|
|
|
Re: في سؤال العقل في الفكر السوداني(1-3).حيدر ابراهيم علي (Re: د.محمد بابكر)
|
Quote: في سؤال العقل في الفكر السوداني(2-3)
ثالثا: سوف اعوّل كثيرا علي تقديم الأخ(خالد)لنفسه بقوله:-” إن من يبدأ في تحرير رد مكتوب ومنشور في المواقع المختلفة علي كتاب علمي يعالج موضوعا هاما وحيويا يطعن في صميم عقيدة المسلمين لا شك يعترف مبدءا وضمنا بحرية التفكير والتعبير، فأنا لم أجرد سلاحا، أو أسير جيشا أو أمتشق حساما أو أبتدر عنفا من أجل نقد و تفنيد بعض المزاعم و الأفكار الجوهرية التي تضمنها الكتاب، بل عمدت الي يراعي متوسلا بالكلمة والحجة”.ثم يضيف:-” وتحرير هذا الرد إلا إعتراف صريح بهذا الحق، لأن الحوار الفكري الديمقراطي وحرية التعبير والتفكير ، فضلا عن أنها حق إنساني فهي السبيل الوحيد للتطور الحضاري وبناء الأمم والتقدم الإنساني. وهذا المبدأ يتسق مع خياري الفقهي القائم علي أن الردة الفكرية لا تبرر العقوبة والحد، إلا أن يكون المرتد محاربا أو مقاتلا بالقوة المادية الغاشمة والمسلحة، وهذا يقع في باب الجنايات و الحرابة أكثر من الردة”.
ساجعل من هذا الموقف مدخلا للتساؤل ومناقشة حدود حرية التفكير في الاسلام وفي السودان.وقد يتعدي ذلك الكتاب ونقاشه،ولكن لابد ان يثير هذه القضايا مع صدور مثل كتاب محمد احمد محمود.من الواضح أن الكتاب قد بذل فيه جهدا علميا نادرا بغض النظر عن موضوعه.ومع ذلك يمكن الاختلاف حول كثير من النتائج والفرضيات،ولكن هذا لا يقدح في صدقية الكاتب وتعامله العلمي مع مصادره وتحليله.وهذه نقطة رأيت وجوب الانطلاق منها،فحتي لو كان المرء ملحدا أو زنديقا أو ضالا أو ماسونيا،هذا لا يعني –بالضرورة-أنه غير قادر علي استعمال عقله وعلي التفكير العلمي السليم.ولسوء حظنا ،لو تأملنا العلماء والمفكرين والنوابغ والعباقرة في العالم،لوجدناهم –كلهم أو أغلبهم- من الملاحدة والكفار والزنادقة ويكاد ينعدم المسلمون من بينهم.ولو كان التدين والايمان شرطا للنبوغ والابداع والمعرفة،لكانت للمسلمين الغلبة في جائزة(نوبل)بينما عدد المسلمين الحائزين عليها لا يتعدون اصابع اليد الواحدة(يعيش أغلبهم خارج العالم الإسلامي).
هذا توضيح استباقي لكي لا يكون الالحاد أو الزندقة أو الضلالة سببا سهلا لعدم التعامل مع الكتاب بجدية وعمق.خاصة ونحن نتعامل مع الملحد وكأنه شخص معاق مثلا.وقد يكون دمغ انسان ما،بالالحاد مبررا كافيا لعدم مناقشته أو تجاهله أو التعامل معه بدونية.وهناك فهم خاطئ للقول:-”كنتم خير أمة أخرجت للناس”.إذ يظن أي مسلم أمي أنه احسن من(اينشتاين)أو (بيل قيتس)في الفهم،بحكم كونه مسلما.وهذا ممكن في ميزان الايمان وفي الآخرة،ولكن هنا-في الحياة الدنيا- توجد مواصفات اخري.قصدت عدم خلط بين معايير التقييم في ميادين العلم والمعرفة،ومجال الكفر والايمان.
كما أن هذه فرصة لتأكيد بدهيات الديمقراطية المخفية ولا نذكرها.وهي أنها ليست حق الاغلبية لان حق الاغلبية محفوظ بحكم كونها اغلبية ولكن الديمقراطية هي حق الاقلية في التعبير عن نفسها والا تتضرر بسبب كونها أقل عددا.
