|
مآلات الحزب الواحد وتداعياته الأخيرة
|
لقد اشتغل رموز الحزب العربي الواحد وقادته (القائد لكلّ ما في الدولة من بشر وحجر وشجر) في كل شيء إلا بجوهر قضيّتهم الأساسيّة "المركزيّة" التي اجتمعوا حولها، وانتظموا في هياكلها، وتشكّلوا من أجل تحقيقها وهي قضايا التحرّر والتحرير وبناء الدولة التقدّميّة القويّة.
وبالنتيجة، فقد بنت تلك الأحزاب الشموليّة مواقع سياسيّة قويّة متقدّمة ومكاسب اجتماعيّة ومنافع اقتصاديّة ذاتيّة وشخصيّة لقادتها ورموزها ونخبها، وحتّى للمدافعين عنها، من غير المنظمّين فيها، على حساب إضعاف مؤسّسات الدولة الوطنيّة ذاتها، والتي كانت تقدّم نفسها للشعب على خلفيّة أنّها "دولة اجتماعيّة" مركزيّة، وريعيّة بالتعبير الاقتصادي، تشرف مباشرة على تأمين احتياجات أفراد مجتمعاتها ومتطلباتهم من الخبز إلى أعلى الهرم المعيشي، ومنع الإضرار بـ"الفرد-المواطن!" كما كانوا يزعمون...
وهكذا وبصورة فجائية، (ولكنّها في العمق تراكميّة غير منظورة تكّدست عبر عقود من سوء الممارسة وفساد الإدارة وهيمنة العقليّة الفرديّة) وجدت هذه الدولة "الريعيّة" نفسها عاجزة تقريباً عن ممارسة دورها الرعويّ الوصائي، وغير قادرة على القيام بواجبها (ووظيفتها الاجتماعية) الرئيسة التي بنيت عليها تجاه مواطنيها (رعاياها) (القاصرين!) بعد أن تعهّدت بحمايتهم والاهتمام الكامل بشؤونهم وتأمين متطلبات وجودهم وعيشهم البشري الأساسي؛ أي بعد أن قدّمت نفسها لهم كالأمّ الحنون، كما كانت تفعل في السابق، وتلك نتيجة طبيعيّة لسوء إدارة الموارد والثروات، واستنزافها الجائر على غير صعيد، وتفشّي الفساد والنهب الواسع المنظّم، ووضع استراتيجيّات تنمويّة فاشلة مكلفة بلا غايات ولا مستقبل مأمون، واستقطاب استثمارات بذخيّة ادخاريّة استهلاكيّة طفيليّة، ساهمت بدفع عجلة الاقتصاد الوطني قدماً إلى الوراء على طريقة الصعود إلى الهاوية...
بهذا المعنى، يمكن أن نعتبر أنّ الأحزاب العربيّة التي استفردت لوحدها بسدّة القيادة العليا للدولة والمجتمع وموقعها، هي المسؤولة الأولى والرئيسة عن مجمل هذه الحصيلة الرثّة والمكلفة الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة العامة التي لحقت بتلك المجتمعات العربية، خاصة وأنّ كل شيء حدث وتحرّك، وتمّ تحت نظرها وإشرافها ورعايتها، وبناءً على أوامرها وتوصياتها وأفكارها ورؤيتها وخططها وبرامجها التي تبنّاها رموزها ووقعوا عليها، حتى أنّه لم يعيّن مدير عام أو رئيس دائرة أو مسؤول صغير أو كبير كانت توجد تحت إشرافه ميزانيّة صغيرة أو كبيرة، إلاّ بمعرفة (وموافقة ومصادقة وإمضاء) رموز تلك العقليّة الحزبيّة، طيلة عقود من الزمان.
http://www.mominoun.com/arabic/ar-sa/articles/%D9%85%D9%82%D...m_campaign=hootsuite
|
|
|
|
|
|