|
Re: مناولة 2 (Re: بله محمد الفاضل)
|
الغزاة شوقي عبد الأمير العدد 51 - أيلول 2012
حبيبتي
الليلةَ أتسلَّقُ أعلى قمّةٍ
في الجبال المحيطة بنا
أُشعل قمصاني وأرديتي
وألوِّح بها للقُرى والثغورِ النائية
ليصعدَ كلُّ من يراني
إلى الجبالِ والتلال القريبة،
ومَن في البيوتِ
إلى السطوحِ والشرفاتِ
وليُشعلوا نيرانَهم بما لديهم من أرديةٍ وأخشاب
وإنْ لم يَجِدوا
فتلك التي في الأسرَّةِ
كما في التوابيت،
وليرفعوا مشاعِلَهم
ليرى القاصي والداني؛
أنَّ الغزاةَ قادمون
وهم يزحفون كالرمال
التي تُوشك أن تَبتلع
القرى والمدنَ والشواطئ
لن يُوقفَ زحفَها بشرٌ أو حجرْ
لا غابات النخيل والكالبتوز العالية
ولا حقول القمحِ واللوزِ والرمَّانِ الخفيضة.
حبيبتي،
الرمالُ تزحفُ
تتسلَّقُ الهضابَ والأبراجَ
تعلو واجهاتِ البيوتِ والعمائر
تدخل الغرفَ والشرفات
تملأ الأسرَّةَ والكتبَ والأقداح
وتَنْدسُّ في بَتَلاتِ الأزهار وأجفانِ الأسحار،
في أحضانِ الليالي، وفي أحشاءِ الدقائق.
أولاءِ هُم الغزاة يا حبيبتي
يتسلَّلونَ من كلِّ حدبٍ وصَوبْ
ومن كلِّ صمتٍ وصوتْ
إلى الأرحامِ والأجنّةِ
ليُوهِموا العذارى قبل الأمّهات
أنهم أبناءُ الآلهة وورثتُها المُصطَفون
رضعوا من أثداءِ القِبابِ والمنائر
إكسيرَ الحقيقة
فاستحقّوا أن يَقتسموا ليالينا وظلالَنا كالخبزِ اليابسِ
وأن يُشهِروا سَغبَنا المضيءَ
على المنابرِ وفي الأسواق والحارات
أمامَ السابلةِ لكي ينحنوا لهم.
أراهُم كلَّ مساءٍ يعرجون إلى سمائهم
بلا أجنحةٍ ولا براهين
يدكّون مَقاصفنا ونُزُهاتِنا بخيول أسلافِهم
الملائكةُ والشياطينُ والأنبياءُ والأولياءُ
يُسدِّدونَ خُطاهُم ويُباركونَ سيوفَهم المسلولة
حبيبتي
سماؤهم ليستْ كسمائنا
سماؤنا خفيضةٌ
في صَبواتِ الوجدِ وذُرواتِ الشهقات
نكادُ أن نلمسَها
أن نَخلط عراءَنا بأوشحتها اللازورديّة
كما يحدث أن أستعيرَ لانهائيتها
للنظرِ عميقاً في عينيكِ...
وسماؤهم شاهقةٌ لا تُدرَك بقانونٍ أو فيزياء
احتلّوها بتعاويذهم وطقوسهم
وأقاموا لهم جنائنَ
وضعوا فيها ما يَشتهون من أعنابٍ وخمرٍ ونساءٍ ووِلْدان
وأَضرمُوا لنا فيها نيراناً وأهوالاً.
أولاء يا حبيبتي
يعرفون أنَّ هذه الأرض،
أُمَّنا،
ليستْ مراياهم
ولهذا فهم يُعلِّقونَ على صفحةٍ في الغيبِ والماوراء
صُورَ أبطالِهم ومآثرَ وقائعهم
كما نَفعلُ على جدرانِ البيوت
وفي دفاترِ العشق.
أُولاء استوثنوا الماضيَ
ونَحروا الحاضرَ على مذبحهِ،
لا تخفاهُم الأغاني،
لا القصائد ولا التهويمات،
لكنهم استباحوا الساحاتِ والميادينَ
يَحشدون فيها الملايينَ من الموتى والأحياء
فلا فرقَ بينَهم لديهم
لأنّهم تأبَّطوا العدمَ في أحزمتِهم الناسفة
كما تتأبَّطينَ مئزركِ الأزرقَ
وأنتِ تَخرجينَ من الحمّام
طقسُهم الوحيد شمسٌ مُرجأةٌ يدهنونَ بمَرْهمها
الأرواحَ قبل الأجساد
وينتظرون ليلاً عظيماً يَقرعون له الطبول،
يُزلزلون المدنَ
ويَفْصُدون لهُ الجباهَ والأعناق
ليلهم يا حبيبتي
ليس كهذا الليلِ الخجولِ والمُرتبك
الليلِ الذي تَغسلُه الأنداءُ والدموعُ
وتَخترقُه النجيماتُ والأطيافُ
الليلِ الذي يُطوِّحُ به الشعراءُ والمفتونونَ والسهارى
أو ذاك الليلِ الذي نَلفُّهُ
بالشراشفِ والقُبلاتِ والقشعريرة...