رابعا: قبل الدخول في تصنيف الأخ(خالد)للدراسة،وقبل تأرخة الكتاب وتحديد نسبه الفكري؛ يبرز سؤال ذو شقين:هل من الواجب مع هذا التطور العلمي الهائل أن يلجأ المسلم بصورة كاملة للعقل في اثبات صحة الدين؟وما هو المدى الذي يسمح به للمسلم أو العائش في مجتمع مسلم لنقد الدين؟ولا يمثل الكتاب عند المقعب اضافة جديدة،فهو يستعرض مصائر ومالآت الذين حاولوا “ترسيخ منهج نقد الأديان ونزع القداسة عن الدين من أجل الإنتصار للمنهح العقلي ودراسات التاريخ الحديث ففشلوا ، حيث قوبلت هذه الإتجاهات بمقاومة علمية قوية تصدي لها نخبة من العلماء بدعوي أن هذا النهج هو هدم صريح للإسلام، ونشط من هؤلاء محمود محمد شاكر والعقاد وغيرهما. ويذكر كتاب “أصول الحكم” للشيخ علي عبدالرازق، وكتاب الدكتور طه حسين في “الشعر الجاهلي” من العلامات المبكرة في هذا المسار خاصة. وبعد معركة صاخبة اضطر الي الإعتذار وإعادة طباعة الكتاب تحت عنوان في “الأدب الجاهلي” بعد أن نسخ منه مواضع الجدل والخلاف. وترد في السياق مساهمات صادق جلال العظم،وحسين مروة، محمد أركون، و سيد القمني، وفرج فودة،وجمال البنا، نصر حامد أبوزيد الذين نادوا بنزع القداسة عن الدين واخضاعه لمناهج النظر العقلي.وهذا السجل لا يدعم قضية الحرية الفكرية بين المعاصرين،بل علي العكس تماما،بينما يؤكد قول(محمد احمد محمود):-”فتحولات الاستنارة ومناهج النظر العقلاني الحديث اصطدمت بمقاومة شديدة في البلاد الإسلامية عندما يتعلق الأمر باخضاع الإسلام لهذه المناهج”.كما يكتب:-”الأزمة العميقة المستفحلة الراهنة في شرط الحرية الفكرية والاكاديمية التي تعيشها بلاد العالم الاسلامي،عندما يتعلق الأمر ببحث الإسلام والنظر في قضاياه”.
ليس صحيحا –كما ذكر (خالد) أن بعض هذه الكتابات قد تمت مواجهتها علميا وفكريا حتي النهاية –فقد لجأت المؤسسة الدينية والكتاب الإسلامويين،وقوي الإسلام السياسي؛إلي حسم الأمر قضائيا وادرايا.ولم تحارب الفكرة بفكرة مثلها بسبب سيادة الارهاب الفكري.وهذه سجل مخجل ياأخ خالد كان الأجدر بك أن تخفيه إذا أردت –فعلا وصدقا-أن تدافع عن حرية الفكر بين المسلمين المعاصرين.تصور خلال قرن كامل أن يصدر أقل من عشر كتب منشورة تحاول-باستيحاء-لنقد قضايا ذات صلة بالدين.وكل هذه الكتب المذكورة لم يتعرض أحد من مؤلفيها لموضوع الله أو الالحاد مباشرة.ولكن سدنة الدين الجدد،رغم هذا الحياء الفكري والحذر،قدموا فهمهم وتأويلاتهم المغرضين لهذه الكتب،وعرضوها اعلاميا بطريقة تثير الغرائز وليس العقل والفكر.بل وصلوا بها لساحات المحاكم.
