، ولنا أن نفرق دوماً بين لغتي التصوف الإسلامي الواردة في كافة نصوص المتصوفة وهي لغة الظاهر ولغة الباطن وخير دليل على تلك اللغتين كتابي الفتوحات المكية وفصوص الحكم لابن عربي. بجانب منهج المحاسبي في التصوف الذي عني بالمنطق والتحليل، وسعة الإدراك بين الأسباب ومسبباتها في تطور الحياة الروحية، وكذلك تحليله لأسس العبادة.
يقول: "أساس العبادة الورع وأساس الورع التقوى، وأساس التقوى محاسبة النفس، وأساس المحاسبة الخوف والرجاء، والخوف والرجاء يرجعان إلى العلم بالوعد والوعيد، وفهم الوعد والوعيد يرجع إلى تذكر الجزاء، وتذكر الجزاء يرجع إلى الفكر والاعتبار". ويشير الدكتور أبو العلا عفيفي إلى أن الإمام المحاسبي عرف بهذا اللقب نظراً لطريقته في إخضاع الأعمال والأفكار للنقد والاختبار لمعرفة مدى صدقها ومراعاتها لحقوق الله، وتقتضي هذه الطريقة البحث عن معقولية اللعلم، كما تتضمن البحث في ماهية الإيمان والمعرفة.
إذا تحدثنا عن الجوانب العقلية في التراث الصوفي الإسلامي فإن الرمز يعد أحد هذه الجوانب الأكثر حضوراً في نصوص المتصوفة، بل إن الرمز يمثل أحد أبرز السمات المميزة للتصوف الإسلامي، ولطالما عبَّر الصوفيون عن أذواقهم وتجاربهم الروحية عن طريق التلميح دون التصريح، والإشارة دون ذكر العبارة، أو استخدام لغة مغايرة لما يستعمله العوام من مفردات كاشفة، وأحياناً كثيرة يلجأ الصوفي إلى استعمال اللغة الرمزية الأكثر خصوصية هرباً من الفهم الضيق وفقر التأوي الذي يعاني منه بعض متلقي النص الصوفي، وكانت مشكلة المتصوفة أن نصوصهم تتطلب قدراً عالياً من امتلاك اللغة ودلالة مفرداتها لدى المريدين والمتلقيين من ناحية، وامتلاكهم ذائقة تمكنهم من الإحساس بالنص وصاحبه من ناحية أخرى. وربما أصاب مؤرخو التصوف الإسلامي حينما أشاروا إلى أن استخدام الصوفي للغة الرمزية جاء مناسباً للتعبير عن المواجيد والأحوال والمقامات التي لا تناسبها لغة اعتيادية كاجذب والاصطلاء والمحبة والوجد المطلق والفناء، في نفس الوقت الذي أشاروا فيه إلى أن استعمال الرمز قُصِدَ به الإشارة إلى حقائق روحية، وهذه اللغة الرمزية قد نالت من الصوفيين كثيراً حتى ألصق ببعضهم تهم الزندقة والخروج عن الدين.
لا يقتصر الجانب العقلي في التصوف بالبدهي على عالم المحسوسات وهو الملمح الأكثر شيوعاً عند فلاسفة اليونان ورجال المنطق الأرسطي خاصة، لكن عمل العقل لدى الصوفيين هو حراك ديدني لا يتوقف في الأمور الباطنية الروحية التي تصل بهم أو تساعدهم في الوصول إلى يقين للمعرفة، والمعرفة عندهم هو شهود للذوق والوجدان، وفي ظل الحديث عن العقل في التصوف الإسلامي نجد سجالاً واضحاً ومساجلات تزخر بها الكتب التي تناولت عن التصوف والتي تتحدث عن المعرفة وهي تتأرجح بين القلب والعقل، حتى خلصوا جميعاً إلى نتيجة مفادها أن القلب اسم جامع يتضمن العقل وعمله وتدبره وأن القلب لطيفة ربانية غير مادية يدرك بها الإنسان الحقيقة الوجودية، وميز الصوفيون وهم بصدد تناول طرائق القلب والعقل في الوصول إلى المعرفة واليقين حينما سموا إدراك العقل علماً وإدراك القلب معرفة وذوقاً وأطلقوا على صاحب الطريق الأول عالماً، بينما أطلقوا على صاحب الطريق الآخر عارفاً.
|
|
|
|
|
|
|
|
|