ليلهُم يا حبيبتي ثُقبٌ أسود
طوفانُ رمادٍ بلا لهبٍ
ليست الكواكبُ والمجراتُ والنجومُ
إلا غباراً يتراقصُ في فضائه.
لا هديرُ الأنهارِ، لا زبدُ البحارِ، ولا أقواسُ القُزح
مفردات في قواميسهم
فهُم يُسطِّرونَ قصائدَهم وملاحمَهم
بشفراتِ السيوفِ ورائحةِ البارود
على هشيمِ الأجسادِ المتطاير
أولاء الغزاة قادمون وحسب.
أراهُم يخرجون مُلثّمينَ
من سراديب اللغةِ القديمة
مُعبَّأينَ بفُصوصِ الحِكَم والآيات
يُقايضونَا في أسواقهم السريّةِ والعلنيّة
بالفصولِ والجهاتِ والأعمار
لم يتركوا لنا في هذه المفازة
على الرموشِ وفي الراحاتِ وبين الشفاهِ
إلا الجمرات،
جمراتٍ وحدَها قِسْطُنا
ومساحةُ الألمِ التي استحالتْ وطناً أقصى
نُهرَعُ إليه مطرودينَ
لا من جِنانٍ
فليست لنا جنّات
ولا من خنادقَ وجبهاتٍ
فليست لنا جيوشٌ ولا ميليشيات
ولهذا فهُم يستعدُّونَ الآن لإقصائنا منّا
من شَدْونا ومَباهجنا
التي لم تزلْ تُومضُ في دَمِنا
شَراراتِها الأخيرة.
اختاروا النارَ يتوضّأون بها
ليعودوا طُهريّين أنقياءَ إلى نُطفتهم
فالأجسادُ أرديةٌ متَّسخةٌ
والجَمالُ ضَريحُ إلهةٍ مهجور
والشعرُ عَرقٌ يرشحُ من ذُبولِ الأرواحِ والأيّام
والليالي ينابيعُ مسمومةٌ يُرادُ ردمها.
أولاء الغزاة
لا يُشبهونَ برابرةَ العصورِ الغابرة
ليس لهم حاضرٌ لا غدٌ
وُلِدوا وكبُروا
كالديدانِ العظيمة في جبّانةِ ماضينا
بعدما تركناها قروناً
تحتَ أقدامِنا وعلى عتباتِ منازلنا
عَمَّرتْ بين ظُهرانينا
آخَتْ عَدمَها واستطالتْ برمالها
وهي تزحفُ اليومَ نحو كل اتجاه...
أولاء يا حبيبتي
لا أوطانَ لهم لا بلاد
اختارَ كلٌّ منهم مساحةً لا تتَّسعُ
إلا لـجُثّتهِ
واكتفى بها بلاداً
وهُم يحتشدونَ على أبوابِ النهايات
كالصغارِ في رياضِ الأطفال
تاركينَ لمنافينا وأسفارِنا
عودةً لُعِنتْ
ولصوامعنا مزامير رُسُلٍ انقرضتْ
ولأيامنا
أسرَّةً حُفِرتْ...
«الغاوون»، العدد 51، 1 أيلول 2012
https://www.facebook.com/profile.php?id=100004727681916
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-10-14, 08:44 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-10-14, 09:27 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-10-14, 09:38 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-10-14, 10:12 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-10-14, 10:16 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-10-14, 10:55 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-10-14, 11:23 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-10-14, 11:47 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-11-14, 09:45 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-11-14, 09:47 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-11-14, 10:20 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-11-14, 10:34 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-11-14, 10:50 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-11-14, 11:07 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-11-14, 02:42 PM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-12-14, 08:56 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-12-14, 09:02 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-12-14, 09:34 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-12-14, 10:43 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-12-14, 10:50 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-12-14, 11:05 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-14-14, 10:01 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-14-14, 11:14 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-17-14, 09:05 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-17-14, 10:32 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-17-14, 10:42 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-18-14, 08:24 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-24-14, 09:53 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-24-14, 10:05 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-24-14, 10:24 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 05-25-14, 09:45 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 06-15-14, 09:11 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 06-15-14, 10:44 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 06-18-14, 09:03 AM |
Re: مناولة 2 | بله محمد الفاضل | 06-21-14, 03:15 PM |
|
|
|