يمكن القول بأن المسلمين قد عاشوا الخمسة قرون الاخيرة خارج التاريخ.إذ لم يشاركوا في انجازات البشرية منذ القرن السادس عشر وحتي اليوم.وهذه العصور المظلمة التي تجاوزتها أوربا بعد عصر التنوير والثورة الصناعية وصعود البورجوازية.ولا يعود ذلك لكونهم مسلمين ولكنهم لأنهم عطلوا عقولهم ورفضوا حرية التفكير وأغلقوا حتي باب الاجتهاد.فقد أحاط الفكر الإسلامي بعض القضايا والميادين البحثية بسياج من التحريم بينما هي تمثل أكثر الموضوعات الانسانية والاجتماعية أهمية وحيوية.فقد جري قول شبه دارج يؤكد وجود ثلاثة محرمات(تابوهات)هي:الجنس،والسياسة،والدين.وهي –كما نلاحظ – تدور حول أصل الحياة:-المتعة والنظام والمعنى.ومن هنا تجنب أو ابتعد المفكرون عموما ، عن الولوج في دراسة الدين.وبقي السؤال الديني معتما،ومهملا عمدا.ماعدا محاولات كلاسيكية قليلة لامست السؤال بحذر،وركزت علي قضايا هي أقرب الي هامش السؤال من متنه.وكل ذلك،مجرد حيل لتجنب الغوص في موضوعات عميقة وحساسة ذات علاقة بالدين،وبالتالي ملامسة المحرمات.ويري كثير من الباحثين أن عليهم أن يسد الباب الذي يأتي منه الريح ويستريح.و اصبحت تأتي من نقاش الدين كثيرا من الرياح فهناك شيوخ اقاموا “محاكم تفتيش” اسلامية.وقد فسروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علي هواهم.فقد قرروا ان هدفهم يجب ان يكون حرب العقل والشك والتساؤل، ووجدوا في الكتابة والفكر والفنون كثيرا من المنكرات والمحرمات والاخطار علي سلامة الدين.وذلك لأنها من أهم ادوات التنوير والحداثة،والتي لابد أن تتجرأ علي المستقر والمحافظ والتقاليد،وتهز الوثوقيات والمطلقات.بينما الشيوخ في دعواتهم يطلبون ايمان العجائز والذي لا يشك ولا يتساءل.وانتشرت قضايا “الحسبة” حيث يقوم بعض المحامين الاصوليين بالتبرع برفع قضايا ضد الكتاب والمفكرين والفنانين،تحت دعوى أن نتاجهم يمس عقائد المسلمين ويستفز مشاعرهم الدينية.ونشر اصحاب الحسبة قدرا كبيرا من الارهاب الفكري وتخويف المبدعين.وللمفارقة،اصبح كثير من المبدعين يستبق النتائج، فينصب نفسه رقيبا ذاتيا ويرسم لنفسه الحدود.وافتقد الفكر والفن أهم شروط ازدهارهما،وهي الحرية كحاضنة طبيعية لنمو الابداع.في مثل هذه الاجواء تصبح ادعاءات الحرية الفكرية مدعاة للضحك والسخرية.ويقول(فضل الرحمن)عن حق:-” لابد أن نلاحظ بأن المسلم يظل متخلفا،خاصة في حقل الفكر البحت،أو الثقافوية الفلسفية.وليس من قبيل الصدف ألا تعرف الحداثة الاسلامية أي طالب جادّ للفلسفة في طول العالم الاسلامي وعرضه،يمكن الافتخار به سوي محمد إقبال”.(الاسلام وضرورة التحديث.بيروت،دار الساقي،1993:110).
لكي يتأكد لأي شخص صحة خروج المسلمين عن التاريخ أن يتابع نشرات الأخبار اليومية.فكل هذا الدم المسفوك يوميا إما أن يكون دم مسلم أو سفكه مسلم.في سوريا والعراق واليمن وتونس وليبيا والصومال ومالي ونيجريا والفيلبين وبورما وطبعا افغانستان وباكستان.ألا يحق للآخر الشعور بالاسلاموفوبيا؟وتحتكر صفة”المسلم”-بغض النظر عن درجة الاعتدال أو التطرف هذه الاخبار الارهابية.فالاخبار تكتفي بالقول مثلا:-”قام انتحاري مسلم بتفحير نفسه امام مبني…”وتنتهي الجمله بلا صفات أو تصنفيات.ولا توجد ممارسات ايجابية تمسح هذه الصورة السالبة.فلا نسمع أو نشاهد أن مخرجا مسلما حاز علي الاوسكارأو فيلمه علي السعفة الذهبية،ولا عن سبّاحة مسلمة سجلت رقما اولمبيا جديدا،ولا عن لاعبة تنس قطرية أو سعودية فازت بكأس دورة الدوحة للسيدات الذي تقيمه(قطر)نفسها.ولا عن فيزيائي أو كيميائي أو اقتصادي مسلم فاز بجائزة(نوبل)لهذا العام.بالمناسبة،حتي جوائز الملك فيصل في الطب والعلوم تذهب لغير المسلمين.لابد لنا ان نعيد النظر في أنفسنا وفي موضعنا الحقيقي لا المتوهم،في حركة التقدم الإنساني.
(نواصل) |
| |

|
|
|
|
|
|
|
Re: في سؤال العقل في الفكر السوداني(1-3).حيدر ابراهيم علي (Re: د.محمد بابكر)
|
Quote: في سؤال العقل في الفكر السوداني (3-3)
خامسا: يحاول (خالد) اثبات هزيمة دعاة الفكر النقدي بادوات علمية، فيصل الي استنتاجات تبدو وكأنها ذات أرضية علمية لأنها لجأت للأرقام والاحصائيات.وهذا مايسمي "وهم الارقام" أو الارهاب بالارقام باعطائها سلطة حسم الجدل.فهو بدعوى العقلانية يكتب:- "ولعل نتيجة هذا الجهد الثقافي والعلمي في تحقير الدين في حياة المسلمين أصبحت مخيبة لآمال العقلانيين، وأدت الي نتائج عكسية تماما، حيث إزدادت وتيرة التدين بصورة كاسحة في المجتمعات الإسلامية والعربية ،مما أنعكس علي جوهر عملية الحراك السياسي والديمقراطي الراهن في المنطقة، وارتفعت معدلات انتشار الدين الإسلامي بصورة غير مسبوقة ليصبح الديانة الثانية في العالم من حيث عدد معتنقيه وأسرع الديانات إنتشارا في العالم، بل أصبح هوية ثقافية وحضارية لكثير من الشعوب، حيث وصلت نسبة من يعتنقونه حسب آخر إحصاء 19.8% من جملة سكان العالم".وفي موضع آخر يري ان الكتاب لا يشكل خطرا:- "لأنه أعاد إنتاج المزاعم الإلحادية القديمة بالطعن في حقانية النبوة المحمدية و ماهية الدين في حياة الناس، وضرورة تجاوز الدين وتحقيره في حياة البشر بدعوي العقلانية، وستتصدي لدعوي هذا الكتاب مراصد الوعي والحداثة الدينية، ومواطن التدين التقليدية القوية في العالمين العربي والإسلامي مما يجعل صوت من ينادون بمنهجه ويتبنون أفكاره بدعوي الإستنارة والعقلانية يتوارون حرجا وخجلا من مواجهة الجماهير الهادرة دون تخويف أو حجر بل بطريقة ديمقراطية شفافة وعادلة، طالما كانت الديمقراطية هي الخضوع لرأي الأغلبية دون مصادرة لحق الأقلية". اتوقف قليلا لمجاراة الأخ (خالد) في منطق اثبات التدين بالأرقام .ففي عدد يوم 11 مايو2013 من "الاهرام العربي"ملفا كاملا عن انتشار ظاهرة الالحاد في مصر. وقد استعانت المجلة بأرقام من مصادرعلمية أجنبية موثوقة مثل معهد(قالوب).والأهم من ذلك،أليس من المثير للدهشة أن تنشر مثل هذا التقرير اصدارة عربية في بلد يحكمه حزب اسلامي؟وهذا أمر شديد الدلالة في التعامل مع قدسية الدين والمحرمات.فقد أعلن المعهد في استطلاع لقياس الرأي، وهو الذي يجري مثل هذه القياسات في140بلدا،أن عدد الملحدين في مصر زاد بصورة كبيرة.وقد قدرها استشاري الطب النفسي(ماهر صموئيل)بحوالي 2مليون ملحد. ثم مارأي الأخ(خالد موسي)في التقرير الذي نشرته صحيفة(الموجز)المصرية يوم 6مايو 2013 في الصفحة16 والذي يستهل بالقول:-" رغم أن النظام الحاكم في مصر محسوب علي التيار الديني إلا أن الفترة الماضية شهدت تزايدا في اعداد الملحدين المصريين خاصة بين الشباب سواء بالنسبة للدين الإسلامي أو المسيحي حتي أن كثيرا منهم أصبح يعبر عن نفسه صراحة علي شبكة الانترنت بعدما أصبح لهؤلاء الملحدين منتديات وصفحات خاصة بهم يعبرون من خلالها عن آرائهم".وورد في التقرير أنه تم عقد اجتماعات سرية بين ممثلين من الازهر والكنيسة من أجل إعداد خطة لمواحهة هذا الفكر الالحادي. وفي نفس السياق،تقول المصادر سابقة الذكر،في احصائيات عن الالحاد والتدين تنفي وهم أن بلادنا محصنة من الالحاد رغم شدة التدين الظاهري.ففي عام1900 كان91% من الملحدين يعيشون في أوربا،وبقية العالم9% فقط.ولكن في سنة2000 صارت نسبة الملحدين في أوربا 15% فقط،بينما يعيش85% في بقية العالم.وهذا يدحض اسطورة الغرب واوربا المادية المنحلة.كما أن نسبة الملحدين في العالم سنة1900 كانت1% من سكان العالم،وصارت في عام2000نحو 15% من البشر أي قرابة مليار شخص.وهذا يجعل الالحاد أكثر الديانات نموا في القرن العشرين.(راجع التقرير سابق الذكر).ولا يتوقف نموهم عند الحد الكمي بل لاحظت التطور الحادث في افكارهم ونشاطهم "الدعوي؟".ولديهم في السنوات الاخيرة عدد من المفكرين والكتاب،والي جانب الانترنت رفدوا المكتبة الورقية باصدارات هامة.فقد حصلت في زيارتي العام الماضي لاوربا علي كتابين في غاية الاهمية والتشويق،الأولي(The Portable Atheist-Essential Readings for Nonbeliever)وهي تحرير(Christopher Hitchens) والكتاب في 499صفحة عن دار(Da Capo Press) أما الثاني،فقد كان من الكتب الأكثر مبيعا لعام2012 عنوانه(Religion for Atheist)ومؤلفه(Allain de Botton)وصدرت له طبعة عن(Penguin)رخيصة الثمن9.99 أقل من عشرةجنيهات.وله عنوان فرعي لطيف ومغري(A none-believer’s guide to the uses of religion )والشاهد ان الالحاد لم يعد مجرد موضة رفض.فقد صدر"مانيفستو الالحاد" أو"البيان الالحادي"مثلما صدر من قبل"البيان الشيوعي".فاصدر الفرنسي(Michal Onfray)ما ترجم الي الانجليزية(Atheist Manifesto:The Case against Christianity,Judaism and Islam)وذلك عام2007وفي نسخة اخري(In defense of Atheism)وقد وزع فور صدوره200 الف نسخة. اعود لأخطر ما في رد(خالد) السابق أي الحجاج بالقياس الكمي في التعامل مع ظاهرة روحية هي الدين.فهو يستعمل معايير مادية تبرع فيها الامم المتحدة في قياس النمو،لكي يدعم الدين(غير المادي).فقد كنت أظن أن التدين تعبر عن نموه انتشار القيم السامية وتمام مكارم الاخلاق،والتي تتفوق علي اي رقم.وبالمناسبة كيف يفسر هذه الزيادة الهائلة في اعداد المتدينين مع زيادة معدلات الجريمة والانحراف بل صارت الدول الإسلامية هي الاولي حسب "مؤشرات التحرش الجنسي".وفي السودان تمت أكبر عملية نصب ديني في التاريخ.وقبل فترة،كتب أحد منظريّ المشروع الحضاري،مدللا علي نجاح المشروع بزيادة عدد المساجد.ولكن لم بتطرق لزيادات-في نفس الفترات- لنسبة أطفال المايقوما، ولانتشار المخدرات في دور التعليم،والزواج العرفي،ولاغتصاب الاطفال،واختلاسات المال العام،والغش والتزوير..الخ.وذهب بي الخيال لكي اتصور في مجتمع المدينة عندما جاءت الرسالة النبوية،لو لجأ "الكفار"للاحصائيات لاثبات قلة عدد المسلمين كدليل ضعف أو لاصدقية إسلام .وذلك لانه لم يجذب اناسا كثر وسجل نسبة احصائية عالية. وفي النهاية ،يعلم(خالد)أن لسنا امام قضايا سياسية انتخابية تحتاج للجماهيرية والحشد،بل قضايا فكر، وتأمل،وروح.قد تتبني عقيدة ما فئة قليلة ولكن تغلب فئة كبيرة بسبب رجحان ميزان العقل والارادة(الصبر).ونحن اصحاب الآيات الكريمة وليس النسب المئوية:"وكم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة باذن الله والله مع الصابرين".(البقرة:249).وفي آية اخري:-" إن يكون منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وأن يكن منكم مائة يغلبوا الفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون".(الانفال:65).أتمني أن يدقق ويحدد الاخ(خالد)منهجه بحسم والا ينجر مع توفيقية مهلكة.فهو تارة(ابن تيمية)واخري(اوغست كونت). سادسا: من الخطأ إدراج الكتاب في زكيبة الكتابات النقدية او الليبرالية؛والتي اقحم فيها المعقب جميع الاسماء المبتكرة بدءا من طه حسين وعلي عبدالرازق حتي أركون وأبوزيد وجمال البنا.وهذا الجمع حكم تعسفي وغير دقيق ولا يجمع بينهم غير بغض وكراهية الإسلامويين لهم! فهناك اختلافات كبيرة في ميدان الاهتمام الدقيق، والمفاهيم، والفرضيات، و اللغة ،وبالتأكيد الغايات النهائية.وما يجمع بين هؤلاء مقصد وظيفي وليس علميا أو فكريا؛أعني الدعوة لتجديد الفكر الديني واطلاق حرية التفكير بين المسلمين.لذلك فكتاب(محمد احمد محمود)لا يدخل في أي من الفئات والتصنيفات التي اوردها المعقب،رغم الحشر القسري المستمر فيها.إذ يقع هذا الكتاب ضمن مدرسة تعيد قراءة السيرة النبوية أو النبوة،تاريخيا وانسانيا(انثروبولوجيا).وهذا يجعل السيرة نسبية وبشرية،وبالتالي يدخل الدارس في صراع أو تناقض ظاهري مع فكرة المتعالي والمطلق.ويقول (خالد) أن موضوع النبوة والنظر في السيرة قديم،رغم أن بعض الاكاديميين يرفض صفة القدم لان طريقة أو مناهج كتابته ستكون جديدة بالضرورة بحكم ظرف او زمن الكتابة.فالاهتمام قديم ولكن النعالجات جديدة.واعتقد أن المدخل لهذا القديم-المتجدد،هو محاولة الإجابة عن حاجة البشرية لانبياء مع اسقاط الحاضر علي الماضي.فيري الكثيرون أن ختم النبوة دليل علي اكتمال العقل الانساني وعدم حاجته لها. ويري(محمد اقبال):-" أن النبوّة في الإسلام لتبلغ كمالها الاخير في إدراك الحاجة إلي إلغاء النبوّة نفسها.وهو أمر ينطوي علي إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمدا الي الابد علي مقود يقاد منه،وأن الإنسان،لكي يحصّل كمال معرفته لنفسه ينبغي أن يترك ليعتمد في النهاية علي وسائله هو".(تجديد الفكر الديني في الإسلام.ترجمة عباس محمود.القاهرة،2010،ص179).وكان (ابن الراوندي)يري بأن العقل يكفي وحده أو هو قادر علي معرفة الخير والشر،فلا مدعاة لإرسال الرسل،إذ يقول:-"أن العقل أعظم نعم الله سبحانه علي خلقه،وإنه هو الذي يُعرف به الرب ونعمه ومن اجله صح الأمر والنهي والترغيب والترهيب.فإن كان الرسول يأتي مؤكدا لما فيه من التحسين والتقبيح والايجاب والحظر فساقط عنّا النظر في حجته واجابة دعوته،إذ غنينا بما في العقل عنه؛والإرسال علي هذا الوجه خطأ".(عبدالرحمن بدوي:تاريخ الالحاد في الإسلام.القاهرة،دار سينا،1993:95).قد لا تكون هناك علاقة شرطية بين النبوّة والعقل،فقد كان الناس يطلبون من الرسول "معجزة"وليس برهانا عقليا لدعم رسالته. يمكن أن ينسب كتاب"نبوة محمد" بالفعل ضمن اجتهادات(مونتقمري واط ) خاصة كتابيّ:محمد في مكة، ومحمد في المدينة(جملة اعتراضية ضرورية:بالمناسبة للمستشرق القس هذا كان له شرف مدنا برئيس هيئة علماء السودان:محمد عثمان مجمد صالح،الذي يقوم بصرف صكوك الكفر والايمان في السودان.فقد اشرف عليه في رسالتيّ الماجستير والدكتوراة!!).كذلك كتاب(مكسيم رودنسون):محمد،باعتبار الكتابين من كلاسيكيات هذا النوع من السيرة.ولكن في العربية ظهرت كتابات هامة،مثل:الإسلام بين الرسالة والتاريخ لمؤلفه عبدالمجيد الشرفي(دار الطليعة،بيروت،2001)وهشام جعيط:في السيرة النبوية-1(بيروت،1999).ومعروف الرصافي:كتاب الشخصية المحمدية أو حل اللغز المقدس(منشورات الجمل،2002).وهناك كتاب:علي مبروك- النبوّة .وعبدالهادي عبدالرحمن :جذور القوة الإسلامية.هذا وقد أشرف الاكاديمي التونسي (الشرفي)علي عدد من الاطروحات في نفس المدرسة ،بالاضافة لتأسيس سلسلة الإسلام واحدا ومتعددا و:"معالم الحداثة". وقد اصدرت(رابطة العقلانيين العرب) عددا من الكتابات في نفس الاتجاه.وهناك قول مأثور يفسر تنامي هذا التوجه في نظرة جديدة للسيرة والنبوّة:-"إن الله ينطق العلماء في كل زمان بما يشاكل أهل هذا الزمان". سابعا:- تقود الملاحظة السابقة الي ما كتبه(خالد موسي) عن التجاوز،وبالغ لدرجة الحديث عن(فلسفتة التجاوز)و(مانيفستو تجاوز الاديان) .رغم أنه يفترض في أي فلسفة أن تطرح فكرة أساسية(concept)ومصطلحاتها،ومؤسسيها،وتياراتها ومدارسها.وهذا ما لم يقدمه أو يشير اليه المعقب.فهو يتحدث في الحقيقة- حسب ما اورد- عن اتجاه أو نزعة فقط في نقد الدين،وليس فلسفة.ولكن استخدام كلمة "تجاوز" –عند خالد-يقصد به الايحاء بالالغاء أو الأبعاد،وهذه تهمة في العالم الإسلامي بينما هي واقع في الغرب انتجه التاريخ والتقدم العلمي.إذ لم يعد الدين قادرا علي تلبية كل الحاجات الروحية والعقلية والنفسية المستجدة بعد الثورة الصناعية.لذلك ،لم يكن غريبا أن يتوقع المفكرون والفلاسفة وعلماء الاجتماع، نهاية الدين في المرحلة الوضعية(دوركايم،اوغست كونت)،وأن يتجرأ(نيتشة)ويكتب عن موت الإله.فقد قدم الفكر الاوربي نظريات جديدة هزت أعمدة الدين وثوابته.إذ كان علي الفكر الديني مقارعة نظرية التطور(الدارونية)،والماركسية،والتحليل النفسي(فرويدية).ولكن اهمال الدين في أوربا لم يكن بسبب معارك فكرية أي لم تكن الحرب بين العقول بل علي الارض في المصانع، وعلاقات الانتاج، والصراع الطبقي، وبسبب الهجرة للمدن،ونمو الأسرة الصغيرة كبديل للأسرة الممتدة، وتقلص السلطة الأبوية،بالاضافة للفردية والانسية.وبالمناسبة،لا يعني تجاوز الدين –بالضرورة- احلال دين جديد أو اصلاح الدين القديم وتجديده،بل قد يعني رفضه أو حتي هدمه.فناقد الدين لا يقوم-حتما- بمهمة المبشر أو الداعية لدين جديد أو مذهب أخر.ولهذا لا معني بوصم الناقد بأنه يريد تجاوز الدين أوهدمه،فقد يكون هذا هو الهدف الاصيل للنقد.وقد أراد المفكرون الاوربيون فعلا:-"قتل النبوة في ذاكرة المسيحيين وعقولهم وافئدتهم" بعد تغير الواقع والحياة.ولكن المشكلة في العالم الإسلامي أن الواقع راكد، ومتخلف اقتصاديا وتقنيا ، ولذلك تجد جميع محاولات"التجاوز"الصعوبات والاضطهاد الفكري.وهذا سبب الاغتراب لدي اصحاب المحاولات، لأن "الاغلبية" راضية بعقلها وايمانها وترفض التشويش والازعاج في النوم العقلي.وقد تقبل هذه المجتمعات ب:"الالحاد الاجتماعي أو الاخلاقي" أو العلمانية الاجتماعية ولكن تقف بشدة ضد الالحاد أو العلمنة الفكرية أو العقلية.وعلي سبيل المثال،قد تتساهل بلداننا في بيع وتوزيع الخمور أو حركة الدعارة السرية والعلنية.ولكن تتشدد سلطات هذه البلدان في ملاحقة كتاب ناقد للدين أو تعليق يرفض الدستور الإسلامي أو تطبيق الشريعة مثلا. ثامنا:لابد لي قرب النهاية أن اتساءل مجددا:هل يمكن اخضاع الدين للدراسة العلمية الموضوعية ،رغم ما قلته عن اختلاف طبيعة العلم والدين ،وذلك بالتركيز علي جانب كونه ظاهرة اجتماعية وانسانية؟ أم يظل الدين متعاليا(transcendental)وبالتالي لا يخضع للدراسة المنهجية والعلم والعقل ثم تحتكره علوم اللاهوت فقط؟وقد اختار(محمد احمد محمود) بشجاعة وجرأة المغامرة الأولي ،ولم يخضع لأي ابتزاز بل افتدي كل المفكرين بشق الطرق الخطرة.فقد اختار"انسنة"موضوع الدين من خلال اخضاع النبوة والسيرة لمناهج وطرائق بشرية تقوم علي التساؤل والشك والتأويل واعادة قراءة النصوص. من زاوية علم اجتماع الدين يري(جيرتز)(Geertz)أن هدف اي دراسة منهجية للدين،يجب أن تكون –ليس دراسة الافكار والأفعال والمؤسسات فقط-ولكن عليها أن تحدد كيف وبأي طريقة يمكن لأفكار بعينها أو أفعال أو مؤسسات،يمكن أن تستمر أو تفشل أو حتي تعوق العقيدة الدينية؟وهذا يعني أن نفرق بين الاتجاه الديني نحو التجربة،ونوع الجهاز الاجتماعي الذي استطاع خلال فترة من الزمن،وفي المكان ،أن يرتبط بهذا الاتجاه.وفي هذه الحالة،ماذا يحدث للعقيدة حين تتغير ادواتها أو ماكينتها؟ومن المعروف أن أي عقيدة تكرس نفسها في هذا العالم(المحسوس)من خلال اشكالها الرمزية والترتيبات والتنظيمات الاجتماعية.وفي هذه الحالة تنزل من الأعلي الي الناس علي الارض،وبالتالي تصبح جزءا من صراعاتهم وطموحاتهم وخيرهم وشرهم. هذه هي الوضعية والموقف التاريخي الذي كتب فيه(محمد أحمد محمود)عن النبوّة وعقب عليه(خالد موسى دفع الله)،كل منهما قدم لنا الجزء الذي ادركه من فيل الحكمة الهندية المعروفة. فالعقيدة الإسلامية لم تعد ذات رموز في عصر العلم والعولمة، قادرة علي منح نفس عنفوان الروح وحدها.كما أن ادواتها وماكينتها الاحتماعية لم تعد في ذات الفعالية والكفاءة السابقة.وهنا يقوم الأول بالنقد وحتي الهدم-لو أمكن،ويحاول الثاني وضع المتاريس واكياس الرمل لوقف الفيضان.وفي هذه الحالة تحاول العقيدة الاستنجاد بالاصول وان تصلح بما صلح به السلف.والخيار الآخر ان تجدد العقيدة نفسها، وهذا طريق صعب علي أي عقيدة مطلقة التفكير وتؤمن بأنها صالحة لكل زمان ومكان،ألا يتناقض التراجع والتجديد مع هذا اليقين الذي يميز هذه العقيدة من غيرها.واظننا نتذكر من قرر قطعيا: (A reformed religion is not a religion) وذلك لسبب بسيط هو أن الدين المُصلّح أو المعدل حرك اصولا(fundamentals)يفترض فيها الثبات والاطلاقية،لأنها من عندالله.وهذا هو الفرق بين الدين من جهة،وبين العلم والفسلفة وغيرها من الابداعات البشرية. اخيرا،وفي النهاية،وعلي المستوي الشخصي البحت لابد من شكر الاخوين(محمد وخالد) لفتح هذا الحوار الذي استطاع أن يخرجني من العالم السفلي للسياسة السودانية الأقرب لجحيم (دانتي) في الكوميديا الإلهية.واحمد لهما أن أعادا لي مزاجي للكتابة مرة أخري ولكن في ما ينفع الناس.فقد آليت علي نفسي عدم الولوج في الكتابة السياسوية السودانية التي ترفض –بعناد -العقلانية والعقل.وتصر علي أن تكون من اساطير الأولين، ومضرة بالعقل والروح مثل التدخين.أو أن تكون من صميم فكر اللامعقول مكتسبة صفة السيريالية السياسية السودانية منافسة لاعتي المدارس الفنية.ففي الابتعاد عنها،فن من اقتصاد الحياة أي عدم تبذير السنوات المتبقية من العمر وهي في الأصل"علاوة عمر" – وليس من المرتب الأساس -فيجب ترشيدها.وهذا رشد جاء متأخرا تجنبا لسوء الخاتمة في مستنقعات السياسة السودانية. وللجميع كثير الود المستحق.
حيدر ابراهيم علي |
| |

|
|
|
|
|
|
|